الرسائل الأخيرة قبل مقتل الطبيبة "نُهى محمود"
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
لا تتفق منشورات "الفيسبوك" الأخيرة في حياة الطبيبة نُهى محمود مع حديثها المُتكرر عن الخوف من السقوط في "قبضة من يُفتي بتكفيرها ويُهدِر دماءها"، فقد أعلنت أنها وصلت إلى مدينة إسطنبول في رحلة سياحية ونشرت رقم حساب "الواتساب" لتحديد موعد مع من يرغب في مقابلتها من أصدقائها ومتابعيها المقيمين في تركيا، وكانت سلسلة رسائلها القصيرة الداعمة لأصحاب الدعوات المُثيرة للغضب والجدل هي آخر الحروف المكتوبة في صفحات حياتها الدُنيا قبل أن ينقطع الاتصال بها وتتحول إلى "جثة مجهولة" لمدة سبعة أيام.
كانت الطبيبة نُهى محمود محمد، المعروفة باسم "نهى محمود سالم" تُعلن في فيديوهات ومنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنها "لا تؤمن بالغيب ولا تؤمن بالوحي، وتدعو إلى عدم اتباع الأديان بادعاء أنها من صنع البشر، ولا وجود للجنة أو النار بعد الموت"، وتتحدث عن حملتها المعروفة باسم "ما ترميش على الأرض"، وتعترف بأن شعارها لا يقتصر على الدعوة إلى "عدم إلقاء القمامة على الأرض"، ولكنها كانت تقصد "ما ترميش عقلك على الأرض.. ما ترميش العلم وتُصدق الغيب والأساطير".
ظهرت الطبيبة نهى محمود لأول مرة عبر أحد البرامج التلفزيونية المعروفة في الرابع عشر من مايو 2014، وكانت ترتدي نقابًا خفيفًا يُظهر بعضًا من ملامح وجهها، وأعلنت أنها خلعت النقاب إلى غير رجعة، ولكنها تخفي وجههًا خوفًا من استهدافها، وظلت تتحدث وتكرر أفكارها في كلمات متلاحقة على مدار ثماني وثلاثين دقيقة، وأكدت أنها لن تتراجع عن أي كلمة قالتها مهما كانت العواقب، ثم اشتبكت في معركة كلامية مع مقدمة البرنامج، وخرجت مطرودة من الاستوديو.
وقبل وفاتها الغامضة بنحو سبعة أشهر، وبالتحديد في الثاني من ديسمبر 2023، نشرت إحدى قنوات "اليوتيوب" فيديو تستعرض فيه الطبيبة نهى سطورًا من حياتها، بداية من ارتدائها الحجاب متأثرة بإحدى المعلمات في المدرسة الثانوية، ثم انتقالها إلى مرحلة أخرى بارتداء النقاب في بداية دراستها بكلية الطب في جامعة الإسكندرية، حيث كانت تتردد على مسجد خاضع لسيطرة السلفيين في منطقة مصطفى كامل والتزمت مع بعض أفراد العائلة بخليط من الفكر الإخواني والسلفي، وزعمت أنها تحولت إلى النقيض قبل أن تصل إلى الثلاثين عامًا من عمرها بسبب "خلافات عائلية" وأشارت إلى كتابها "لماذا خلعت النقاب" الذي يلخص جميع أفكارها، وتكرر حديثها عن "عمرها الذي تجاوز الستين بعام واحد"، في حين أنها أكدت في منشور عبر "الفيسبوك" بتاريخ الأربعاء الثامن من مارس 2023 أنها "تبلغ من العمر ثلاثة وستين عامًا"، وهذا يعني أن الفيديو كان مُسجلًا قبل أكثر من عامين، ويبدو أنها تأخرت في إذاعته لنفس السبب الذي تحدثت عنه عندما كانت تتعهد بإطلاق قناة على "اليوتيوب" إذا انتقلت إلى ملاذ آمن!!
الطبيبة نهى محمود
كانت نهى محمود تقول إنها "طبيبة بشرية مسلمة، ممارس عام" في "هيئة التأمين الصحي" قبل أن تصل إلى سن المعاش، وظلت تستشهد في كتاباتها بآيات من القرآن الكريم وتقول: "إنها تحب هذه اﻵيات ولكنها لا تؤمن بأنها وحي من عند الله" وتُعلن أنها "اختارت الجزء العقلاني من جميع الأديان وهو القيم والمبادئ والمُثل والأخلاق العالية"، وقالت: "إن جميع الرسل بلا استثناء أَلَّفوا الكتب المقدسة ولا حياة بعد الموت.. ولا يوجد جبريل والله لم يتكلم".. ولم تصل إلى صدارة صفوف أقرانها من أصحاب الدعوات المثيرة للجدل، لأنها كانت تتراجع خطوات إلى الخلف تحت ضغوط متكررة من المقربين وخوفًا من استهدافها "برصاصات غادرة".
في الثلاثين من يناير 2024، كشفت الطبيبة نهى في منشور عبر "الفيسبوك" عن أسباب "تعاستها وبكائها واكتئابها"، وأكدت أنها تعاني من إهمال بعض الأهل والمقربين، وقالت: "لو أنا ما اتصلتش بيهم، ولو غبت شهور، محدش فيهم يتصل يسأل علي أبدًا، نصيحة من أم وجدة عندها ٦٤ سنة، لا تنجبوا أطفالا".
وفي الثلاثين من أبريل 2024، أعلنت أنها وصلت إلى تركيا في رحلة سياحية، وكتبت رقم "الواتساب" في منشور للعامة عبر "الفيسبوك"، وقالت: "اللي عايز يقابلني يبعت واتساب"، وبعد يومين نشرت صورة التقطتها في إحدى المدارس ويظهر خلفها علم تركيا وصورة مصطفى كمال أتاتورك، وقالت: "أنا وأتاتورك في مدرسة حكومية في اسطنبول.. محتاجين أتاتورك في مصر"، وقبل انقطاع الاتصال بها بساعات، كانت الطبيبة تقترب من لحظات الموت وتستقبل تعليقات ورسائل الأصدقاء والمتابعين المقيمين في تركيا بكل ثقة ودون خوف من السقوط في قبضة من يستهدفها.
وفي الرابع والعشرين من مايو 2024، وصل نجل الطبيبة نهى محمود إلى تركيا قادمًا من الإمارات العربية المتحدة، وقدم بلاغًا عن اختفائها وتبين من التحقيقات أن عينة الحمض النووي المأخوذة منها تتطابق مع عينة من جثة "المرأة المجهولة" التي عُثر عليها في منطقة بيرم باشا بمدينة إسطنبول، يوم الجمعة السابع عشر من مايو، وبعد استكمال الإجراءات القانونية في معهد الطب الشرعي، تَسَّلم نجلها الجثة وقام بدفنها في مقبرة "كيليوس" بمدينة اسطنبول، وتنتظر أسرتها نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات التركية لكشف ملابسات الوفاة الغامضة.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
مجرد رقم «الأخيرة»
السعادة هى فن نصنعه بأيدينا، وكذلك التعاسة، قد يعترض كثيرون على مقولتى، ما يجعلنى أطرح سؤالا يبدو تقليديا لكنه مهم كوجود الإنسانية جمعاء، «هل يصنع الإنسان حياته وقدره»، نعم يصنع الإنسان حياته وقدره، وأستثنى بالطبع من هذا موعد ميلاده وموته، أما رزقه فهو مرتبط بسعيه، وقد لا يأتيه رزقه المالى قدر سعيه مما يغضب له الإنسان ويشعره بعدم عدالة السماء «والعياذ بالله»، ولكنه لا ينتبه إلى أنه يأخذ رزقه كاملا فى باقى نعم الله عليه بها من ستر، صحة، أسرة طيبة، زوجة أو زوج صالح، أولاد، مركز اجتماعى أو علم نافع، وهكذا، وقد لا يدرك كثيرون أن رزق المال هو أدنى الأرزاق، وكم من أثرياء حرموا اشياء كثيرة منها الصحة مثلا مما أفقدهم متعة المال، يصنع الإنسان حياته باختياراته من خلال عقله الذى ميزه الله به عن سائر مخلوقاته، يختار طريق الخير والصلاح لنفسه ولغيره، أو طريق الشر، فقد هدانا الله النجدين لنختار، أما مسألة أننا مسيرون وكل ما نعيشه مقدر ومكتوب، فهو أمر يخلط به الناس مسألة أن المكتوب لا يعنى أن الله كتب لنا طريقنا فى الحياة بالقلم والمسطرة لنسير عليه مغمضى العينين، بل يعنى أن الله يعلم وهو عالم الغيب، يعلم ما سيفعله كل مخلوق من مخلوقاته فى حياته، وكيف سيتصرف فى النعم التى أنعم عليه بها، وإلا لو كنا نسير وفق خطة مسبقة وضعها الله لنا، لما جعل هناك ثوابا وعقابا وجنة ونارا، وهى قضية قديمة حسمها الأئمة والشيوخ، لكنى أوردها هنا لزوم ما أريد قوله لنفسى أولا قبل أن أقوله لكم، أن الإنسان هو من يختار كيف يسير حياته، ليس فقط فى الدراسة والعمل والتعامل مع البشر غيره لتحقيق مستقبل ناجح وتحدى صعوبات الحياة بإرادة قوية، بل هو من يختار كل تفاصيل حياته، حتى وقوعه فى الحب هو اختيار مسبق له، لأن الإنسان يضع فى اللاوعى اشتراطات للشخص الذى يمكن أن تحبه فتاة أحلام، فارس أحلام، فإذا صادف هذا الشخص تلاقى هواه النفسى مع الواقع، فوقع فى الحب معتقدا أنه لم يختر وأن القدر اختار له هذا الحبيب بكل ما به من خير أو شر قد يتكشف فيما بعد. ولأن الله سبحانه أورثنا الأرض بعد أن نفخ فينا من روحه، فلا يصح أن نهمل ونتغافل ونتكاسل، ونلقى بلائمة الفشل فى حياتنا على ما كتبه الله لنا وأن هذا هو قدرنا، فهذه أكذوبة نعلق عليها تقاعسنا، فهناك ملايين النماذج فى الحياة خلقها الله بعجز وإعاقات لكنها تحدت وحققت نجاحات سجلها التاريخ، وأسوق مثلين فقط، ستيفن وليام هوكينج أشهر عالم فيزياء ولد قعيدا ومعاقا، ولم يستسلم لعجزه، طه حسين لو استسلم لظروف بيته وفقدان بصره لجعل حياته كلها عتمة وظلاما، ولم يصبح وزيرا ولا عميد الأدب العربى ولم يعرفه العالم، إذن عدم اشتراط الإنسان على الله اكتمال النعم ليسعى وينجح ويسعد فى الحياة، هو الرضا الذى يمنح النجاح والسعادة، وإيلاف النعم أى اعتيادها يفقد الإنسان الشعور بها وبأهميتها، فيشعر بالضجر من حياته وعدم الرضا ويطلب المزيد من الله، ولا يتأدب حتى فى طلبه من الله بل يطلبها ساخطا غاضبا منكرا كل ما وهبه الله من نعم أخرى، ويوقف كل رضاه وسعادته على ما غاب عنه. هؤلاء البشر معتادو النعم منكرو فضلها، لو حرمهم الله من نعمة فقط مما اعتادوها كأن يفقد عينا أو يدا، جزءا من جسده، أو يصاب بمرض يجعله غير قادر حتى على تناول ساندويتش فول كان يزهده ويستنكر تكرار طعمه من قبل بسبب ضيق ذات اليد، عندها سيفيق من غفلته ويتنبه أن الله أسبغ عليه نعما لا تحصى، ومن معتادى النعم من يملأ حياته تشاؤما وبكاء ونواحا مما يلقى به فى أتون الشيخوخة والمرض بسرعة بسبب عشقه للهم والغم وتضخيم المشاكل وتهويل الصغائر، ويمكن لشاب أن يصبح عجوزا لهذه الأسباب، فيما يمكن لعجوز ان يظل شابا فى مظهره وصحته لتمسكه بالتفاؤل والطاقة الإيجابية والرضا بعطايا الله وحمده وشكره. مؤمنة أنا بأن عاشق البهجة ستأتية السعادة من حيث لا يدرى ولا يحتسب، ومعتنق الحزن سيأتيه الهم والغم من حيث لا يدرى أيضا، من يضخم المشاكل ستتضخم، ومن يهون منها ويعمل ما عليه وترك الأمر لله مدبر كل أمر ستهون المشاكل وتنفك العقد.
فمن صبر على الابتلاء واعتقد إيمانا فى قول الله تعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، سيرى الخير قادما من قلب ما اعتقد أنه شر، وسيرى النور قادم من حلكة الظلام
[email protected]