لجريدة عمان:
2025-02-07@09:33:03 GMT

هل كان على حماس أن ترفض دعم إيران؟

تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT

وجّه الاحتفاء الإيراني الكبير بمشاركة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في تشييع جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء الثاني والعشرين من يونيو 2024م رسالة واضحة للعالم والكيان الصهيوني، وهي أنّ إيران ما زالت ملتزمة بدعمها الكامل لحركات المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني، وقد اتضح الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية في تأكيد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي لهنية أنّ محمد مخبر الرئيس الإيراني المؤقت، سيسير على السياسات نفسها التي انتهجها الرئيس الراحل تجاه فلسطين، وأنّ «الوعد الإلهي بشأن زوال الكيان الصهيوني سوف يتحقق، وبفضل الباري تعالى ستنطلق دولة فلسطين من البحر حتى النهر إن شاء الله»، واستدل على ذلك بأنّ «الوعد الإلهي الأول حول الشعب الفلسطيني تحقّق بالفعل، وقد تبلور ذلك من خلال انتصار أهل غزة بصفتهم مجموعة صغيرة، أمام بطش قوى عظمى مثل أمريكا والحلف الأطلسي وبريطانيا ودول أخرى».

حضور إسماعيل هنية مراسم التشييع وإلقاؤه الكلمة التأبينية في جامعة طهران، يُعد مؤشرًا على عُمق العلاقات بين إيران والمقاومة الفلسطينية؛ تلك العلاقات التي أثارت نقاشات كثيرة لم تهدأ، لدرجة أنْ وصل الأمر بالبعض إلى الوقوف مع الكيان الصهيوني ضد المقاومة الفلسطينية بسبب دعم إيران وبسبب الخلفية الإخوانية لحركة حماس، آخذين عليها قبولها الدعم الإيراني، في الوقت نفسه الذي شحّ فيه الدعم العربي عنها، بل اختفى تمامًا، ولسان حال هؤلاء المنتقِدين لحماس: «لا نرحمك، ولا نرضى أن تنزل رحمة الله عليك»!

ولم يكن خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس في الخارج، بعيدًا عمّا قاله هنية في طهران؛ فقد أكد في كلمته بمجلس العزاء المقام في السفارة الإيرانية في الدوحة أنّ استشهاد رئيسي وعبد اللهيان خسارة كبيرة لإيران وفلسطين، وأنهما أدّيا دورهما بشكل خاص في معركة «طوفان الأقصى»: «نحن أبناء فلسطين وأبناء حماس نقدّر عاليًا موقفكم التاريخي الذي لم يتغيّر منذ الثورة الإيرانية تجاه فلسطين»، ومن يعرف ماذا قدّمت إيران لفلسطين منذ سنين طويلة، يدرك أنّ عبارة مشعل هذه ليست من عبارات التأبين أو المجاملة فحسب؛ بل هي تحكي عمق امتنان المقاومة الفلسطينية لهذا الدعم.

لن نعدم أن نسمع من البعض أنَّ إيران لها أجنداتها في المنطقة. وقد لا نختلف مع هذا الرأي، لكننا نقول: أين هي أجندتكم المضادة؟ وإذا كانت الأجندة الإيرانية محاصرة الكيان الصهيوني في لبنان وغزة والبحر الأحمر، أليس المفترض أن تكون هذه أجندة العرب أيضًا؟! وسيقول البعض إنّ المقاومة الفلسطينية باتت رهينة القرار الإيراني بسبب هذا الدعم، ونردّ على هؤلاء: هل قدَّم العرب دعمًا للمقاومة فرفضته؟ وقد ينبري البعض لاستهجان أن يشكر خالد مشعل وإسماعيل هنية إيران في كلّ مناسبة، ونقول لهؤلاء: إذا لم يشكروا إيران التي لم تبخل عليهم بشيء فمن يشكرون؟! ألم تقدِّم إيران للمقاومة ما لم تقدّمه أيُّ دولة عربية باعتراف أعداء القضية الفلسطينية أنفسهم؟! بلى. فقد أكد تقرير للخارجية الأمريكية لعام 2020م أنّ إيران قدَّمت حوالي مائة مليون دولار سنويًّا للمقاومة الفلسطينية، بما في ذلك حماس، بل إنَّ مصدرًا أمنيًّا إسرائيليًّا ذكر أنه اعتبارًا من عام 2023م زادت إيران بشكل كبير تمويلها لحماس إلى ثلاثمائة وخمسين مليون دولار سنويًّا، عدا توفير التدريب العسكري للآلاف من أعضاء حماس في قواعد الحرس الثوري الإيراني في إيران ولبنان. أليس الفضل ما شهدت به الأعداء، كما يقول الشاعر؟

ومع هذا؛ فإنّ العلاقة بين حماس وإيران لم تكن وردية في كلّ تاريخها؛ فمن المعلوم أنها توترت عام 2011م بعد خلاف الحركة مع سوريا ونقلِ مقر رئاستها من دمشق إلى الدوحة، فاتُهمَتْ حماس بكسر محور المقاومة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وأدى ذلك إلى تقليص إيران دعمها للحركة، مع استمرارها لدعم حركة الجهاد الإسلامي. وفي الواقع فإنّ الأزمة السورية تركت حماس في موقف صعب ما بين البقاء في دمشق أو الانتقال منها، وكنتُ من الذين انتقدوا - عبر بعض مقالاتي - موقف الحركة بتركها دمشق، لأنّ سوريا كانت داعمًا رئيسيًّا للمقاومة الفلسطينية، واستضافت حماس لسنوات طويلة؛ ولكن الآن مع نجاح «طوفان الأقصى»، ربما يجد المرء عذرًا لحماس، إذ إنَّ استمرار بقائها في دمشق مع الأوضاع الداخلية السورية الصعبة ما كان ليفيدها في شيء.

وعلى أية حال؛ فإنّ التوتر بين حماس وإيران لم يستمر طويلًا، إذ سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، وتجاوز الطرفان خلافاتهما السابقة بخصوص الأزمة السورية؛ ونتذكر في هذا السياق تصريح يحيى السنوار زعيم حركة حماس في غزة في أغسطس عام 2017م بأنَّ إيران أصبحت أكبر داعم لكتائب عز الدين القسام؛ الجناح العسكري لحماس، وبعد أربعة أشهر فقط من هذا التصريح، وتحديدًا في ديسمبر 2017م، كرر هذه الإشادة بدور طهران ودعمها للمقاومة في غزة القياديّ الراحل صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس، قائلًا إنّ ما تقدّمه للمقاومة ليس رمزيًّا أو سطحيًّا، بل هو دعمٌ حقيقيّ ومركزيّ وأساسيّ للمقاومة واستمرارها وفعاليتها.

من هذه التصريحات لقادة المقاومة الفلسطينية نقف على مدى استفادة هذه المقاومة من إيران؛ ولكن ماذا لو قلبنا المعادلة وتساءلنا: ماذا تستفيد إيران من دعمها للمقاومة الفلسطينية؟! يجيب عن هذا التساؤل الباحث محمد حسين أبو حديد في مقال له بموقع «الجزيرة نت» فيقول: «دعم حماس - التي لها رصيد جماهيري داخلي وخارجي - يُكسِب إيران قوة ناعمة كنموذجٍ يجذبُ إليه مُحبّي حماس والقضية الفلسطينية؛ لذا فإنك تسمع من بعض النخب العربية وعوامهم، من يمدح إيران، ويدعم مشروعها طواعية، والسبب المقاومة وفلسطين. إيران عبر دعمها لحماس تُظهر نفسها كمشروعِ الأمّة الإسلامية وليس لطائفة الشيعة فحسب؛ لأنّ حماس مقاومة سنية، ولا يوجد عندها مؤشّرات ولا توجّهات مذهبية للتقارب مع الشيعة». وفي اعتقادي أنّ الباحث أبو حديد عزف على الوتر الحساس: المذهبية؛ فهناك مُبْتَلون بمرض المذهبية، لا يرون في إيران إلا عدوًا مهما قدَّمت للمقاومة.

والحقيقة الواضحة أنه لولا إيران لما استطاعت حماس أن تنفِّذ عملية «طوفان الأقصى» التي أبهرت الكل؛ وفي ذلك يقول د. ماثيو ليفيت مدير برنامج «جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات» في معهد واشنطن: «هناك أمرٌ واحدٌ واضحٌ، وهو أنه لم يكن بإمكان حماس التخطيط لمثل هذه العملية وتنفيذها دون سنوات من التدريب الإيراني، والأسلحة الإيرانية، ومئات ملايين الدولارات من التمويل الإيراني».

نحن نعلم اليوم أنه أمام التضييق العربي على حماس من دول عربية تتقارب مع الكيان الصهيوني يومًا بعد يوم، لجأت الحركة إلى الدعم الإيراني أكثر فأكثر، وهذا منطق طبيعي، فهل كان على حماس أن ترفض الدعم الإيراني الذي غيّر المعادلة العسكرية في الصراع العربي الإسرائيلي، في الوقت الذي تخلى فيه العرب عن فلسطين؟ بالتأكيد أنَّ الإجابة نفيٌ قاطع. من حقِّ المقاومة الفلسطينية أن تبحث لنفسها عن الدعم والتمويل من أيِّ جهةٍ كانت، ولا أظنّ أنَّ أحدًا يحقُّ له انتقادها على ذلك.

زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلّف كتاب «الطريق إلى القدس»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: للمقاومة الفلسطینیة المقاومة الفلسطینیة الکیان الصهیونی الدعم الإیرانی ا للمقاومة حماس فی

إقرأ أيضاً:

فن صناعة “اليوم التالي” بنكهة المقاومة

يمانيون../
منذ اليوم الأول للعدوان الصهيو-أمريكي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023م، ظن الكيان الصهيوني واهما أن عدوانه الشامل سيمكنه من فرض أجندة “اليوم التالي” على قطاع غزة بعيداً عن حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في الوقت الذي تنهار فيه المشاريع الاستعمارية تحت ضربات المقاومة الموجعة المصممة على أن تصنع يومها التالي بيدها، لا بيد غيرها.

وفي الخطاب السياسي الصهيوني، فيما يتعلق بـ”اليوم التالي” للحرب دار النقاش حول من هي الجهة التي ستدير القطاع، ومستقبل سلاح المقاومة والبنية العسكرية، وعلاقة الكيان الغاصب بقطاع غزة التي تشمل إمكانيات فرض احتلال جديد أو العودة للاستيطان؛ وأخيرا عن إعادة الإعمار وتمويله وشروطه، وهو ما سعى الكيان الصهيوني إلى تحويله إلى الملف الأقوى بيده عبر تدمير غير مسبوق في نطاقه.

وعلى الرغم من تصاعد الدعوات من اليمين الصهيوني المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، لإعادة المستوطنات إلى غزة، فإن حضور حماس القوي في قطاع غزة، كما تكشف منذ بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى، وعودة أكثر من 700 ألف فلسطيني الى شمال القطاع المدمر وتشبث الفلسطينيين بأرضهم وعودة حماس التدريجية كسلطة شبه حصرية على القطاع يعقد المشهد أمام الكيان الصهيوني ويؤكد أن المقاومة الفلسطينية وفصائلها المتعددة هي من تحدد اليوم التالي.

وسبق أن صرح القيادي في حركة (حماس) محمود المرداوي أن الحركة شكلت لجنة لإدارة الحكم بقطاع غزة في اليوم التالي للحرب بالتوافق مع أغلب الفصائل الفلسطينية، غير أننا “اصطدمنا بموقف حركة فتح، لكننا سنستمر في البحث عن خيار وطني يتوافق مع متطلبات اللحظة الراهنة”.

وأوضح المرداوي أن “حركة حماس ما زالت عند أهدافها وغاياتها التي شُكلت من أجلها، والتي تتصل بالحرية واستقلال الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال وهزيمته”.. مؤكدا أن “هذا لا يعني أن أدوات الوصول إلى هذه الأهداف جامدة، فمن الممكن أن تتغير في الشكل والعناوين”.

وبعد الطوفان الملحمي الذي غيّر شكل وأولويات وتحالفات السياسة الدولية في الشرق الأوسط، يبدو أن حماس ستتجه إلى طوفان داخلي، لبلسمة جراح أبناء الشعب الفلسطيني وإغاثتهم وإعادة البناء السياسي من خلال رص الصفوف والوحدة على أساس استكمال المشروع القائم على أسس وطنية لها علاقة بالحقوق والثوابت الفلسطينية.

وبعد ذلك البحث عن آليات لإدارة قطاع غزة بما يفتح الباب لكل القوى السياسية والمجتمعية حتى نعكس إرادة هذا الشعب كما كان موحدا في الميدان وفي مواجهة الاحتلال والصبر والثبات، على أن يكون موحدا في الموقف والرؤية والإطار السياسي الذي يحكم ويدير قطاع غزة لاحقا.

ويتذرع العدو الصهيوني بأن بقاء حماس في الحكم سيبرر استمرار الحرب، لكن لكي تسحب حركة حماس البساط من تحته فيجب أن توفر الحركة رواية وسردية سياسية تسهم في جمع أكبر عدد من الدول العربية والإقليمية والدولية لإسناد رؤيتها وموقفها السياسي والبحث عن خيار وطني يتوافق مع متطلبات اللحظة.

وستظل حركة حماس متمسكة وملتزمة بأهدافها وغاياتها التي شُكلت من أجلها والتي تتصل بالحرية واستقلال الشعب الفلسطيني ودحر الاحتلال وهزيمته، والمشاهد التي شاهدها العالم أجمع سواء من خلال الصمود والثبات في قطاع غزة والبسالة والإبداع في المقاومة، أو المشاهد التي ظهرت أثناء تسليم المجندات وإطلاق سراح الأسيرات، تؤكد كلها أن حجم الدعم والإسناد والإيمان بموقف حماس ومشروعها كبير جدا.

وتؤكد حركة حماس أنها ستقوم بما هو واجب عليها تجاه الشعب الفلسطيني من خلال إعادة الإعمار المادي والنفسي والمعنوي، وتسخير كل الموارد للفلسطينيين، خاصة المادية والبشرية في الضفة الغربية وغيرها في كل مكان، لتوجيهها باتجاه تحقيق هذه الأهداف.

ويستشف المتابع لسير حركة حماس وتاريخها أن الوحدة الفلسطينية تعد هدفا ومطلبا للحركة، فقد دأبت الحركة على تقديمها في كل المحطات فهي تؤيد أي شكل من أشكال الوحدة السياسية لإدارة الشأن السياسي والاجتماعي في قطاع غزة بهدف إعادة الإعمار ولملمة جراح أبناء الشعب الفلسطيني في حين تؤكد حماس أن أبوابها مفتوحة لاستيعاب كل مطلب يسمح بإدارة كاملة وشاملة لغزة، كما تضمن ضرورة وحدة النظام السياسي الفلسطيني والجغرافيا الفلسطينية، وهذه ضمانة لشراكة الكل الوطني الفلسطيني.

وبالتالي، فحماس مع حكومة وحدة وتوافق فلسطيني تقوم على أساس القانون الأساسي الفلسطيني، وتجسد التطلع الذي يسعى الشعب الفلسطيني المناضل لتحقيقه في ظل الظروف السياسية وموازين القوى الدولية، فالعدو الصهيوني قد مارس الجرائم في كل المحطات وكل العقود التي احتل فيها أرض فلسطين، كما في عام 1948 وفي دير ياسين وفي كفر قاسم والظاهرية وصبرا وشاتيلا وحروب غزة، والحروب التي خاضها مع الدول العربية، وفي كلها لم يكن مقيدا بأخلاق أو محددات.

وخلاصة القول إن العدو الصهيوني حاول منع هذه المقاومة من تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال لكن صمود الشعب الفلسطيني وثباته أكد ارتباطه بأهدافه ووطنه وإصراره على نيل حقوقه، وهذا له صلة بطبيعة العدو واستعداده للذهاب بعيدا في عمليات القتل وارتكاب الجرائم، لكن لا حرية من دون تضحية ولا تضحية إلا في سياق عملية ومسيرة تحررية كما يخوضها في الوقت الحاضر الشعب الفلسطيني، وستتكلل بالحرية والنصر.

سبأ عبدالعزيز الحزي

مقالات مشابهة

  • إيران تندد بالعقوبات الأمريكية على كيانات متهمة ببيع النفط الإيراني للصين
  • زيادة دراماتيكية في عدد عمليات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة خلال عامين
  • عاجل:- إيران ترفض تصريحات ترامب بشأن غزة وتندد بخطته للتهجير القسري
  • إيران ترفض خطة ترامب لـ"تهجير قسري" لسكان غزة
  • رسائل حركة حماس خلال عمليات تسليم الأسرى!
  • صفقة القرن بعد خمس سنوات.. فشل أمريكي وخذلان عربي وانتصار للمقاومة
  • حماس ترفض تصريحات ترامب بشأن غزة وتصفها بالعنصرية ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية
  • بن حبتور يعزي في استشهاد القائد محمد الضيف ورفاقه
  • فن صناعة “اليوم التالي” بنكهة المقاومة
  • استشهاد القائد محمد الضيف.. تتويجٌ لتضحيات المقاومة الفلسطينية وانتصاراتها