أ. د. حيدر أحمد اللواتي **
في صباي، كثيرًا ما كنتُ أتأثرُ بالقصة التي أسمعها عن بعض الصالحين في تاريخنا الإسلامي الذين كانوا يحملون جراب الطعام على ظهورهم وهم مُلثمين يقومون بتوزيع الطعام سرًا على الفقراء من أبناء المدينة التي يعيشون فيها، وكنتُ كثيرًا ما أُفكِّر بوسيلة لتقليدهم، ولكني كنت أعجزُ عن القيام بذلك لتغيُّر الواقع، فأمثال هذه القصص على الرغم من أثرها الكبير في النفس إلّا أن من المهم لمن يقوم بطرحها أن يربطها مع الواقع المعاصر، وينطلق منها لأمثلة واقعية يستطيع المستمع تنفيذها على أرض الواقع، بدلًا من أن تبقى في ذهنه دون أثر خارجي ملموس.
ولربما تكون من أهم الوسائل التي يمكن استغلالها في هذا العصر للقيام بذلك هو تطور البحث العلمي وأدوات القياس والإحصاء، وفي هذه العجالة سنتناول أحد هذه المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم وهو النهي عن الإسراف؛ ففي القرون السابقة ارتبط مفهوم الإسراف بالسلوك الشخصي للإنسان وشعوره بمعاناة الآخرين، فليس من القيم الأخلاقية أن تبيت شبعان وجارك جائع، وليس من الإنصاف أن ترمي طعامك في سلة المهملات وجارك وأسرته ناموا جياعًا. لكننا اليوم نُدرك ضرر الإسراف بصورة أكثر وضوحًا، وأن أثر الإسراف لا يقتصر على جارك الفقير الذي نام دون طعام فحسب؛ بل إن أثر إسرافك في الطعام يظهر على كرتنا الأرضية برمتها، وما فيها من نبات وحيوان وبشر وهواء وبحر وتراب.
فكميات الغذاء التي يتم إنتاجها في العالم تُعادل ضعف ما يحتاج إليه جميع البشر الذين تصل أعدادهم إلى حوالي 8 مليارات نسمة، لكن ورغم هذه الكميات الكبيرة من الإنتاج فإن ما يعادل 1% من سكان العالم لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وينامون وهم يتلوون من الجوع هم وأسرهم، ومقابل هؤلاء فهناك ما يعادل 40% من سكان العالم ينامون وهم مُتخمون من الطعام؛ بل وربما بعضهم يتناولون المهضمات تلو الأخرى حتى ينعموا بليلة نوم هانئة!
ولا يقتصر الأمر على ذلك فالمشكلة أكبر بكثير، فعلى الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بيننا وبين هؤلاء الجوعى، فإن سبب جوعهم يعود ولو بشكل جزئي إلى إسرافنا نحن الذين نبذل جهدًا ونمارس الرياضات المختلفة سعيًا منَّا للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة التي نتناولها دون داعٍ!
إنَّ السبب في ذلك أن أحد أهم العوامل التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري هو صناعة إنتاج الغذاء في العالم؛ إذ إنها تتسبب في إنتاج 24% من الغازات الدفيئة، فالآليات والأدوات التي يتم استخدامها في إنتاج اللحوم والمزروعات تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وهذا بدوره يسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ويؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين، كما يسبب تغير النظم الحيوية من حولنا، فيسبب خللًا بيئيًا كبيرًا؛ إذ يؤدى الى انقراض عدد من الكائنات الحية، كما إن هذا الإسراف هو المُسبِّب للجفاف الذي يطال الدول الأفريقية والفيضانات والأعاصير التي نتعرض لها وتتعرض لها بعض الدول الفقيرة، فالإسراف أمر تنبذه الطبيعة ولا تتحمل نتائجه، ولذا فهي تعبر عن غضبها بلغتها وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه جيدًا.
لكي تتجلى لنا الصورة بشكل أوضح لابد من ذكر بعض التفاصيل، إذ أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن تناول اللحوم مثلا يعد من أكثر الأمور التي تضر بالبيئة، وتأتي على قمة هذه اللحوم، لحوم البقر ثم لحوم الماشية الأخرى، فإذا كنت من عشاق البرجر البقري مثلاً فاعلم أن تناول 100 جرام منه ينتج ما يكافئ 50 كيلوجرامًا من غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإذا استبدلت البرجر البقري مثلًا بالدجاج فإن ذلك سيقلل من إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 60%، أما إذا استبدلت ذلك بوجبة صحية غنية بالخضروات، فربما يقلل ذلك بنسبة تصل إلى 90%، أو ربما أكثر من ذلك، فإحدى الطرق العملية التي يُمكننا أن نساهم في التخفيف عن فقراء العالم أن نُقلل من تناولنا للحوم مثلاً، وأن نتناول من الطعام قدر حاجتنا و لا نهدر منه شيئا، كما إن السعي الى نشر هذه الثقافة له أجره أيضاً، فأنت تساهم في التخفيف عن معاناة الآخرين.
إنَّ هذه الأمثلة أكثر واقعية وخاصة لأجيال اليوم، ويمكننا من خلالها ربطهم بتعاليم ديننا وقيمنا الإسلامية، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهذه الإحصاءات والدراسات، تفرض علينا في الوقت نفسه أن نعيد النظر في الكثير من عادتنا الغذائية، وتقاليدنا التي اعتدنا عليها، فتوسع معرفتنا بأحوال البشر في مختلف أرجاء العالم، زاد من حجم المسؤولية، وسيزيد من طول وقوفنا في عرصات يوم القيامة؛ فالمعرفة وتوفُّر وسائلها تُحمِّلُنا مسؤولية مُضاعفة، فإن كُنَّا نعلم بأحوال الفقراء والجوعى في العالم ولم نُغيِّر من سلوكياتنا وعاداتنا الغذائية فتلك مصيبة، وإنْ كُنَّا جاهلين بأحوالهم في عصر الإنترنت والمعلوماتية، فتلك مصيبة عظمى وذنب لا يُغفر.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دراسة تحذر من عواقب الامتناع عن وجبة الإفطار
الإفطار هو أهم وجبة في اليوم لأنه يساعد جسم الإنسان على بدء عملية التمثيل الغذائي اليومية، يتم تنظيم جسم الإنسان من خلال الإيقاعات اليومية، تتأثر الإيقاعات اليومية بدورة الضوء والظلام، وكذلك من خلال تناول الطعام، وهو الإشارة الأيضية. وعلى العكس من ذلك، يؤثر التنظيم اليومي للجينات الأيضية على النتائج الأيضية في جسم الإنسان، مما يعني أن وقت التغذية والساعة اليومية متشابكان بشكل وثيق.
الإفطار مهم لبدء عملية التمثيل الغذائي اليومي، أظهرت تجربة سريرية عشوائية أن تخطي وجبة الإفطار أثر سلبًا على التعبير الجيني اليومي وارتبط بزيادة استجابة نسبة السكر في الدم بعد الأكل، يمكن أن يؤدي الاستهلاك غير المنتظم لوجبة الإفطار إلى حدوث مشاكل صحية مختلفة.
ذكرت آدا بيارنادوتير أن الإفطار يُعتبر صحيًا، بل أهم من الوجبات الأخرى. حتى إرشادات التغذية الرسمية الحالية توصي بتناوله.
علاوةً على ذلك، يُزعم أن الإفطار يساعد على إنقاص الوزن، وأن تخطيه قد يزيد من خطر الإصابة بالسمنة. ومع ذلك، يبدو أن هذه المعلومة تغيب عن أذهان الجميع، إذ إن ما يصل إلى 25% من الأمريكيين يتجاهلون الإفطار بانتظام، وذلك وفقًا لدراسة أجرتها أشيما كانت وآخرون، وهذا ينطبق أيضًا على بعض الفلبينيين.
ذكرت ليزا هيل من موقع WebMD أنه إذا لم يحصل جسمك على هذا الوقود من الطعام، فقد تشعر باستنزاف طاقتك، وستكون أكثر عرضة للإفراط في تناول الطعام في وقت لاحق من اليوم، يمنحك تناول وجبة الإفطار الطاقة اللازمة لإنجاز المهام، ويساعدك على التركيز في العمل أو الدراسة. صحيح أن العديد من الدراسات تُظهر أن من يتناولون وجبة الإفطار يميلون إلى التمتع بصحة أفضل. على سبيل المثال، بناءً على دراسة أجرتها ليز دوبوا وآخرون، فإنهم أقل عرضة لزيادة الوزن/السمنة، ولديهم خطر أقل للإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة.
يدّعي البعض أن تناول وجبة الإفطار يُنشّط عملية الأيض، لكن هذه خرافة. ما يُؤثّر على عملية الأيض هو إجمالي كمية الطعام المُستهلكة على مدار اليوم، لا فرق في أوقات أو وتيرة تناول الطعام، تُظهر الدراسات التي أجراها فومي كوباياشي أنه لا يوجد فرق في السعرات الحرارية المحروقة على مدار 24 ساعة بين الأشخاص الذين يتناولون وجبة الإفطار أو يتخطّونها، وتُشير دراسات أكثر دقة إلى أنه لا فرق بين تناول وجبة الإفطار أو تخطّيها، فتجاهل وجبة الإفطار يُؤدّي إلى تناول كمية أكبر من الطعام على الغداء، ولكن ليس بما يكفي لتعويض ما فاتك من وجبة الإفطار.
المصدر: nnc.gov.ph