غنية الحكمانية
"آمن وفعّال" جرعتَا أمل لمأمونية وفاعلية حقنة التطعيم لكوفيد 19، كلمتان خفيفتان على مجرى اللسان ثقيلتان في ميزان صّحة الإنسان، فتهافتَ النَّاس على ما يدرأ عنهم مصيبة الموت كما يتهافت الفراش على ألسنة اللهب مظنة منه بإزاحة الظلام وانبلاج النور.
الأجساد غير المُلقّحة هي القنبلة الموقوتة ناقلة العدوى ومستودع السلالات الجديدة، فزاد التمسك بالممارسات السّلوكية الصحية كارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي والالتزام بالتدابير والإجراءات الصارمة كالإغلاقات وحظر التجوال؛ حمايةً من مضاعفات الكوفيد ومجابهةً لمتحوارته المتطورة وسلالاته المتعاقبة.
وللترويج لدعاية اللقاح جُنّد العاملون الصحيّون والرموز الثقافية والدينية في التسويق لنجاعة اللقاح وأهميته في تطهير الجسد من دنَس الفيروس المباغت، قبل تمكنّه من الوظائف الحيويّة في الجسم، أو يكون أقّل ضررا بعد تسللّه عبر منافذه الخاصة. مع توظيفٍ لحملات إعلامية وتوعوية واسعة النّطاق عبر موجات الأثير السّمعي والمرئي لجذب إصغاء جماهيري كبير، سواء خطابات في المنابر أو في المعابر. ويقول جوبلز رائد: " إن سرّ الدعاية المؤثرة، والفعالة لا يكمن في بياناتٍ تتناول آلاف الأشياء المتشعبة والمتنوعة، وإنما في التركيز على بضع حقائق فقط وتوجيه آذان الناس وعيونهم إليها بإلحاح وتكرار".
مع شنّ حملة شعواء على أصحاب الخرافات الشّائعة وناشري المعلومات المُضلّلة حول اللقاحات، واحتقار من ادّعى أنها نظرية مؤامرة مدسوسة، وأنّه عملٌ مخططٌ ومدبّرٌ حيكت خيوطه وحبكت قصته بواسطة قوى خفيّة كبرى. فالمؤامرة كما ذكرها دايفيد أيكه في كتابه "السر الأكبر"، حين قال: "تأتي عبر التلاعب بالأشخاص والأحداث لضمان تنفيذ البرنامج، وتأخذ أشكالاً ثلاثة: التواطؤ على استبعاد الأشخاص والمنظمات التي تهدد البرنامج، التواطؤ على إيصال الأشخاص الذين سينفذون البرنامج إلى مراكز القوة والسلطة، والتواطؤ على خلق الأحداث التي ستدفع النَّاس إلى طلب اعتماد البرنامج عبر منطق "مشكلة- رد فعل- حل"، كل هذه الأحداث غير المرتبطة ببعضها ظاهريا تصبح من أوجه الموامرة نفسها لتنفيذ البرنامج نفسه". ومنطق "مشكلة- رد فعل- حل" يقع ضمن استراتيجية "اصطناع المشاكل وتقديم الحلول" وهي من ضمن 10 استراتيجيات للتحكم في الشّعوب كما ذكرها نعوم تشومِسكي.
وتعدّدت أساليب التّلاعب بوعي الجماهير باستخدام خداع اللغة لمواراة سوءة اللقاح وتأكيد حسن الظنّ به، فكان الاختلاف حول مصطلح مناعة القطيع بدلا من المناعة المجتمعية فحظي المصطلح الآخر شرَف الانتقاء، ليكون أكثر تهذيبا وهنداما لحرمة الإنسان وكيانه، باعتبار أن القطيعَ مصطلح بيطري ولا يصحّ للبشر. ومشاهد تمثيلية مؤلمة لتساقط النّاس وتكدّس الجثث غير المحقونة باللقاح أو الرافضة للتطعيم، وتنافس الدّول في حجز اللوازم والمعدّات الطبيّة مبكّرا وصفقات السّوق السوداء في القرصنة عليها.
استفاقت الدّول بعد غفلة سقطت في وحْلها وتداركتْ أنه تدّخل في سياستها وتنازل عن سيادتها ونزع لاستقلاليتها لصالح منظمة الصحة العالمية التي سيصبح لاحقاً لها حقّ الولاية والوصاية على كل شيء في العالم والمرجع العالمي لمنظومة الصحة والمتحكم في أسلوب حياة البشرية. صحوة متأخرة ولكنها كافية لمواجهة الطّغيان المكشوف وكسر أجندة الشرّ.
انتهت مفاوضات منظمة الصحة العالمية بشأن معاهدة الأوبئة المستقبلية المزعومة دون التوصل إلى أيّ اتفاق، يعني تعثر الجهود المبذولة في سبيل إنجاح "حجة التأهب للأوبئة وتضمين الأمن البيولوجي" وفي كيفية الاستجابة لحالات الطوارئ المحتملة في وقوع أي وباء أو كوارث صحية أخرى. فمحاولاتهم الخبيثة باءت بالخسران، فما كان سيترتب على تلك المعاهدة الدولية من توظيفٍ لمؤسسات الدولة وحتى الاستعانة بقواتٍ دولية وفق بنودها مع فرض نشر اللقاحات والأدوية. فتلك البنود ظاهرها خدمة صحة الإنسان وتحسين كفاءته الجسدية، لكن باطنها إحكام السيطرة على البشر وفرض الرقابة وقمع التعبير عن الرأي وزيادة دائرة الإذلال والاستعباد، "وسهولة التحكم الكامل بوعي الأفراد وأجسادهم ووضعهم تحت المراقبة الدائمة وتوظيفهم كمادّة وأداوات لصالح السلطة الشمولية"، مقتبس لجورج أورويل في روايته 1984 التي ذكر فيها تأسيس عالم جديد وأنظمة سياسية قيد التكوين.
إنّ حماية الكرامة البشرية وحرمة الجسدَ هو ما نص عليه النظام الأساسي لسلطنة عُمان طبقًا للمادة 26 والتي تقضي أنه: "لا يجوز إجراء أي تجربة طبية أو علمية على أحد دون رضاه الحر"؛ فالإنسان "ليس حقل تجارب للعمليات الطبية أو الاكتشافات العلمية"، ومسألة إجبارية التلقيح والإكراه على التطعيم والمنع من حريّة الاختيار أو الرضا الحر مع عدم وجود ضمانات طبيّة تعد إعدامًا لإنسانيّة الإنسان وانتهاكًا لسلامته الجسدية وامتهانًا لكرامته البشرية، وهو ما يتنافى مع ما تنص عليه تلك المواثيق؛ فالضرر لا يُزال بالضرر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة يشهد إطلاق البرنامج القومي لتعزيز الخبز البلدي التمويني للوقاية من أنيميا نقص الحديد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، احتفالية إطلاق البرنامج القومي لتعزيز الخبز البلدي التمويني للوقاية من أنيميا نقص الحديد، وذلك بحضور الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، والدكتور طارق الهوبي، رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، والدكتور إبراهيم السجيني، رئيس جهاز حماية المستهلك، والدكتور جان بيير دومارجوري، الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي بمصر.
يأتي هذا البرنامج بالتعاون بين وزارة التموين والتجارة الداخلية، وبرنامج الأغذية العالمي، والهيئة القومية لسلامة الغذاء، والمعهد القومي للتغذية، والوكالة الألمانية للتعاون الدولي، في خطوة هامة لدعم الأمن الغذائي وتحسين الصحة العامة للمصريين.
وفي كلمته خلال الفعالية، أعرب الدكتور خالد عبدالغفار عن تقديره لجميع الجهات والمؤسسات التي ساهمت في إطلاق هذا البرنامج، مشيدًا بجهود وزارة التموين وقطاع المطاحن والمعهد القومي للتغذية، والهيئة القومية لسلامة الغذاء، بالإضافة إلى الدعم المستمر من برنامج الأغذية العالمي كشريك استراتيجي، مؤكدًا أن هذا المشروع يعكس نموذجًا ناجحًا للشراكة الفعالة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في مجال الغذاء والصحة.
وأشار عبدالغفار إلى أن البرنامج خطوة هامة ضمن جهود وزارة الصحة للوقاية من الأمراض، لافتا أن تدعيم الخبز البلدي بالحديد يمثل خطوة محورية في استراتيجية الدولة لمكافحة فقر الدم، لا سيما بين الفئات الأكثر عرضة مثل الأطفال والنساء، مضيفًا أن الخبز البلدي، كأحد المكونات الأساسية للنظام الغذائي المصري، يشكل وسيلة فعالة لتحسين مستوى الصحة العامة، وخفض تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بنقص الحديد، مما يسهم في تعزيز الإنتاجية الاقتصادية ودفع عجلة التنمية.
وأوضح أن المسح الصحي الذي تم في إطار مبادرات "100 مليون صحة" كشف أن 40% من المصريين يعانون من فقر الدم، مما يسبب انخفاضًا في الطاقة الإنتاجية للفرد ويمثل عبئًا اقتصاديًا على الدولة، مشددًا على أن مكافحة الأنيميا هي أحد المحاور الأساسية للخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للغذاء والتغذية.
وفي سياق متصل، دعا وزير الصحة إلى رفع الوعي المجتمعي حول مخاطر سوء التغذية، مثل السمنة، والأنيميا، والتقزم، مع التأكيد على ضرورة تكامل الجهود بين وزارات الصحة والتموين والمالية لتدعيم الخبز بمزيد من العناصر الغذائية، كما أشار إلى دراسة أجراها المعهد القومي للتغذية بشأن وضع ضوابط لاستهلاك السكر، بما يحقق التوازن الصحي والاقتصادي والاجتماعي، دون الإضرار بصحة المواطنين.
وفي ختام كلمته، أعرب الدكتور خالد عبدالغفار عن أمله في أن يحقق هذا البرنامج، ضمن خطة شاملة ومتكاملة، نقلة نوعية نحو القضاء على الأنيميا وفقر الدم، وأن يكون الغذاء أداة للوقاية من الأمراض، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.
من جانبه، أكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، أن رغيف الخبز البلدي المدعم يمثل ركيزة أساسية في النظام الغذائي المصري، وإدخال المغذيات الدقيقة عليه يعكس نهجًا استراتيجيًا يهدف إلى تحسين جودة الغذاء، والحد من المشكلات الصحية المرتبطة بنقص العناصر الغذائية الأساسية، لا سيما أنيميا نقص الحديد، لذلك حرصت وزارة التموين والتجارة الداخلية، بالتنسيق مع الشركاء المعنين، على تطوير هذا البرنامج استنادًا إلى رؤية علمية متكاملة، تشمل تحسين عمليات الإنتاج، وتطبيق نظم رقابة فعالة، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لضمان الجودة والكفاءة، بالإضافة إلى التعاون مع وزارة الصحة والسكان والمعهد القومي للتغذية، لضمان توافق البرنامج مع الاستراتيجيات الوطنية للصحة والتغذية، مع قيام الهيئة القومية لسلامة الغذاء بالإشراف على معايير الجودة لضمان تحقيق الأثر المرجو.
بدوره، أشار الدكتور جان بيير دومارجوري، الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي، إلى أن هذا البرنامج يعد تدخلًا حاسمًا، يساعد على منع واحدة من أكثر مشاكل الصحة العامة أهمية في البلاد وهو فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، هو أيضا نموذج يجسد التزام القيادة السياسية بتنفيذ حطط العمل، فضلا عن التعاون متعدد القطاعات، وهو أمر أساسي لرؤية استدامة هذه البرامج الوطنية، مشيرًا إلى أن تأثير سوء التغذية في مصر له عواقب ضارة على الصحة، والتحصيل العلمي، والإنتاجية الاقتصادية للسكان، حيث يكلف مصر ما يقرب من 20 مليار جنيه مصري، أي ما يعادل ما يقرب من 2٪ من الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، لذلك تأتي أهمية البرنامج القومي لتعزيز الخبز البلدي التمويني بالمغذيات الدقيقة الأساسية مثل الحديد، وحمض الفوليك، وتحقيق الاستفادة من خلال "خبز البلاد" المدعوم في إطار نظام الدعم الغذائي، يضمن الوصول إلى أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها لتلبية احتياجاتهم الغذائية بالإضافة إلى أمنهم الغذائي.
من جهته، أوضح الدكتور طارق الهوبي، رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، أن دور الهيئة لا يقتصر على الرقابة، بل يشمل وضع خطط لضمان تطبيق الاشتراطات الصحية للمنتج النهائي.
IMG-20250310-WA0047 IMG-20250310-WA0040