جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-07@02:26:22 GMT

ولا تُسرِفُوا

تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT

ولا تُسرِفُوا

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

 

في صباي، كثيرًا ما كنتُ أتأثرُ بالقصة التي أسمعها عن بعض الصالحين في تاريخنا الإسلامي الذين كانوا يحملون جراب الطعام على ظهورهم وهم مُلثمين يقومون بتوزيع الطعام سرًا على الفقراء من أبناء المدينة التي يعيشون فيها، وكنتُ كثيرًا ما أُفكِّر بوسيلة لتقليدهم، ولكني كنت أعجزُ عن القيام بذلك لتغيُّر الواقع، فأمثال هذه القصص على الرغم من أثرها الكبير في النفس إلّا أن من المهم لمن يقوم بطرحها أن يربطها مع الواقع المعاصر، وينطلق منها لأمثلة واقعية يستطيع المستمع تنفيذها على أرض الواقع، بدلًا من أن تبقى في ذهنه دون أثر خارجي ملموس.

ولربما تكون من أهم الوسائل التي يمكن استغلالها في هذا العصر للقيام بذلك هو تطور البحث العلمي وأدوات القياس والإحصاء، وفي هذه العجالة سنتناول أحد هذه المفاهيم التي وردت في القرآن الكريم وهو النهي عن الإسراف؛ ففي القرون السابقة ارتبط مفهوم الإسراف بالسلوك الشخصي للإنسان وشعوره بمعاناة الآخرين، فليس من القيم الأخلاقية أن تبيت شبعان وجارك جائع، وليس من الإنصاف أن ترمي طعامك في سلة المهملات وجارك وأسرته ناموا جياعًا. لكننا اليوم نُدرك ضرر الإسراف بصورة أكثر وضوحًا، وأن أثر الإسراف لا يقتصر على جارك الفقير الذي نام دون طعام فحسب؛ بل إن أثر إسرافك في الطعام يظهر على كرتنا الأرضية برمتها، وما فيها من نبات وحيوان وبشر وهواء وبحر وتراب.

فكميات الغذاء التي يتم إنتاجها في العالم تُعادل ضعف ما يحتاج إليه جميع البشر الذين تصل أعدادهم إلى حوالي 8 مليارات نسمة، لكن ورغم هذه الكميات الكبيرة من الإنتاج فإن ما يعادل 1% من سكان العالم لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وينامون وهم يتلوون من الجوع هم وأسرهم، ومقابل هؤلاء فهناك ما يعادل 40% من سكان العالم ينامون وهم مُتخمون من الطعام؛ بل وربما بعضهم يتناولون المهضمات تلو الأخرى حتى ينعموا بليلة نوم هانئة!

ولا يقتصر الأمر على ذلك فالمشكلة أكبر بكثير، فعلى الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بيننا وبين هؤلاء الجوعى، فإن سبب جوعهم يعود ولو بشكل جزئي إلى إسرافنا نحن الذين نبذل جهدًا ونمارس الرياضات المختلفة سعيًا منَّا للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة التي نتناولها دون داعٍ!

إنَّ السبب في ذلك أن أحد أهم العوامل التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري هو صناعة إنتاج الغذاء في العالم؛ إذ إنها تتسبب في إنتاج 24% من الغازات الدفيئة، فالآليات والأدوات التي يتم استخدامها في إنتاج اللحوم والمزروعات تعتمد كلياً على الطاقة الأحفورية، وهذا بدوره يسبب ارتفاع درجات الحرارة في العالم، ويؤدي إلى ذوبان الثلوج في القطبين، كما يسبب تغير النظم الحيوية من حولنا، فيسبب خللًا بيئيًا كبيرًا؛ إذ يؤدى الى انقراض عدد من الكائنات الحية، كما إن هذا الإسراف هو المُسبِّب للجفاف الذي يطال الدول الأفريقية والفيضانات والأعاصير التي نتعرض لها وتتعرض لها بعض الدول الفقيرة، فالإسراف أمر تنبذه الطبيعة ولا تتحمل نتائجه، ولذا فهي تعبر عن غضبها بلغتها وعلينا أن نفهم ذلك ونعيه جيدًا.

لكي تتجلى لنا الصورة بشكل أوضح لابد من ذكر بعض التفاصيل، إذ أثبتت العديد من الدراسات العلمية أن تناول اللحوم مثلا يعد من أكثر الأمور التي تضر بالبيئة، وتأتي على قمة هذه اللحوم، لحوم البقر ثم لحوم الماشية الأخرى، فإذا كنت من عشاق البرجر البقري مثلاً فاعلم أن تناول 100 جرام منه ينتج ما يكافئ 50 كيلوجرامًا من غاز ثاني أوكسيد الكربون، فإذا استبدلت البرجر البقري مثلًا بالدجاج فإن ذلك سيقلل من إنتاج غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 60%، أما إذا استبدلت ذلك بوجبة صحية غنية بالخضروات، فربما يقلل ذلك بنسبة تصل إلى 90%، أو ربما أكثر من ذلك، فإحدى الطرق العملية التي يُمكننا أن نساهم في التخفيف عن فقراء العالم أن نُقلل من تناولنا للحوم مثلاً، وأن نتناول من الطعام قدر حاجتنا و لا نهدر منه شيئا، كما إن السعي الى نشر هذه الثقافة له أجره أيضاً، فأنت تساهم في التخفيف عن معاناة الآخرين.

إنَّ هذه الأمثلة أكثر واقعية وخاصة لأجيال اليوم، ويمكننا من خلالها ربطهم بتعاليم ديننا وقيمنا الإسلامية، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فهذه الإحصاءات والدراسات، تفرض علينا في الوقت نفسه أن نعيد النظر في الكثير من عادتنا الغذائية، وتقاليدنا التي اعتدنا عليها، فتوسع معرفتنا بأحوال البشر في مختلف أرجاء العالم، زاد من حجم المسؤولية، وسيزيد من طول وقوفنا في عرصات يوم القيامة؛ فالمعرفة وتوفُّر وسائلها تُحمِّلُنا مسؤولية مُضاعفة، فإن كُنَّا نعلم بأحوال الفقراء والجوعى في العالم ولم نُغيِّر من سلوكياتنا وعاداتنا الغذائية فتلك مصيبة، وإنْ كُنَّا جاهلين بأحوالهم في عصر الإنترنت والمعلوماتية، فتلك مصيبة عظمى وذنب لا يُغفر.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السلطات المغربية تمنع ناشطا حقوقيا من السفر.. ردّ بالإضراب عن الطعام

أعلن المؤرخ والأكاديمي المغربي المعطي منجب عن دخوله في إضراب عن الطعام احتجاجًا على منعه من السفر خارج المغرب، معتبراً أن هذا القرار "غير قانوني" ويندرج ضمن "إجراءات تعسفية" تستهدفه منذ سنوات.

وفي تدوينة نشرها عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، أرفقها بصورة التقطها أمام مطار الرباط سلا، أكد منجب أنه مُنع، يوم الخميس 3 أبريل 2025، من مغادرة البلاد رغم توفره على جواز سفر ساري المفعول وتذكرة سفر، وذلك أثناء توجهه إلى فرنسا لإلقاء محاضرة في جامعة السوربون حول "ربيع الشعوب في تونس 2011-2021".

وأوضح منجب أنه يخضع لمنع من السفر منذ عام 2020، مشيرًا إلى أن ممتلكاته، بما في ذلك منزله وسيارته وحسابه البنكي، ظلت محجوزة منذ أكثر من أربع سنوات. وأضاف أن هذه الإجراءات تتعارض مع قانون المسطرة الجنائية المغربي، الذي ينص على أن المنع من السفر والرقابة القضائية يجب ألا يتجاوزا مدة معينة، إلا أن منعه استمر دون أي تمديد قانوني.

وأكد منجب أن هذا القرار "غير مبرر"، واصفًا التهم التي وُجهت إليه بأنها "كيدية" وذات طابع "سياسي". كما أشار إلى أنه لم يُعاد إلى منصبه الجامعي رغم العفو الملكي الذي شمله، والذي نص صراحةً على إغلاق الملف الذي أدى إلى توقيفه عن التدريس.

وفي ختام تدوينته، ناشد منجب الرأي العام المغربي لدعمه في هذه القضية، موضحًا أن استمرار منعه من السفر زاد من معاناته الشخصية، لا سيما مع استمرار فراقه عن أسرته التي تقيم في فرنسا منذ خمس سنوات.



وصباح اليوم الجمعة أعلن منجب أنه "بالموازاة مع الإضراب عن الطعام، سيقوم اليوم باعتصام أمام المجلس الوطني لحقوق الانسان بالرباط بين الساعة 2 و8 مساءً احتجاجا على منعه اللاقانوني من السفر وحجز منزلي وحسابي البنكي وسيارتي وتوقيفي عن العمل، منذ سنوات".



من هو المعطي منجب؟

المعطي منجب، المولود عام 1962 بمدينة بنسليمان، هو مؤرخ وأستاذ جامعي وناشط حقوقي معروف بمواقفه المدافعة عن حرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب. حصل على دكتوراه في الشؤون السياسية لشمال إفريقيا من فرنسا عام 1989، ودكتوراه أخرى في تاريخ السياسة الإفريقية من السنغال عام 2005.

كرّس منجب مسيرته الأكاديمية والحقوقية لتعزيز حرية الصحافة والتعبير، حيث أسس مركز ابن رشد للدراسات والتواصل في الرباط عام 2006، والذي أغلقته السلطات في يناير 2015. كما تولى رئاسة جمعية "الحرية الآن"، التي تعنى بالدفاع عن حرية الصحافة في المغرب.

تعرض منجب لسلسلة من المتابعات القضائية أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوقية دولية. ففي عام 2015، مُنع من السفر بتهم تتعلق بـ"المسّ بالسلامة الداخلية للدولة" و"تلقي تمويلات أجنبية غير قانونية". وأضرب عن الطعام آنذاك احتجاجًا على هذه الإجراءات، قبل أن يُرفع المنع لاحقًا.

وفي ديسمبر 2020، تم اعتقاله بتهمة "غسيل الأموال"، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة عام في يناير 2021. وبعد إضراب عن الطعام دام 19 يومًا، أُفرج عنه مؤقتًا في مارس من العام نفسه.

إلى جانب نشاطه الحقوقي، أصدر منجب عدة مؤلفات، من بينها: "الملكية المغربية وصراع القوى" (1992) و*"الإسلاميون في مواجهة العلمانيين في المغرب"* (2009)، حيث تناول من خلال كتاباته الديناميات السياسية والاجتماعية في المغرب والمنطقة.

يظل ملف المعطي منجب واحدًا من القضايا الحقوقية المثيرة للجدل في المغرب، حيث يرى مؤيدوه أن استهدافه يأتي على خلفية نشاطه الحقوقي، بينما تؤكد السلطات أن المتابعات التي تعرض لها تستند إلى معطيات قانونية.


مقالات مشابهة

  • نصائح للتخلص من الحموضة في الصباح
  • الكشف عن أكثر ساعة يد تعقيدا في العالم.. استغرقت 8 سنوات من العمل
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • وضع مصدر؟؟؟ دون أدوية.. 3 طرق طبيعية وفعالة للتخلص من الوزن الزائد
  • «الخارجية الفلسطينية»: العالم خذل أطفال فلسطين في ظل صمته عن معاناتهم التي لا تنتهي
  • علاقة المحليات الصناعية بزيادة الوزن
  • الحرب العالمية التجارية التي أعلنها ترمب لا تخصنا في الوقت الراهن
  • عاجل | السيد القائد: العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا
  • أكثر 10 دول متضررة في العالم من رسوم ترامب الجمركية
  • السلطات المغربية تمنع ناشطا حقوقيا من السفر.. ردّ بالإضراب عن الطعام