الكتاب يُقرأ من عنوانه
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
يعقوب بن محمد بن غنيم الرحبي **
رسالتي إلى أولئك الذين يصعدون على المنابر وإلى أولئك الذين يسعون إلى الشهرة عبر قنوات التواصل الاجتماعي وإلى الذين يُعَلِّمُونَ الطُلاب، المُعلمين منهم والمُربين وأولئك الذين يطلقون على أنفسهم بالدعاة.
أولًا: علينا أن نتحدَّث عن ما يُعقل ونُحدث بما يُعقل وأن نُقدِم مُحتويات ثقافية، علمية، أدبية وفكرية، رسالة ترتقي بعقل الإنسان وتنور فكره وبصيرته، ونرفض التقليد في الموروث من أجل كسب الرأي العام، فإن رِضي الضمير مُقدم على رِضا الآخرين، وكما يقول بعض الفقهاء (إذا تعارض النَّص مع المصلحة قُدمت المصلحة على النص)، وكما يُقال أيضًا (درء المفاسد مُقدم على جلب المصالح).
ثانيًا: الكلمة أمانة فعلينا أن نكون صادقين في نقل المعلومة والمعرفة إلى المجتمع ونرفض الإملاءات فإنَّ الموروث الديني يحتاج إلى تمحيص أي إلى تحقيق حتى نستطيع التحدث عنه، ليس كما يفعل الكثير بالنقل والتقليد، فعلينا أن نُحرر العقل من عبودية التقليد والتبعية. هناك قاعدة تقول: (إذا تمرد الفكر تحرر الإنسان) فبدأ يُفكر بعقله لا بعقل غيره وإذا تحرر الإنسان لا شك سيُبدع وسيضع بصمةً تاريخيةً وحضاريةً تُصْبِح نقلةً نوعيةً للأمة، يقول المُفكر الإسلامي محمد شحرور (كُلما تعلم الإنسان زادت حُريته وكلما زادت حُريته زادت إنسانيته وكلما زادت إنسانيته زاد اقترابه من ربه).
ثالثًا: رُبما البعض أطلع مُؤخرًا على محتوى أُطلق عليه "سمت وسنع" بإحدى ولايات السلطنة، طبعًا دون تعليق، الكتاب يُقرأ من عنوانه كما يقال مع احترامنا الشديد لِكُلِ إنسان يُقدِم شيئًا للمجتمع، لكن السؤال المطروح إلى صاحب البرنامج هل نتج عن هذا البرنامج معرفةً علمية؟ أو تعلم الطلاب اختراعًا أو اكتشافًا أو أدى ذلك إلى معرفة الطريق للبحث العلمي؟
كان من الأحرى على القائم بهذا المحتوى أو البرنامج أن يطلق عليه (فكر واكتشف أو فكر واخترع أو على الأقل تدبر)، لكن للأسف الشديد لم يكُن ذلك، لأن كُل إناء بما فيه ينضح. هل مثل هذه البرامج ستحقق أُمنيات ومستقبل أبنائنا الطلبة الموهوبين والطموحين؟ وفق هذه الثورة العلمية التي تأتينا من الغرب الذي يطلق عليه الفقهاء المجتمع الكافر، وهم أساسًا لا يستطيعون أن يطلقون عليه المجتمع الفاشل لأنهم يعرفون جيدًا من هو الفاشل الحقيقي.
أتمنى من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن لا يسمحوا لمثل هؤلاء أن يكون الطلاب بين أيديهم؛ بل يجب أن يتولى أمر الطلبة ويدير شؤونهم المعلمون والمعلمات المتخصصون والتربويون الذين هم تحت إشراف الوزارة، وكنا نتمنى من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أن تضع برامج وضوابط للمراكز الصيفية للطلاب والطالبات في الولايات، وفق منهجية علمية يستفيد من خلالها الطلاب بالتنسيق مع المعاهد والمدارس الخاصة والكليات خلال العطلة الصيفية.
** كاتب وقاص عُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل نحتاج الكتاب اليوم؟
عندما دُعيتُ إلى معرض مسقط للكتاب لتأثيث فعالية على هامش المعرض حول شعر الرَّاحل زاهر الغافري، وقبلها كنتُ في معرض تونس للكتاب، تداعت في ذهني أسئلة تخصُّ منزلة الكتاب والشَّغف به، هل ما زلنا نحتاج الكتاب، وتلك العبارات التي مُلِئْنا بها في صغرنا، واعتمدناها تواقيع في كتبنا، من نوع "رحيق الكتب"، و"خير جليس في الزمان كتاب" "وخير جليس في الأنام كتاب"، وتراكُمٌ من الشعارات سادت زمن العقّاد والرافعي والزيّات وانتشرت في أجيال لاحقة آمنت بما آمنت به من وَفْرَةِ الأصنام التي تداعت عبر الزّمان. تذكّرت مقولات الكتاب والحثّ على القراءة والعمل على امتلاك الكتاب ورقيّا (فلم تكن لدينا بدائل، سوى الامتلاك ليسير الحال، والاستعارة لعسير الحال)، والشَّغف والفرح الذي كان يعترينا عندما نظفر بكتاب، فوجدتُ عملا هائلاً على إعادة مكانة الكتاب، واستعادة أثره، ولكن هنالك أمرين على غاية من الأهميّة في ظنّي، الأمر الأوّل لاحظته في بعض الشباب الذين يهتمّون بالكُتَّاب عمومًا، ويتتبَّعونهم ويعملون على طرح الأسئلة عليهم، ولقد لاحظت اليوم في عينيّ طفلٍ أسئلةً عن التّاريخ وعن عنوان المحاضرة التي سأل فيها الولد الصّغير الدكتور أحمد الرحبي عن عنوان المحاضرة "أوَّل إطلالة أوروبيّة على عُمان" فأبان له الدكتور أحمد الرحبي أنّ الرَحّالة الروسي أفاناسي نيكيتين هو أوّل رحّلة تحدّث عن عُمان وأظهر له أنّ الأستاذ ديمتري ستريشنيف صاحب المحاضرة، هو من المهتمّين بهذا الموضوع ومن متتبِّعيه علميّا، وبدأ من ذلك حديث عن التاريخ ومنزلته وقيمته، ولعلَّ أهمّ ما في هذا الأمر غير شغف الولد وقدرتَه وحبَّه المعرفيّ، أنَّ أباه هو الذي تعهَّده وشجّعه على سؤال مدير الجلسة، وأنّه هو الذي طلب برفق السّؤال، ثمَّ ترك ابنه وانصرف، وهذا ملمحٌ رأيته يتعاود مع كلّ مبدعٍ أمرُّ معه أو ألتقيه، ترى الأطفال والشبابَ يقفون مع هذا وذاك. قيمة المعرض ليست في إحياء الكتب وتعهُّد القراءة فحسب، بل أيْضًا في تدريب الناشئة على التواصل مع كتّابهم، في مناسبات حفلات التوقيع، أو في المحاضرات، أو في أروقة المعرض. الأمرُ الثاني الذي يُحسَب لمعْرض مسْقَط هو توفير أرضيَّة لتلاقي المبدعين والنُقَّاد والكُتّاب على اختلاف أعمارهم وشرائحهم وأرضيّاتهم وأهوائهم وأمزجتهم، فتجد المستشرق والمستغرب والعربيّ والمستعرب، وتوفَّرت جلسات كانت على هامشها حوارات بنَّاءة ونُظِّمت فعاليّات ونقاشات أثارت الرّاكد وحرَّكت السّاكن، وإن كان يُطلَب أكثر من ذلك، فإنّي أعتقد أنّ الأرضيّة قد تهيَّأت لفعل الأحسن، من مآثِر هذه اللِّقاءات أن التقيت بالمترجمة والمحقّقة الألمانيّة المستعربة كلاوديا أوت، التي أبهرتني بوفرة أسئلتها وبعمق رغبتها في معرفة كلّ ما هو عربيّ، وكانت تسأل بدقّة وتسمع بإنصات ورقّة، لا تتباهى زهْوًا بعلمٍ لها، ولا تبثّ ممكن معرفتها بثَّ مسْتعْرِضٍ، وإنّما تنساب باحثة عن إكمال الصّورة المشهديّة التي تكوِّنها عن الأدب العربيّ، الذي بدأته دارسةً، وانتهت معه مترجمةً، ناقلةً لقسم من أدبنا إلى اللّغة الألمانيّة. هذا الاحتفاء بالعلم والعلماء له تقديرٌ عميقٌ وأثرٌ في الأنفس، وصانعٌ لأجيالٍ تُقَدِّرُ المعرفة، والعلم، وتُجلُّ فعل القراءة، ونحن أمَّةٌ دينُها يدعو إلى القراءة، إلى الاطّلاع، إلى البيان وكشفَ الغمّة. لابدّ أن يُقدِّر أهل الفعل والحزم والعزم والحلّ والعقد أنّ هذه النماذج الأدبيّة والعلميّة تصنع اقتداءً واحتذاءً أفضل بكثير من الفراغ وشطحات الأهواء. لقاءُ أديبٍ أو عالمٍ أو فنّانٍ أو رسّام أو كاتبِ تجربته، هو شعورٌ بامتلاء الذات وبعضٌ من التوازن الذي تحتاج إليه الناشئة والشباب، ويحتاجه الكبار أيضًا لتعميق التواصل ولتقريب الأفكار، يحتاج الكاتب أن يرى ناشره، أن يُعاتبه، أن يذكر له المحاسن والأضداد، والعكس صحيح. يحتاج الصحفيّ والإذاعي أن يجد أرضيَّة ثقافيّة علميّة يُمكن أن ينتعش بها وفيها، يحتاج الأديب والكاتب عامَّة أن يُلاقي وجْهًا من قُرّائه، وأن يُدرك أثره في هذه الذّوات، كلّ هذا يكون في محفلٍ يحتفي بالكتاب مهما كان نوعه، فالبقاء للكتاب، ومزيدًا من الألق والتألُّق لكلّ من أثّثه وساهم في نجاحه. بقي أمرٌ بسيطٌ حتّى لا أغرق في الإطراء، وهو تركيمُ الفعاليّات وتزامنها في الوقت ذاته أحيانًا، وهو أمرٌ أثَّر بنسبة على أعداد الحاضرين، فكانت بعض الندوات شبه فراغ تقريبًا، ولذلك لابدّ من العمل على التفكير في كيفيّة نجاح هذه الفعاليّات على أهمّيتها وضرورة المحافظة عليها، يعني مثلاً، لمَ لا تكون حفلات التوقيع لبعض الكتّاب المتحقّقين مصحوبة بحوارٍ حقيقيّ، ينتهي إلى التوقيع، لمَ لا تُدَارُ نقاشاتٌ عميقة حول بعض الكتب التي ترشِّحها لجان قراءة. من حقّنا أن نزهو بعرْض الكتاب وتعمّقه لندفع ما اتُّهمنا به من أميّة قرائيّة ظالمة!