تعمل الصين منذ سنوات طويلة على تحسين علاقاتها في كافة المجالات مع الدول العربية، ومن دلائل ذلك هو إقامتها للمنتدى الصيني- العربي العاشر الذي انطلقت فعالياته في العاصمة الصينية "بكين" في التاسع والعشرين من شهر مايو الماضي بحضور الرئيس الصيني شي جين بينغ، وبمشاركة قادة أربع دول عربية هي: مصر، الإمارات، البحرين، تونس، ووزراء خارجية ومسئولون كلا الجانبين، من أجل العمل على تعزيز العلاقات وتطويرها بين الصين والدول العربية، ولقد حرصت الصين على إقامة هذا المؤتمر منذ تأسيسه عام ٢٠٠٤ بمبادرة من الرئيس الصيني الراحل جين تاو بمقر جامعة الدول العربية، وفي الكلمة الافتتاحية للمنتدى أشاد الرئيس الصيني بالألفة، والتقارب مع العالم العربي، وجاءت كلمات الزعماء العرب المشاركين، لتؤكد على حرصهم على التقارب مع الصين في كافة العلاقات، إضافة إلى ثقتهم في الصين، ومساهمتها في حل القضايا والنزاعات الدولية، وبخاصة قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وحول القراءة لهذا التقارب بين الصين والدول العربية، يشير- وفقًا لمعطيات هذا التقارب- إلى أن الملف التجاري الاقتصادي هو الملف الأكثر أولوية للصين مع الدول العربية، والدليل على ذلك هو إبرام الكثير من الاتفاقيات مع الدول الخليجية، والعمل على التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة، إذ تعد جمهورية الصين الشعبية من أكثر الدول استيرادًا للنفط، والغاز من العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعتبر دولة ممولة لمصر، ومشاركة في الكثير من المشاريع الكبرى في قناة السويس، ناهيك عن الصادرات الصينية للبلدان العربية التي تتفوق على دون غيرها من دول العالم في هذا المجال، ولهذا يأتي الدور الاقتصادي كأولوية صينية قبل دورها السياسي في المنطقة العربية، ويرجع ذلك إلى سعي الصين لإنشاء تحالفات دولية اقتصادية لمواجهة أمريكا، ودول الغرب، لتشكيل توازنات دولية أمام التكتلات الدولية كدول السبع الكبرى، ودول العشرين وغيرها، وذلك بالاعتماد على توسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية مع المنطقة العربية، ومع إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وحليفتها الاستراتيجية روسيا، إضافة إلى إقامتها لمشروع طريق الحرير الصيني، الذي سيعتمد على العالم العربي وعلى رأسه مصر، وأما عن الشق السياسي الذي تلعبه الصين، فإنها تتعامل مع القضايا الدولية، وأزمات منطقة الشرق الأوسط بالطرق السلمية، رغم اهتمامها الكبير بمناصرة القضية الفلسطينية، ولعبها دورًا إيجابيًّا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتصويتها دومًا لصالح القضية الفلسطينية، كما أنها تسعى لإصلاح العلاقة بين السعودية وإيران، وفي نفس الوقت الانفتاح مع حليفتها إيران، وتركيا، وحتى مع إسرائيل، وتفسير ذلك هو أن الصين تعمل وفق سياسات متوازنة مع بلدان العالم، ولا تريد أن تبدو وكأنها طرف منخرط مع طرف، أو أنها تقف مع طرف ضد آخر، وهي تسعى لتكون صديقة للجميع، ولكنها مع ذلك ومع لعبها هذا الدور المتوازن تنتظر اللحظة المناسبة للتضامن مع حلفائها، كي تخترق وتحقق مكانتها الدولية في الوقت المناسب، وعن القضية الفلسطينية، فإن الصين لها توجهاتها الخاصة مع انحيازها لإقامة الدولة الفلسطينية، وتحقيق نجاحات وشراكات مع العالم العربي في ظل تراجع الدور الأمريكي المنحاز لإسرائيل، وتوحش إسرائيل في المنطقة، ولهذا فإن الصين تلعب دور الوساطة من أجل وقف الحرب في قطاع غزة، والعمل على إقامة الدولة الفلسطينية.
وعن المنتدى الصيني- العربي، فقد اختُتمت فعاليات منتدى التعاون الصيني- العربي يوم الخميس الماضي، معلنًا الكثير من القرارات ومنها مشروع بكين والتركيز على عقد قمة دورية صينية، وتعزيز المصير المشترك لشعوب الصين والدول العربية، كما دعا المنتدى إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والعمل على التوصل لتسوية للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، ومعارضة التهجير القسري، ودعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، كما دعا الرئيس شي جين بينغ إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وحل النزاع بين الكيان الصهيوني وفلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
افتتاحية: المستحيل بات ابتكارًا ممكنًا
مع بداية كل عام، يشهد العالم قفزة نوعية نحو آفاق جديدة في عالم العلوم، مدفوعًا بابتكارات تُضفي على الحياة مسحة سحرية! ففي الوقت الذي نتحدث فيه، ينكبّ العلماء والخبراء على دراسة كيفية تمكين عامة الناس من تناول وجباتهم على سطح المريخ في المستقبل القريب. ولا يقتصر طموحهم على ذلك، بل يتناولون بالبحث إمكانية قراءة الأفكار بواسطة الآلات المتطورة، وإنتاج الغذاء من الهواء المحيط بنا، وتسخير الظلال لصناعة محركات ومولدات للطاقة النظيفة. بل إنهم يذهبون أبعد من ذلك، ويسعون جاهدين لتحويل خلايا الجسم البشري إلى أنسجة فائقة القدرات، تمنح الإنسان القدرة على العيش لفترات أطول، لكي يشهد المزيد من عجائب هذا التطور المتسارع.
وللوصول إلى تحقيق ما يُعدّ مستحيلا، وتفكيك شفرة الخيال العلمي، لا بدّ للعلم أولًا أن يكشف النقاب عن أسرار الكون الفسيح. وفي العدد العشرين من الملحق العلمي لجريدة «عمان»، نصحبكم في نقاشات معمّقة تتناول ما تمّ التوصّل إليه من اكتشافات في مجالات الطاقة المظلمة الغامضة، والتأثير الترددي وعلاقته الوثيقة بالطاقة الكونية الهائلة، وأحدث ما تمّ التقاطه من صور ومعلومات عن الشمس، وما يُتوقّع معرفته عن القمر التابع لكوكبنا. ويعرّج أيضًا على استعراض ما ينتظر العالم هذا العام من أحداث فلكية مميزة وظواهر سماوية نادرة، بالإضافة إلى ابتكارات تكنولوجية واعدة من شأنها تغيير وجه الحياة كما نعرفه اليوم تغييرا جذريا. هذا إلى جانب ملفات عديدة أخرى تتناول قضايا بيئية مُلّحة وموضوعات صحية وأخرى منوعة. قراءة ماتعة.