المُسَلَّمَات.. تثير الأسئلة ولا تحجر الفكر
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
ينبئ الفهم الواعي لحقيقة الـ«مسلمات» أنها تثير الأسئلة ولا تلغيها، وتفعل الفكر ولا تتجاوزه، ولكن في كل ذلك لما يذهب إلى تعظيم اليقين وتأصيله بالعلاقة القائمة بين العبد وربه، ومن ذلك التسليم المطلق بكل ما أمر الله به أن يكون، ويبقى العبد في هذا التسليم متفكرًا، مؤمنًا، مقرًا بأن في كل ذلك هو منجاة له من المهالك، وعليه أن يقترب أكثر في فهمه من طرح أسئلته، لا أن يبتعد، أو يحدث انفصامًا في علاقته مع ربه، فيؤدي به إلى الهلاك والعياذ بالله فالإنسان مهما بلغ مرتقى من الوعي، يظل وعيه قاصرًا عن كثير من الإدراكات الحسية والمادية، وبالتالي وبما أنه بهذا القصور عليه أن يسلم أمره لله، ولا يختلق جدلا ليس له قدرة على إدراكه؛ لأنه في النهاية هو مخلوق مسير لما خلق له، مع الأخذ في الاعتبار أن المساحة الممنوحة له في الاختيار متضاعفة بعشرات المرات عن ما هو مسير فيه، وهذه مسألة موضوعية في هذه العلاقة، وجوهرية بميدان الاشتغال في جوانب الحياة ، فوفق كثير من الاستخلاصات، يمكن القول إن الـ(90%) من الاشتغالات اليومية لدى الفرد على أنه مخير فيها، وأن الـ(10%) فقط هي المسير فيها، وأقرب دليل على ذلك هو الترقي المرحلي لحياة الإنسان بدءًا من مرحلة الطفولة حيث الاتكال التام على المعين، وكأن هذا المعين في تلك اللحظات الزمنية الفارقة بفعل الاعتماد، هو مُسَلَّمَةٌ لا يمكن الاستغناء عنها من قبل هذا الإنسان «الطفل» فإذا به وعبر مراحل الزمن يجد نفسه خارج هذا السياق المكبل فيتنكر لكل ما كان «عقوق» حيث تتزاحم عليه الأسئلة مستنكرة الكثير مما كان عليه من الطاعة والامتثال مثلا فلا يرى في ذلك ضرورة، والسبب أنه أصبح رجلا معتبرا، وخبيرا يشار إليه بالبنان، فالفترة الزمنية الفاصلة بين المرحلتين -كما يفترض- من شأنها أن ترسخ الكثير من القناعات، وتعيد تصويب الكثير من الأخطاء، وتلغي الكثير من الأسئلة الملحة في مرحلة زمنية معينة، وذلك لأثر الخبرة التراكمية التي يتحصل عليها الإنسان طوال سنوات عمره، وأن ما كان صورته غير واضحة المعالم تكون أكثر وضوحا، وأن العلاقات بين الأشياء تظهر أكثر قبولا، وبالتالي فكل ذلك يعفي الإنسان من مغبة الوقوع في مزالق الأسئلة الحائرة، أو المستنفرة.
المناقشة هنا لا تذهب إلى طرح أسئلة جدلية التي تتصادم مع المسلمات، والتي يثيرها غالبا بعض - ما يشار إليهم بالمفكرين - وهم منظرون في جانب واحد من جوانب التخصص، وهي جدليات لا تحتاج إلى كثير من التشنج، فالميدان الفكري ليس ميدانًا سفسطائيًا لا يصل إلى نتائج، أو يتجاوز الحقائق باللف والدوران، أو هي قواعد اشتباك، وإنما قواعده تقوم على حسابات دقيقة، مع أن أغلب الذين يناقشون فيما يعرف بـ«المسلمات» يذهبون إلى العلاقة القائمة بين الخالق والمخلوق، ويختلقون جدليات هي في إطار المسلمات التي يقتضي الإيمان الحقيقي التسليم لها لأنها من عند الله عز وجل، ويتنكرون للخالق على أنه يحجب عنهم بعض المغاليق المعرفية، فلا يدركون كنهها، وعندما يخونهم التفكير، وتتضاءل معرفتهم مع معرفة كنه هذه المسلمات، يأتون لينظروا فيما لا شأن لهم به، وليسوا مطالبين به أصلا، فالصلاة التي كتبت ركعاتها مختلفة، والطواف حول الكعبة المشرفة بسبعة أشواط، وتعاقب الليل، وتباينات الأحكام التي تحملها آيات النص الكريم، أو السنة المطهرة الصحيحة، والحج، والصيام، ومآلات القضاء والقدر، وغيرها الكثير من الأسس الهدف منها التعبد، فما الضرورة المهمة في العلاقة بين الطرفين لاستجلاء ما خفي من حكمتها وأحكامها؟ لا ضرورة بالمطلق، ولكن لأن هذا الإنسان إنطلاقا من فطرته غير المكتمل وعيها بكل ما يحيط بها لحكمة ربانية، آل على نفسه إلا أن يجادل، لا ليصل إلى فهم جلي للحقيقة بقدر ما يخلق خصومات، ومشاحنات مع نفسه، ومع من حوله، ولا يهم إن وصل إلى نتيجة أو لم يصل، فالمهم أنه سجل حضورًا آدميًا فيما يحرص على مناقشته.
ولذلك ففي كل الجدليات القائمة التي غالبًا ما تعصف بالعلاقات وتؤوي بها إلى مهالك الردى، لا تصل إلى نتائج حتمية إطلاقًا بل ربما تعمق الفجوات بين أي طرفين يجمع بينهما جدل ما، وبالتالي وحتى لا يشعر أحد الطرفين بشيء من الهزيمة، فإنه يتفاخر بالانتصار، وهو انتصار وهمي، لا يتجاوز تأثيره الطاولة التي تجمع أحد الطرفين بمجموعة أخرى مشيدة بما تم، ولو على سبيل المجاملة، قد يرى البعض من هؤلاء الحريصين على إثارة الجدل، أن في عدم وضع المسلمات في ميزان الجدل، هو نوع من الإقصاء المعرفي، وأن المعرفة تتسع وتوسع المدارك، وبالتالي فكل ما هو موجود في الحياة، قابل للنقاش، ولا يجب أن توضع عليه ستائر داكنة ليظل بعيدًا عن الأنظار، وهذا فهم غير سليم؛ لأن السير فيه لن يفضي إلى نتيجة مقنعة.
لا أتصور أنه من اليسير أن يسعى الآخر إلى تدمير الآخر فقط ليتفوق عليه بطرح الأسئلة، من باب الاختلاف معه، مع أن الاختلاف سنة كونية قبل أن تنزل إلى مستويات البشر وهي من المسلمات، وهي لا تحجر الأسئلة بقدر ما تثيرها لتجلية الرؤى، وتصويب الأخطاء، في تفكيرهم، وفي تموضعات سلوكياتهم اليومية، ولذلك وجد الاختلاف لرتق الثغرات أكثر منه لجلب الخصومات والتباينات، ومن يرى في نفسه أنه بطرح الأسئلة يسعى إلى نكاية الآخر والوقوع به، فستحوم عليه أسئلة استفهامية حول سويته، وحقيقته، ومآلاته، وليس ذلك فقط، فقد يتهم في حقيقة الدور الذي يقوم به تجاه الآخرين من حوله، وهو دور يذهب إلى تأصيل الواجب، وليس فقط من قبيل الكرم، أو الترف الخلقي الذي تسقط في تأصيله بعض الأساليب التربوية، لأن علاقة الفرد بمن حوله وهي من المسلمات فلا تحتاج إلى طرح أسئلة عن ماهيتها، وما الضرورة إليها، ولماذا هي موجودة في الأساس، فالفهم الواعي للعلاقات على أنها تقوم على التكافؤ والتكامل، والتعاون، ولا تقوم على اقتناص الفرص، للنيل من الآخر، أو تحجيم دوره، أو الإتيان بما لا يستطيعه هو أن يأتي به، نكاية به، وعندما يصل أحد طرفي المعادلة إلى هذا التفكير المتواضع يكون بذلك فقد إنسانيته الحقيقية، حيث يحتاج إلى كثير من الجهد ليستعيد شيئًا منها ليلحق الركب، ولعل ما يتعب البعض في مسائل الجدلية سواء للموضوعات المتعلقة بين العبد وربه، أو الموضوعات المتعلقة بين الإنسان والإنسان هي حالة الشك، مع أنها حالة غير مستشرية، ولكنها منغصة في مختلف العلاقات، ومن يكون عليها، يسأل له الدعاء بالشفاء العاجل، فالشك هو الذي يحفز الإنسان لأن يختلق أسئلة لكثير من المسلمات، لتأخر الوصول إلى قناعات تعفيه من طرح الأسئلة.
في كل التقاطعات البشرية القائمة يظل هناك صراع خفي وهو من المسلمات غير المخفية، هذا الصراع يتعارك وبصورة لا هوادة فيها مع الذات، قبل أن يصل إلى مستوياته المادية في كثير مما يجمع الأفراد ليتصارعوا عليه، فهناك وسوسة قد توصف بأنها «شيطانية» وقد تصنف بأنها من «الفطرة البشرية» وقد يوجد لها تعليل مباشر من أنها «غريزة» مؤقتة بتحقيق ما يبعث على الصراع، ومتى تم إشباع هذه الغريزة انكفأ الصراع الداخلي والخارجي على حد سواء، وعاد الإنسان كيوم ولدته أمه، يرى في الصراع تحميل النفس فوق طاقتها، وأن كل مبررات الصراع لا تحتمل ذلك الشحن المعنوي، والاحتقان المادي، ولذلك نرى كثيرًا من الحكمة تتجلى في بعض الأنظمة السياسية عندما يتبنى فرد ما من أفراد المجتمع جدلًا محتدمًا حول مسلمات معينة، يعيها الإنسان البسيط، تلجم أسئلته وجدلياته بمنصب إداري أو وجاهي، أو مكافأة مجزية، فتتهاوى كل الجدليات التي كان يثيرها، ولا يبقى لها أثر.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الکثیر من کثیر من
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف: تضافر جهود المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي
كتب- محمود مصطفى أبوطالب:
استقبل الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، السفيرة فوزية بنت عبد الله زينل، سفيرة مملكة البحرين لدى مصر، بمقر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بحضور الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ وذلك لبحث أوجه التعاون بين وزارة الأوقاف المصرية ووزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف بمملكة البحرين، والمشاركة في المنتديات العلمية المختلفة في كلا البلدين.
ورحب وزير الأوقاف، بالسفيرة، التي أعربت عن تقديرها للوزير، مشيدة بدور الوزارة المتمثل في محاورها الاستراتيجية الأربعة، وبالأخص منها: محوري صناعة الحضارة وبناء الإنسان.
وأكد وزير الأوقاف، تضافر جهود جميع المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي، ومد أواصر التعاون مع جميع الدول العربية والإسلامية.
كما شهد اللقاء استعراض ما تشهده مملكة البحرين من نهضة حضارية في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البحرين، ودور المملكة في ترسيخ الفكر الوسطي من خلال مؤسساتها الدينية.
وأشادت السفيرة، بدور وزارة الأوقاف المصرية في خدمة القرآن الكريم وأهله بعد النجاح الكبير الذي حققته في المسابقة العالمية للقرآن الكريم الحادية والثلاثين، التي نظمتها الوزارة تحت رعاية رئيس الجمهورية، بمركز مصر الثقافي الإسلامي بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وسلمت السفيرة لوزير الأوقاف، دعوة مملكة البحرين لحضور مؤتمر الحوار الإسلامي، الذي يعقد في مملكة البحرين برعاية الملك حمد بن عيسى.
اقرأ أيضًا:
طقس الساعات المقبلة.. الأرصاد: أمطار ورياح والحرارة تصل لـ18 مئوية
عباس شراقي: عودة النشاط الزلزالي في إثيوبيا بعد هدوء 45 يومًا
خطوات الاستعلام عن نتيجة قرعة الحج السياحي 2025.. الأسعار والفئات الممنوعة
الصحة: نسبة الإصابات بالإيدز تقل عن 1٪
أسامة الأزهري وزير الأوقاف الفكر الإسلامي فوزية بنت عبد الله زينل
تابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقة الأعلى للإعلام يبحث مع وزير الأوقاف سبل تعزيز التعاون المشترك أخبار محمود فوزي: "حياة كريمة" حولت نصوص الدستور إلى واقع ملموس أخبار بتكلفة 20 مليون جنيه.. وزير الأوقاف ومحافظ الدقهلية يفتتحان مسجدا أخبار وزير الأوقاف يصل الدقهلية لأداء صلاة الجمعة وافتتاح مسجد بمنية النصر أخبار أخبار مصر تعاون بين الصحة وجامعة عين شمس لتحسين خدمات طب الأسنان وتدريب الكوادر منذ 8 دقائق قراءة المزيد أخبار مصر وزير الأوقاف: تضافر جهود المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي منذ 12 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر النقل تحذر المواطنين من هذا الأمر: يزهق الأرواح منذ 14 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر الصحة: اعتماد مستشفى العلمين النموذجي وتجديد اعتماد الشيخ زايد التخصصي منذ 19 دقيقة قراءة المزيد أخبار مصر شبورة وأمطار وصقيع.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الـ6 أيام المقبلة منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر الثقافة تواصل استقبال الأعمال المقدمة لجوائز معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ 4 ساعات قراءة المزيدإعلان
إعلان
أخباروزير الأوقاف: تضافر جهود المؤسسات الدينية في مصر لنشر صحيح الفكر الإسلامي
أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى
إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك للإعلان كامل للإعلان كامل 21القاهرة - مصر
21 13 الرطوبة: 59% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار bbc وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك