عربي21:
2025-02-23@00:27:32 GMT

في أيدي العسكر.. ملاحظات أولية!

تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT

لولا أنني أطلعت على مذكرات الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وكذلك مذكرات وزيرة خارجيته هيلاري كلينون، قبل اطلاعي على كتاب ديفيد كيركباتريك "في أيدي العسكر"، لقلت إن الفتى جاء بالذئب من ذيله؛ ذلك بأن ما ذكره في هذا السياق ليس جديدا.

عذرا لهذا الاستهلال غير الاحتفالي، وإن كان الاحتفال واجبا بصدور الكتاب مترجما إلى اللغة العربية، بعد سنوات من صدوره باللغة الإنجليزية، إذن لنعدل عن المقدمة السابقة، ونبدأ بغيرها!

لقد أحسنت دار "جسور" صنعا بترجمة كتاب مدير مكتب جريدة "نيويورك تايمز" بالقاهرة إبان مرحلة الثورة والانقلاب عليها، ولأن "جسور" في إسطنبول، فقد زف لي الشيخ عصام تليمة بشرى صدور هذه الترجمة، وأبدى استعداده لأن يرسل لي نسخة مع أي قادم للدوحة، لكني رأيت من المناسب أن أنتظره في معرض الدوحة للكتاب، والذي سيتم تنظيمه بعد أسابيع قليلة، وفي شهر أيار/ مايو!

وفي المعرض، كنت أنا وزميلي أحمد سعد في نفس الوقت نبحث عن موقع دار الشبكة العربية، حيث تعرض الكتاب، ولم نصل إليها بسهولة، وأعتقد أن آخرين حرصوا على اقتنائه، لا سيما وأن الدعاية له انصبت على أنه عن مرحلة الانقلاب العسكري، وهي مرحلة لم يتم التأريخ لها بعد، إلا من روايات متناثرة، وإن كان أحد الأطراف ذكر روايته عبر مسلسل تلفزيوني هو "الاختيار" في موسمه الثالث، فلم يتحمس الطرف الآخر لقول شيء، ذلك بأن القيادة الرشيدة لجماعة الإخوان المسلمين في الخارج قررت منذ البداية طي الصفحة، كما طوى الأولون صفحة الأزمة مع جمال عبد الناصر!

إرهاب الشهود:

وعند أي محاولة لرواية جانب من القصة، فإن هجوما كاسحا يتعرض له الراوي، من ذباب الكتروني وشخصيات معروفة، ليتعلم الجميع من رأس الذئب الطائر.

وكانت البداية بهذا الهجوم المبكر ضد محمد محسوب، الوزير السابق في حكومة الرئيس محمد مرسي، بعد شهادته مع أحمد منصور على قناة الجزيرة عقب الانقلاب، ووصل التلفيق ضده حد الترويج لأنه كان عميدا لكلية الحقوق بجامعة المنوفية بقرار من مبارك، مع أن اختياره للموقع كان بعد الثورة، عندما أُقر نظام الانتخاب لاختيار عمداء الكليات.

واستمر الأمر مع أي شاهد يطل برأسه، فلم يسلم من ذلك الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، وكذلك من كان مع الرئيس في فترة احتجازه الأولى، وقد خرج من السجن للخارج، وقال شهادته للصحفي في قناة الجزيرة جمال الشيال، ولم يشفع للشاهد أنه من الإخوان، كما لم يشفع لمن سجل شهادته أنه ابن لواحد من القيادات التاريخية للجماعة في بريطانيا!

وحملات الإبادة الإعلامية لم تقتصر على من أدلى بشهادته فقط، فقد أرهبت الشهود المحتملين، ولم يبال القوم بحكمة بالغة مفادها أنه إن لم تكتب أنت روايتك فسوف يكتب غيرك هذه الرواية، وأن الإعراض عن ذلك إن كان مقبولا في زمن الرعيل الأول، مع التركيز على رواية التعذيب في سجون عبد الناصر، فإن الأمر ليس جائزا في زمن الإعلام الجديد. وفي ظني أن الأجيال الحالية لن تحضر عاطفتها الجياشة كما حضرت عاطفة أجيالنا على نحو جعلنا نقفز على دراسة المرحلة أو نهتم بالتفاصيل، إلا عندما فوجئنا بنفس الحدث يتكرر، وبنفس الأخطاء تقريبا!

لا زلت أذكر أيام الشجن ولياليها التي قضيتها صبيا يافعا مع كتاب "البوابة السوداء" لأحمد رائف، عن مرحلة السجون والتعذيب في زمن عبد الناصر، والتي طبعت روحي بموقف سلبي، بل شديد السلبية من الرئيس الراحل، ومع ذلك فلا يزال البعض يقول إنني ناصري. ولا أعرف من أين جاء هذا التصور، وكيف يكون الليبرالي ناصريا؟ لكن لا بأس، فالبأس الشديد هو الاعتقاد أن هذه الأجيال الجديدة يمكن أن يأخذها التعذيب في السجون إلى حيث أخذنا، لتصفح وتتجاوز عن الأخطاء التي جرت!

ما علينا، فالرواية الأمريكية هنا هي فوق الروايتين، لأنها في جانب منها موضوعية وفي جانب آخر فإن أهميتها فيما تضيف من بُعد آخر، وهو الموقف الأمريكي والغربي في الأزمة، ومن ثم فقد أقدمتُ على كتاب صاحبنا غير مدبر، وبنية صافية وغير متحرّف لقتال!

البداية من الثورة:

لم يبدأ مؤلف كتاب "في أيدي العسكر" بالحديث عن الانقلاب، فالبداية كانت بمرحلة ما قبل الثورة، وقد جاء للقاهرة قبل قيامها بقليل (صيف 2010)، ومع قفزاته في الفقرة الواحدة بين الأحداث والتاريخ، اعتقادا منه أن هناك رابطا يربط هذه الأحداث بعضها ببعض، فقد وقع في أخطاء من لم يحسن قراءة هذه الأحداث، مثلما استدعى انتفاضة الأمن المركزي في سنة 1986، وكأنها وثيقة الصلة بالرفض السياسي لمبارك في 2010!

لم يذكر كيركباتريك شيئا عن بدايته في العمل الصحفي، وعندما جاء لمصر احتفل بذكرى ميلاده الأربعين، وإن ذكر أن عمله في واشنطن ست سنوات مثّل مسوغا له للانتقال للقاهرة وأن يعمل مديرا لمكتب نيويورك تايمز، فلم نعرف منه إن كان هذا هو عمره المهني، أم عمره في العمل في واشنطن، فإن كانت الأولى، فأرى أنها بدايات لا تمكن لشيء مما ذهب، فربما يكون زميله في القاهرة في السنوات الست من العمل الصحفي يكافح من أجل إثبات وجوده وكتابة اسمه بالقلم الجاف، بعد أن كان مكتوبا بالقلم الرصاص؛ كمحرر تحت التمرين!

ما علينا، فلم يكن الكاتب يجيد اللغة العربية عندما جاء لمصر، وإنما بدأ في تعلمها و"فك الخط"، وهذا جعله أسيرا في التأريخ للثورة لعدد قليل من شبابها، لم يتجاوز أصبع اليد الواحدة (ذكرهم بالاسم)، كما أنه في الحديث عن الإخوان المسلمين كانت روايته عن متمرد منها وخارج عليها، فلم يكتمل الإجراءات المهنية لبناء القصة الصحفية، حيث لم يستمع إلى الرواية الأخرى، فوقع في شر أعماله!

إن القارئ يقف مندهشا عندما يطالع وصف الكاتب الأمريكي لحركة 6 إبريل بأن من أسسها شباب من خلفية يسارية، ولا أعرف من أين جاء بهذا التصور، والذي ربما مرده إلى أن الحركة نشأت على خلفية إضراب لعمال في أحد المصانع التقليدية، ولم يتعقب الحركة بالدراسة والفهم، ومن الواضح أنه سمع عنها ولم يسمع منها!

وقد تأسست 6 إبريل بشكل عفوي، إذ تم إطلاق دعوة مجهولة للإضراب العام، بمناسبة إضراب العمال، فقد اعتقلت أجهزة الأمن فتاة لم تكن معروفة وقتئذ، هي إسراء عبد الفتاح، ثم تم اخلاء سبيلها بعد فترة من الحبس الاحتياطي، وجعلها الأمن أمثولة في مقابلة مع منى الشاذلي في برنامج "العاشرة مساء"، وهي تبدو متراجعة عن كل شيء، وبريئة حد أنها لا تعرف أي شيء، وكانت البداية الحقيقية للحركة بدعوة أمريكية لإسراء عبد الفتاح لحضور مؤتمر أو مناسبة هناك!

هنا تحرك عدد من الشباب وتقدموا للسفارة الأمريكية برسائل احتجاج؛ ادعى كل صاحب رسالة أنه صاحب الدعوة للإضراب العام وأن إسراء عبد الفتاح لا تمثل الدعوة للإضراب، فما كان من السفارة الأمريكية إلا أن قامت بتسفير كل المحتجين. وكان هذا الاهتمام الغربي دافعا لإعلان اسم الحركة، والتي انشطرت إلى فريقين، وفي مرحلة ما بعد الثورة انشطرت إلى ثلاث فرق، وحاول المنشطر الأخير تأسيس حزب يحمل نفس الاسم، لكنه لم ينجح في استيفاء الشروط القانونية وأخصها أن يجمع خمسة آلاف مؤسس على الأقل!

انتحال صفة ليبرالي:

وفي هذا التجمع بانشطاراته، لا يوجد أي كيان منهم ادعى، ولو من باب الادعاء، وصلا باليسار وأفكاره، فقد كانت موضة هذه الأيام هي انتحال صفة ليبرالي من جانب الذين جاءوا لعالم السياسة مفتقدين لليقين في توصيف أنفسهم، وذلك لتفتح لهم أبواب السفارات الغربية، حتى صارت الليبرالية توجه من لا توجه له، وصارت في الأصل تعني الأمركة، فكيف تجتمع مع اليسارية؟!

ومع أن مصر عرفت الليبرالية الوطنية، ممثلة في كثير من أحزاب وزعامات ما قبل حركة ضباط الجيش في 1952، والأمر ليس قاصرا على الوفد وقياداته فقط، إلا أن هؤلاء الشباب يعانون ضحالة فكرية، وعدم الوعي السياسي الكامل لتحديد البوصلة، ثم إن الليبرالية الوطنية التي قاومت الاستعمار، لن تجد ترحيبا غربيا، فالغرب يختار نختبه من الشباب الفارغ من أي مضمون!

في نقلة من نقلاته ليضع الصحفي الأمريكي تصورا عاما لمصر قبل الثورة؛ كتب: "لكن حُكم على كاتب عمود صحفي شكك في صحة الرئيس مبارك بالسجن لزعزعته استقرار البلاد"، وهو هنا يقصد الحكم بحبس إبراهيم عيسى، والذي لا يقال فيه التعريف به كاتب عمود صحفي، لأنه كان رئيس تحرير جريدة "الدستور" التي نشرت خبر صحة الرئيس. ولم يكمل الرواية بأن السجن كان لشهر واحد، وأن مبارك عفا عنه، وأن هذا الحكم لم يكن عنوانا لاضطهاد مبارك للصحافة، كما أن العفو الرئاسي لا يعني سماحة المرحلة، فقد سجن ثلة من الصحفيين بجريدة الشعب، ودخلوا السجن فعلا وقضوا العقوبة كاملة، ابتداء برئيس تحرير الجريدة مجدي أحمد حسين، وتم حل الحزب، ووقف صدور الجريدة. لكن مثل هذا الخبر على أهميته لا نجد له وجودا في كتاب "كيركباتريك"، تماما كما لم يهتم وغيره من المنظمات الغربية بهذا العصف بالحريات والتنكيل بالصحفيين، وكان الغرب ينفر خفافا وثقالا عند استدعاء لصحفي لا يخوض معارك حقيقية للمثول أمام النيابة، بينما لا تكترث المنظمات الغربية بمن سُجن فعلا، لأن حزب العمل وجريدة الشعب والصحفيين فيها أحد عناوين الوطنية المصرية، ومشكلتهم بجانب هذا أنهم كانوا معادين لإسرائيل، ويعادون المشروع الغربي الاستعماري في المنطقة!

يقول كيركباتريك إنه في 2010 كان الإخوان يجمعون التوقيعات لترشيح محمد البرادعي إلا أن مبارك لم يسمح له بالترشح، فات الفتى أنه لم تكن هناك انتخابات رئاسية في هذه الفترة ليخوضها البرادعي وحتى لا يقال إن مبارك منعه من الترشح ضده!

ولم تكن هذه هي فقط الأخطاء التي رصدناها في كتاب ديفيد كيركباتريك، فقد نواصل الكتابة عن الكتاب في الأسابيع المقبلة، وإن كنت أصاب بالملل من كتابة المقالات المسلسلة، مع إقراري بأهمية الكتابة لأن كثيرين يتعاملون مع الكتاب على أنه مرجعية، ما دام الكاتب غربيا، وهم يسلّمون بكل ما جاء فيه، حتى وإن كانوا شهودا على الأحداث!

إنها عقدة الخواجة!

x.com/selimazouz1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الثورة الإخوان مبارك مصر مصر الإنقلاب السيسي الإخوان مبارك مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الفتاح إن کان

إقرأ أيضاً:

التعديلات الدستورية في السودان- ما بين مطرقة العسكر وسندان الانتقال الديمقراطي

في خطوة اعتبرها مراقبون استمراراً لسيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، أثارت التعديلات المُقترحة على الوثيقة الدستورية في السودان عاصفة من الجدل، وسط مخاوف من أن تُحوِّل البلاد إلى نظام حكم هجين، يرفع شعارات الديمقراطية بينما يكرس الهيمنة العسكرية خلف واجهة مدنية هشة. جاءت هذه التعديلات بعد أشهر من المفاوضات المغلقة بين قيادات الجيش وأطراف سياسية موالية، في مشهد يُعيد إلى الأذهان انقلاب أكتوبر 2021، الذي أنهى أحلام الثورة السودانية بالإطاحة بحكم عمر البشير.

من ثورة الشوارع إلى دهاليز السلطة
لم تكن التعديلات الدستورية وليدة اللحظة، بل نتاج تراكمات بدأت مع انهيار التوافق الهش بين المدنيين والعسكر بعد الإطاحة بالبشير. فبعد أشهر من توقيع "الاتفاقية الدستورية" في 2019، والتي نصت على فترة انتقالية مدتها 39 شهراً، استغل الجيش أخطاء القوى المدنية وتفكك تحالف "قوى الحرية والتغيير"، لتنفيذ انقلاب أكتوبر 2021، مستعيداً السيطرة على السلطة بدعم من مليشيات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). اليوم، تبدو التعديلات الجديدة امتداداً لهذا المسار، حيث يسعى العسكر إلى ترسيخ وجودهم عبر أدوات دستورية تبدو قانونية، لكنها تفرغ الانتقال الديمقراطي من مضمونه.

تفاصيل التعديلات: أين تكمن المخاطر؟
تتضمن التعديلات زيادة مقاعد الجيش في "مجلس السيادة" – الهيئة الأعلى لإدارة الفترة الانتقالية – من 5 مقاعد إلى 7، بينما يُترك مقعدان فقط للمكون المدني. كما تُمنح القوات المسلحة صلاحية ترشيح رئيس المجلس وإعفائه، وهو ما يعني عملياً تحويل المجلس إلى غرفة تابعة للعسكر. وفي خطوة مُثيرة للشكوك، أُلغِيَ ذكر "مليشيات الدعم السريع" من الوثيقة، واستُبدِلَت بمصطلح غامض هو "القوات النظامية"، في محاولة لدمج هذه المليشيات – المتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور – ضمن هيكل الجيش، ما يمنحها شرعية دائمة.

أما التمديد الجديد للفترة الانتقالية لتصبح 39 شهراً، فلم يُقنع الكثيرين بأنه خطوة تقنية، خاصة مع تعثر تنفيذ اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة في المناطق المهمشة، واستمرار الأزمة الاقتصادية التي دفعت بالجنيه السوداني إلى الانهيار، ووصل التضخم إلى معدلات قياسية تجاوزت 400%. ويُعتبر تضخم عدد الوزارات إلى 26 وزارة – بعد أن كان مخططاً تقليصها إلى 16 – دليلاً على عودة النهج الزبائني، حيث تُستخدم المناصب الحكومية كـ"هدايا" لاسترضاء التحالفات، بدلًا من بناء حكومة كفؤة قادرة على معالجة الأزمات.

المنظور القانوني: انتهاك مبادئ الثورة
يرى خبراء قانونيون أن التعديلات تنتهك روح الوثيقة الدستورية الأصلية، التي نصت على ضرورة تحقيق توازن بين السلطات، وضمان انتقال تدريجي إلى حكم مدني. فزيادة تمثيل العسكر تُعطي انطباعاً بأن البلاد تُدار عبر "مجلس عسكري مُقنَّع"، بينما يُحذر نشطاء من أن إلغاء ذكر "الدعم السريع" قد يكون مقدمة لإفلات قادتها من المحاسبة على جرائم دارفور، خاصة مع وجود مذكرة اعتقال دولية بحق حميدتي من المحكمة الجنائية الدولية.

ردود الفعل: غضب مدني وتحذيرات من عودة الاحتجاجات
لم تُخفِ القوى المدنية غضبها من التعديلات. فبينما هدَّد "تجمع المهنيين السودانيين" – الذي كان قاطرة الاحتجاجات ضد البشير – بالعودة إلى الشوارع، وصفت تحالفات أخرى الخطوة بأنها "انقلاب دستوري". لكن هذه القوى تواجه معضلة حقيقية: فضعفها التنظيمي وانقساماتها الداخلية جعلتها عاجزة عن مواجهة الآلة العسكرية المدعومة بتمويل إقليمي. في المقابل، تبدو الأطراف الموالية للجيش – خاصة بعض الموقعين على اتفاقية سلام جوبا – مستفيدة من التمثيل الواسع، لكنها تخسر شعبيتها وسط اتهامات بالتواطؤ.

الدور الدولي: صمت مُريب ومصالح متضاربة
يكشف الموقف الدولي من الأزمة عن تناقضات عميقة. فدول مثل مصر والإمارات – اللتين تربطهما مصالح أمنية واقتصادية مع الجيش السوداني – تتجاهل الانتقادات، بينما تكتفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإصدار بيانات "قلقة" دون ضغوط فعلية. ويُفسر مراقبون هذا الصمت بخوف الغرب من دفع السودان نحو التحالف مع روسيا أو الصين، خاصة مع تردد معلومات عن مفاوضات لإنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر.

مستقبل مُظلم: هل ينزلق السودان إلى حرب أهلية جديدة؟
رغم أن التعديلات تبدو انتصاراً مؤقتاً للعسكر، إلا أنها تحمل بذور أزمة أعمق. فاستمرار تهميش المطالب الأساسية للثورة – مثل العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات – يغذي السخط الشعبي، خاصة في المناطق المهمشة (دارفور، جنوب كردفان، النيل الأزرق)، والتي قد تعود إلى التمرد إذا لم تُستجب مطالبها. كما أن تنامي نفوذ "الدعم السريع" داخل الجيش يُنذر بصراع على السلطة بين حميدتي وقيادات الجيش التقليدية.

خيط الأمل الوحيد: عودة الشارع
رغم المشهد القاتم، يرى بعض المحللين أن عودة الاحتجاجات الشعبية قد تكون الخيار الوحيد لإنقاذ ما تبقى من مكتسبات الثورة. ففي 2019، أثبت السودانيون أنهم قادرون على إسقاط نظام دام 30 عاماً، لكن النخبة السياسية فشلت في تحويل زخم الشارع إلى مشروع ديمقراطي متماسك. اليوم، قد تكون الفرصة الأخيرة أمام القوى المدنية لتوحيد صفوفها، واستعادة زمام المبادرة، قبل أن يتحول السودان إلى دولة فاشلة تُدار بوصاية عسكرية-مليشياوية، تُذكِّر العالم بأسوأ سنوات حكم البشير.

 

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • موسكو: الاستعدادات للقمة الروسية الأمريكية لا تزال في مرحلة أولية
  • سامسونج تضيف ميزة حل المسائل الرياضية إلى تطبيق الملاحظات
  • التعديلات الدستورية في السودان- ما بين مطرقة العسكر وسندان الانتقال الديمقراطي
  • حُكم العسكر