مراهنات خاسرة لفرض الوصاية على الفلسطينيين
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
يختلف قادة الاحتلال فيما بينهم، بين من يريد أن يتحكّم بالفلسطينيين عسكريًا في غزة، وبين من يريد أن يفرض حكمًا محليًا أو أجنبيًا عليهم، بدعم من الولايات المتحدة، وربما بتواطؤ البعض الذين عزف على نغمتهم رئيس السلطة الفلسطينية ليدين الطوفان!
غير أن أيًا ممن سبقوا لا يمكنهم أن يفرضوا ما لا يقبله الشعب الفلسطيني، ولا أن يقفزوا على جراحاته وآلامه، أو أن يستغلوها لفرض أجندات أقل ما يقال فيها أنها لا تتوافق مع تطلعات الشعب الفلسطيني، ولا تعالج حاجاته الماسّة في ظل حرب طاحنة أكلت أخضرهم ويابسهم!
فرض وصايةأول ما يلفت الانتباه في الخلاف الإسرائيلي الذي تشارك فيه واشنطن لصالح أحد الأطراف، أنه يقوم على افتراض سحق المقاومة، وهذا ما لا يبدو أنه قابل للتحقق باعتراف الإسرائيليين أنفسهم وتقديرات أجهزة الاستخبارات الأميركية.
فإذا كان هدف نتنياهو بالاستمرار بحكم غزة لسنوات هو هدف غير واقعي وسيكلف الاحتلال الكثير من الخسائر، بما في ذلك التكلفة الاقتصادية الباهظة، في مواجهة مقاومة متجذرة في أرضها، فإن مخطط اليوم التالي الذي يراد له أن يقوم على أنقاض المقاومة أو حتى إضعافها هو غير واقعي أيضًا في ظل استمرار فاعلية المقاومة وتكبيدها الاحتلال خسائر فادحة، وضربها خططه في كل مناطق غزة.
غير أن الأخطر في الموضوع هو في محاولة فرض الوصاية السياسية على الشعب الفلسطيني، إما بالاحتلال المباشر أو بمحاولة استجماع حلف غربي تشارك فيه السلطة الفلسطينية، بعد إضعاف المقاومة!
لا يبدو أن المحتل يملك الأفضلية في هذا المخطط، إذ إنه ممزق في الداخل، والخلافات تعصف بحكومته، فيما يزداد الشرخ بينها وبين الجمهور على وقع فشلها في القضاء على المقاومة واسترجاع الأسرى.
إن انقسام الكيان، وعدم توحده على توجه محدد، يشكل أول عائق أمام تحقيق الانتصار في المعركة الحالية، فضلًا عن أن ذلك يشكل مصدر خلاف دائم مع الولايات المتحدة التي تشدد على ضرورة موافقة الاحتلال على خطة اليوم التالي
وعلى الرغم من توسيع العدوان، والتوغل أكثر في رفح جنوب غزة، فإن ذلك لم يجلب النصر الكامل الذي وعد به نتنياهو، ولا يؤهل حكومة المتشددين لتمهيد الأرض الفلسطينية لحكم عسكري يستمر شهورًا أو سنوات. فيما تستمر الخلافات بين أقطاب الحكومة، بما يهدد بقاءها أصلًا.
كما لا يملك الكيان فسحة الوقت في ضوء الضغوط الأميركية عليه، والانقلاب في المزاج الغربي، والمطالبة بوقف النار، ومع طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، فضلًا عن احتمال إصدار محكمة العدل الدولية أمرًا بوقف إطلاق النار؛ لمنع استمرار ارتكاب جرائم ضد الإنسانيّة.
مراهنات.. ولكن؟صحيح أن كلا الاحتمالين لا يزالان بعيدين عن التحقق، ويعبران عن عقلية استعمارية متجددة، فلنا أن نتساءل: أين هي المصلحة الفلسطينية أو العربية في التساوق مع المخطط الأميركي الذي يرتكز إلى هزيمة المقاومة التي هي بالنتيجة هزيمة للشعب الفلسطيني بأكمله؟
ونبدأ هنا بالسلطة الفلسطينية التي تعاني الويلات بعد أن ربطت نفسها بالاحتلال، فيما لم تتمكن بعد أكثر من 30 سنة على اتفاقياتها مع الكيان على تحصيل أيّ من الحقوق الفلسطينية، بل على العكس ساهمت في تكريس الاحتلال وتسريع الاستيطان، وتصاعد مخططات تهويد القدس، والتنكّر للحقوق الفلسطينية ورفض إعطاء الفلسطينيين أي شكل من أشكال السيادة على أرضهم، بما في ذلك رفض الدولة الفلسطينية منزوعة السيادة التي تكلم عنها الرئيس الأميركي جو بايدن!
فماذا ستستفيد هذه السلطة من خلال جريها وراء تمديد دورها إلى قطاع غزة، حتى ولو بعد انسحاب الاحتلال منه (لا يبدو أنه سيكون كاملًا بأحسن الأحوال)، وماذا ستستفيد من ضرب المقاومة والحلول محلّها؟ وهل سيحترمها أحد بعد أن تكون تآمرت على شعبها ومقاومته؟ وهل ستحصل على أيّ استحقاق لم تحصل عليه قبل ذلك؟
إنّ الشيء الوحيد الذي ستحصل عليه هو ضرب وحدة الشعب الفلسطيني وتعميق الشرخ فيه، وخسارة كل عناصر القوّة التي تحتاجها لانتزاع التنازلات من المحتل وتكريس تبعيتها للاحتلال دون التمكن من الحصول على استحقاق سياسيّ حقيقيّ، خصوصًا أن الكيان يتجه أكثر وأكثر نحو اليمينية، ورفض الحقوق الفلسطينية، ويرفض التجاوب مع المساعي السياسية الأميركية على الرغم من تهافتها!
أما بالنسبة للدول العربية، فقد استفاد بعضها من محاولة الولايات المتحدة التخفيف من وجودها في المنطقة، فحاولت هذه الدول إقامة علاقات مع الصين وروسيا بما يضمن لها مروحة من المصالح الإستراتيجية.
ولكن ما هي المصلحة من التجاوب مع محاولة هذه الإدارة إعادة الجميع إلى بيت الطاعة الأميركي، وتسييد الإسرائيلي أمنيًا وعسكريًا على المنطقة، على الرغم من التراجع المهم في المكانة الإستراتيجية لهذا الكيان!
إن حرص البعض على اتخاذ مواقف معينة، لتحصيل منافع اقتصادية وسياسية من الولايات المتحدة أو إسرائيل هو قصر نظر إستراتيجي، لأنه كلما حققت المقاومة انتصارات على المحتل، تراجعت مكانته في كافة المجالات، وزادت حاجة الإدارة الأميركية لهذه الدول، وتعززت مكانتها على حساب مكانة الكيان. بل إنها تستطيع الصمود أكثر في مواجهة ضغوط الولايات المتحدة، لأن مكانة واشنطن ستصبح أضعف مع استمرار فشلها مع الكيان في إخضاع قوة صغيرة في رقعة جغرافية مساحتها لا تزيد عن 360 كيلو مترًا مربعًا!!
أما في حالة هزيمة المقاومة – لا سمح الله – فإن الولايات المتحدة ستكرس نفسها أكثر وأكثر في المنطقة، وستكون قادرة على ممارسة ضغوط أكبر على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الكيان، حتى بدون أن تستمع لمطالب هذه الدول بمكافآت ومزايا كثمن لذلك.
هذا فضلًا عن أنه لا مصلحة للدول العربية في إفساح المجال للولايات المتحدة بإعادة ترتيب أوراقها والتفرغ لمواجهة التهديد الصيني والروسي، بما يضيق هامش المناورة أمام هذه الدول، ويضرب كل محاولاتها السابقة للاستفادة من تخفيف الولايات المتحدة وجودها في المنطقة.
حسابات البيدرإن انقسام الكيان، وعدم توحده على توجه محدد، يشكل أول عائق أمام تحقيق الانتصار في المعركة الحالية، فضلًا عن أن ذلك يشكل مصدر خلاف دائم مع الولايات المتحدة التي تشدد على ضرورة موافقة الاحتلال على خطة اليوم التالي.
وحتى ولو افترضنا أن حكومة الكيان وافقت على هذه الخطة، أو تم تغيير هذه الحكومة لحكومة تتجاوب مع المطالب الأميركية، فإن تنفيذ هذه الخطة على أرض الواقع سيصطدم بصمود المقاومة، وما تملكه من حاضنة شعبية سترفض أي نوع من أنواع الوصاية، في ظل عدم امتلاك السلطة الفلسطينية، الشعبيةَ اللازمة لكي يقبل بها الفلسطينيون في غزة.
ويتذكر الطرف الأميركي الذي يسوق لخطة اليوم التالي أنه خطته في أفغانستان لتنصيب حكومة موالية له باءت بالفشل، حيث تمكنت طالبان من إسقاطها وطرد كل بقايا الوجود الأميركي هناك.
من المؤسف أن تكون السلطة الفلسطينية هي حصان طروادة للولايات المتّحدة ولبعض الأطراف الإسرائيلية في التآمر على المقاومة والقفز عن حقوق الشعب الفلسطيني والقبول بفتات الحلول من أجل أن تكرس مكانتها ووجود قياداتها التي ارتبطت ارتباطًا عضويًا بالاحتلال.
من هنا، فإن الأصل هو المراهنة على اتفاق الفلسطينيين على برنامج موحد يستند إلى المقاومة، وتعزيز عوامل الصمود الفلسطيني، واستمرار تمسك الدول العربية بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، ودعم القرار الوطني الفلسطيني، والعمل على إعادة إعمار غزة بعيدًا عن أية وصاية دولية.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات السلطة الفلسطینیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی الیوم التالی هذه الدول فضل ا عن
إقرأ أيضاً:
مندوب فلسطين بالأمم المتحدة يشيد بالدور المصري الداعم للقضية الفلسطينية ودورها الريادي بالمنطقة
أشاد مندوب دولة فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور، بالعلاقات «المصرية الفلسطينية» في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات، مؤكدا أن الموقف المصري الداعم للقضية الفلسطينية وحقوقها المشروعة نابع من قوة العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين.
وقال منصور، في تصريحات لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط بعمان، على هامش أعمال المؤتمر الدولي حول "دور المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز واحترام حقوق الطفل الفلسطيني"، المنعقد بالأردن، إن مصر وفلسطين يربطهما علاقات تاريخية وأخوية نابعة من قوة مصر ودورها الريادي في المنطقة والعالم العربي، مؤكدا أن ما نجده من دعم ومساندة من مصر والأشقاء العرب أيضا هو في إطار الأخوة التي تربط فلسطين بالعالم العربي.
وأضاف أن التنسيق ما بين مصر وفلسطين على كافة المستويات مميز وفي أعلى درجة، مشيرا إلى أنه وكمندوب لفلسطين في الأمم المتحدة، فإن التنسيق مع مندوب مصر الشقيقة في هذا المحفل الدولي على أعلى مستوى ومستمر لحظة بلحظة.
ولفت رياض منصور، إلى أن التنسيق العربي داخل الأمم المتحدة لا ينقطع دائما ويقوم على أسس ونتائج القمم العربية الإسلامية وكذلك القانون الدولي وكافة الأعراف المعمول بها في ذات الشأن، مشيرا إلى أن قرارات محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة وكافة المحافل ذات الصلة ركن أساسي من التنسيق الفلسطيني العربي بشأن القضية المركزية للعرب وهى القضية الفلسطينية.
ودعا السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إلى ضرورة التحرك ضد كافة الإجراءات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة، مؤكدا أن العالم كله وليس العربي فقط، قادر على التحرك ضد هذه الانتهاكات بقوة القانون الدولي.
وأوضح أن قانون محكمة العدل الدولية، وفي فتوتها التاريخية، قالت إن كل الممارسات والإجراءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني غير قانونية سواء فرض الوصاية عليه وعدم حقه في تقرير المصير أو محاولات عزله وتجويعه ونهب إراضيه وبناء المستوطنات، مؤكدا أنه بناء على هذه الفتوة يعد الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ويجب إنهائه في أقرب وقت ممكن.
وأشار إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وضعت قرارا أوضحت فيه الالتزامات على دولة الاحتلال وكذلك الالتزامات على الدول وعلى الأمم المتحدة وغيرها من شأنها تقصير أمد هذا الاحتلال الغير قانوني، موضحا أن القرار شدد على عدم مساعدة دولة الاحتلال أو تقديم أسلحة لها ولا علاقات مع المستوطنات، بل يجب ملاحقتها في المحاكم الدولية.
ونوه السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، إلى أن مثل هذه القرارات والالتزامات تتطلب وقف هذا الاحتلال في أقصر وقت ممكن وهو 12 شهرا، مشيرا إلى أنه داخل الأمم المتحدة وضعنا خطة لتنفيذ هذا القرار ونعمل حاليا على متابعتها، كاشفا أن الأمين العام للأمم المتحدة سيقوم الشهر المقبل بتقديم تقريرا بما تم وما يجب أن يتم من أجل تقصير أمد هذا الاحتلال.
وشدد على ضرورة الاستمرار في الضغط على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية خاصة، لوقف جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وإضافة دولة الاحتلال إلى قائمة دول العار للأمم المتحدة باعتبارها منتهكة لحقوق الأطفال، مشيرا إلى أن أطفال الشعب الفلسطيني يعانون في ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية سواء في غزة أو الضفة.
وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية الأردنية وفاء بني مصطفى، قد افتتحت أمس الأربعاء، أعمال المؤتمر الدولي حول "دور المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز واحترام حقوق الطفل الفلسطيني" والذي يستمر لمدة يومين بمشاركة عربية ودولية كبيرة.
ويأتي انعقاد المؤتمر تنفيذا للقرار الصادر عن مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب في دورته العادية (42)، بهدف مواصلة التحرك العربي على كافة المستويات لمناصرة قضية الشعب الفلسطيني جراء العدوان الإسرائيلي على دولة فلسطين، وما تبعه من انتهاكات غير مسبوقة بحق الأطفال والنساء والمدنيين، في انتهاك واضح للمواثيق الدولية، وللاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
ويتناول المؤتمر عددا من المحاور المهمة حول الانتهاكات الإسرائيلية ضد حقوق الأطفال في فلسطين، وإجراءات النيابة العامة في توثيق جرائم الاحتلال بحق الأطفال، ودور وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في حماية حقوق الأطفال بمخيمات اللجوء، فضلا عن دور المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني في حماية حقوق الطفل الفلسطيني، إلى جانب عرض شهادات من الأطفال في ظل العدوان الإسرائيلي.
كما يأتي المؤتمر استكمالا للجهود العربية في توفير الحماية القانونية للشعب الفلسطيني، وتأكيدا على حق الطفل الفلسطيني في الحماية والرعاية للعيش في بيئة آمنة، والتمتع بجميع حقوقه المنصوص عليها في كافة المعاهدات والمواثيق العربية والدولية.
اقرأ أيضاًالرئاسة الفلسطينية تدين الفيتو الأمريكي وتدعو مجلس الأمن لتحمل مسئولياته
استشهاد 4 فلسطينيين إثر قصف استهدف منزلا بحي الرمال وسط غزة
الصحة الفلسطينية تعلن ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ 43985 شهيدا