الصين والدول العربية في السراء والضراء
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
تشو شيوان **
أحداث مُهمة شهدتها العاصمة الصينية بكين خلال الأيام الماضية؛ حيث أفتتح المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي يوم الخميس، وقد لقيت هذه الدورة اهتمامًا بالغًا من قبل المحللين والسياسيين وأصحاب الرأي ووسائل الإعلام لما تحمله هذه الدورة من تطورات بالغة الأهمية على صعيد الأجندة وحجم التمثيل والمشاركة؛ حيث شهدت هذه الدورة حضور 4 رؤساء من الدول العربية وهم؛ العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رغم أن المؤتمر على مستوى الوزراء، لكن لأهمية وإيمان جميع الأطراف بوجوب زيادة التعاون بين الدول العربية والصين كان لا بُد من استغلال هذه الفرصة للمضي قدمًا نحو عقد جديد من العلاقات الصينية العربية.
من أهم مخرجات المنتدى إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الدورة الثانية من "القمة الصينية العربية" ستنعقد في الصين عام 2026، بعد تحقيق النتائج الأولية التي توصلت إليها خلال الدورة الأولى من القمة الصينية العربية في الرياض عام 2022، خصوصًا وأن الوقت الراهن قد دخل العالم فترة جديدة من الاضطراب والتغير، وتحدث تغيرات جديدة وعميقة في منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل الوضع الجديد فإنَّ التعاون العملي بين الصين والدول العربية له أهمية إيجابية للمنطقة والعالم، واستمرار عقد منتدى التعاون العربي الصيني والقمة العربية الصينية.
لقد أعلنت الصين بناء "المعادلات الخمس للتعاون"، بغية تسريع وتيرة بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، وبالإضافة إلى التعاون في المجالات التقليدية مثل الطاقة والبنية التحتية والتجارة الاقتصادية، تم توسيع التعاون إلى مجالات الصناعات الناشئة، ومن أهمها معادلة أكثر حيوية للتعاون المدفوع بالابتكار؛ حيث تتعاون الصين مع الدول العربية في بناء 10 مختبرات مشتركة في مجالات الحياة والصحة والذكاء الاصطناعي والتنمية الخضراء والمنخفضة الكربون والزراعة الحديثة والمعلومات الفضائية، وذلك من أجل تعميق التعاون العملي في التطور المبتكر في مجالات التكنولوجيا العملية العالية.
كما إن الصين تسعى إلى معادلة أكثر توازنًا للتعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل المنفعة، حيث تعمل مع الدول العربية على تنفيذ مشاريع التعاون الإنمائي التي تبلغ قيمتها 3 مليارات يوان صيني؛ وعلى تسريع وتيرة المفاوضات مع الدول العربية حول اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية والإقليمية، وتعزيز بناء آلية الحوار للتعاون في التجارة الإلكترونية، إضافة إلى زيادة استيراد المنتجات غير الطاقة وخاصة المنتجات الزراعية والغذائية من الدول العربية، وذلك من أجل تحقيق التكامل والتوازن بين الجانبين الصيني والعربي.
إضافة إلى معادلة أوسع أبعادًا للتواصل الثقافي والشعبي؛ حيث تحرص الصين على إنشاء "المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارة العالمية"، وزيادة الحجم والتأثير لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية، وتسريع وتيرة بناء منصات مثل "الرابطة الصينية العربية للمؤسسات الفكرية"، و"منتدى تنمية الشباب الصيني العربي"، و"الرابطة الصينية العربية للجامعات"، و"مركز الدراسات الصيني العربي للتعاون الثقافي والسياحي". وتدعو الصين 200 مسؤول من الأحزاب السياسية العربية لزيارة الصين كل عام، وتبذل جهودًا مع الجانب العربي في وصول العدد الإجمالي للسياح المتجهين إلى الطرف الآخر في غضون السنوات الخمس المقبلة إلى 10 ملايين سائح.
وأخيرًا.. أصدرت الصين والدول العربية بيانًا مشتركًا بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية؛ حيث أعربت الصين عن دعمها لإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعم عقد مؤتمر سلام دولي بمشاركة أوسع ومصداقية أكثر وفاعلية أكبر. كما أعلن الرئيس شي عن تقديم مساعدة إضافية بقيمة 500 مليون يوان صيني، إضافة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة التي تم الإعلان عنها سابقًا بقيمة 100 مليون يوان صيني؛ بهدف دعم تخفيف الأزمة الإنسانية وإعادة الإعمار في قطاع غزة؛ والتبرع بـ3 ملايين دولار أمريكي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"؛ بهدف دعم الوكالة لتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى قطاع غزة.
ومن هنا يمكننا القول إنَّ التعاون بين الصين والدول العربية قد أصبح نموذجًا للتعاون بين الدول النامية، والتعاون بين الجانبين في كافة المجالات والمستويات، ونثق بأن هناك مستقبلًا مُشرقًا للصين والدول العربية، وتقديم المساهمات أكثر في حفظ السلام والتنمية والاستقرار في العالم.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما سبب غياب الدول العربية عن تحالف لاهاي لدعم فلسطين ومحاسبة الاحتلال؟
شكلت تسع دول حول العالم تحالفا دوليا تحت اسم "مجموعة لاهاي" بعد دعم الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، بالإضافة إلى ملاحقة دولة الاحتلال الإسرائيلي عبر المحاكم الدولية ووضع حد لانتهاكاتها للقانون الدولي.
وجاء الإعلان عن التحالف الجديد الذي يضع إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ضمن أهدافها، خلال مؤتمر مشتركة في مدينة لاهاي في هولندا.
وتأتي على رأس الدول المنضوية ضمن التحالف الجديد جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
ويرى الخبير القانوني المعتصم الكيلاني، أنه من الممكن تحالف لاهاي أن يكون أداة فعالة في زيادة الضغط على إسرائيل من خلال دعمه القانوني والسياسي المتواصل.
ويضيف في حديثه مع "عربي21"، أن التحالف يسهم في تعزيز الجهود الرامية إلى تسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال وتوثيقها، بالإضافة إلى دعمه لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبجانب جنوب أفريقيا، فقد ضم التحالف الذي يأتي على وقع تحديات عديدة تواجه المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية جراء انتهاك الاحتلال للقانون الدولي، دول ماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز. وهذه دول توصف بأنها من الجنوب العالمي.
إفلات "إسرائيل" من المحاسبة
وتعكس هذه الخطو الغضب المتزايد في الجنوب العالمي إزاء ما ينظر إليه على أنه معايير مزدوجة للقوى الغربية عندما يتعلق الأمر بالقانون الدولي. وهو ما تعزز بعد الدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي عقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
وكان وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أيد مشروع قانون معروضا حاليا على الكونغرس لفرض عقوبات على أي فرد أو كيان على اتصال بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية ضد أمريكيا أو حليف لها، وستشمل هذه العقوبات أفراد الأسرة أيضا، حسب "الغارديان".
وبالرغم من العزلة الدولية التي تعيشها دولة الاحتلال والقرارات الصادرة من محكمتي لاهاي، إلا أن "إسرائيل" لم تظهر أي اهتمام بالالتزام بأحكام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
ولم تمتثل إسرائيل لأحكام محكمة العدل الدولية، ولا سيما النتيجة التي توصلت إليها وهي أن استمرار وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانوني وأنه ينبغي عليها سحب قواتها في غضون 12 شهرا.
وقال وزير الشؤون الدولية لجنوب أفريقيا رونالد لامولا، إن الحملة تهدف للتأكد من الالتزام بالقانون الدولي وحماية الضعفاء، مضيفا أن "تشكيل مجموعة يرسل رسالة واضحة: لا دولة فوق القانون ولا جريمة ستمر بدون عقاب".
ويرى الكيلاني أن تشكيل تحالف لاهاي لدعم فلسطين في المحاكم الدولية يعكس تحولا مهما في مقاربة القضية الفلسطينية على المستوى الدولي.
ويوضح أن هذا التحالف يُبرز وجود إرادة سياسية وجماعية لدعم الحقوق الفلسطينية في إطار القانون الدولي، ويعزز فكرة أن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية سياسية أو نزاعًا إقليميًا، بل هي أيضًا مسألة قانونية تتعلق بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
علاوة على ذلك، يسهم هذا التحالف في نقل القضية إلى ساحات قضائية ذات مصداقية، مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ما يزيد من احتمالات مساءلة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائمه، حسب الكيلاني.
ويستدرك الخبير القانوني بالقول إنه "رغم أن تنفيذ قرارات المحاكم الدولية يواجه تحديات بسبب غياب آليات إلزامية قوية، فإن وجود هذا التحالف قد يُسهم في خلق ضغط سياسي ودبلوماسي لدفع نحو تنفيذ هذه القرارات".
ما سبب الغياب العربي والإسلامي؟
لم يضم التحالف الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني أي دولة عربية إلى الآن كما كان من اللافت غياب الدول الإسلامية عن هذه المجموعة باستثناء ماليزيا.
وغابت تركيا التي انخرطت في وقت سابق في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما غابت إيران بدورها عن المظلة الدولية الجديدة التي تعهدت بمنع رسو السفن التي تستخدم لنقل الأسلحة أو الوقود العسكري إلى الاحتلال في أي ميناء من موانئ الدول المشاركة بالتحالف.
وبحسب الكيلاني فإن غياب الدول العربية والإسلامية عن هذا التحالف، يعود لأسباب متعددة، من بينها الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها بعض القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة، على هذه الدول.
ويوضح أن بعض الدول العربية تخشى أن يؤدي انضمامها لتحالف كهذا إلى توتر علاقاتها مع إسرائيل في ظل موجة التطبيع الإقليمي.
يُضاف إلى ذلك الانقسامات السياسية الداخلية وعدم الاستقرار في بعض الدول، ما يجعلها أكثر حذرا في تبني مواقف قد تُعتبر تصعيدية على الساحة الدولية، وفقا للخبير القانوني.
ومن غير المؤكد ما إذا كان التحالف الجديد سيظل مقتصرا على الدول المؤسسة أم سوف يشهد توسعا يشمل دول عربية في المستقبل، سيما أن الدور العربي في دعم قضية جنوب أفريقيا كان غائبا إلى حد كبير.
وفي حال اتجه تحالف لاهاي نحو التوسع فإن من الدول العربية التقي قد تنضم إليه هي ليبيا التي انضمت بشكل فردي إلى دعم دولة جنوب أفريقيا في دعواها في محكمة العدل الدولية، إلا أن هذا الدور ضل ثانوي بسبب الأزمة الداخلية التي تعيشها ليبيا، وفق الكيلاني.
وبشأن تركيا، يرى الخبير القانوني أن أنقرة تلعب دورا متوازنا في هذا السياق؛ فعلى الرغم من علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، فإنها تدعم القضية الفلسطينية سياسيًا وقانونيًا في المحافل الدولية.
ويرجح في حديثه مع "عربي21"، أن تقدم تركيا دعمًا للتحالف في إطار مساعيها لتعزيز نفوذها في قضايا الشرق الأوسط، حسب تعبيره.
وفيما يتعلق بإيران، يوضح الكيلاني أن دعم طهران للقضية الفلسطينية "يعتبر جزءا من سياستها الخارجية بالرغم من دورها الشيطاني"، مرجحا أن "تؤيد التحالف بقوة، لكنها قد تُواجه تحديات في التنسيق مع دول أخرى بسبب حساسياتها السياسية في المنطقة ولعبها دور سلبي في استقرار دول المنطقة".
ويلفت الخبير القانوني إلى وجود دول إسلامية أخرى من الممكن أن تنضم إلى التحالف أو تظهر موقفا داعما بحذر نظرا إلى علاقاتها مع الغرب مثل باكستان.
كما قد تقدم إندونيسيا التي تظهر تقليديا دعما قويا لفلسطين كأكبر دولة ذات أغلبية مسلمة، على أن تكون شريكا رئيسيا في هذا التحالف، حسب الكيلاني.
وكان ممثلو الدول المؤسسة لـ"مجموعة لاهاي"، دعوا "جميع الدول إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ودعم جهود إحلال السلام والعدالة".
وحثوا في بيان المجتمع الدولي على "الانضمام إلى مجموعة لاهاي، والالتزام بمبادئ النظام الدولي القائم على سيادة القانون، باعتباره أساسا للتعايش السلمي والتعاون بين الدول".
وتعتبر مبادرة تأسيس هذه المجموعة "استثنائية وغير مسبوقة"، إذ يتشكل تحالف دولي للمرة الأولى، ويعلن بشكل واضح أن سيعمل لمحاسبة دولة الاحتلال على الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني.