الأفتراضات غير الواقعية مدعاة لاستمرار الحرب
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
زين العابدين صالح عبد الرحمن
صحيح أن هناك مباديء سياسية تنطلق منها بعض القوى السياسية، و تحاول أن تبحث عنها في كل مبادرة تقدم لكي تجعلها تقبلها أو ترفضها لمبادئها، و لابد على هؤلاء أن يتأكدوا تماما؛ أن السياسة أيضا تتأسس على المتغيرات، فالواقع و حركته تفرز باستمرار متغيرات لابد من مراعاتها، و التصلب في المواقف لا يساعد على الحلول.
أن الحرب أيضا قد أفرزت متغيرات جديدة في الشعارات و الأجندة و القيادات، و حتى في التحالفات، و البحث عن حلول في ظل الحرب لابد من مراعاة للمتغيرات، و أي تقديم مبادرات للحل لابد أن تراع لهذه المتغيرات، و أيضا البناء عليها، لكن للأسف أن العقل السياسي السوداني عقل جامد، يقف عند مباديء تجاوزها حتى الفكر السياسي.. بالأمس استمعت لجدل من بعض السياسيين من تيارات مختلفة على منصة " قناة تلفزيونية" لكيفية وقف الحرب في البلاد، و الدخول في مفاوضات سياسية، أن تباين الرؤى في الحوار لم يكن نتيجة للمباديء، أو الفكر الذي ينطلق منه كل واحد، و لكنه كان ينطلقون من الفكر الزرائعي، فالبعض رغم كل أفرازات الحرب و المتغييرات التي حدثت في الواقع، لا يعتقدون أن المتغيرات تجعلهم يفكرون بعيدا عن الوصول للسلطة، واحدا من هؤلاء يتحدث بأنه الثوري الذي يجب عليهم الانصياع إليه، و القبول بالشروط التي يقدمها لأنه يعتقد هو وحده الحريص على الإيفاء بشعارات الثورة. هذا هو الجمود نفسه، لآن شعارات الثورة في ظل المتغيرات أدت لبروز شعارات جديدة، و الغريب في الأمر أغلبية حديثه كان يعتمد على بروز شعار " لا للحرب" مما يؤكد هناك متغرات، و أفرزت أحدثت واقعا جديدا و يجب عدم تجاهله..
و في ذات الحوار الذي لم يؤسس على فروض واضحة، يتحدث الثاني عن ضرورة المفاوضات، و قال أن عدم إذعان الجيش و الميليشيا لنداءاتهم سوف تتحول الحرب إلي حرب أهلية، و قال أنهم في حوار مع الخارج بهدف وقف الحرب فورا.. أن الحديث بأن الخارج وحده هو الذي يمتلك سلطة وقف الحرب، يؤكد أن هؤلاء لا يملكون كرت ضغط وطني يمكن التلويح به لكي يذعن الجيش و الميليشيا، و هو اعتقاد أنهم لا يملكون رصيدا شعبيا يمكن أن يمارس ضغطا وفقا للشعارات التي يرفعونها.. لكن الغريب قال أنهم منفتحون و يقبلون أي قوى سياسية توافق على شعار " لا للحرب" و هذا تحول كبيرا لأنهم قبل ذلك كانوا يضعون شروطا تعجيزية للقوى السياسية عندما كان الشعار " لا للإغراق السياسي" فالحرب بالفعل أحدثت متغيرات، و لابد من مراعاتها.. المتحدث الثالث كان مدركا للمتغيرات و تحدث عنها باستفاضة أن الأجندة التي كانت قبل الحرب لن تكون هي الأجندة التي تشكل الواقع السياسي الآن، و قال يجب على الكل أن يكون مدركا أن هناك متغيرات في الواقع و يجب مراعاة ذلك، إذا كان الناس تبحث عن حلول، فالإقصاء غير مقبول..
الإشكالية أن العقل الذي فشل و أدرك أنه فشل في التجربة، يريد المحاولة مرة أخرى الوصول للسلطة دون أن يقدم نقدا لتجربته السابقة، و التي كان من المفترض أن يشرك فيها قطاعا واسعا من الجمهور، و أيضا حتى الآن لم يوضح الأسباب التي أدت للفشل و أبعدته عن السلطة.. هذا العقل إذا جاء للسلطة مرة أخرى سوف يعيد إنتاج ذات الفشل.. لآن التغيير إذا كان قد حدث سوف يتجاوز مسببات الفشل السابقة، و يظهر في المبادرة التي يرفعها، و في الشعارات الجديدة، و حتى في تقديم قيادات جديدة.. و الرهان يصبح على الشعب وحده لأنه صاحب المصلحة.. أما الرهان على الخارج و أدوات الخارج تصبح أجندة الخارج هي المطلوب تحقيقها و ليست الأجندة الوطنية..
الملاحظ أيضا: في الحوار بين التيارات المختلفة، الإكثار من المصطلحات المتناقضة، و قد أشرت عليها في عدد من المقالات، يتحدثون عن عملية التحول الديمقراطية من خلال الأعمال الثورية...! ما هي علاقة الثورية بالديمقراطية، و أين تلتقي بها.. البعض يقرنها بالثورة الفرنسية بأنها هي التي أدت للديمقراطية في أوروبا، و هذا غير صحيح.. الثورة الفرنسية قامت من أجل تغيير النظام الذي جوعهم و اضطهدهم، و لكن لم تحقق الديمقراطية، و دلالة على ذلك: جاء بعدها نظاما ديكتاتوريا " نابليون" فالثورة حققتها طبقة النبلاء، أي الطبقة الوسطى في المجتمع، و التي قدمت أوراق الاستنارة التي تتضمن العدالة و حرية الرأي و العقد الاجتماعي و الفصل بين السلطات و غيرها في المجتمع.. أما الذين يلحنونها ب " الثورية" هذه منقولة و مهاجرة من الفكر الماركسي و القومية العربية و رسختها في الأدب السياسي نضال الشعوب من أجل الاستقلال.. فالأدب السياسي الديمقراطي لا يستخدم الثورية و الثورة إلا أداة للعنف غير المقبولة في مجتمعاتهم.. أن الحرب قد أحدثت متغيرات كثيرة في المجتمع، و أدت إلي إفقاره و تهجيره، و أيضا أدت إلي بروز شعارات جديدة ،و لاعبين جدد في الساحة، و هذه المتغييرات سوف تحكم مستقبل العملية السياسية في السودان، فالذي يريد أن يحدث تغييرا لكي يوقف الحرب، يجب عليه الإقرار بهذا التغيير، و التعامل معه بأنه ذو أثر قوي في الواقع، و الخطورة تكمن في تجاوزه.. لابد من التفكير المنطقي و أيضا ان يضطر قادة الفكر التفكير خارج الصندوق. و نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لابد من
إقرأ أيضاً:
توظيف البيانات الواقعية في الرعاية الصحية
أبوظبي: «الخليج»
نظّمت شركة فايزر الخليج، بالتعاون مع دائرة الصحة – أبوظبي، ورشة «تسخير قوة البيانات الواقعية في أبحاث الرعاية الصحية»، في إطار مذكرة التفاهم الاستراتيجية التي أُبرمت بين الجانبين عام 2024. وتؤكد المذكرة الالتزام المشترك بتعزيز مكانة أبوظبي مركزاً عالمياً للابتكار في الرعاية الصحية بتطوير قدرات البيانات الواقعية وتمكين اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة.
وقد جمعت الورشة 60 مشاركاً من الباحثين والعلماء المتخصصين في تحليل البيانات والصيادلة والممارسين الصحيين، من أبرز المستشفيات والمؤسسات الأكاديمية في إمارة أبوظبي، لمناقشة آفاق توظيف الأدلة المستمدة من البيانات الواقعية في تطوير الأبحاث، والارتقاء بمستوى النتائج الصحية، وتعزيز نهج الرعاية الصحية الذي يدور حول المريض.
وانطلاقاً من المذكرة يعمل الطرفان على تطوير منظومة متكاملة للبيانات الواقعية، ببناء القدرات البحثية المحلية وتعزيز إنتاج الأدلة العلمية التي تُسهم في دعم أولويات الرعاية الصحية الوطنية والدولية.
وقالت الدكتورة نادين طرشة، المديرة الطبية للشركة «نؤمن في «فايزر» بأن البيانات الواقعية ركيزة أساسية لاستكمال نتائج الدراسات السريرية، وتسريع وتيرة الابتكار في الرعاية الصحية. وعبر هذا التعاون البنّاء مع دائرة الصحة نطمح إلى تمكين البحث العلمي المحلي، وتعزيز إنتاج الأدلة، وتوسيع نطاق الوصول إلى رعاية صحية أفضل».
وقد تضمّن برنامج الورشة سلسلة من الجلسات المتخصصة التي ناقشت عدداً من المحاور: استخدام قواعد البيانات الوطنية، والفروق المنهجية بين الأدلة الواقعية والتجارب السريرية التقليدية، ومفاهيم الصلاحية والانحياز في تحليل البيانات، وتصميم الدراسات وأساليب تحليلها، والجوانب التنظيمية والنماذج الحوكمية المتعلقة بإتاحة البيانات واستخدامها.
كما شهدت جلسة حوارية موسّعة شارك فيها ممثّلون عن دائرة الصحة - أبوظبي، وبرنامج الجينوم الإماراتي، وشركة M42، وخبراء دوليون من شركة فايزر، حيث ناقشوا دور «بيئة البحث الموثوقة» في أبوظبي منصةً داعمةً للابتكار والاكتشاف العلمي.