جريدة الرؤية العمانية:
2025-11-13@07:55:26 GMT

ولا تُسرِفُوا

تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT

ولا تُسرِفُوا

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

في صباي، كثيرًا ما كنتُ أتأثرُ بالقصة التي أسمعها عن بعض الصالحين في تاريخنا الإسلامي الذين كانوا يحملون جراب الطعام على ظهورهم وهم مُلثمين يقومون بتوزيع الطعام سرًا على الفقراء من أبناء المدينة التي يعيشون فيها، وكنتُ كثيرًا ما أُفكِّر بوسيلة لتقليدهم، ولكني كنت أعجزُ عن القيام بذلك لتغيُّر الواقع، فأمثال هذه القصص على الرغم من أثرها الكبير في النفس إلّا أن من المهم لمن يقوم بطرحها أن يربطها مع الواقع المعاصر، وينطلق منها لأمثلة واقعية يستطيع المستمع تنفيذها على أرض الواقع، بدلًا من أن تبقى في ذهنه دون أثر خارجي ملموس.

ولربما تكون من أهم الوسائل التي يمكن استغلالها في هذا العصر للقيام بذلك هو تطور البحث العلمي وأدوات القياس والإحصاء، وفي هذه العجالة سنتناول أحد هذه المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم وهو النهي عن الإسراف؛ ففي القرون السابقة ارتبط مفهوم الإسراف بالسلوك الشخصي للإنسان وشعوره بمعاناة الآخرين، فليس من القيم الأخلاقية أن تبيت شبعان وجارك جائع، وليس من الإنصاف أن ترمي طعامك في سلة المهملات وجارك وأسرته ناموا جياعًا. لكننا اليوم نُدرك ضرر الإسراف بصورة أكثر وضوحًا، وأن أثر الإسراف لا يقتصر على جارك الفقير الذي نام دون طعام فحسب؛ بل إن أثر إسرافك في الطعام يظهر على كرتنا الأرضية برمتها، وما فيها من نبات وحيوان وبشر وهواء وبحر وتراب.

فكميات الغذاء التي يتم إنتاجها في العالم تُعادل ضعف ما يحتاج إليه جميع البشر الذين تصل أعدادهم إلى حوالي 8 مليارات نسمة، لكن ورغم هذه الكميات الكبيرة من الإنتاج فإن ما يعادل 1% من سكان العالم لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وينامون وهم يتلوون من الجوع هم وأسرهم، ومقابل هؤلاء فهناك ما يعادل 40% من سكان العالم ينامون وهم مُتخمون من الطعام؛ بل وربما بعضهم يتناولون المهضمات تلو الأخرى حتى ينعموا بليلة نوم هانئة!

ولا يقتصر الأمر على ذلك فالمشكلة أكبر بكثير، فعلى الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بيننا وبين هؤلاء الجوعى، فإن سبب جوعهم يعود ولو بشكل جزئي إلى إسرافنا نحن الذين نبذل جهدًا ونمارس الرياضات المختلفة سعيًا منَّا للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة التي نتناولها دون داعٍ!

إنَّ السبب في ذلك أن أحد أهم العوامل التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري هو صناعة إنتاج الغذاء في العالم؛ إذ إنها تتسبب في إنتاج 24% من الغازات الدفيئة، فالآليات والأدوات التي يتم استخدامها في إنتاج اللحوم والمزروعات تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وهذا بدوره يسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ويؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين، كما يسبب تغير النظم الحيوية من حولنا، فيسبب خللًا بيئيًا كبيرًا؛ إذ يؤدى الى انقراض عدد من الكائنات الحية، كما إن هذا الإسراف هو المُسبِّب للجفاف الذي يطال الدول الأفريقية والفيضانات والأعاصير التي نتعرض لها وتتعرض لها بعض الدول الفقيرة، فالإسراف أمر تنبذه الطبيعة ولا تتحمل نتائجه، ولذا فهي تعبر عن غضبها بلغتها وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه جيدًا.

لكي تتجلى لنا الصورة بشكل أوضح لابد من ذكر بعض التفاصيل، إذ أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن تناول اللحوم مثلا يعد من أكثر الأمور التي تضر بالبيئة، وتأتي على قمة هذه اللحوم، لحوم البقر ثم لحوم الماشية الأخرى، فإذا كنت من عشاق البرجر البقري مثلاً فاعلم أن تناول 100 جرام منه ينتج ما يكافئ 50 كيلوجرامًا من غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإذا استبدلت البرجر البقري مثلًا بالدجاج فإن ذلك سيقلل من إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 60%، أما إذا استبدلت ذلك بوجبة صحية غنية بالخضروات، فربما يقلل ذلك بنسبة تصل إلى 90%، أو ربما أكثر من ذلك، فإحدى الطرق العملية التي يُمكننا أن نساهم في التخفيف عن فقراء العالم أن نُقلل من تناولنا للحوم مثلاً، وأن نتناول من الطعام قدر حاجتنا و لا نهدر منه شيئا، كما إن السعي الى نشر هذه الثقافة له أجره أيضاً، فأنت تساهم في التخفيف عن معاناة الآخرين.

إنَّ هذه الأمثلة أكثر واقعية وخاصة لأجيال اليوم، ويمكننا من خلالها ربطهم بتعاليم ديننا وقيمنا الإسلامية، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهذه الإحصاءات والدراسات، تفرض علينا في الوقت نفسه أن نعيد النظر في الكثير من عادتنا الغذائية، وتقاليدنا التي اعتدنا عليها، فتوسع معرفتنا بأحوال البشر في مختلف أرجاء العالم، زاد من حجم المسؤولية، وسيزيد من طول وقوفنا في عرصات يوم القيامة؛ فالمعرفة وتوفُّر وسائلها تُحمِّلُنا مسؤولية مُضاعفة، فإن كُنَّا نعلم بأحوال الفقراء والجوعى في العالم ولم نُغيِّر من سلوكياتنا وعاداتنا الغذائية فتلك مصيبة، وإنْ كُنَّا جاهلين بأحوالهم في عصر الإنترنت والمعلوماتية، فتلك مصيبة عظمى وذنب لا يُغفر.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

طعام ترامب الفاخر يثير التفاعل

الولايات المتحدة – أثارت قائمة الطعام على متن الطائرة الرئاسية الأمريكية “إير فورس وان” تفاعلا كبيرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ونشرت مستشارة الاتصالات في البيت الأبيض، مارجو مارتن، يوم الأحد، صورة لقائمة الطعام على متن الطائرة أثناء رحلة الرئيس دونالد ترامب إلى مباراة كرة قدم في ولاية ماريلاند.

وقد عرضت مارتن صورة الوجبة عبر خاصية “القصص” على حسابها في “انستغرام”، والمكونة من شريحة لحم مغطاة بالإجاص وجبن الماعز وصلصة الطحينية بالليمون.

وقد أثارت وجبة الطعام انتقادا كبيرا، حيث أنها تعد وجبة فاخرة بينما كانت قسائم الغذاء الخاصة بملايين الأمريكيين معلقة بسبب الإغلاق الحكومي الذي أعلن عن انتهائه قبل وقت قليل اليوم الاثنين.

وأعاد أحد النشطاء نشر الصورة وكتب معلقا: “سلطة شريحة اللحم المشوية – طعام يُقدم على متن طائرة الرئاسة الأمريكية بينما يطالب ترامب الولايات بخفض مساعدات برنامج المساعدة الغذائية التكميلية (SNAP) لشهر نوفمبر”.

وكتب آخر: “ذلك التغيير في أسلوب الحياة لن يحدث مع ملك العصابة المجنون ذي الكاحلين المتجعدين. وسرعان ما سيصبح الدم ثقيلا جدا على ساقيه، لدرجة أن قلبه سيبدأ بالدخول في حالة (A-fib) ثم يتعرض لفشل في القلب. ولكن هل يمكننا أن نصمد إلى ذلك الحين مع شخص نرجسي خبيث ومجرم، ناهيك عن كونه متحرشاً بالأطفال؟”.

وقال آخر: “يتناول ترامب طعامه كالملوك على متن طائرة الرئاسة، بينما تتدافع العائلات للحصول على الفتات. “سلطة شريحة اللحم المشوية” على أمة جائعة، تُخبرنا بكل شيء عمّن يخدمهم”.

وسخر ناشط من خيارات ترامب في الطعام كونه يحب الطعام غير الصحي، وعلق قائلا: “هذه الوجبة مخصصة للمسافرين معه وليست لدونالد ترامب، فهي صحية للغاية”، ونشر صورة لوجبة هامبرغر دسمة قائلا: “هذا هو الأرجح ما سيتناوله”.

هذا وصوّت مجلس الشيوخ الأمريكي بـ60 صوتا مقابل 40 لصالح اتفاق إنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، الذي أثر بشكل مباشر على الرحلات الجوية وكذلك على برنامج المساعدات الغذائية (SNAP).

ومن المقرر أن ينتقل الاتفاق إلى مجلس النواب، وإذا تمت الموافقة عليه، فسيحال إلى مكتب ترامب للتوقيع عليه.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • وزير الحج السعودي: إنجاز إجراءات تعاقد أكثر من مليون حاج بمختلف دول العالم
  • وزير الحج: إنجاز إجراءات تعاقد أكثر من مليون حاج من مختلف دول العالم
  • شركة أمبري : عدم الاستقرار في اليمن يؤجج أعمال القرصنة ويثير القلق بأحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم
  • 5 مكاسب لمن ينفذ وصية النبي بإطعام الطعام
  • الإمارات ترسِّخ مكانتها بين أكثر أسواق الأصول الرقمية تطوراً في العالم
  • تقرير الأصول الرقمية العالمي 2025: الإمارات من أكثر أسواق الأصول الرقمية تطوراً على مستوى العالم
  • المفكر العالمي جيفري ساكس: الجامع الأزهر واحد من أكثر أماكن العبادة تفردا وخصوصية
  • الأمم المتحدة تحذّر: أكثر من مليار سلاح ناري يهدد أمن العالم
  • محاصرون يرفضون الاستسلام..ما قصة 200 مقاتل قسامي التي أشغلت العالم؟
  • طعام ترامب الفاخر يثير التفاعل