يوصف الخامس من يونيو/ حزيران 1967 بأسوأ يوم مر على مصر والعالم العربى فى العصر الحديث. ففيه انكسر الحلم بالتفوق والنهضة، وانطفأ وهج الأمل للتقدم والسيادة، وسقطت منارات شاهقة ظن مُشيدوها أنهم قادرون بها على اختراق السماوات.
باختصار شديد انهار كل شيء، هزمتنا إسرائيل، الأصغر عددا، والأقل عتادا، بمفاجأة لم تكن متوقعة، وانكشف واقع الحال فى بلادنا عن بُنيان هش، وكيان مريض، ومجتمع يعانى من اختلالات كبيرة فى القيم والفلسفة الحاكمة.
فالهزيمة هنا لم تكن عسكرية فقط، وإنما حضارية، وفكرية، ومجتمعية. ورغم رد الاعتبار عسكريا فى أكتوبر 1973، وعبور القناة، واسترداد الأرض فيما بعد، إلا أننا كُمجتمع مصرى لم نُغادر الخامس من يونيو حتى الآن.
ولعل ذلك ما جعل أستاذ التاريخ الحديث، المفكر النابه خالد فهمى يضيف على مصطلح «هزيمة يونيو» فى بحث تاريخى موسوعى عميق يتناول الحدث كلمة « المستمرة»، موضحا أننا مازلنا نُعانى من كثير من أعراض ما قبل يونيو مُجتمعيا.
ذلك لأن النظام العام الذى أسسته ثورة يوليو اتسم بعدة سمات راسخة مازالت لصيقة بالوطن ومتغلغلة فى مؤسساته إلى اليوم. منها مثلا الوعد المؤجل بالجنان والرخاء وسيادة العالم دون قواعد ودراسات وخطط واقعية مرسومة بعناية وبمشاركة خبراء حقيقيين.
ومنها أيضا الاهتمام الزائد بالمظهر واهمال المضمون، وهو ما نراه توجها عاما لدى كافة الكيانات العامة، فالصورة والشكل والاخراج المسرحى لكل مشروع أهم كثيرا من قيمة وآثار ومردود هذا المشروع.
ومن السمات الأخرى الحاكمة لنظام يوليو 1952 سمة الفردية المُطلقة، التى تتلقى الرؤى من أعلى لأسفل، فتمجدها وتُعظمها وتُنفذها دون وعى بها أو تقييم أو دراسة باعتبارها غاية الحكمة والرشاد. تذكروا مثلا أن قرار تأميم قناة السويس سنة 1956 لم يُستشر فيه إنسان، وظل سرا مُنحبسا برأس جمال عبدالناصر وحده، وعندما أطلقه فوجئ الجميع بكل شئيء، ودفعنا الثمن مضاعفا فى سبيل شعبية زائفة حققها الرجل.
فى الرواية المُذهلة «يوميات سعد عباس» للمبدع الكبير مصطفى بيومى، والتى يقدم فيها محاكمة صارمة وقاسية لنظام يوليو يضع بطل الرواية يده على سمة أخرى مهمة ولافتة فى تاريخ الأمم، وهى غياب النقد الذاتى. فالجمهورية التى أسسها ضباط طامحون حالمون فى 1952 اعتبرت أى مراجعة للأفكار والخطط والأداء بمثابة مؤامرة قاصمة ضد عدالتها، فمارست الرقابة بشتى طرقها وحرمت نفسها والوطن من أى نقد ذاتى بناء يساهم فى علاج الاختلالات الحادثة.
وهكذا سرى النفاق فى أوصال المجتمع والكيانات، بل أصبح خيطا حاكما للبيروقراطية المصرية، فصار كل مرؤوس يُنافق رئيسه، يُخفى عنه ما يُزعجه، يُشيد بعظمته، يتجنب تنبيهه لأخطائه، ثُم يساهم فى نقل أخبار الآخرين له سعيا للقرب والحظوة.
قادتنا كل هذه الاختلالات المُجتمعية إلى هزيمة يونيو سنة 67، ففقدنا مئة ألف شهيد، وخسرنا سيناء، وحاولت أبواق النظام الناصرى تخفيف الأمر، فأطلقت على الهزيمة وصف «نكسة»، ثُم انتصرنا عسكريا بعد ست سنوات، بفضل وإرادة روح المقاومة فى الشخصية المصرية.
لكن رغم تلك اليقظة، فإننا لم نر بعد السادس من يونيو، صباحا جديدا ضد الهزيمة الفكرية والحضارية والمجتمعية. فمازالت الشكلانية سائدة، ومازالت الفردية حاكمة، ومازال النفاق حاضرا.
والله أعلم
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى عبيد انهار كل شيء واقع الحال من یونیو
إقرأ أيضاً:
القابضة للأدوية تحقق 650 مليون جنيه صادرات بنهاية يونيو 2024
حققت الشركات التابعة للقابضة للأدوية، إحدى شركات وزارة قطاع الأعمال العام، إجمالي صادرات بلغت نحو 650 مليون جنيه،خلال العام المالى الماضي 2023-2024، وفقا لتقرير صادر عن مجلس إدارة الشركة القابضة للأدوية والمستلزمات الطبية.
ويتبع القابضة للأدوية 9 شركات تابعة هى "النصر للكيماويات الدوائية، والعبوات الدوائية، والقاهرة للأدوية، والنيل للأدوية، والإسكندرية للأدوية، وممفيس للكيماويات، وتنمية الصناعات الكيماوية "سيد"، ومصر للمستحضرات الطبية، العربية للأدوية والصناعات الكيماوية - إدكو".
ومن جانبه أكد المهندس محمد شيمي وزير قطاع الأعمال العام خلال الجمعية العامة العادية للقابضة للأدوية، على أهمية تعزيز الاستثمارات في قطاع الأدوية، مشيراً إلى أن تطوير شركات الأدوية التابعة يمثل أولوية في استراتيجية عمل الوزارة وتعزيز قدراتها الإنتاجية والتنافسية في السوق المحلية والخارجية، والمساهمة بفاعلية في دعم الاقتصاد الوطني و توفير أدوية ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية، موضحا أن هذه المشروعات تستهدف أيضا توسيع نطاق التصدير.
كما أشار الوزير إلى أن الوزارة تعكف على تنفيذ خطة طموحة تهدف إلى تعزيز ورفع كفاءة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات، بالتوازي مع زيادة الاستثمار في البحث والتطوير، لضمان استدامة نجاح الشركات التابعة، مع ضرورة تحقيق أقصى استفادة من الأصول والطاقات المتاحة مع الالتزام بأعمال الصيانة الدورية ومعايير السلامة والصحة المهنية، وتفعيل نظام تخطيط موارد الشركات ERP بما يسهم في تحسين وميكنة نظم العمل وتعزيز الحوكمة والإدارة الرشيدة.
وقال المهندس محمد شيمي، في تصريحات سابقة له، إن معظم الشركات التابعة للقابضة للادوية عادت للإنتاج في شهر اكتوبر الماضي.
تطوير 82 خط إنتاج تابع لشركة القابضة للأدوية
ويذكر أن وزارة قطاع الأعمال العام أعلنت عن إنجاز المرحلة الأولى من مشروعات ”GMP” باستثمارات بلغت 1.8 مليار جنيه، والتى شملت تطوير 82 خطًا إنتاجيًا للتوافق مع متطلبات التصنيع الجيد، والحصول على شهادة التصنيع الجيد من قبل هيئة الدواء المصرية لعدد 42 خطا حتى الآن، وشملت المشروعات تطوير ماكينات الإنتاج والمناطق الإنتاجية ومحطات المياه ومنظومة التكييف ومخازن الخامات والمنتج التام ومناطق سحب وصرف الخامات الدوائية والمعامل.