هل كان على حماس أن ترفض دعم إيران؟
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
وجّه الاحتفاء الإيراني الكبير بمشاركة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في تشييع جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء الثاني والعشرين من يونيو 2024م رسالة واضحة للعالم والكيان الصهيوني، وهي أنّ إيران ما زالت ملتزمة بدعمها الكامل لحركات المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني، وقد اتضح الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية في تأكيد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي لهنية أنّ محمد مخبر الرئيس الإيراني المؤقت، سيسير على السياسات نفسها التي انتهجها الرئيس الراحل تجاه فلسطين، وأنّ «الوعد الإلهي بشأن زوال الكيان الصهيوني سوف يتحقق، وبفضل الباري تعالى ستنطلق دولة فلسطين من البحر حتى النهر إن شاء الله»، واستدل على ذلك بأنّ «الوعد الإلهي الأول حول الشعب الفلسطيني تحقّق بالفعل، وقد تبلور ذلك من خلال انتصار أهل غزة بصفتهم مجموعة صغيرة، أمام بطش قوى عظمى مثل أمريكا والحلف الأطلسي وبريطانيا ودول أخرى».
حضور إسماعيل هنية مراسم التشييع وإلقاؤه الكلمة التأبينية في جامعة طهران، يُعد مؤشرًا على عُمق العلاقات بين إيران والمقاومة الفلسطينية؛ تلك العلاقات التي أثارت نقاشات كثيرة لم تهدأ، لدرجة أنْ وصل الأمر بالبعض إلى الوقوف مع الكيان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية بسبب دعم إيران وبسبب الخلفية الإخوانية لحركة حماس، آخذين عليها قبولها الدعم الإيراني، في الوقت نفسه الذي شحّ فيه الدعم العربي عنها، بل اختفى تمامًا، ولسان حال هؤلاء المنتقِدين لحماس: «لا نرحمك، ولا نرضى أن تنزل رحمة الله عليك»!
ولم يكن خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس في الخارج، بعيدًا عمّا قاله هنية في طهران؛ فقد أكد في كلمته بمجلس العزاء المقام في السفارة الإيرانية في الدوحة أنّ استشهاد رئيسي وعبد اللهيان خسارة كبيرة لإيران وفلسطين، وأنهما أدّيا دورهما بشكل خاص في معركة «طوفان الأقصى»: «نحن أبناء فلسطين وأبناء حماس نقدّر عاليًا موقفكم التاريخي الذي لم يتغيّر منذ الثورة الإيرانية تجاه فلسطين»، ومن يعرف ماذا قدّمت إيران لفلسطين منذ سنين طويلة، يدرك أنّ عبارة مشعل هذه ليست من عبارات التأبين أو المجاملة فحسب؛ بل هي تحكي عمق امتنان المقاومة الفلسطينية لهذا الدعم.
لن نعدم أن نسمع من البعض أنَّ إيران لها أجنداتها في المنطقة. وقد لا نختلف مع هذا الرأي، لكننا نقول: أين هي أجندتكم المضادة؟ وإذا كانت الأجندة الإيرانية محاصرة الكيان الصهيوني في لبنان وغزة والبحر الأحمر، أليس المفترض أن تكون هذه أجندة العرب أيضًا؟! وسيقول البعض إنّ المقاومة الفلسطينية باتت رهينة القرار الإيراني بسبب هذا الدعم، ونردّ على هؤلاء: هل قدَّم العرب دعمًا للمقاومة فرفضته؟ وقد ينبري البعض لاستهجان أن يشكر خالد مشعل وإسماعيل هنية إيران في كلّ مناسبة، ونقول لهؤلاء: إذا لم يشكروا إيران التي لم تبخل عليهم بشيء فمن يشكرون؟! ألم تقدِّم إيران للمقاومة ما لم تقدّمه أيُّ دولة عربية باعتراف أعداء القضية الفلسطينية أنفسهم؟! بلى. فقد أكد تقرير للخارجية الأمريكية لعام 2020م أنّ إيران قدَّمت حوالي مائة مليون دولار سنويًّا للمقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حماس، بل إنَّ مصدرًا أمنيًّا إسرائيليًّا ذكر أنه اعتبارًا من عام 2023م زادت إيران بشكل كبير تمويلها لحماس إلى ثلاثمائة وخمسين مليون دولار سنويًّا، عدا توفير التدريب العسكري للآلاف من أعضاء حماس في قواعد الحرس الثوري الإيراني في إيران ولبنان. أليس الفضل ما شهدت به الأعداء، كما يقول الشاعر؟
ومع هذا؛ فإنّ العلاقة بين حماس وإيران لم تكن وردية في كلّ تاريخها؛ فمن المعلوم أنها توترت عام 2011م بعد خلاف الحركة مع سوريا ونقلِ مقر رئاستها من دمشق إلى الدوحة، فاتُهمَتْ حماس بكسر محور المقاومة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأدى ذلك إلى تقليص إيران دعمها للحركة، مع استمرارها لدعم حركة الجهاد الإسلامي. وفي الواقع فإنّ الأزمة السورية تركت حماس في موقف صعب ما بين البقاء في دمشق أو الانتقال منها، وكنتُ من الذين انتقدوا - عبر بعض مقالاتي - موقف الحركة بتركها دمشق، لأنّ سوريا كانت داعمًا رئيسيًّا للمقاومة الفلسطينية، واستضافت حماس لسنوات طويلة؛ ولكن الآن مع نجاح «طوفان الأقصى»، ربما يجد المرء عذرًا لحماس، إذ إنَّ استمرار بقائها في دمشق مع الأوضاع الداخلية السورية الصعبة ما كان ليفيدها في شيء.
وعلى أية حال؛ فإنّ التوتر بين حماس وإيران لم يستمر طويلًا، إذ سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، وتجاوز الطرفان خلافاتهما السابقة بخصوص الأزمة السورية؛ ونتذكر في هذا السياق تصريح يحيى السنوار زعيم حركة حماس في غزة في أغسطس عام 2017م بأنَّ إيران أصبحت أكبر داعم لكتائب عز الدين القسام؛ الجناح العسكري لحماس، وبعد أربعة أشهر فقط من هذا التصريح، وتحديدًا في ديسمبر 2017م، كرر هذه الإشادة بدور طهران ودعمها للمقاومة في غزة القياديّ الراحل صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس، قائلًا إنّ ما تقدّمه للمقاومة ليس رمزيًّا أو سطحيًّا، بل هو دعمٌ حقيقيّ ومركزيّ وأساسيّ للمقاومة واستمرارها وفعاليتها.
من هذه التصريحات لقادة المقاومة الفلسطينية نقف على مدى استفادة هذه المقاومة من إيران؛ ولكن ماذا لو قلبنا المعادلة وتساءلنا: ماذا تستفيد إيران من دعمها للمقاومة الفلسطينية؟! يجيب عن هذا التساؤل الباحث محمد حسين أبو حديد في مقال له بموقع «الجزيرة نت» فيقول: «دعم حماس - التي لها رصيد جماهيري داخلي وخارجي - يُكسِب إيران قوة ناعمة كنموذجٍ يجذبُ إليه مُحبّي حماس والقضية الفلسطينية؛ لذا فإنك تسمع من بعض النخب العربية وعوامهم، من يمدح إيران، ويدعم مشروعها طواعية، والسبب المقاومة وفلسطين. إيران عبر دعمها لحماس تُظهر نفسها كمشروعِ الأمّة الإسلامية وليس لطائفة الشيعة فحسب؛ لأنّ حماس مقاومة سنية، ولا يوجد عندها مؤشّرات ولا توجّهات مذهبية للتقارب مع الشيعة». وفي اعتقادي أنّ الباحث أبو حديد عزف على الوتر الحساس: المذهبية؛ فهناك مُبْتَلون بمرض المذهبية، لا يرون في إيران إلا عدوًا مهما قدَّمت للمقاومة.
والحقيقة الواضحة أنه لولا إيران لما استطاعت حماس أن تنفِّذ عملية «طوفان الأقصى» التي أبهرت الكل؛ وفي ذلك يقول د. ماثيو ليفيت مدير برنامج «جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات» في معهد واشنطن: «هناك أمرٌ واحدٌ واضحٌ، وهو أنه لم يكن بإمكان حماس التخطيط لمثل هذه العملية وتنفيذها دون سنوات من التدريب الإيراني، والأسلحة الإيرانية، ومئات ملايين الدولارات من التمويل الإيراني».
نحن نعلم اليوم أنه أمام التضييق العربي على حماس من دول عربية تتقارب مع الكيان الصهيوني يومًا بعد يوم، لجأت الحركة إلى الدعم الإيراني أكثر فأكثر، وهذا منطق طبيعي، فهل كان على حماس أن ترفض الدعم الإيراني الذي غيّر المعادلة العسكرية في الصراع العربي الإسرائيلي، في الوقت الذي تخلى فيه العرب عن فلسطين؟ بالتأكيد أنَّ الإجابة نفيٌ قاطع. من حقِّ المقاومة الفلسطينية أن تبحث لنفسها عن الدعم والتمويل من أيِّ جهةٍ كانت، ولا أظنّ أنَّ أحدًا يحقُّ له انتقادها على ذلك.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: للمقاومة الفلسطینیة المقاومة الفلسطینیة الکیان الصهیونی الدعم الإیرانی ا للمقاومة حماس فی
إقرأ أيضاً:
حين يُستهدف الرأس: إيران ومصير مشروع المقاومة
7 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: علي قاسم ممتاز
لم تعد إيران اليوم مجرد دولة تُواجه بسبب برنامجها النووي أو صواريخها الباليستية، بل باتت تمثل مشروعًا إقليميًا متكاملًا، تنظر إليه واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية باعتباره التهديد الأكبر لتوازنات الشرق الأوسط. الصراع لم يعد تقنيًا أو أمنيًا، بل أصبح سياسيًا-استراتيجيًا، تدور رحاه بين مشروعين: مشروع أميركي-إسرائيلي جديد يسعى لإعادة هندسة المنطقة، وآخر تتزعمه إيران من خلال شبكاتها الإقليمية
من الأطراف إلى الرأس: تحوّل في قواعد المواجهة
على مدى سنوات، اعتمدت الاستراتيجية الغربية على تحجيم نفوذ إيران من خلال استهداف وكلائها الإقليميين، إلا أن النتائج بقيت محدودة. فشلت اسرائيل في القضاء على حزب الله وحماس ، وتنامي قدرات الفصائل في العراق واليمن، دفع واشنطن إلى مراجعة هذا النهج. بدأت تتبلور مقاربة جديدة: ضرب الرأس بدلًا من الذراع، أي استهداف إيران مباشرة كمركز لهذا المشروع.
من هذا المنطلق، فإن أي عمل عسكري ضد إيران لن يُقرأ داخل محور المقاومة على أنه ضربة تكتيكية، بل محاولة ممنهجة لإنهاء مشروع وجودي. وبالتالي، فإن الردّ المتوقع سيكون على مستوى الإقليم بأكمله، انطلاقًا من اليمن والعراق ولبنان، باعتبار أن سقوط إيران يُنذر بانهيار المنظومة كلها كما أن العهد القائم بين إيران وهذه الفصائل، لم يعد مجرد دعم سياسي أو لوجستي، بل هو تحالف وجودي قائم على مبدأ “الوحدة في المصير”. أي ضربة توجه إلى إيران، لن تُعتبر عدواناً على دولة فقط، بل على محور كامل، ما يستدعي تدخلاً مباشراً من جميع فصائل هذا المحور.
العقيدة الأميركية: السلام في ظل القوة
الولايات المتحدة، لاسيما في عهد الرئيس دونالد ترامب، تبنّت مبدأ “السلام في ظل القوة” كركيزة لسياستها الخارجية. هذا المبدأ يقوم على أن الاستقرار لا يتحقق من خلال التفاهمات، بل من خلال استعراض القوة وفرضها عند الضرورة. وعليه، فإن تصاعد الخطاب التصعيدي تجاه إيران، بما في ذلك العقوبات القصوى والتهديد بالخيار العسكري، يُمكن فهمه ضمن هذه المقاربة التي تفضل فرض الشروط من موقع الهيمنة، وليس عبر التفاوض المتكافئ.
ضرب إيران: إشعال للمنطقة وتهديد للنظام العالمي
إذا تعرضت إيران لضربة عسكرية، فإن تداعياتها لن تكون محصورة في الجغرافيا الإيرانية. بل إن الرد سيكون على شكل تصعيد شامل يشمل قواعد أميركية في الخليج، ومصالح إسرائيلية، وهجمات منسقة من قبل حزب الله في الشمال، والفصائل العراقية واليمنية في العمق الإقليمي. الحرب ستكون إقليمية، وقد تتطور لتصبح عالمية.
النفط والقواعد: مفاتيح الرد الإيراني
أي رد إيراني لن يكون عشوائياً. من المرجح أن ترد طهران باستهداف حقول النفط في الخليج، ما يعني إشعال أسعار الطاقة عالمياً، والدفع باتجاه أزمة اقتصادية شاملة. كما أن القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في العراق وسوريا ودول الخليج ستكون أهدافاً محتملة، ما يفتح الباب أمام دخول أطراف دولية إضافية في الصراع.
روسيا والصين: مراقبون أم شركاء؟
في حال تطورت الأمور إلى مواجهة شاملة، فإن الموقفين الروسي والصيني سيكونان بالغَي الأهمية. روسيا، المنهكة من حرب استنزاف طويلة مع الناتو في أوكرانيا، قد ترى في سقوط إيران تمهيدًا لاستهدافها لاحقًا. أما الصين، المرتبطة بإيران عبر مبادرة الاتفاقية الاقتصادية والعقود النفطية، فلن تكون بمنأى عن التداعيات الاقتصادية والاستراتيجية.
يبقى السؤال: هل ستكتفي موسكو وبكين بلعب دور الوسيط، أم أنهما سترى المساس بإيران تهديدًا مباشرًا لمصالحهما، يستدعي تدخلًا فاعلًا أو تصعيدًا مضادًا
المشروع يتجاوز الجغرافيا
في ضوء كل ما تقدم، يتبيّن أن استهداف إيران ليس مجرد عمل عسكري محتمل، بل يمثل لحظة فارقة في تاريخ التوازنات الإقليمية والدولية. إن إقدام واشنطن على ضرب إيران لن يُنظر إليه كحدث معزول، بل كإعلان صريح بفشل الحلول الجزئية، والتوجه نحو تصفية المشروع من جذوره.
لكن مثل هذا القرار لا يمكن اتخاذه بمعزل عن كلفته، ليس فقط العسكرية، بل السياسية والاقتصادية والإنسانية، سواء على مستوى المنطقة أو على مستوى النظام الدولي ككل
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post AuthorSee author's posts