خالد حنفي يستعرض تاريخ «الجماعة الفاشية» (الحلقة الثالثة)
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
كانت الجماعة ترى أن الخطر الحقيقى عليها هم السلفيون، وأن باقى القوى لن تتوحد، وأن الأحزاب الأخرى ما زالت هشة، والسلفيون الذين خرجوا من جحورهم ليملأوا الدنيا ضجيجاً وصخباً وعكاً.. أزعجوا الجماعة وبشدة، ولكنها لم تقف مكتوفة الأيدى.. أطلقت أعضاءها ليرصدوا ويراقبوا ويضعوا فى النهاية خطتهم لمحاصرة هؤلاء..
وكانوا يعرفون أن البداوة التى ظهروا بها فى إحدى المليونيات كفيلة بأن يلفظهم المصريون.. البداوة التى وصفتها الجماعة بأنها مشهد أقرب إلى طالبان.. كل هذا لم يمنع الجماعة من استغلال السلفيين كورقة ضغط على الآخرين لتحقيق مصالحها الخاصة جداً.
لقد قامت الجماعة وبدقة متناهية برصد مقرات السلفيين فى المحافظات.. ورصدت ما يقوم به أعضاؤهم من أنشطة مختلفة.. ورصدت اتصالاتهم بالمجلس العسكرى.. وكل هذا تحت عنوان خريطة القوى السلفية فى مصر، وبدأت بالدعوة السلفية ومقرها الإسكندرية.
ولها مجلس شورى مكون من 206 أفراد ولها مجلس إدارة يرأسه محمد عبدالفتاح «قيم المدرسة السلفية وشهرته أبوإدريس»، ونائبه لشئون الطلاب والمحافظات ياسر برهامى، ونائب آخر هو سعيد عبدالعظيم، وبعضوية الشيخ محمد إسماعيل المقدم والدكتور أحمد حطيبة، والدعوة توجد بقوة فى الإسكندرية وكفر الشيخ وطنطا ومرسى مطروح والعريش والمنوفية والشرقية، وتضعف فى البحيرة، ولها مندوبون فى المحافظات تخرجوا فى معهد الفرقان للعلوم الشرعية، وهذا المعهد كان تابعاً للدعوة السلفية قبل أن تصادره الحكومة فى التسعينات.. فى تيار السلفية هناك عمل جماعى أكثر منه تنظيمياً، ولكنه قادر على الحشد بالمحافظات المنتشرة بها.
لم تشارك الدعوة السلفية فى الثورة إلا بعد يوم جمعة الغضب 28 يناير.. وكانت مشاركتهم فى شكل لجان شعبية وحماية الممتلكات وحل مشكلات السلع والغاز.. أما مشاركتهم فى جمعة 27 نوفمبر فكانت مخيفة جداً لكنها سلمية وتفرض فيها الرأى بالكثرةوغلب على أبنائه فى ميدان التحرير، وبالتحديد يوم 29 نوفمبر، 2011 البداوة والسذاجة والسطحية كأقرب ما يكون هؤلاء البسطاء لمشهد طالبان.. لم تشارك الدعوة السلفية فى الثورة إلا بعد يوم جمعة الغضب 28 يناير، وكانت مشاركتهم فى شكل لجان شعبية وحماية الممتلكات وحل مشكلات السلع والغاز، أما مشاركتهم فى جمعة 27 نوفمبر فكانت مخيفة جداً، لكنها سلمية وتفرض فيها الرأى بالكثرة، لكنها لا تنتهج العنف، وقاموا بتحويل الفعالية إلى الهوية الإسلامية ورفعوا شعارات «الشعب يريد تطبيق شرع الله».
تمضى وثيقة الإخوان من الدعوة السلفية إلى حزب النور السلفى الذى خرج منها.. الحزب الذى يتعامل مع الآخرين باستعلاء باعتباره الكبير.. ولدى جميع أعضائه الزهو بالأعداد الغفيرة التى خرجت فى جمعة 27 نوفمبر.
وتنتقل الوثيقة الإخوانية إلى «شباب الإصلاح»، ومقرها البحيرة، ومن شيوخها: هشام وخالد العقدة، وهما امتداد للسلفية السرورية.
«السلفية السرورية» هى حركة فكرية دينية انشقت عن السلفية وولدت من رحم الإخوان وسميت بالسرورية نسبة إلى محمد سرور زين العابدين، وهو شيخ سورى أقام فى السعودية ويؤمن بالعنف كوسيلة لتحقيق الأهداف، لذلك سترى إعجاب الإخوان بشباب الإصلاح، ولِمَ لا ما دامت السرورية تؤمن بالعنف.. شريعة الإخوان!.
ما رصدته جماعة الإخوان عن شباب الإصلاح يقول إنهم يتركزون فى البحيرة والمنصورة، وينتظرون مواقف الإخوان السياسية لتبنيها، وشراكتهم البرلمانية المقبلة يعلقونها على حاجة الإخوان إليهم.. وجاء فى وصف الجماعة لشباب الإصلاح أنهم منفتحون على المجتمع وينتظمون فى أسر كالأسر الإخوانية، فهم تنظيم وعلى قدر جيد من الوعى السياسى، وشيوخهم أقل شهرة من شيوخ السلفية بالقاهرة والإسكندرية.
غادروا ميدان التحرير بعد ساعتين من جمعة 27 نوفمبر احتجاجاً على تصرفات الدعوة السلفية فى الإسكندرية، وهم يؤسسون حزباً اسمه الإصلاح والنهضة، جمعوا توقيعاته من الرافضين للدعوة السلفية والعامة والشباب، ووكيل المؤسسين اسمه مصطفى إبراهيم - ما جاء فى وثيقة الإخوان عن شباب الإصلاح كان قبل تأسيس الحزب وخروجه إلى النور فى يوليو 2011 وما رصدته من معلومات كان صحيحاً باستثناء اسم رئيس الحزب فمصطفى إبراهيم واحد من قياداته، أما رئيسه فهو هشام مصطفى عبدالعزيز.
خرج من شباب الإصلاح «جبهة الإرادة الشعبية»، وهى جبهة سلفية نخبوية ثورية مع القوى الثورية مثل وائل غنيم، وشباب الائتلاف ومعتصمى الميدان، ويضمون أكثر من ائتلاف سلفى من القاهرة والإسكندرية والمحافظات، والشخصية الأبرز فيهم اسمه خالد منصور، الذى قام عبر الفضائيات بمواجهة الدعوة السلفية، وعبدالمنعم الشحات.. والجبهة تتبنى أيضاً مواقف الإخوان السياسية.
وثيقة الإخوان رصدت أيضاً سلفيى القاهرة «السلفية الحركية»، وهؤلاء شاركوا فى الثورة متأخراً، ولكن كانوا أسبق السلفيين، ومشايخهم هم: الدكتور محمد عبدالمقصود، والشيخ فوزى السعيد، والشيخ حسن أبوالأشبال، والشيخ سيد العربى، والشيخ نشأت، وهؤلاء لهم أثر وقبول فى الصف السلفى، وعلى اختلاف مع الدعوة السلفية، وجرى صلح شكلى بينهم، فهم يتبنون مواقف الإخوان السياسية، وتواصلوا مع لجنة إخوانية بالقاهرة وكانوا يلتقون بالدكتور محمد مرسى مرة شهرياً، لكن اللقاء لم ينتظم، تقصيراً من الإخوان وليس منهم، وسلفيو القاهرة يتسمون بقدر من الوعى السياسى لكنهم لا يميلون إلى العمل التنظيمى.
الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح كانت من بين ما عرضته وثيقة الإخوان فيما يخص السلفيين، ويرأسها نصر فريد واصل -مع أنباء عن استقالته- وأمينها العام هو الشيخ محمد يسرى، ولها مجلس أمناء يضم الشيخ عبدالستار فتح الله والشيخ صفوت حجازى، ويضم مجلس إدارتها الدكتور محمد عبدالمقصود والشيخ على السالوس، ويحضر فيها أيضاً مشايخ شباب الإصلاح مثل هشام العقدة.
والهيئة هى مجموعة مشايخ من مختلفى التوجهات، ولكن الطرف الفاعل فيها هو الشيخ محمد يسرى، فهو يتحدث باسمها ويكتب بياناتها.. والهيئة ليس لها الآن أثر قوى على الأرض يملأ الفراغ السلفى بالقاهرة.. وعرض على الشيخ محمد يسرى رئاسة مجلس شورى الدعوة السلفية بالإسكندرية فرفض، وانسحب خوفاً من صدام وشيك مع الشيخ ياسر برهامى.
الهيئة أعلنت دعمها لمحمد مرسى فى انتخابات الرئاسة، فعلت ذلك برعاية الشاطر وبتحرك قوى من رئيسها الجديد الشيخ على السالوس، الذى خلف نصر فريد واصل، والسالوس أحد أعضاء التنظيم الدولى للإخوان ويحمل الجنسية القطرية.. وكان دعم الهيئة لمرشح الإخوان يؤكد ما جاء فى وثائقها من أن الهيئة تتبنى مواقف الإخوان السياسية.
السلفيون المستقلون، وفقاً لوثيقة الإخوان، تضم الشيخ أسامة عبدالعظيم ونائبه الشيخ محمد الدبيسى، وهذه الجماعة لا أثر لها، وأعضاؤها منعزلون، ولكن الأثر الأكبر للمستقلين من دعاتهم مثل الشيخ محمد حسان والشيخ محمد حسين يعقوب والشيخ أبوإسحاق الحوينى، ومواقفهم من الثورة فى بدايتها كانت متخبطة وملتبسة لكنهم انحازوا لها فى النهاية، وكان لهم دور الحشد فى استفتاء 19 مارس، وهو الاستفتاء الذى ضللوا فيه المصريين بأن من يقول نعم سيدخل الجنة.
«سلفيو الولاة» جماعة وصفتها وثيقة الإخوان بـ«القوصيين» وقالت إنهم من يرون الأحزاب مخربة وخارجة على طاعة ولى الأمر«سلفيو الولاة»، وهى جماعة وصفتها وثيقة الإخوان بـ«القوصيين»، وقالت إنهم من يرون الأحزاب مخربة وخارجة عن طاعة ولى الأمر، وكانوا يبلغون أمن الدولة عن الإخوان والسلفيين، وهؤلاء يمثلهم أسامة القوصى فى عين شمس.
بعد الرصد الدقيق للجماعة السلفية، وضع الإخوان تصوراً للتعامل معهم، وكذلك لاستخدامهم والدفع بهم فيما يريدون تحقيق الهدف منهم، التصور أكد على ضرورة استخدام السلفيين كفزاعة يرهبون بهم المصريين ومن قبلهم المجلس العسكرى، فجماعة الإخوان تدرك جيداً أن السلفيين حديثو العهد بالسياسة وتحركاتهم عشوائية، لذلك رأت الجماعة وكما جاء فى وثائقها الاستفادة من تناقضات المشهد السلفى بتقوية الجماعات السلفية المعتدلة والمتسمة بقدر من الوعى السياسى.. كمشايخ السلفية فى القاهرة وشباب الإصلاح بالبحيرة وجبهة الإرادة الشعبية والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، لتكون قادرة على مواجهة التيار السلفى المتشدد المزهو بنفسه، والذى تمثله الدعوة السلفية بالإسكندرية، وهو ما يعين ضرورة التواصل معهم وأيضاً التنسيق والتواصل مع المتشددين من مشايخهم عبر المعتدلين، وأن يكون التنسيق معهم جزءًا من التنسيق الوطنى الواسع وليس تنسيقاً ثنائياً بين الإخوان والسلفيين، وأن يستفاد منهم فى التفاوض كورقة ضغط على الآخرين لصالح الإخوان، وهو يعنى أنهم يستغلون السلفيين ويستخدمونهم كفزاعة لتحقيق مصالحهم الشخصية.
لم تكتفِ الوثيقة بما جاء فيها من معلومات عن السلفيين فى مصر.. بل أوصت بضرورة أن يكون هناك فريق بحث من متخصصين ليحلل المشهد أكثر ويقدم معالجات باستفاضة إلى لجنة مركزية لإدارة المشهد مع السلفيين، هذه اللجنة تضم علماء وشيوخاً ودعاة يتواصلون مع السلفيين مثل الشيخ عبدالستار فتح الله، والدكتور عبدالرحمن البر عميد كلية أصول الدين، والدكتور محيى الظايط نائب شورى الإخوان بشرق القاهرة، وجمال عبدالستار المنسق العام لنقابة الدعاة وأستاذ بجامعة الأزهر وأحمد زايد.. وباحثون وقيادات حركية ميدانية وشباب من الإخوان وإعلاميون.
وصلت الجماعة للحكم وحاولت إرضاء السلفيين إلى حين.. ووضعت بعض رجالهم فى مناصب، لكنها مناصب غير حيوية.. وما إن شعرت بالقوة حتى بدأت التخلص منهم، وانقلبت عليهم.. وكانت الفتنة مستترة.. لكنها أصبحت علناً وعلى الهواء مباشرة.. وكل طرف يعاير الآخر ويكشف عوراته.. وكان هذا واضحاً بعد الحفل الذى أحيته دوللى شاهين فى الغردقة تحت رعاية حزب الحرية والعدالة.. وقتها خرج السلفيون وسخروا من الحزب وقادته بل وشنوا هجوماً عنيفاً عليهم.
ولم يسكت الإخوان وعايروا السلفيين بما فعله على ونيس فى الطريق الزراعى وذكروهم بفضيحة أنف أنور البلكيمى.. وليس هذا فقط وإنما امتد الخلاف بينهما ليصل إلى التخوين.. فالسلفيون تبنوا ما كانت باقى القوى السياسية ترمى به جماعة الإخوان.. ويقول السلفيون إن الجماعة ركبت الثورة، وما إن وصلوا إلى كرسى الحكم حتى قرروا إقصاء الآخرين، وهو ما قاله يونس مخيون، رئيس حزب النور، لمحمد مرسى فى اللقاء الذى جمع بينهما.
ونصحه ألا تستحوذ الجماعة على كل شىء، وأن يمنح باقى القوى السياسية الفرصة لأن يشاركوا بقوة، وطالبوه بأن يكون خطابه موجهاً إلى الشعب المصرى لا إلى جماعته فقط.. وكان محمد مرسى حريصاً على أن يلتقى برئيس حزب النور بعد أن لاحظ مواقف الحزب تجاه جماعته فى الفترة الماضية.. وكان حريصاً على أن يعيد الوئام بينهما ولو مؤقتاً خاصة قبل الانتخابات البرلمانية.
انقلاب السلفيين على الإخوان أصبح واضحاً.. ولا يجدون مناسبة إلا وفتحوا فيها النار على ممارسات الجماعةانقلاب السلفيين على الإخوان أصبح واضحاً فى بياناتهم وحواراتهم التليفزيونية والصحفية.. ولا يجدون مناسبة إلا وفتحوا فيها النار على ممارسات الجماعة.. ويقولون عنها ما يقوله المعارضون من أن الجماعة تركت ميدان التحرير وتخلت عن الثورة، لكى يستعدوا لانتخابات مجلس الشعب.. الانتخابات التى كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم.. الانتخابات التى لو كان المجلس العسكرى قام بتأجيلها لخرج أعضاء الجماعة كالمغول فى الشوارع.
وكانوا يجهزون لها والجثث تتطاير فى كل مكان.. هى الانتخابات التى تحققت لهم، لكن نتائجها كانت مزعجة.. فالسلفيون حصدوا أكثر من 25% من أصوات الناخبين، النتيجة أزعجت الجماعة وأغضبت السلفيين.. فالجماعة شعرت بالخطر والسلفيون لم يرتضوا بالنتيجة، فقد كانوا يرون أنها لا تتناسب مع أعدادهم فى الشارع.. هذه النتيجة وإن لم تكن مرضية للسلفيين فقد رآها غيرهم طيبة.
خاصة أن ملعب السياسة جديد على السلفيين.. لا يجيدون التحالفات ولا التربيطات ويتحركون بعشوائية ويفتقدون التنظيم.. لكن وبعد سنتين من «25 يناير» عرك السلفيون الحياة السياسية.. وعرفوا دهاليزها وخبروا معاركها.. يعرفون متى يصمتون ومتى يتحدثون؟!.. متى ينشبون أظافرهم ومتى يتحلون بالرقة؟!.. لم يعد السلفيون على براءتهم السياسية.. هم خرجوا للعمل العام ولن يتنازلوا عن نصيب يرضيهم فى الحكم.. أدركوا أن جماعة الإخوان كانت تستخدمهم فى ترويع المجتمع بهم.. أدركوا أن الجماعة تضمر لهم شراً.
وهو ما تأكد لهم بعد أن جرى تفتيت السلفيين، وانشق بعض أعضاء حزب النور ليؤسسوا حزباً آخر هو حزب الوطن.. هذا التفتيت هو ما جعل باقى السلفيين يدركون خطورة الجماعة عليهم.. يدركون أن التفتيت هو البداية ولن تهدأ الجماعة إلا بعد أن تقضى عليهم بالإغواء ثم الإقصاء، ولا مانع هنا من اللجوء إلى الاعتقالات إن لزم الأمر.. فالجماعة تعرف جيداً أن السلفيين ليسوا على قلب رجل واحد كما هو الحال عندهم.
ليس لديهم شخص واحد يدينون له بالسمع والطاعة حتى لو ذهب بهم إلى التهلكة، ومن هنا تتسرب الجماعة لتشعل النار بينهم.. تقرب منها ما تراه قوياً فيأتى هو ومجموعته.. تأتى به ليصبح فى مرمى النيران من باقى زملائه السلفيين فيتهمونه بالبيع والخضوع للجماعة.. تستفيد الجماعة بقوة من تقربه منها وفى الوقت نفسه تكتب نهايته بيد السلفيين لا بيدها، بهذه الطريقة تتخلص الجماعة من رؤوس السلفيين واحداً تلو الآخر فلا يبقى لديهم من يحرك الناس أو يحشدهم.
عصام العريان وصف السلفيين بالمتطرفين الذين يضيقون بالديمقراطية ولا يحترمون الأقباط ولا المرأة وأقنع الأمريكان بأنهم خطر على الغرب لأنهم يكفّرونهمالجماعة هى من بدأت بالحرب على السلفيين.. خرج عدد من رجالها يهاجمون السلفيين.. منهم عصام العريان وهو فى أمريكا حين خوّف الغرب من صعود السلفيين.. وصفهم بالمتطرفين الذين يضيقون بالديمقراطية ولا يحترمون الأقباط ولا يحترمون المرأة، وطمأن الغرب بأن السلفيين لن يؤثروا على جماعة الإخوان.
قبل 30 يونيو وقف السلفيون -وكالعادة- يراقبون ما سيجرى فى هذا اليوم ولمدة 3 أيام وعندما ترجح كفة عن أخرى ستنحاز للمنتصر، قسموا أنفسهم إلى فريقين.. فريق على الأرض يشارك الإخوان خطواتهم، وفريق يعلن الحياد ولا مانع لديه من أن يحرم الدم ومهاجمة المؤسسات ومنشآت الدولة.. اقترب 30 يونيو وخرجت قيادات السلفيين تعلن أنها لن تشارك فى هذا اليوم، ولن تشارك أيضاً فى مظاهرات الإخوان التى كانت قد بدأت قبل 30 يونيو بأيام.
أعلنوا ذلك عبر الفضائيات وعبر بيانات خرجت من حزب النور.. لكن الواقع كان يقول غير ذلك.. كان يقول إن كثيراً من السلفيين انضموا للإخوان المسلمين فى المظاهرات التى جرى تنظيمها دعماً لما سموه دفاعاً عن الشرعية.. جاء اليوم وكان الحشد فيه عظيماً وكان خروج المصريين مبهراً للعالم كله.. هنا لم يجد السلفيون أمامهم سوى إعلان انحيازهم للشعب -الفريق الفائز- تجلى هذا الانحياز عندما ظهر ممثل عنهم فى البيان الذى ألقاه الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وقتها والذى بموجبه عزل محمد مرسى.
قبلها حاولوا أن ينتهزوا فرصة الغضب الجماهيرى على الجماعة وتقديم أنفسهم لأمريكا على أنهم البديل المناسب وأنهم على استعداد أن يقدموا أى شىء لهم.. لقد حدث هذا عندما وقعت أحداث العنف أمام قصر الاتحادية وبعد أحداث بورسعيد فى ظل حكم محمد مرسى، وخرج السلفيون بمبادرة لوقف الدم وهى المبادرة التى باركتها أمريكا.
هذه المبادرة وقبل أن تخرج للنور كان السلفيون قد أرسلوها للسفارة الأمريكية بالقاهرة، والتى أرسلتها بدورها للبيت البيض فباركها وأثنى عليها ومن ثمَّ أعلنها حزب النور على الجميع وخرج المسئولون الأمريكيون يباركونها فى العلن أيضاً، وهو ما أثار حفيظة جماعة الإخوان المسلمين.. وقتها شعروا بالخطر من صعودهم، أو أن أمريكا قد تجد فيهم حليفاً لها وبديلاً لهم.
زاد الخطر عندما قرر حزب النور أن يحج إلى واشنطن.. سافر قياداته فى جولة يعرضون برنامجهم ويجملون صورتهم بدعاوى عن احترامهم لحقوق المرأة والأقباط والحريات، وأنهم مؤمنون بالتعددية على غير الحقيقة.. ذهبوا ليقولوا لهم إن بإمكانهم الحوار مع المعارضة وإنهم قادرون على لمّ شمل الفرقاء، وضربوا مثلاً لهم بجلوسهم مع قادة جبهة الإنقاذ ورؤساء الأحزاب السياسية.. سافروا ليطرحوا أنفسهم على أمريكا بديلاً للجماعة محاولين تقليدها والسير على خطاها.
كانوا يريدون الدعم تماماً مثلها.. كانوا يريدون البركة ليصلوا لكرسى الحكم.. لم يكن غريباً أيضاً أن يخرج الدكتور سعد الدين إبراهيم ويعلن أن السلفيين طلبوا منه أن يكون وسيطاً بينهم وبين أمريكا.. طلبوا منه أن يحمل هذه الرسالة: «ننوى أن نستقل عن الإخوان ونريد قناة مباشرة مع أمريكا بدلاً من التعامل مع الإخوان».. طلبوا منه أن يفعل معهم ما سبق أن فعله مع جماعة الإخوان المسلمين.. فالدكتور سعد الدين إبراهيم كان هو الوسيط بين أمريكا والجماعة.. حدث هذا سنة 2003 عندما كان محبوساً معهم.
ونجح بالفعل فى أن يرتب لقاءات بين مسئولين أمريكيين وقيادات بالجماعة، منهم عصام العريان ومحمود عزت وجهاديون.. كانت الجماعة فى قمة غضبها من التقارب الذى حدث بين السلفيين والأمريكان.. تقارب -وكما قلت- كان يتوقعه القيادى الإخوانى عصام العريان قبلها بفترة، لذلك حاول بكل قوة أن يخوّف الغرب من السلفيين.. قال لهم: إن السلفيين خطر كبير وإنهم لا يحترمون المرأة ولا يؤمنون بالحرية ولا يؤمنون بحقوق الأقباط، وإنهم يرون الغرب كافراً.
وحتى يؤكد «العريان» للغرب ما قاله كان كل فترة يستفز السلفيين ليخرجوا ما فى بطونهم.. حدث هذا عندما هنَّأ الأقباط بعيدهم.. وقتها خرج عليه السلفيون ونالوا منه ونالوا من الأقباط.. كان «العريان» واعياً بما فعله وبلع السلفيون الطعم وكشفوا للغرب عن وجههم الحقيقى الذى نعرفه نحن ونؤمن بأن السلفيين يناصبون الأقباط العداء، بل إن كثيراً من مشايخهم يرميهم بالكفر.
غداً.. الحلقة الرابعة
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الإخوان السلفيون الإرهاب الكذب والتضليل جماعة الإخوان شباب الإصلاح الشیخ محمد محمد مرسى حزب النور أن یکون جاء فى ما جاء وهو ما
إقرأ أيضاً:
يوم التأسيس.. تاريخ عريق ومجد تليد
البلاد – جدة
تحتفي المملكة العربية السعودية بذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى في منتصف عام 1139هـ الموافق لـ 22 فبراير من عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود– رحمه الله– وذلك بناءً على الأمر الملكي الكريم، اعتزازاً بالجذور الراسخة لهذه الدولة المباركة، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها على مدى أكثر من ثلاثة قرون، حتى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء- حفظهما الله.
في تاريخ الأوطان قيادات فذة ومحطات عظيمة في أحداثها ومنجزات أبطالها، خاصة إذا ارتبط ذلك بقيام دولة مستقرة يستظل بها أبناؤها وينعمون بخيراتها وينهضون بمستقبلها.. وهنا تكمن دوافع توقف الأجيال عندها بالاعتزاز، واستلهام أمجادها والوفاء والافتخار برمزها ولرجالاتها، والوعي الوطني في مواجهة التحديات.
وهنا تكمن أهمية قراءة التاريخ وصفحاته المرصعة بأمجاد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود، وتضحيات أبنائه وأحفاده من بعده في سبيل بناء الدولة؛ حيث يفتخر أبناء المملكة العربية السعودية بهذا الإرث التاريخي العريق.
قيمة وطنية
استذكار يوم التأسيس والاحتفاء به، هو قيمة وطنية عظيمة في تاريخ الوطن المجيد، لمزيد من الفخر والانتماء لدولة عريقة الجذور تأصل تاريخها لقرون، وبُنيت قواعدها على أساس راسخ من الإيمان والإقدام، والإصرار على إرساء الوحدة والأمن، بعد قرون من التشتت والفرقة والتناحر بين القبائل في الجزيرة العربية آنذاك، ومؤامرات الغزاة الطامعين.
لقد كانت بداية تأسيس الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود، النواة التي بُني عليها هذا الصرح الوطني العظيم، وهنا تكمن القيمة الكبيرة لقراءة التاريخ وصفحاته المرصعة بأمجاد مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود، وتضحيات أبنائه وأحفاده من بعده، في سبيل بناء هذه الدولة العصرية الحديثة.
لذلك لم يكن يوم التأسيس- الموافق 22 فبراير من كل عام- يوماً اعتيادياً في تاريخ الدولة السعودية، وما شهدته على أكثر من ثلاثة قرون من أحداث وتحديات ومراحل تطور، فهو يمثل الجذور الراسخة في عمق التاريخ، التي بدأت من الدرعية عاصمة الدولة الأولى في منتصف عام 1139هـ / 1727م التي أسسها الإمام المؤسس محمد بن سعود- رحمه الله.
بطولات وأمجاد
لقد كان الإمام محمد بن سعود شخصية استثنائية وعبقرية؛ حين قرر إنهاء منظومة التشتت معتمداً هدف الوحدة والاستقرار والنماء، فأسس الدولة مبتدئًا بمدينته” الدرعية” فوحَّد شطريها، وجعلها تحت حكم واحد، بعد أن كان متفرقًا بين مركزين، واهتم بشؤونها الداخلية، وتقوية مجتمعها، وتوحيد أفراده، مع الحرص على تنظيم الموارد الاقتصادية للدرعية، كما حرص على الاهتمام بالمظهر الحضري للدولة وإدارة شؤونها، ما يوثق نظرته الثاقبة للاستقرار والازدهار في مجالات متنوعة، محققًا لها الاستقلال السياسي التام عن أي قوة خارجية، كما سجل التاريخ حرصه على الاستقرار والنماء في منطقته.
فالتاريخ يسجل للإمام محمد بن سعود، أنه بعد توليه إمارة الدرعية، قام بالعمل على تأسيس الوحدة فيها وتأمين الاستقرار داخلها وفي محيطها من البلدات والقبائل، وحماية طريق الحج والتجارة. كما عمل على تنظيم الأوضاع الاقتصادية للدولة، والتوسع في البناء وتنظيم أسوار الدرعية؛ لتنطلق الدولة بعد ذلك في توحيد المناطق في نجد، لتشكل بداية المرحلة الأولى من توحيد الدولة السعودية الأولى، الذي اكتمل في عهد أبنائه وأحفاده؛ حيث تعكس مرحلة التأسيس شخصية الإمام محمد بن سعود المحورية في تاريخنا السعودي، التي مهدت لدولة ممتدة منذ قيامها قبل أكثر من ثلاثة قرون.
لقد اتسم الإمام المؤسس برؤية ثاقبة، واستفادته من التجربة التي خاضها في شبابه؛ حين عمـل إلى جانب والده في ترتيب أوضـاع الإمـارة، ما أعطاه معرفـة تامـة بـكل أوضاعهـا، كما شـارك في الدفـاع عـن الدرعيـة، عندمـا غزاهـا زعيـم الأحساء، واستطاعت الصمـود ودحـر الجيش المعتـدي، وأدرك ببصيرته العميقة طبيعة وتحديات الأوضاع التي كانت تعيشها إمارتـه والإمارات من حولهـا بشكل خاص، ووسـط الجزيرة العربية عـامة؛ لذا بدأ منـذ توليه الحكـم التخطيط للتغيـيـر في النمط السـائـد خـلال تلك الأيـام، واهتمامه بالتطوير نحو مفهوم الدولة المستقرة، فأسـس بذلك لاتجاه صحيح ومسـار جديد في تاريخ المنطقـة؛ تمثل في الوحـدة والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، والعمل على نشر التعليـم والوعي بأهمية الترابط والتلاحم بين أفراد المجتمع.
الوحدة والاستقرار
وكما يوثق المؤرخون، استطاع الإمام محمد بن سعود تحويل الدرعية من مفهوم (دولة المدينة) إلى دولـة واسعـة وذات نفوذ يحفظ الأمن والاستقرار، وقام بتوحيدها وبنائها، وكان من أبرز أحداثها:
– توحيـد شـطري الدرعيـة وجعلهـا تحـت حـكـم واحـد، بعـد أن كان الحكم متفرقاً في مركزين، والاهتمام بالأمور الداخلية وتقوية مجتمع الدرعية وتوحيد أفراده، وتنظيم الأمور الاقتصادية للدولة. كما نشر الاستقرار في الدولة في مجالات متنوعة، والاستقلال السياسي وعـدم الـولاء لأي قوة، في حين أن بعـض بلدان نجـد كانت تديـن بالـولاء لبعـض الزعامات الإقليميـة.
– إرسـال الإمام أخـيه الأمير مشـاري إلى الريـاض؛ لإعـادة دهـام بـن دواس إلى الإمـارة بعد طلـبه المعونـة مـن الدولـة السـعودية الأولى؛ إثر التمـرد عليـه، ويؤكد ذلك قـدرة الإمـام الكبيرة على احتـواء زعاماتهـا، وجعلهـم يعلنـون الانضمام للدولـة والوحـدة، وبنـاء سـور الدرعيـة للتصدي للهجمات الخارجية القادمة إلى الدرعيـة مـن شرق الجزيرة العربيـة.
– بدء حملات التوحيد، وتوليه قيادتها، وتوحيد معظم منطقة نجد، وانتشار أخبار الدولة في معظم أرجاء الجزيرة العربية، والقدرة على تأمين طرق الحج والتجارة؛ فأصبحت نجد من المناطق الآمنة، والنجـاح في التصـدي لعـدد مـن الحمـلات التـي أرادت القضـاء عـلى الدولـة في بدايتهـا، وتوالت الإنجازات في عهده؛ ومنها: نشر الاستقرار والاستقلال السياسي، وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها.