في افتتاحية أمام الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي ألقى الرئيس الصيني كلمة جديرة بالتوقف المطوّل عندها وتناولها بالتحليل العميق واستقراء مؤشراتها المباشرة وغير المباشرة المستقاة من رؤاه ليس فقط للعلاقات الصينية العربية ولكن للعالم برمّته. وسيستفيد منها بشكل كبير هؤلاء الذين يحاولون جاهدين أن يفسّروا أحداث الإبادة الشنيعة في فلسطين والحرب في أوكرانيا.

في هذا الخطاب كما في خطاباته كلّها يقف الرئيس الصيني كرجل دولة وقائد سياسي عالمي يقرأ الماضي ويكشف أسراره ورسائله العميقة من أجل الاسترشاد به لقيادة سفينة الحاضر وسط عالم متلاطم الأمواج واختيار التوجّه السليم لمستقبل واعد للبشرية بأكملها. في هذا الإطار فقد رأى الرئيس الصيني أن الصداقة القائمة بين الصين والدول العربية والروابط القائمة بين الشعب الصيني والشعوب العربية تنبع من التبادلات الودية منذ قرون بعيدة عبر طريق الحرير القديم والنضال المشترك من أجل نيل الاستقلال الوطني، ومن التعاون المبني على الكسب المشترك في عملية البناء الوطني.

 

من هذا المنظور انطلق الرئيس الصيني ليفنّد أفضل السبل لبناء مستقبل مشترك للشعبين الصيني والعربي يحقق طموحاتهما ويجسّد تطلّعاتهما المشتركة ويفتح عهداً جديداً للعلاقات الصينية العربية، ومن أجل خلق مستقبل جميل للعالم أجمع. في هذا الإطار ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، النبيلة والصعبة في آن، فإن الاحترام المتبادل هو الوحيد الذي يمكن أن يحقق العيش المتناغم، وإن الإنصاف والعدالة هما أساس الأمن الدائم. كما أكد أن حلول القضايا الساخنة يجب أن تسهم في الحفاظ على الإنصاف والعدالة وتحقيق الأمن والأمان الدائمين على أساس احترام مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة واحترام الخيارات المستقلة لشعوب العالم واحترام الواقع الموضوعي الذي تشكّل على مرّ التاريخ. وأن الأسس الثابتة لعالم أفضل تكمن في تحقيق المساواة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة والعيش المتناغم بين مختلف الحضارات على أسس السلام والتسامح.

 

أمّا الشرق الأوسط فقد قال الرئيس الصيني: إنه “منطقة تتمتع بإمكانيات مهمة للتنمية إلا أن نيران الحرب لا تزال تشتعل فيها”. بهذه العبارة الجزلة والمختصرة لخّص الرئيس الصيني المأساة التي حلّت بالأمة العربية منذ اكتشاف النفط والغاز في أراضيها ووقوعها تحت نير الاستعمار الغربي المعروف بتعطشه للحروب والإرهاب لنهب ثروات العرب، كما لخص أسباب شن الحروب الإرهابية والاحتلال والإبادة والتطهير العرقي التي مازالت مستعرة ضد أبناء هذه الأمة في أكثر من بلد وآخرها حرب الإبادة الصهيونية ضد الفلسطينيين مدعومة بالمال والسلاح والإعلام الغربيّ.

 

وهكذا فإن الرؤية التي وضعها الرئيس الصيني للعلاقات الصينية العربية وللعالم برمّته هي النقيض المباشر لكل ما يؤمن به الغرب وما عمل على تنفيذه في العالم العربي وآسيا وأفريقيا طوال قرون. فالدول الغربية الاستعمارية التي استعمرت دول الشرق الأوسط وآسيا وافريقيا لم ترَ في هذه البلدان سوى ثرواتها القابلة للسرقة والنهب والمفيدة لصناعاتهم  وتقدم بلدانهم  في الشمال. ولكنهم لم يروا شعوب هذه البلدان إلا من نظرة استشراقية اخترعوها هم وأسسوا لها في إعلامهم وكتبهم وتاريخهم وصدّروها لنا كي نؤمن برؤيتهم الدونية لنا وليس برؤيتنا لأنفسنا، ممزوجة بتضخيم قدراتهم وتفوقهم والذي أيضاً أسسوا له في تاريخهم وإعلامهم حتى أصبح وكأنه حقيقة واقعة لا جدال فيها، وقد وصل هذا بهم إلى اختراع أسطورة “أرض بلا شعب” (أرض فلسطين) من أجل “شعب بلا أرض” (الصهاينة) كي تكون الصهيونية هي قاعدتهم المتقدمة في قلب الوطن العربي تفتك به على أكثر من مستوى وتخترع الحروب والفتن كي يبقى الغرب قادراً على نهب ثرواته ومنع أبنائه من التطور والاستقلال الحقيقي.

 

فلا مفردات في قاموسهم لما يتحدث به الرئيس الصيني من الاحترام المتبادل والمنافع المتبادلة والمصالح المشتركة والمستقبل المشترك، لأنهم ومنذ أن استعمروا واستوطنوا بلادنا ومنذ أن كانوا سادة تجار الرقيق عبر المحيط الأطلسي رأوا أنفسهم أسياد العالم وبقية أبناء الكون الذين هم في تعريفهم أقلّ منهم ذكاءً وقدرة على التطور ومجرد خدم لمخططاتهم ومشاريعهم. وقد توارثوا هذه النظرة الاستعلائية العنصرية لشعوب الأرض برمّتها ولجميع الدول؛ فإمّا أن يكون نظام الحكم في هذه الدول مؤمناً بتفوقهم وتابعاً لهم وخادماً لمصالحهم حتى على حساب مصالح شعبه وإمّا أنه سيكون عرضة للقتل والحروب والإبادة.

ولهذا فالغرب وعبر تاريخه، والآن من خلال ربيبته الصهيونية، إمّا يقوم بزرع الفتن واختلاق الحروب الأهلية وتقسيم البلدان ودبّ النزاعات وإمّا أنه يشن حرب إبادة كما يجري اليوم في فلسطين أو حرباً إرهابية كما حدث في سورية والعراق وليبيا والجزائر واليمن لمنع هذه الدول من استخدام ثرواتها وتحقيق التقدم والازدهار الذي تطمح إليه وتستحقه شعوبها.

 

إنّ حرب الإبادة التي شنّتها الصهيونية ضد الفلسطينيين في غزة وعموم فلسطين قد برهنت أن الغرب لا يقيم وزناً لقوانين ومواثيق دولية ولا حتى لآراء شبابهم وشعوبهم . لقد برهنت هذه الإبادة أن الإعلام الغربي متصهين وأن ما يقوم بالترويج له هو مجموعة من الأكاذيب التي تخدم مصالحهم وأن الديمقراطية كلمة جوفاء لا مرتسم حقيقياً لها في الواقع الغربي وأن الأنظمة الغربية مستعدة لدعم أي إجرام ولقمع أي تحرك ضده للإبقاء على سلطة المال والسلاح والهيمنة على مقدّرات وضمير العالم.

 

ولعلّ هذا ليس مفاجئاً أن يفشل المحللون الغربيون في فهم جوهر ما تحدث به الرئيس الصيني وقراءة أبعاده الرؤوية والمهمة لصالح البشرية جمعاء. بحيث أن تعليقاتهم وتفسيراتهم تدفع إلى الضحك والاستهزاء بالفعل وكأنّك بطالب ابتدائي يقيّم سردية سياسية رؤوية عملاقة، فقد قال أحد صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي: “إن الصين ترى في الصراع الدائر فرصة ذهبية لانتقاد المعايير المزدوجة للغرب على الساحة الدولية ولتدعو إلى نظام عالمي بديل”.  مصدر آخر قال: ” لقد نصّبت الصين نفسها في تحالف مع العرب والجنوب الأوسع”.  مع أن الرئيس الصيني لا يهمل أبداً الإشارة للمستقبل المشترك للبشرية، بينما كل ما يدعو له الرئيس جو بايدن والقادة الغربيون هو أمن “إسرائيل” ربيبتهم وأداتهم الإرهابية المتقدمة للفتنة والصراع والاحتلال والإبادة رغم اقترافها أبشع مجازر، بحق أبرياء، شهدها التاريخ الحديث.

 

المطمئن في الأمر هو أن المنطق الغربي يبدو باهتاً وأجوف مقارنة بالمنطق القوي والمتجذّر والرؤوي وذي المصداقية للرئيس شي جينبينغ، والذي أصبح مقنعاً حتى للشعوب الغربية وخاصة لأجيالها الشابة، الأمر الذي بدأ يقلق الحكومات الغربية وإمبراطوريتها الإعلامية.

أ. د. بثينة شعبان الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني 2024-06-03sanaسابق العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على البلدات في جنوب لبنان انظر ايضاً مجازر حضارات- بقلم: أ.د.بثينة شعبان

في زحمة المجازر الصهيونية والإبادة الجماعية التي ترتكبها بدعم من الحكومات الغربية المتصهينة وانتهاك كل …

آخر الأخبار 2024-06-03العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على البلدات في جنوب لبنان 2024-06-03هيئة مقاومة الجدار والاستيطان: 1127 اعتداء للاحتلال على الضفة الغربية خلال الشهر الماضي 2024-06-03وزير الموارد المائية يلتقي وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية 2024-06-03المكتب الإعلامي في غزة: حرب التجويع تهدد بموت أكثر من 3500 طفل في القطاع 2024-06-03حرب الإبادة الجماعية تدخل شهرها التاسع… شهداء وجرحى ودمار هائل 2024-06-03زلزال بقوة 6 درجات يضرب منطقة نوتو وسط اليابان 2024-06-03كلوديا شينباوم تفوز بالانتخابات الرئاسية المكسيكية 2024-06-03لتوطين برنامج المهارات الرقمية… إطلاق الشهادة السورية لأساسيات الحاسوب 2024-06-03انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي للطاقات المتجددة بكلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية في جامعة دمشق 2024-06-03الخامنئي: عملية طوفان الأقصى شكلت ضربة قاصمة للكيان الصهيوني

مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسومين بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضيين 2024-06-02 الرئيس الأسد يصدر مرسومين بتعيين أربعة محافظين جدد 2024-05-12 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتحديد الـ 15 من تموز القادم موعداً لانتخابات أعضاء مجلس الشعب 2024-05-11الأحداث على حقيقتها ارتقاء عدد من الشهداء جراء عدوان إسرائيلي استهدف نقاطاً بمحيط حلب 2024-06-03 استشهاد طفلة وإصابة 10 مدنيين جراء عدوان إسرائيلي على المنطقة الوسطى وأحد الأبنية السكنية في بانياس 2024-05-29صور من سورية منوعات المسبار الصيني يهبط على سطح القمر بعد شهر على إطلاقه 2024-06-02 علماء روس يبتكرون طرفاً اصطناعياً للوجه والفكين 2024-06-01فرص عمل السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة توظيف بفرعها باللاذقية 2024-05-12 السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة لشغل عدد من الوظائف في الإدارة المركزية 2024-04-24الصحافة قراءة في خطاب الرئيس شي جينبينغ-بقلم: أ.د.بثينة شعبان 2024-06-03 كاتب بريطاني: “إسرائيل” تتحدى القوانين الدولية بدعم من أمريكا 2024-06-02حدث في مثل هذا اليوم 2024-06-033 حزيران 1965- رائد الفضاء الأميركي إدوارد وايت يقوم بأول خروج إلى الفضاء 2024-06-022 حزيران 1875- ظهور الهاتف لأول مرة على يد المخترع ألكسندر غراهام بيل 2024-06-011 حزيران 1980- شبكة الأخبار بالكابل “سي إن إن” تبدأ بثها لتكون أول قناة إخبارية في العالم 2024-05-3131 أيار-اليوم العالمي للامتناع عن التدخين 2024-05-3030 أيار 2008- إقرار معاهدة حظر الأسلحة الانشطارية 2024-05-2929 أيار- يوم قوى الأمن الداخلي في سورية
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: الرئیس الصینی من أجل

إقرأ أيضاً:

د. لبيب قمحاوي .. التحديات التي تجابه المنطقة العربية في الحقبة القادمة

#سواليف

تحت عنوان “#التحديات التي تجابه #المنطقة_العربية في الحقبة القادمة ” قدم الدكتور #لبيب_قمحاوي محاضرة في #جمعية_عيبال_الخيرية في العاصمة عمان ، يوم أول أمس السبت ، قال فيها :

أود في البداية أن اتقدم بالشكر إلى جمعية عيبال على هذه الدعوة الكريمة في هذه الظروف الصعبة والخطيرة .

تجيء هذه المحاضرة في نهاية عام قاسٍ كان مليئاً بالدماء والتضحيات والبطولات في مجابهة الدمار والقتل الذي أحدثه العدو الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين ابتداءً ، ومن ثم على الأشقاء في لبنان وسوريا على التوالي .

مقالات ذات صلة نائب يطالب بقائمة سوداء لوزراء ومسؤولين 2024/12/30

العنوان قد يوحي بأن هذه المحاضرة قد تكون تقليدية ، ولكنها لن تكون كذلك لأننا لن نبحث في موضوع واحد بعينه ، ولكننا سنبحث في عدة عناوين ومؤشرات تتعلق بقضايا ومواضيع مختلفة ، لها أبعادها على مستقبلنا ، وسوف نبتعد بالتأكيد عن السردية التقليدية والهتاف بأن يعيش فلان ويسقط فلان ، فهذا سلوك حقبة قد وَلَّت ولم يعد يُفيد أي قضية .

من الصعب الحديث عن منطقة ما زالت الأحداث فيها تتفاعل وما زالت قيد التشكيل ، وأمورها ليست بيدها أو بيد أبنائها ، وإنما بيد آخرين يُمْلُوا إرادتهم علينا ، كما أنه من الصعب أيضاً الحديث في قضايا عناوينها قد تختلف تماماً عن محتوياتها وفحواها مما يجعل منها ألغاماً مبعثرة هنا وهناك . بعض محترفي السياسة أو الكتابة قد يسارعوا إلى الأدلاء بدلوهم في قضايا ما زالت تتفاعل ونتائجها غير محسومة وهذا الأمر لا يسمح بإعطاء أي تحليل علمي للأحداث ضمن المصداقيه المطلوبة ولضمان الفائدة المرجوة .

في حديثنا اليوم ، سوف نسعى إلى إلقاء الضوء على مجموعة من المواضيع التي تهمنا جميعاً ونسعى إلى فهمها واستيعاب أبعادها . ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذه التحديات ، من المهم إعطاء تصور واضح للمتغيرات الإستراتيجية التي يمر بها العالم الآن وتؤثر بشكل أساسي على مجرى الأحداث ومداخلها ومخارجها وأسلوب التعامل معها ، لأننا لا نستطيع إستعمال أدوات عالم قديم يعيش أيامه الأخيرة للحديث في قضايا يتم تشكيلها طبقاً لأدوات جديدة ورؤية جديدة في عالم متجدد تتفاعل فيه الأمور بسرعة ملحوظة وعلى أسس تختلف عن ما عهدناه .

سوف نبدأ حديثنا اليوم باستعراض خصائص العالم الجديد الذي سيقود مسيرة التحولات السياسية والإقتصادية والإجتماعية من وضعها التقليدي الحالي إلى وضعها الجديد كما سيكون عليه الحال في المستقبل المنظور .

يكاد العالم ، أيها السيدات والسادة ، أن يفقد توازنه في محاولة التوفيق والموازنة بين ما هو سائد وما هو قادم . وعالمنا العربي بحكم موقعه في أسفل سلم التأثير الدولي ، ما زال يعيش في ظلال عالم قديم وأفكار بائدة وأساليب بالية في إدارة الدولة والحُكْم وبما أبقى العلم والتكنولوجيا والتطور في أدنى سُلَّم أولويات الحكم والدولة الأمر الذي حَوَّل هذا الجزء من العالم إلى مستودع للأفكار البالية والتخلف في كافة المجالات بالإضافة إلى الفساد المرتبط بالإستبداد بشكل عام .

أولويات عالم المستقبل قد إنتقلت من أولوية السياسة إلى أولوية الإقتصاد والتنمية ببعدها الكوني أولاً ، ومن السلاح التقليدي إلى سلاح التكنولوجيا العالية ، ومن الأساليب الإستبدادية المغلقة إلى عالم التواصل والانفتاح . كل هذا والعرب ما زالوا متجمدين في شرنقة من المفاهيم القديمة والأساليب البالية والأولويات التافهة والمحزنة ، لم يبرحوا مواقف وأولويات أجدادهم ، بعد أن سَلّموا مقاليدهم لأنظمة حكم عسكرية إنقلابية استبدادية ولعقود طويلة أدخلت أوطانهم وشعوبهم في قمقم الجمود والتخلف والفساد وعبادة الأشخاص .

لقد إنتهى ، أيها السيدات والسادة ، عصر الايديولوجيا والعقائد السياسية التقليدية والشعارات الرنانة والأحلام الواهمة التي عاشها العالم عموماً والعالم العربي خصوصاً منذ الحرب العالمية الثانية حيث سادت مفاهيم تتماشى ووجهة نظر الدول المنتصرة في حينها . فالمواقف السياسية المبنية على أساس الخلافات العقائدية التي رافقت الحرب الباردة مثلاً ، وكذلك النضال ضد الإستعمار في النصف الثاني من القرن العشرين، والنضال من أجل الإستقلال قد أخذت الآن تفقد أهميتها ودورها في علاقات الحرب وعلاقات السلام بين الدول والشعوب . وفي حين أن السياسة قد تبقى كعنوان في بعض الأحيان ، إلا أن الأهداف الحقيقية تبقى اقتصادية استثمارية والأدوات والوسائل أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة . ومثال على ذلك الصراع الدائر الآن بين أمريكا والصين فهو صراع كبير عنوانَهُ سياسي على زعامة العالم في حين أن محتواه إقتصادي وأدواته تنحصر في التكنولوجيا المتقدمة العالية Hi Tech وليس في السلاح التقليدي . وعلى أية حال ، فإن الأسلحة التقليدية المتطوره أصبحت الآن تـُدار وتَعْتَمد على التكنولوجيا العالية وهي التكنولوجيا التي ألحقت مثلاً أشد الأضرار بحزب الله في مدة قياسية لم يتوقعها أحد .

وهكذا ، فمن الواجب علينا نحن العرب أن نُجابه التحديات القادمة بمنظور جديد ، وأن نعيد صياغة وسائِلنَا وأهدافَنَا بما يمكننا من الانتصار أو حتى الصمود في التحديات القادمة وهي في الحالة العربية أقرب ما تكون إلى كونها امتداداً لقضايا ومشاكل العالم القديم والمقدر لها أن تبقى وتستمر وترافقنا في العالم الجديد المتجدد مثل القضية الفلسطينية .

التشفي الثأري لمن يعارض ويكره هذا النظام أو ذاك ، والبكاء على الأطلال لمن يؤيد ويحب هذا النظام أو ذاك ، لن ينفع في شئ ولن يؤدي إلى شئ . فالأمور السياسية والإستراتيجية الخطيرة لا تُدار بالهتافات والمناداة بالبقاء أو بالسقوط . يعيش العالم العربي الآن حقبة من التحديات الاستراتيجية الخطيرة التي تعتمد في مجابهتها على التخطيط والمعلومات الصحيحة واستعمال التقنيات الحديثة وليس على الشعارات والهتافات التي تمارسها عادة الشعوب المتخلفة والأنظمة الإستبدادية .

أيها السيدات والسادة ،

إن أهم التحديات التي سوف يجابهها عالمنا العربي في الحقبة المقبلة هي ما يلي :-

1- التحدي الأول : النجاح في حل القضية الفلسطينية بما يضمن الحقوق الأساسية الإنسانية والسياسية والوطنية للشعب الفلسطيني ، ومنع أي قوى أخرى من محاولات إلغائها وسحبها من التداول . إن قضية إحتلال فلسطين وتشريد الشعب الفلسطيني هي إمتداد لقضايا العالم القديم والقرن العشرين . وإنه لمِنَ المؤسف والمحزن أن قضية فلسطين قد إمتدت لأكثر من سبعين عاماً دون أن يتمكن العالم والعرب والفلسطينيون من حلّها ، والسبب يعود بالطبع إلى أولويات النظام الدولي السائد في حينه والذي أصبح الآن هو النظام القديم نفسه الذي سيطرت أمريكا بموجبه على العالم وفرضت عليه رؤيتها ومصالحها.

التعامل الإسرائيلي الوحشي مع الفلسطينيين سوف ينتقل قريباً إلى أساليب متطورة جداً من خلال استعماله للتقنية العالية في تعامله مع الشعب الفلسطيني المحاصر تحت الإحتلال وبشكل يُجَنّبْ الاسرائيليين ردود الفعل القاسية والعنيفة للمجتمع الدولي على جرائمهم . واستعمال التقنية الحديثة أمر خطير في التعامل مع المجتمع المدني الفلسطيني لأنه استعمال يهدف إلى الإزالة الجماعية أو الازاحة والتشتيت بشتىَّ الطرق والوسائل دون إستثارة الرأي العام العالمي بهدوء صامت ولكن قاتل ومميت .

إن قدرة الفلسطينيين على التعامل مع المتغيرات في الواقع الفلسطيني والقضية الفلسطينية تتطلب توفر القدرة على الخروج من عباءة التفكير التقليدي والدخول في عالم الحداثة ، واستيعاب المتغيرات السياسية والإقتصادية والتكنولوجية ، ومحاولة الخروج ببرنامج عمل جديد ورؤية جديدة لكيفية التعامل مع هذه المتغيرات في إدارة الصراع مع العدو الإسرائيلي لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته . إن هذه الرؤية الجديدة يجب أن تشكل المدخل للتعامل الفلسطيني الجديد مع الإستعمار الإسرائيلي في الحقبة المقبلة. ومن أهم المؤشرات على هذه المتغيرات المطلوبة للحقبة المقبلة :-

المتغير الأول : استثمار التعاطف الشعبي الدولي مع الفلسطينيين نتيجة لعمليات القتل الجماعي للفلسطينيين والدمار الشامل لمدنهم في حرب إسرائيل الأخيرة على إقليم غزة الفلسطيني . لقد جاء هذا التعاطف في أصوله لأسباب إنسانية وليس لأسباب سياسية ، ومن هنا على الفلسطينيين الإستفادة من ذلك التعاطف والبناء عليه عوضاً عن الإصرار على فرض رؤيتهم السياسية على شعوب العالم ، فالنتيجة واحدة فيما لو ثابر الفلسطينيون على العمل للإبقاء على جذوة التعاطف الشعبي الدولي مع الفلسطينيين والإبتعاد عن إضعافها من خلال إدخالها في متاهة الخلافات السياسية .

المتغير الثاني : نقل القضية الفلسطينية من كونها قضية سياسية إلى كونها قضية تمييز عنصري من خلال غرس القناعة لدى شعوب العالم وحكوماته بأن النظام في إسرائيل هو نظام عنصري فاشي وتجنب الإصرار على تقديم القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية سياسية صفرية بمعنى إمَّا الفلسطينيين أو الإسرائيليين . فالعالم الآن أكثر استعداداً لرفض أنظمة التمييز والفصل العنصري والنضال ضدها بإعتبارها تتنافى والقانون الدولي والإنساني وحقوق الإنسان أكثر من استعدادها للتحالف مع قضايا الإحتلال والتحرر الوطني والنضال المسلح . إن إستغلال المنافذ المفتوحة والمقبولة لخلق موقف شعبي دولي رافض بالنتيجة لسياسة الإحتلال الإسرائيلي العنصرية هي التغيير الأهم الذي يجب أن يسعى إليه الفلسطينيون في الحقبة المقبلة .

المتغير الثالث : التأكيد على أن مسار حل الدولتين هو الخيار الخاطئ والقاتل وليس الحل المنشود . فهذا المسار في حال قبوله سوف يكرس الإحتلال من خلال إقرار الفلسطينيين بتقسيم فلسطين التاريخية ، وتعطي الكيان الإسرائيلي الشرعية التي يفتقدها من خلال تنازل الفلسطينيين عن حقهم في الأراضي التي سوف تـُعْطَى للدولة اليهودية ، كل ذلك مقابل الحصول على شبه دويلة للفلسطينيين تدور في الفلك الإسرائيلي .

المتغير الرابع : العمل على دخول الفلسطينيين والمجتمع الفلسطيني تحت الإحتلال عالم الحداثة والتكنولوجيا المتطورة حتى يتمكنوا من بناء المصدات الإلكترونية اللازمة لحمايتهم من هجوم العدو الصهيوني من جهة ، وتعزيز قدرتهم على التواصل مع المجتمع الدولي للحفاظ على الدعم المنشود والمطلوب لقضيتهم من جهة أخرى .

أما باقي التحديات وهي كثيرة، فيمكن التركيز على تحديين إثنين بإعتبارهم الأهم:-

2- التحدي الثاني :- العمل على عدم السماح بتمزيق دول العالم العربي إلى دويلات والحفاظ على المصالح الوطنية والقومية لدول العالم العربي ، حيث أن مجرى الأمور حالياً يشير إلى بداية حقبة تهدف إلى تمزيق الدول العربية إلى دويلات طائفية أو مذهبية أو عرقية تصب في دعم المصالح الإسرائيلية وتجعل من الأسس الدينية التي قام عليها الكيان الإسرائيلي اليهودي امراً شرعياً ومقبولاً كون هذا سيكون واقع الحال في المنطقة إذا ما تم تمزيق دوَلِهِ إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية .

3- التحدي الثالث :- العمل على البناء الإقتصادي والتكنولوجي الحديث للدول العربية ونقل العالم العربي من حالته الحالية البائسة والمتخلفة في كافة المجالات، إلى عالم الحداثة من خلال تحويل دول العالم العربي إلى دول نابضة شفافة وحيوية بعيدة عن الإستبداد والفساد والتخلف تستثمر مستقبلها في حقول العلم والتكنولوجيا وتنشئة أجيال قادرة على التعامل مع التكنولوجيا العالية المتقدمة وإستغلالها وإستعمال الأساليب والأدوات ذات التقنية العالية لحماية مصالحها وبناء قدراتها .

مقالات مشابهة

  • الرئيس الصيني لـ«بوتين»: بكين وموسكو تتقدمان دائماً يداً بيد
  • الرئيس الصيني يتعهد بتشجيع “السلام العالمي” في رسالة إلى بوتين بمناسبة العام الجديد
  • الرئيس الصيني: نسير مع روسيا على الطريق الصحيح لعدم الانحياز أو المواجهة
  • برسالة لبوتين.. الرئيس الصيني يتعهد بتشجيع "السلام العالمي"
  • الرئيس الصيني يعزّى في كارتر وينعاه في رسالة مؤثرة
  • الرئيس الصيني لبايدن: مستعدون لتطوير العلاقات بين بكين وواشنطن
  • د. لبيب قمحاوي .. التحديات التي تجابه المنطقة العربية في الحقبة القادمة
  • كلثوميات تضئ معهد الموسيقى العربية احتفالا بـ2025
  • الرئيس الصيني يعزي «كوريا الجنوبية» في تحطم طائرة ركاب
  • الرئيس الصيني يقدم تعازيه لكوريا الجنوبية في ضحايا الطائرة المنكوبة