في نهاية عام 1965، كنت طالباً في السنة الدراسية الأولى في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، وقد وصلتها متأخراً عن بداية الدراسة، فلم أتعرف على الطلبة، ولم أكن من المترددين على مطعم الطلبة، حيث كان كخلية نحل، مزدحماً بالطلبة، أما الطالبات فكانت لهن استراحة الطالبات في الدور العلوي من المطعم.
وأنا أجول بنظري في الساحة المتوسطة لمباني الكلية، لمحت أن هناك بساطاً أخضرَ من الحشائش يمتد إلى سور الكلية وفي نهاية ذلك البساط الأخضر مبنى من خشب، يقال له: كُشك، كُتب على واجهته: «مكتبة الأنجلو المصرية».
الصورة
في ذلك الكُشك جلس رجلٌ، مرتدياً ثوباً مما يلبسه المصريون والسودانيون، يقال له: القلابية، حيث تنقلب بين الخلف والأمام، ألقيت عليه التحية، وعرفته بنفسي قائلاً: «أنا الطالب سلطان بن محمد القاسمي من طلبة السنة الأولى».
قام ذلك الشخص، الجالس في وسط الكُشك، وحوله أرفف مليئة بالكتب وقال: أنا فكري كراس بخيت من مكتبة الأنجلو المصرية.
قلت: المكان هادئ، مناسب للقراءة.
قال: تطلب كتاباً معيّناً؟
قلت: أريد أن أعرف أسماء الكتب التي على الأرفف.
قال: تفضل.
وأدخلني إلى داخل الكُشك، وقرّب لي كرسياً كان قريباً منه، وهو يقول: اجلس، وأنا أحضر لك الكتب.
سأل فكري عن بلدي، وشرحت له مكانها على خريطة رسمتها على كشكول كان معي، وأعطيته تلك الورقة. وكلمة كشكول عربية، وتعني: وعاء المتسول، يضع فيه رزقه وهو خليط، كذلك الكراسة التي توضع فيها المعلومات.
كنت أجلس في كُشك عم فكري كل يوم أكون فيه في الكلية، ولا أخرج من ذلك الكُشك، إلّا وأنا قد اشتريت من عنده كتاباً أو كتابين.
حدثني عم فكري عن صاحب مكتبة الأنجلو المصرية، الأستاذ صبحي جريس، الذي لاحظ أن مبيعات عم فكري قد زادت في الكتب الثقافية، وقد سأله عن سبب ذلك، أخبر عم فكري الأستاذ صبحي جريس عني، وأظهر له الورقة التي رسمت عليها خريطة الخليج العربي، وقال له: إنه من بلد يسمى الشارقة، طلب الأستاذ صبحي جريس من عم فكري أن يخبرني بأنه يريد أن يقابلني.
قلت لعم فكري: متى نذهب إليه؟
رد عم فكري: حتى لو تريد الآن.
قلت: بدون سابق ميعاد؟!
قال: كل وقته في المكتبة، لكنّي سأتصل بالمكتبة هاتفياً، لا تترك الكُشك. خرج عم فكري من بوابة الكلية الجانبية، التي تفتح على شارع به بقالة صغيرة بها هاتف لاستعمال الجمهور.
عاد عم فكري، وهو يقول: هيا بنا، الأستاذ في انتظارك. ركب عم فكري معي في سيارتي، فسألته عن مكان المكتبة، فأخبرني قائلاً: وسط البلد (وسط مدينة القاهرة)، شارع محمد فريد.
في الطريق إلى المكتبة أخذ فكري كراس بخيت يتحدث عن المكتبة ومؤسسها الأستاذ صبحي جريس، وإذا به خبيرٌ متمكنٌ في حديثه عن المكتبة، وليس عم فكري بالقلابية.
قال فكري بخيت: «مكتبة الأنجلو المصرية أسسها صبحي جريس عام 1928، كانت تطبع الكتب الأجنبية، وفي أواخر الأربعينات بدأت بنشر الكتب العربية، وهي من أكبر دور النشر في القاهرة، سميت بمكتبة الأنجلو المصرية اختصاراً لكلمة «الإنجليزية المصرية»، لتخصصها في الكتب الإنجليزية.
تخصصت المكتبة في الكتب العلمية الأكاديمية، وكتب علم النفس والتاريخ، التي أثرت مكتبات مختلف الجامعات المصرية».
أضاف عم فكري قائلاً: «وإلى جانب معرفته الواسعة بالكتب والعلوم، كان صبحي جريس مُعلماً رغم أنه لم يكن مدرساً يُعطي دروساً ممنهجة، فكان مدرسة متنقلة مفتوحة لجميع الكُتّاب والقراء، لا سيما الطلاب منهم».
أنهى عم فكري كلامه قائلاً: «كذلك ضمت المكتبة الكثير من المثقفين والأكاديميين الكبار، فكانت في وقت من الأوقات مجلساً لنجيب محفوظ وطه حسين وعباس العقاد، وغيرهم من الكُتّاب، حيث يقضون فيها يومياً ساعات من النهار يتصفحون الكتب، ويتناقشون حول كل جديد، فكانت محفلاً ثقافياً مصغراً».
عم فكري: «ها نحن قد وصلنا.. .اركن هنا».
في مكتبة الأنجلو المصرية، وقف الأستاذ صبحي جريس، بين أربعة حيطان عليها أرفف مليئة بالكتب، من الأرض إلى السقف.
بعد أن رحب بي الأستاذ صبحي جريس عرفته على نفسي، وإذا به ينبهر بصبيّ بعمر الثالثة عشرة لديه مكتبة خاصة في ذلك العمر، وذلك الجزء من العالم، وذلك الوضع من الزمن.
أخذ الأستاذ صبحي جريس، يفتح ينابيع المعرفة التي اكتنزها على مر السنين، وأنا أحاول أن أعرض عليه أن يدلني على الطريق الصحيح الذي أسلكه للوصول إلى أصول الثقافة والعلوم الأخرى المرافقة لها.
قال الأستاذ صبحي جريس: افتتن الأوروبيون بإنجلترا، وأصبحوا يحلمون بما لها من البحث العلمي والحركة الفكرية التي أسسها شكسبير «Shakespeare» (1564 1616)، وللتنافس الشديد بين فرنسا وإنجلترا في تلك الفترة، تقدمت فرنسا بعلمائها ومفكريها في ذلك العصر، القرن الثامن عشر، حيث أطلق عليه «قرن الأنوار» التي تعني نهاية الظلمات.
أضاف الأستاذ صبحي جريس قائلاً: من جانبي سأختار لك مجموعة من الكتب وسأرسلها مع فكري، أما الأماكن التي يجب أن تزورها فأنصحك أن تبدأ بالمجمع العلمي المصري فستجد الثقافة الفرنسية هناك. وسلمني رسالة إلى إدارة المجمع، كتب فيها: «يهمني أمره».
بدأت البحث عن الثقافة والمعرفة والتراث في جميع أماكنها في القاهرة، وعلى مدى خمس سنوات لم أترك مكاناً به معرفة إلّا وأقمت فيه ساعات من القراءة والبحث.
بعد أن عدت إلى الشارقة لم تنقطع صلتي بالمجمع العلمي المصري وكذلك بمكتبة الأنجلو المصرية. المجمع العلمي المصري: أسسه نابليون بونابرت «Napoleon Bonapart» تحت اسم «المعهد المصري» في فترة الاحتلال الفرنسي لمصر (1798 1799).
كانت معظم كتب المجمع العلمي المصري قد جلبت إليه عن طريق المعهد الفرنسي في باريس، فتوجهت إلى هناك، فوجدت بحراً من الكتب، في جميع أبواب العلم تقدر بستمئة ألف كتاب. يعود أصل ذلك المعهد لمقتنيات كاردنال مازارين «Cardinal Mazarin» (16021661)، رئيس وزراء لويس الرابع عشر «Louis XIV» (بين عام 1643 وعام 1661).
كنت في حيرة من أمري، كيف أبدأ؟
تعرفت على أصحاب محال بيع الكتب القديمة في باريس، فعثرت في أحد تلك المحال على ثلاثة مجلدات تحت عنوان: المعهد المصري - فهرس قائمة الكتب (1859 1927)، وقد تم تسجيل عشرة آلاف كتاب، ومن ذلك الفهرس بدأت أجمع الكتب التي جاء ذكرها في ذلك الفهرس.
كانت نيتي أن أكوّن مجمعاً شبيهاً بالمجمع المصري أو المعهد الفرنسي، فكان لي ما تمنيت، فقد جمعت عشرة آلاف كتاب على مدى عدة سنوات، وأطلقت عليه مجمع الشارقة العلمي. وقلت هو ثالثة الأثافي، والأثافي هي ثلاثة أحجار يوضع عليها القدر، ولو أزيح أي حجر ينقلب القدر.
في يوم شؤم، احترق المجمع العلمي المصري في القاهرة في مساء يوم السبت الموافق السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2011، وإذا بي أصرخ من باريس.. .: لا تجزعوا ولا تحزنوا فكل كتاب يحترق في المجمع لديّ نسخة مثله في مكتبتي.
قال بعضهم: يكذب.. .وقال آخرون: يبالغ، وقيل: يريد أن يُهدئ الناس.
حتى إذا ما اكتملت إعادة بناء المجمع العلمي المصري، التي لم تستغرق إلّا عدة أسابيع، تمّ شحن كتب مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، وكانت محتوياته عشرة آلاف كتاب، تحت سبعة آلاف وثمانمئة وثمانية وثمانين عنواناً، كما جاءت في فهرس كتب المجمع العلمي المصري في القاهرة.
رغب بعض المسؤولين بوضع ختم «دارة الدكتور سلطان القاسمي»، على كل كتاب، فقلت: حسنة وفيها سيئة، للمصريين عليّ دَين، «لهم يدٌ سلفت ودَين مستحق»، فكانت الكتب كما كانت سابقاً.
بعد أن تمّ شحن الكتب إلى القاهرة وتأكدت أنها وضعت على الأرفف في المجمع العلمي بالقاهرة، سارعت باقتناء نفس المجموعة المكوّنة لمجمع الشارقة العلمي سابقاً، بعد أن أمضيت في اقتنائها ثلاث عشرة سنة، لإقامة مجمع الشارقة العلمي، ثالثة الأثافي، الذي هو الآن تحت التأسيس.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ثالثة الأثافي جامعة القاهرة كلية الزراعة مقالات المجمع العلمی المصری الشارقة العلمی فی القاهرة بعد أن فی ذلک
إقرأ أيضاً:
أطفال أتوبيس الفن الجميل في جولة بدار الكتب والجمعية الجغرافية (صور)
كتب- محمد شاكر:
يواصل أتوبيس الفن الجميل، جولاته الميدانية للأطفال خلال شهر يناير الحالي، ضمن أجندة فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، وفي إطار برامج وزارة الثقافة.
وشهدت الجولات زيارة عدد من أطفال المركز النموذجي للمكفوفين، لدار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة، احتفالا باليوم العالمي للغة برايل، بحضور د. أسامة طلعت، رئيس مجلس إدارة الدار، د. أشرف قادوس، رئيس الإدارة المركزية للمراكز العلمية، د.حنان موسى، رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، د. چيهان حسن، مدير عام الإدارة العامة لثقافة الطفل.
استهلت الفعاليات بتفقد الحضور معرض نتاج الورش الفنية والحرفية المقدمة لذوي الهمم، أعقب ذلك لقاء بمشاركة د. مينا رمزي، رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب، ونبيلة عبد الفتاح، مدير المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين.
وفي كلمته رحب د. مينا رمزي بالحضور، موضحا دور الدولة في الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة واتجاهها بإنشاء قاعات خاصة للمكفوفين وضعاف البصر، مزودة بالكتب المسموعة، والمطبوعة بطريقة برايل.
من ناحيتها، تحدثت د. حنان موسى عن دور وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة العامة لقصور الثقافة في رعاية ذوي الإعاقة وخاصة ذوي الإعاقة البصرية.
وأعربت "موسى" عن سعادتها للمشاركة في ذلك اللقاء الذي شهد الكثير من المواهب الفنية من ذوي الهمم في المجالات المختلفة.
بدورها قدمت مدير المركز النموذجي لرعاية وتوجيه المكفوفين، نبذة مختصرة عن دور المركز وتاريخ إنشائه وأنشطته المختلفة.
واختتم اليوم بجولة تفقدية داخل الدار شملت قاعات المكفوفين، والمعامل المزودة بأجهزة تعمل بطريقة برايل، بجانب الاستماع الى عدد من الكتب المسموعة باللغتين العربية والإنجليزية.
كما شهد متحف الأنثروبولوجي التابع للجمعية الجغرافية المصرية، زيارة لعدد من أطفال المعاهد الأزهرية بمنطقة الجيزة.
وبرفقة علي شرف، مدير المتحف، تعرف الأطفال على تاريخ الجمعية التي تعد أقدم جمعية جغرافية خارج أوروبا والأمريكتين.
كما استمتع الأطفال بمشاهدة مقتنيات المتحف المعبرة عن التراث المصري وعاداته وتقاليده، والموجودة داخل قاعاته المتعددة ومنها: قاعة الهوايات والتقاليد المصرية، والقاعة الثانية التي تضم مجموعة من المنشورات الحديثة، وتماثيل بأزياء تقليدية من أقاليم مصر المختلفة، والقاعة الثالثة التي تحتوي على حيوانات محنطة وأدوات الصيد وقطع أخرى ترجع لبعثات الجمعية، وأخيرا قاعة قناة السويس، المهداة للجمعية من قِبل شركة قناة السويس، وتشتمل على خرائط وماكيتات لنقاط العمل في القناة.
واختتمت الجولة بتنفيذ ورشة فنية تضمنت تصميم لوحات مستوحاة من التراث تدريب سارة علي.
جاءت الأنشطة ضمن برنامج جولات مميز لأتوبيس الفن الجميل، أعدته الهيئة العامة لقصور الثقافة للأطفال خلال شهر يناير الحالي.
اقرأ أيضا:
الحكومة تحدد رسميا موعد إجازة ثورة 25 يناير وعيد الشرطة
هل انفصلت الإعلامية مها الصغير عن أحمد السقا؟.. مصادر مقربة تكشف الحقيقة
أطفال أتوبيس الفن الجميل دار الكتب الجمعية الجغرافية
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
أخبار مصر الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس حتى الإثنين المقبل: شبورة ضبابية وأمطار منذ 1 ساعة قراءة المزيد أخبار مصر وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى السودان بتوجيهات من الرئيس السيسي منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر هيئة الدواء تقدم نصائح مهمة قبل تناول أدوية الحموضة.. وتحذير للحوامل منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر "مدبولي" يترأس اجتماع الحكومة الأسبوعي اليوم يعقبه مؤتمر صحفي منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر حالة الطقس اليوم الأربعاء: تحذير من الشبورة الصباحية (بيان بالدرجات) منذ 5 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر أعمال الموسيقى العربية على بيانو عمرو سليم بالأوبرا منذ 8 ساعات قراءة المزيدإعلان
إعلان
أخبارأطفال أتوبيس الفن الجميل في جولة بدار الكتب والجمعية الجغرافية (صور)
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك مجانا.. القنوات الناقلة لمباراة منتخب مصر لكرة اليد اليوم في كأس العالم تركي آل الشيخ ينشر صورة محمد صلاح بقميص الهلال السعودي 22القاهرة - مصر
22 14 الرطوبة: 36% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك