الشهادات الشكلية تجدّد دماء البطالة المقنعة في عراق
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
3 يونيو، 2024
بغداد/المسلة الحدث: ظاهرة الشهادات الشكلية في العراق تعد واحدة من القضايا الملحة التي تؤثر بشكل كبير على مسار التنمية البشرية والمجتمعية في البلاد.
الشهادات الشكلية، التي يحصل عليها البعض بغرض تحسين الراتب أو تحقيق مكاسب مادية دون الاهتمام الحقيقي بالتعلم أو تطوير المهارات، تؤدي إلى عدة مشكلات وتحديات على مستويات مختلفة.
الدكتور محمد علي، أستاذ في جامعة بغداد يقول ان “ظاهرة الشهادات الشكلية تمثل تحديًا كبيرًا للتعليم في العراق، اذ نرى الكثير من الطلاب يسعون للحصول على شهادات ليس لتحصيل المعرفة، بل لتحسين أوضاعهم المادية، و هذا التوجه يؤدي إلى تدهور جودة التعليم، حيث يكون الهدف الأساسي للطالب هو اجتياز الامتحانات وليس اكتساب المهارات والمعرفة الحقيقية، وفي النهاية، ينتهي بنا المطاف إلى سوق عمل مليء بالأفراد الذين يفتقرون إلى الكفاءات اللازمة، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد والإنتاجية”.
و انتشار ثقافة الحصول على الشهادات لأسباب مادية فقط يقلل من قيمة التعليم، حيث يصبح الهدف هو الشهادة وليس المعرفة. هذا يساهم في تدهور جودة التعليم لأن التركيز ينصب على النجاح في الامتحانات بدلاً من اكتساب مهارات جديدة وفهم عميق للمادة الدراسية.
وحين يحصل الأفراد على شهادات دون المهارات الفعلية المطلوبة لسوق العمل، ينتج عن ذلك ما يُعرف بالبطالة المقنعة، حيث يوجد عدد كبير من الأشخاص الذين يحملون شهادات ولكنهم غير مؤهلين لشغل وظائف تتناسب مع تلك الشهادات. هذا يعيق الإنتاجية ويضعف الاقتصاد.
ويقول أحمد كريم، طالب في كلية الهندسة: “لاحظت خلال دراستي أن العديد من زملائي يركزون فقط على النجاح في الامتحانات من خلال الحفظ والتلقين، وليس على فهم المواد بشكل عميق. الكثير منهم يسعى للحصول على الشهادة كوسيلة لتحسين راتب أو لتحقيق مكانة اجتماعية أفضل، دون التفكير في تطوير مهاراتهم المهنية. أعتقد أن هذا يساهم في خلق جيل غير مؤهل تمامًا لسوق العمل، مما يجعل الحصول على وظيفة مناسبة أمرًا صعبًا للغاية”.
و استثمار الوقت والمال في الحصول على شهادات دون تطوير حقيقي للمهارات يعد هدراً للموارد، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدولة. الأموال التي تُنفق على التعليم يجب أن تُستثمر في تعزيز المهارات والمعرفة الفعلية وليس فقط في الحصول على أوراق تثبت اجتياز المراحل الدراسية.
وترى الدكتورة سارة حسين، باحثة في مجال التربية أن “البحث الذي أجريناه حول تأثير الشهادات الشكلية على التنمية البشرية في العراق أظهر نتائج مقلقة. و انتشار هذه الظاهرة يقلل من قيمة التعليم بشكل كبير ويؤثر سلبًا على مستويات الكفاءة والابتكار في مختلف المجالات. والتحدي الأكبر هو تغيير هذه الثقافة وترسيخ أهمية التعلم الحقيقي والتطوير المستمر للمهارات بدلاً من السعي وراء الشهادات فقط”.
و حين يصبح الهدف من التعليم هو الحصول على مكاسب مادية فحسب، يقل الدافع للتعلم والتطوير الذاتي. هذا يؤدي إلى مجتمع أقل إبداعاً وأقل قدرة على التكيف مع التغيرات والتحديات الجديدة، ويعيق تقدم المجتمع بشكل عام.
كما ان انتشار الشهادات الشكلية يضعف الثقة في المؤسسات التعليمية وفي قيمة الشهادات التي تمنحها. هذا يجعل من الصعب على أصحاب العمل التمييز بين المؤهلين الحقيقيين وأولئك الذين يحملون شهادات فقط من أجل الراتب.
نور الهدى، طالبة في كلية الآداب، تقول : “أشعر بالإحباط عندما أرى الكثير من الطلاب يهتمون فقط بالحصول على شهادات دون التركيز على التعلم الحقيقي. هذا التوجه لا يساعدنا على التطور أو على تحقيق أحلامنا المهنية. أعتقد أن النظام التعليمي يجب أن يشجع على الابتكار والتفكير النقدي بدلاً من الحفظ الأعمى، ليكون لدينا جيل قادر على المساهمة في بناء العراق بشكل أفضل”.
ويتحدث. علي عبد الله، متخصص في العلوم الاقتصادية: “البطالة المقنعة التي نتجت عن انتشار الشهادات الشكلية تشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد العراقي. يوجد الكثير من الخريجين الذين يحملون شهادات عليا ولكنهم يفتقرون إلى المهارات العملية اللازمة لشغل الوظائف المتاحة. هذا الأمر يضعف الإنتاجية ويزيد من معدلات البطالة، مما يتطلب إعادة هيكلة جذرية للنظام التعليمي ليتماشى مع متطلبات سوق العمل الحقيقية”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: على شهادات الحصول على الکثیر من
إقرأ أيضاً:
"الدراجات النارية" لكسب الرزق ومحاربة البطالة في اليمن
لجأ إبراهيم الصلوي، بعد انعدام جميع الخيارات المتاحة، إلى وسيلة مواصلات شائعة في اليمن ليس للتنقل بل للعمل بها. أرهقه البحث عن عمل ليصرف على أسرته المكونة من خمسة أفراد كغيره من الموظفين المدنيين بعد انقطاع رواتبهم منذ سنوات.
يقول الصلوي، وهو من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد": اقترضت مبلغاً من المال من أحد الأقارب الميسورين لشراء وسيلة نقل للعمل عليها، كنت أتمنى الحصول على مبلغ كاف لشراء باص للمواصلات داخل المدن، لكن ما توفر من المال بالكاد غطى تكلفة شراء "موتور" مستعمل وقديم بمبلغ 150 ألف ريال.
تغرق المدن والمناطق في عموم محافظات اليمن بهذا النوع من وسائل النقل، الموتورات "الدراجات النارية"، حيث تستقطب اليمنيين من مختلف الأعمار للعمل عليها إذ أصبحت تنافس وسائل النقل الأخرى مثل الباصات والتكاسي.
تتصدر الحديدة، شمال غربي اليمن، المدن اليمنية الأكثر احتضاناً لهذا النوع من وسائل النقل، حيث تصطف العشرات من الدراجات النارية في مختلف جنبات وجولات شوارعها. يقول ماجد سعد، 56 عاماً، موظف سابق، لـ"العربي الجديد"، إنه يعمل على دراجة نارية هو وابنه لكسب الرزق بعد أن فقد عمله السابق.
تتوزع نسبة سائقين "الموتورات" بين فئات الموظفين، منهم نسبة كبيرة عسكريون فضلوا العمل على الدراجات النارية على الانخراط في صفوف السلطات المتحاربة التي عملت طوال الفترة الماضية على استقطاب المقاتلين إلى صفوفها.
يقول مفيد سالم، عسكري سابق، لـ"العربي الجديد"، إنه فضل التقاعد والعمل على دراجة نارية لإعالة أسرته المكونة من خمسة أفراد على الانضمام إلى جبهات القتال، بينما يؤكد أحمد عامر، وهو موظف مدني في إحدى الدوائر الحكومية، لـ"العربي الجديد"، أن الجهة الحكومية التي يعمل فيها تكتفي بصرف ما يسمى "بدل تغذية" والذي يعتبره مبلغاً ضئيلاً لا يتعدى في الفئة الوظيفية التي ينتمي إليها أكثر من 20 ألف ريال، في حين يحاول تغطية ما أمكن من احتياجات أسرته المعيشية من العمل بـ"الموتور".
حسب كثير من العاملين وسائقي "الموتورات"؛ ليس هناك استقرار محدد للدخل من العمل على "الموتورات"، ففي بعض الأيام، يكون هناك عمل وحركة متواصلة بحيث يستطيع السائق الواحد على سبيل المثال الحصول في نهاية اليوم على ما بين ألفين وثلاثة آلاف ريال (الدولار = نحو 535 ريالاً في صنعاء و2460 ريالاً في عدن).
بالنسبة لتكلفة مشاوير الموتورات، فهي ترجع بدرجة رئيسية لتقدير السائق العامل عليها، إذ يشير المواطن وليد الصبري، 30 عاماً، من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه أعتاد استخدام "الموتور" للوصول إلى مقر عمله أو العودة منه إلى البيت حيث يكلفه المشوار الواحد 500 ريالاً.
مبروك محسن، سائق "موتور"، يوضح لـ"العربي الجديد" أن التكلفة تزيد أو تنقص بحسب المسافة التي تُقطع في المشوار الواحد، فيما يلفت سائق ىخر إلى أن كثيرين من الزبائن يعانون في دفع الأجرة المطلوبة بسبب الوضع المعيشي، وهو ما يدفع البعض لتخفيض المبلغ بشكل نسبي بالرغم من تأثر السائق أحياناً من جراء ذلك.
وتلاحظ "العربي الجديد" تضخماً كبيراً في أعداد "الموتورات" المنتشرة في شوارع العاصمة صنعاء خلال الفترة الماضية، إذ يربط المحلل الاقتصادي صادق علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ذلك بالتدهور المعيشي الذي وصل إلى الحضيض لكثير من الفئات المجتمعية، وكلما زاد التدهور المعيشي وتقلصت فرص وخيارات وسبل العيش، زاد نمو مثل هذه الظواهر.
أعداد "الموتورات" التي تجوب شوارع مدن مثل عدن لا تقارن بالوضع الذي عليه في صنعاء، إذ تقل أعدادها بنسبة واضحة، بينما تزيد حركتها في تعز لتقارب شوارع المدينة مقارنة بعدن التي يعتمد كثير من سكانها على التنقل بواسطة "الباصات".
يرى المحلل الاقتصادي أن الفارق في السعر يعود إلى تباعد مناطق عدن مقارنة بصنعاء، وهذا يجعل مشاوير "الموتورات" مكلفة للغاية. كما أن الموظفين في عدن ومناطق الحكومة اليمنية المعترف بها يستلمون رواتبهم التي أعادت الحكومة صرفها بالرغم من ضعفها بسبب انهيار العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع.
في محافظة حضرموت جنوبي اليمن، تكاد تكون "الموتورات" شبه منعدمة حيث يفضل السكان استخدام الباصات لمحدودية التنقل، وتعتمد فئات من الموظفين عليها، كما يرصد "العربي الجديد"، مثل المدرسين الذين يشكون من ارتفاع أجرتها مقارنة بمستوى الرواتب التي يحصلون عليها، إذ يصف المعلم علوي باسعد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أجرة المواصلات بأنها تمثل لهم عبئاً كبيراً، حيث قد تلتهم ما يزيد على 30% من قيمة الراتب الشهري.