أنوار علي الفارسية
الحضارة شريك أصيل لتقدم الفنون العُمانية، فجميع الحرف والصناعات التقليدية جزء أساسي من التراث الشعبي في ثقافتنا المادية مختزلة في الفنون لما لها من دلالات مرتبطة بأصل تاريخ الشعوب وتنبع أهميتها كونها جزء من حياتنا فاتجه العديد من الفنانين العمانيين إلى تأكيد التوثيق بطريقة عفوية غير مقصودة في أعمالهم مستخدمين دلالات مختلفة في شتى المجالات.

فالحضارة عند هيجل لا يدرسها بشكل منفصل عن الفن  فالطابع الجدلي لرؤية الجمال حتم وضع الفن مع الحضارة  كمظهر من مظاهر الثقافة  لأنها تحدد جدلية الإنسان ووضعة الاجتماعي فيصبح الفن تعبيراً عن الجوانب الأنطولوجية لمرحلة الوعي الإنساني ومراحل تطوره  فلا يمكن تحليل العمل ودراسته بمعزل عن الثقافة والتاريخ والحضارة.
ولعل ما يستوقف لبرهة أمام الأعمال الفنية العمانية للفنانين في المعارض بمدى مقاربتها بين الموروث الحضاري واتجاهات الفنون العالمية، فما تحتضنه من دلالات رمزية يضيف  لغة تشكيلية وفلسفة متأصلة بتاريخ المجتمع وموروثاته الشعبية، وكون أن الفنان العماني غير منعزل عن الحياة فقد اشترك على مر العصور كعامل موثق، فالفن وليد الفطرة يكون صادق التعبير معبراً عن الأفكار في هيئة لوحة تصويرية، منبثقة من المعتقدات وأسلوب الحياة التي تشكلت من العادات والتقاليد والقيم، فجسد بعض الدلالات الرمزية المرتبطة ارتباطاً مباشراً بالحضارة  كجزء أساسي في عمله الفني، ومما يظهر في المعارض الفنية الحالية مدى إلمام  الفنان العماني بأنماط التراث والتعرف على فنونة وعناصره أصبح هدفاً علمياً قابل للتطوير والاستحداث قبل أن يكون انطباعاً للذكريات، فالأصول المرتبطة بثقافة وفكر عصر غطى جزء كبير من تأويل الأعمال الفنية بشتى مجالاتها وفتح ستار الغموض لتفسير المعنى، فالإرث الشعبي رمز أصيل ناتج من محصلة جهود متأصلة من العمل الدؤوب من قبل الأسلاف وجب علينا إلقاء الضوء عليه لترسيخ قيم الانتماء والاعتزاز ومن ثم توريثها للأجيال القادمة وإعداد رؤى معاصرة منبثقة من أسس متينة لتواكب لغة العصر الحالي.


لوحة الفنانة العمانية عالية الفارسي


لوحة الفنان العماني يوسف النحوي

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التبرعات الإنسانية بين لوحة البئر وأحلام العِطاش

لا يضمحل الخير ولا ينفد من نفوس أهله أبدا، ولا ينبغي ذلك مع تحديات الواقع ومصاعب الحياة، فبالتكافل وحده يمكن للمرء أن يأمن على عدالة الأرض وخير الإنسان ونبل القيم، لكن بعض الشر قد يذهب بكثير من الخير، الجشع والأطماع والانتهازية مصائد ينصبها ضعاف النفوس لما بقي من خير الإنسان وسعيه للتكامل والتكافل، منها استغلال العمل الخيري في كثير من مشاهد الرياء وسعي الأثرياء للرواج وتسويق الذات فيما يخرج عن غاية العمل الخيري الحقيقية لغايات أخر تنأى بالخير عن مقاصده، وبالخيّرين عن أهدافهم.

من ذلك ما صار مادة يتندر بها بعد إعلان التبرعات الخيالية لأعمال الخير، وتساؤل الفقراء عن عدم وصول أي من سحائب الغيث المُرَجَّى رغم كل دلائله من بروق ورعود، شُبِّه الأمر بلوحة الآبار الإفريقية التي يتبدل فيها اسم المتبرع ليحتفي المتبرع مع الوسيط دون وصول قطرة ماء للعِطاش المنتظرين غوثا وغيثا، ما هو إلا مشهد تتم المتاجرة به باستغلال كل من عطف وإنسانية المتبرع وحاجة وعطش المتبرع له، ومنها ومن غيرها كثر الحديث حول ضرورة التيقن من وسيط التبرعات الإنسانية ثم التأكد من وصولها فعلا بعيدا عن سذاجة فكرة اللوحة والاسم، وإن لم يكن هذا اليقين والتثبت ممكنا فالأولى اختيار أبواب خيرٍ محلية قريبة تضمن وصول الخير لمستحقيه دون استغلال أو نهب ،أو سوء توجيه في أعمال تنافي القيم الإنسانية الساعية للسلام والعدالة والتكافل.

تداولت مؤخرا وسائل الإعلام الغربية خبرا حول فضيحة أطاحت بسمعة عارضة الأزياء نعومي كامبل بوصفها شخص غير مؤتمن، ووجهت لها اتهامات بسرقة الأموال الخاصة بالجمعيات الخيرية، فقد أثبتت التحقيقات أنها كانت تستغل أموال عروض الأزياء التي كانت تنظمها بهدف خيري، للإقامة بأفخم الفنادق، ودفع أجرة الحراس الشخصيين، وغيرها من الأمور، في حين ترسل بعض هذه الأموال كتمويه للجمعيات الخيرية.

كامبل، المولودة في لندن، من نخبة العارضات على مجال الموضة والأزياء منذ تسعينيات القرن الماضي، وأسست في 2005م (فاشن فور ريليف) أو «الموضة من أجل الإغاثة» بهدف جمع أموال لقضايا إنسانية وإغاثة الفقراء، من خلال تقديم عروض أزياء، لكن تلك المؤسسة أزيلت من قائمة الجهات الخيرية في بريطانيا هذا العام، كامبل تعتبر واحدة من أثرى عارضات الأزياء حول العالم حيث تُقدر ثروتها بنحو 80 مليون دولار، ولا تزال حتى اليوم خلف الأضواء في أبرز الأحداث والمناسبات.

حصلت كامبل على وسام فارس في الفنون والآداب من وزارة الثقافة الفرنسية، تقديراً لمسيرتها في مجال الأزياء، ونشاطها في مكافحة التمييز العرقي وتعزيز التعددية بعد سحب الثقة عنها في إدارة المؤسسة الإنسانية !

قضية كامبل ومؤسستها الخيرية ليست أولى قضايا استغلال العمل الإنساني لبلوغ ثروة شخصية أو مآرب غير إنسانية، فقد سبقتها أخواتها سواء عبر مشاهير أو عبر منظمات إنسانية حتى في الأمم المتحدة ذاتها، من ذلك ما حدث عام 2013م أثناء الحملة التي قرّرت كيم كارداشيان فيها جمع أموال من خلال بيع ملابس شخصية لها، على موقع «إيباي»، على أن تعود كل الأموال التي تجنيها لضحايا إعصار هايان الذي ضرب الفلبين، جمعت كارداشيان 400 ألف دولار في أيام قليلة ليتبيّن أنها تبرّعت بـ 20 ألف دولار فقط منها، فيما جنت حوالي 380 ألف دولار من هذا المزاد، ومنها كذلك ما فعله بونو نجم فريق U2 وأحد أشهر النجوم العالميين حين أطلق عام 2002 مبادرة «وان» للقضاء على الجوع في القرن الأفريقي، وبالفعل نتيجة شهرته تمكّن من جمع 15 مليون دولار، أما المفاجأة فهي أن كشوفات الضرائب أكدت أنه تبرّع فقط بـ 190 ألف دولار، ومنها فضيحة عام 2009 م حينما أعلنت المغنية العالمية مادونا حملة جمع 15 مليون دولار لبناء مدرسة للبنات في ملاوي، وفي عام واحد جمعت المبلغ، ليتمّ طرد 200 عائلة من الأرض التي قررت مادونا بناء المدرسة عليها، لكنّ كل الأموال تبخّرت قبل وضع حجر الأساس للمدرسة، وبالتدقيق المالي وجد أن قسما من الأموال ذهب لشراء سيارات للموظفين الذين لم يقوموا بأي عمل، أما باقي الأموال فذهبت إلى جيب الفنانة الشهيرة! ومثلها ما سبق من فضائح الاعتداءات الجنسية والاستغلال بكل من منظمتي «أوكسفام» و» أطباء بلاحدود» ومنها احتيالات الاختراق والروابط الوهمية التي تذهب بالتبرعات لحسابات شخصية لعصابات بدلا من مساعدة الضحايا إبان أزمة الزلازل في المغرب أو تركيا وغيرها مما لا يُحصى.

ختاما؛ إن كانت كل تلك الفضائح تم إعلانها بعد سنوات من المراقبة والمتابعة في دول دقيقة في مثل ذلك فإن من نافلة القول ضرورة الحذر في التعامل مع فرق العمل الخيري ومؤسساته مع تأزم أحوال الناس في الشرق الأوسط، لا بد من متابعة دقيقة ومراقبة دائمة لإدارة فرق العمل الإنساني محليا ودوليا، ثم تقييد وتحديد جمع التبرعات بمعرفة وجهتها فعليا لا نظريا، كما أنه لا بد من نشر الوعي بين الناس ضمانا لإدارة مثلى تعنى بالعمل الخيري وحسن توزيع التبرعات لمستحقيها، مع الحذر من استغلال ظروف الضحايا لنهب أموال الناس سعيا لثراء شخصي أو تمويل لعمل غير إنساني مما يزيد معاناة الفريقين معا؛ الضحايا متاجرةً بمظالمهم وقضاياهم ونكباتهم، والمتبرعين استغلالا لتعاطفهم وسلب ثقتهم في فرق ومؤسسات العمل الإنساني والتكافل الاجتماعي.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

مقالات مشابهة

  • الخارجية الإيرانية: جرائم الاحتلال ضد الأهداف المرتبطة بإيران لن تبقى دون رد
  • «حفيد الوز عوام».. نجوم يواصلون مسيرة أجداهم الفنية
  • رشوان توفيق: القوة الناعمة ناقل حقيقي للواقع ولها سلطان قوي على الجمهور
  • تفسير حلم شراء ملابس جديدة في المنام.. دلالات مختلفة
  • التبرعات الإنسانية بين لوحة البئر وأحلام العِطاش
  • يوسف الشريف يظهر في مباراة الأهلي والزمالك.. ما علاقة فيلمه الجديد؟
  • مفتي الجمهورية يستقبل وفدًا رفيع المستوى من علماء الجمعية المحمدية بإندونيسيا
  • وزير الداخلية: نتعاون مع خبراء دوليين لتدريب طلابنا ونتبع السياسة الأمنية المعاصرة
  • انسحاب آبل من محادثات تمويل OpenAI: دلالات وأبعاد استراتيجية
  • «شرشر» في «برغم القانون».. «رأفت الهجان» طريق محمد محمود عبدالعزيز لدخول الفن