انعقد أمس في طهران مؤتمر دولي بعنوان "غزة المظلومة المقاومة" بالتزامن مع فعاليات ذكرى رحيل مؤسس الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني. شاركت في المؤتمر  شخصيات سياسية وناشطون حقوقيون ومثقفون من القارات الخمس، شخصيات إيرانية في مقدمتهم رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف ووزير الخارجية علي باقري والسيد حسن خميني حفيد الإمام الخميني، كما حضر وزير الثقافة القاضي محمد وسام المُرتَضى تلبيةً لدعوةٍ من وزارتي الخارجية والثقافة الايرانيتين.

 وبعد كلمة لرئيس مجلس النواب قاليباف شدّد فيها على ان ايران لم تحد ولن تحد ابداً عن  نصرة فلسطين، كان للمرتضى كلمة قال فيها:" نأتيكم من لبنان الفكر والثقافة والإنفتاح والعيش الواحد والصمود والمقاومة، لبنان المتسلّح جنوبُه بقوّة الحقّ في الدفاع عن الأهل، وعن الأشقاء في غزّة وكل فلسطين، وعن الأرض والمقدّسات، ونقدّم لكم في البدء، قيادةً وشعبًا، أحرّ التعازي باستشهاد الرئيس السيد ابراهيم رئيسي ووزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان، ورفاقِهما في حادثة السقوط المؤسفة. وأقول "استشهاد"، لأن جميع الذين قاتلوا في سبيل القدس بالموقف أو بالدعم أو بالمفاوضات أو بالصمود، كيفما كانت أسبابُ منيّتهم... شهداءُ في سبيلِها حتى تتحرّر. لقد أكرمنا الله بأن تعرّفنا بالرئيس وبالوزير وعقدنا الصداقات معهما، ولهذا نحن مطمئنون إلى أن ذكراهما وذكرى سائر العظماء الذين رهنوا حياتهم في خدمة شعوبِنا من أجل الحق، ستبقى محفورةً في الوجدان العام، وأن الجمهورية الإسلامية في ايران ستتجاوز هذا الحدث المفجع وستخرج منه أعزَّ وأقوى، وهذا ما بات واضحًا أمام الجميع". أضاف: "الزمانُ الملتهبُ الذي نسكنُ راهنًا فيه، يؤكّدُ ما أشهره منذ بدء الثورة الإسلامية سماحة الإمام الخميني قدّس الله سره، من أن إسرائيل غدّة سرطانية ينبغي إزالتها من الوجود، لأنّ صراع الحقّ مع الباطل يفرضُ على كل أمم الأرض مواجهةَ هذا الكيان المغتصب، كمدخلٍ لا بدَّ منه من أجل تحقيق العدالة الأممية وسيادة الحق بين البشر. ذلك بالنسبة لسماحته، ولنا في لبنان، ليس موقفًا عقائديًّا فحسب، لا سيما وأن الإمام قرنَه ببناء مشروعٍ وطنيٍّ وإقليميٍّ وإنساني، مجهَّزٍ بجميع الإمكانيات المادية والروحية، العلمية والثقافية، التي تؤهلُه للانتصار الحتمي. فجعله نهجَ حياةٍ وسياسةَ دولة، والتزامًا إيمانيًّا وتكليفًا شرعيًّا. ذلك أنه  اعتقد عن يقين بأن قضيةَ فلسطين هي الظلم الأكبرُ الذي يطاولُ البشرية جمعاء في قيمِها الإيمانية والإنسانية، كما يطاولُ الأمّة الإسلامية والعربية وأهل فلسطين مسلمين ومسيحيين في أرضهم ومقدساتهم وكرامتهم وحقّهم في الحياة والحرية وتقرير المصير". تابع: "في جميع مراحل الصراع مع هذا الكيان الهمجي، منذ اغتصابه أرضَ فلسطين، لم يُقَيَّضْ لقوى المقاومة على اختلافِها إلاّ في الوقت الحاضر، أن تخوضَ المواجهةَ ضده من ضمن مشروع متكامل مزوَّدٍ بالرؤية الواضحة والإمكانيات المفتوحة. كان هذا العدوّ يستهدفُ الفلسطينيين منفردين، والدول العربية فرادى، كلًّا على حدة، سواءٌ بالحروب أو بمحاولات التطبيع أو بأصناف المعاهدات التي لا يلتزم هو فيها بشيء، والتي يُفرغُها من مضامينِها بممارساته العنصرية اليومية. الآن، يعرف هذا العدو أن بوجهه مساحات واسعة من اللهيب، تلاحقه في البحر والبر والجو، وتمطره قنابلَ من سجّيل، ومسيّراتٍ أبابيل، وأنَّ الفلسطينيين ليسوا وحدهم، ولا اللبنانيين ولا أيًّا من شعوب المنطقة. وهذا بالطبع من بركات النهجِ الذي أرساه سماحة الإمام الراحل. العملُ معًا من أجل فلسطين، ليست دعوةً إلى العرب وحدهم أو المسلمين دون سواهم، أو أهلِ الإقليم فقط. إنها دعوةٌ إلى العالم أجمع ليكتنه المعنى الحقيقي لإنسانيته في قلبِ جراح فلسطين. هذا لم يحصل إلى الآن، لأن الداعمين الغربيين لإسرائيل، ما زالوا يعتبرونَها قاعدتَهم العسكرية الأولى في هذا الشرق، والتي من بوابتِها، ترهيبًا وترغيبًا وبثّ فرقةٍ وفساد، يسعون إلى السيطرة على مجتمعاتنا وثرواتنا واوطاننا ويريدون هدم موروثنا وقيمنا وايماننا. وهذا يستلزم من أهل الإقليم ومن الفلسطينيين أساسًا رأبُ كلِّ صدعٍ وإزالةُ كلِّ خلاف، ليخوض الجميعُ الصراعَ معًا من أجلِ البقاءِ معًا، وإلا ذهبَتْ ريحُ الجميعُ وتبدَّدَت الثروات وضاعت الأوطان. من هنا تصبحُ رسالة سماحته دعوةً لتحرير العالم كله واعادته الى سكّة الصلاح الأخلاقي والإيماني". وأشار الى ان "ما  تشهده غزة منذ ثمانية أشهر من مجازر يومية وحرب إبادة جماعية، وتدمير ممنهج لكلِّ أسباب الحياة ومواردِها، دلالة واضحة على مسألتين: أولاهما أن هذا الشعب المجرم الذي استُقْدِمَ من أصقاع الأرض كافةً ليحتلَّ أرضًا ليست له، هو شعب يفتقد كلَّ المعايير التي يتحدَّدُ بها معنى الإنسان. فليس من شعبٍ سواه يتلذّذ بطعم الدم البريء. وليس من شعبٍ سواه يحيا على لحوم الأطفال والشيوخ والنساء. وليس من شعبٍ سواه يفرح بمناظر الدمار. وليس من شعبٍ سواه منافقٍ بهذا المقدار، يدوس بجنازر دباباته على المواثيق الدولية، ويقصف بطائراتِه المذخَّرةِ غربياً قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ثم يطالب بوقاحة ما بعدَها وقاحة، الدول والقوى التي تقف له بالمرصاد بأن تلتزم هي بالشرعية الدولية. إنه كيان قائمٌ على كلِّ أنواع المعاصي والموبقات". وقال: "أما المسألة الثانية فهي أن الجراح التي تسيل، هي الطوفان الحقيقي الذي سيدمر هذا الاحتلال ويزيلُه فعلًا من الوجود. والفضل كل الفضل لقوى المقاومة من طهران إلى غزّة، مرورًا بجميع الجبهات القتالية والثقافية والدبلوماسية". تابع: "لقد أطلقنا في لبنان مشروع المقاومة الثقافية ضدّ الاحتلال. وبالرغم من اختلاف وجهات النظر لدى اللبنانيين حول مسألة وحدة الصراع وساحاته، وهذا أمر طبيعي في مجتمع كالمجتمع اللبناني، إلاّ أنهم جميعًا موحَّدو الرؤية والموقف حول خطورة هذا الكيان وعدوانيته التي لا تتوقف عند حدود وطن أو شعب. واللبنانيون مؤمنون كلُّهم بأنّ المحافظةَ على صيغةِ عيشِهم الواحد هي من أهم وجوه المقاومة الثقافية التي ستكلل بالنصر، شأنُها في ذلك شأنُ المقاومة العسكرية".

ختم: "إلاَ إن هذا العدو إلى زوال. ولسوف نرجعُ إلى فلسطين من الجليل إلى النقب، ومن عكا إلى نهر الأردن. طابت ذكرى الإمام والسلام". 

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: ة الإسلامیة من أجل من شعب

إقرأ أيضاً:

صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين

اكتشفت على أرضها آثار عمرها سبعة آلاف سنة، وملامح مدينة عمرها أربعة آلاف سنة من بداية العهد الكنعاني، تمتد على مساحة ثمانين دونما.

صفورية قرية فلسطينية مُهّجَّرة، تقع شمال غرب مدينة الناصرة، وتتميز بموقعها المتوسط بين مدينتي حيفا والناصرة، وتتوسطُ عديد القرى والمدن ومنها: كفر مندا، رمانة، كفر كنا، المشهد، مدينة الناصرة، الرينة، عيلوط، غزالين، وخربة زرير.

وتشكل المنطقة المحيطة بصفورية مدخلا إلى الجليل الأسفل مما أكسبها لفترة زمنية طويلة أكبر وأهم قرية في منطقة الجليل، ومنحها موقعها هذا ميزة إستراتيجية عبر العصور.


                                           قرية صفورية في أربعينيات القرن الماضي

 تقدر مساحتها المبنية بنحو 102 دونم من مجمل مساحة أراضيها البالغة نحو 55378 دونم. وبلغ عدد سكان صفورية عام 1945 نحو 4330 جميعهم من العرب المسلمين .

وتميزت صفورية بتربتها الخصبة ومناخها المتوسطي المعتدل صيفا والبارد شتاء، إضافة إلى مساحة أراضيها الواسعة، ما جعل النشاط الاقتصادي متركزا على الزراعة، حيث عمل معظم الأهالي بالزراعة، وفي تربية قطعان الأغنام والماعز. ومن أهم المحاصيل الزراعية في القرية الزيتون، إضافة إلى كروم العنب وأشجار التين والتوت، والمحاصيلِ الموسمية كالقمح والشعير والعدس، وبعض الخضروات الأخرى.

وقد يعود سبب تسميتها إلى الاشتقاق من الكلمة السريانية "صفرة" أي "عصفور"، وربما كانت تلك إشارة إلى التل الذي تحط عليه كالطائر.

ويصعب تحديد الفترة الزمنية الدقيقة لتأسيس القرية غير أن غالبية الأبنية والموجودات الأثرية تدل على وجود مبان وأدوات تعود إلى العصرين البرونزي والعربي الكنعاني، إضافة إلى الأبنية التي لا تزال أجزاء منها قائمةً حتى اليوم كالقلعة والمسرح الروماني، ونبع مياهه "القسطل"، ولوحات فسيفسائية  أبرزها لوحة موناليزا الجليل، إضافة إلى دير القديسة حنة.

فتح المسلمون صفورية في عام 634 للميلاد، في أوائل أيام الفتح الإسلامي. ولم تزل لها مكانة بارزة في التاريخ اللاحق. وأطلق عليها الصليبيون الذين بنوا قلعة فيها "لو سيفوري"، وانتزعها صلاح الدين الأيوبي من أيديهم بعد معركة حطين في عام 1187. وقد أتى إلى ذكر صفورية عدد من الجغرافيين العرب والمسلمين، منهم البلاذري، وياقوت الحموي، وابن العماد الحنبلي .

في سنة 1745 شيد ظاهر العمر الزيداني حاكم فلسطين الشمالية، قلعة ذروة التل، الذي يعلو عن صفورية، وفي سنة 1880 بنيت كنيسة القديسة حنا في القرية على أنقاض كنيسة قديمة تعود إلى أواخر القرن السادس للميلاد، وفي بعض الروايات أن مكان الكنيسة كان منزلا لآل عمران والد السيدة مريم العذراء.

احتلت صفورية في تموز/يوليو عام 1948 تمهيدا للهجوم على مدينة الناصرة في سياق عملية "ديكل". وتشدد الروايات الإسرائيلية المتعلقة باحتلال صفورية على شهرتها بمقاومة القوات الصهيونية.

ويروي أهل القرية بأن ثلاث طائرات إسرائيلية قصفت القرية وألقت براميل مشحونة بالمتفجرات، فهرب أهل القرية إلى أماكن أمنة، وصمد المجاهدون وقاتلوا دفاعا عن بلدهم، ولأن المقاومة كانت شديدة قامت القوات الإسرائيلية بطرد أهل القرية وتسوية مبانيها بالأرض.

وكان احتلال صفورية على يد كتيبة مدرعة من "لواء شيفع" وكتيبتي مشاة من "لواء كرميلي" التي قصفت القرية بالطائرات التي أدت إلى قتل عدد من المواطنين وجرح أعداد أخرى.

لم يبق من القرية اليوم إلا بضعة منازل، أما باقي الموقعِ فتغطيه غابة صنوبر، ولا تزال قلعة ظاهر العمر ماثلة على قمة التل، إضافة إلى كنيسة للروم الأرثوذكس، وعلى الطريق الجنوبية المفضية إلى القرية، ثمة كنيس لليهود كان مقاما للمسلمين فيما مضى، وأنشأَ الصهاينة على أرضها مستعمرتي "تسيبوري" و"هسوليليم" في عام 1949، وفي زمن أحدث أُنشئت ثلاث مستعمرات على أراضي القرية: "ألون هغليل" عام 1980، "هوشعيا" عام 1981، و"حنتون" عام 1984.



بعد أن هجر أهالي صفورية عن قريتهم، اتجه بعضهم إلى لبنان وسوريا، في حين بقي آخرون داخل فلسطين، حيث يعيش اليوم في فلسطين ما بين 16 إلى 18 ألف نسم أصولهم من صفوريةَ، في حي مجاور لقريتهم في مدينة الناصرة، ويحمل الحي اسم، "الصفافرة"، ويقدر عدد أهالي صفورية في الشات بنحو 40 ألفا.


                       منظر عام لأراضي القرية وتظهر مدينة الناصرة في الخلف 2003.

لقد كان سر ازدهار صفورية عبر العصور يكمن في وفرة ينابيعها وآبارها إلى جانب الرزاعة والمراعي وتوفر مساحات الصيد، وهذا السر دفن معها بعد احتلالها في نكبة فلسطين وتشريد سكانها وإغراقها بالمستوطنات.

المصادر:

ـ  محمد أمين صفوري، "صفورية تاريخ وتراث وحضارة"، ج1، مكتب النورس للنشر، الناصرة، 2000.
ـ  مصطفى الدباغ، "بلادنا فلسطين"، الجزء السابع، القسم الثاني "في ديار الجليل"، 1991، دار الهدى.
ـ  وديع عواودة، "صفورية زاخرة بآثار من كل العصور"، الجزيرة نت، 21/8/2012.
ـ  زهير دوله، "صفورية..مدينة الفسيفساء والينابيع"، الإمارات اليوم، 26/8/2016.
ـ الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية.
ـ موقع فلسطين في الذاكرة.

مقالات مشابهة

  • هههههه..مصدر حشدوي: الحشد لن يتفكك والمقاومة مستمرة بأمر من الإمام “الغايب”
  • طهران: لن نقبل تجربة الإهانة التي تعرض لها زيلينسكي
  • محمد الأشمر.. من هو الثائر السوري الذي تحدى الفرنسيين؟
  • أحمد عمر هاشم: النبي نهى عن تحقير الإنسان لنفسه وكتمان الحق «فيديو»
  • أحمد عمر هاشم: النبي نهى عن تحقير الإنسان لنفسه وكتمان الحق .. فيديو
  • المقاومة أكبر من مكان وأكثر من زمان
  • كيف كانت الدراما العربية تتفاعل مع قضية فلسطين سابقا؟
  • صفورية التي كانت تسكن تلال الجليل مثل العصفور.. جزء من هوية فلسطين
  • الفياض: البرلمان سيصوت على قانون تقاعد الحشد بأمر من “الإمام خامئني”
  • رئيس دفاع النواب: فلسطين قضية مصر الأولى التي خاضت من أجلها حروب كثيرة