المتغيرات بالساحة الفلسطينية والدولية بعد الصمود الأسطوري
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
لولا الصمود الأسطوري للمقاومة وشعب غزة خلال الأشهر الثمانية الماضية، ما كان العرض الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار على حماس، وسواء كان ذلك مناورة أمريكية إسرائيلية كما حدث من قبل لكسب مزيد من الوقت لتنفيذ هدفهما المشترك للقضاء على المقاومة، أو كان ذلك بعد نهاية مهلة أتاحها الرئيس الأمريكي للإدارة الإسرائيلية حتى تنفذ أهدافها، قام خلالها بدعمهما عسكريا وسياسيا وإعلاميا، وجلب لها مشاركة من العديد من الدول الأوربية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، إلا أن الأمر الواضح للجميع أن الأهداف التي وضعتها الإدارة الإسرائيلية عند غزوها البري لغزة لم تتحقق.
ومن هنا، يمكن الخروج بعدد من المتغيرات التي تحققت للقضية الفلسطينية، بعد ثمانية أشهر من الصمود ومواجهة العدو حسب الإمكانيات المتاحة، ورغم الفرق الكبير في التجهيزات العسكرية، والعون الأمريكي والغربي الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي خلال عرضه للمبادرة الأخيرة لوقف إطلاق النار؛ بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار إسرائيل وقت الحرب، وأن القوات الأمريكية تصدت للهجوم الإيراني على إسرائيل، وهو ما تكرر من قبل القوات البريطانية حينذاك.
تآمر الحكام العرب للقضاء على المقاومة
القضاء على أساطير إسرائيلية عديدة تم ترديدها طوال العقود الماضية، باعتبار إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يُقهر بما لديه من معدات حديثة وأجهزة استخبارات وجنود مدربين، حيث استطاعت المقاومة إثبات عدم صحة تلك الخرافات عمليا
أولا: إثبات المقاومة الفلسطينية قدرتها على الإعداد والتخطيط والتنفيذ منذ بداية عملية طوفان الأقصى وحتى الآن، وتلاحم الشعب الغزاوي معها، صامدا أمام حرب التجويع والإبادة الجماعية، وتحمل معاناة القصف المستمر والنزوح المتكرر إلى أماكن غير مجهزة للسكن، وعدم التأثر بالحرب النفسية التي أججتها وسائل إعلام غربية وعربية لشق الصف الغزاوي، وامتداد المقاومة إلى الضفة الغربية رغم التوسع في القتل والاعتقال وتواطؤ السلطة الفلسطينية تجاههم.
ثانيا: القضاء على أساطير إسرائيلية عديدة تم ترديدها طوال العقود الماضية، باعتبار إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يُقهر بما لديه من معدات حديثة وأجهزة استخبارات وجنود مدربين، حيث استطاعت المقاومة إثبات عدم صحة تلك الخرافات عمليا؛ بداية من اجتياز السور العازل لغزة، إلى مهاجمة القواعد العسكرية في غلاف غزة وأسر عدد من جنودها، إلى تدمير عشرات الآليات للعدو واختراق القبة الحديدية وما شاببها من وسائل دفاع جوى، ووصول الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى حتى قبل أسبوع.
ثالثا: كشْف تآمر العديد من الدول العربية على المقاومة وتنسيقهم المستمر مع إسرائيل، وانصياعهم للتعليمات الأمريكية والغربية للنيل من المقاومة والمساهمة في تجويع شعب غزة، بل ومتاجرة بعض تلك الدول بمواقفها المتواطئة للحصول على مكاسب غربية، مثلما حدث مع مصر والأردن والسعودية وغيرها، ومنعها لأية مظاهر للتأييد الشعبي للمقاومة، وعدم مشاركتها لجنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وبما يؤكد أن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير الدول العربية من هؤلاء الحكام.
كشف تآمر العديد من الدول العربية على المقاومة وتنسيقهم المستمر مع إسرائيل، وانصياعهم للتعليمات الأمريكية والغربية للنيل من المقاومة والمساهمة في تجويع شعب غزة، بل ومتاجرة بعض تلك الدول بمواقفها المتواطئة للحصول على مكاسب غربية
ورافق ذلك روح الفردية والأنانية التي عمت الكثيرين من العرب، والاستكانة لمواقف الخذلان رغم تكرار عمليات الإبادة الجماعية، وتمادي البعض في الفجور بالنيل من المقاومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إرضاء لحكامهم. إلا أن الصورة العربية والإسلامية الشعبية لم تخلُ من جوانب مشرقة، حيث عبرت قطاعات شعبية أخرى عن تأييدها للمقاومة ومحاولة توصيل المساعدات لها، وما واكب ذلك من حملات مقاطعة للسلع ولفروع الشركات التي ساندت إسرائيل، إلى جانب الدعاء المكثف والمستمر، رغم التفاوت الكبير في موازين القوة.
مواقف صورية للمنظمات الدولية لرد المظالم
رابعا: تبيان أن الخصم الأكبر للعرب والمسلمين يتمثل في الولايات المتحدة التي عطلت كل محاولة لوقف إطلاق النار، وحلفائها من الدول سواء في أوروبا أو آسيا أو الأمريكتين، في مواقف كاشفة للمعايير المزدوجة بالمقارنة بما فعلته مع شعب أوكرانيا في ظل عدوان روسيا عليه، وكاشفة لخرافة دفاع تلك الدول عن حقوق الإنسان التي ظلت تتشدق بها لسنوات طويلة، حين لم تر فيما قامت به إسرائيل من مجازر متعددة وقصف للمستشفيات ومحرقة رفح الأخيرة أمرا يرقى لمرتبة الإبادة الجماعية.
وهذا يرتبط بالثبوت العملي لخرافة إمكانية تحقيق سلام مع إسرائيل، والذي ما زالت السلطة الفلسطينية وغالبية الدول لعربية تتحدث عنه، حيث توافق الجميع في الداخل الإسرائيلي على إبادة غزة؛ لا فرق لديهم بين طفل وامرأة وصبي، بدعوى أن الطفل هو مشروع مقاتل مستقبلا والمرأة بمثابة المُنتجة لهؤلاء المقاتلين.
خامسا: صورية مواقف المنظمات الدولية من تحقيق العدالة ونصرة المظلوم، حيث داست إسرائيل بدعم أمريكي غربي على كل قرارات منظمات الأمم المتحدة، لا فرق في ذلك بين مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية، وصورية مواقف العديد من الدول التي تدعي صداقة العرب لمصالح تجارية وعسكرية وسياسية، وأبرزها الصين وروسيا اللتان لم تفعلا شيئا ملموسا لمساعدة الشعب الفلسطيني في معاناته المستمرة، حيث وجدتا في استمرار الحرب وسيلة لشغل الجانب الأمريكي بعض الوقت عن خلافه معهما، وهو ما تكرر بشكل أكثر سلبية مع اليابان والهند اللتين كانتا تدعيان الصداقة مع العرب.
سادسا: وجود تيار إنساني عالمي رافض للعربدة الإسرائيلية عبر عن نفسه من خلال العديد من التظاهرات المطالبة بوقف الحرب، في العديد من المدن الغربية، والتي امتدت إلى العديد من الجامعات الأمريكية والأوربية بل وإلى كندا وأستراليا، رغم القيود والعقوبات التي تعرض لها الكثيرون، ورغم التحيز الواضح من قبل وسائل الإعلام الغربية لتبنى الرواية الإسرائيلية للأحداث ومنع الرواية الفلسطينية، والحظر الذي مارسته العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تجاه التدوينات المساندة لفلسطين، أو التي تعرض مقاطعا لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بغزة.
وأبدت عدد من الدول الأوربية مواقف محترمة تجاه الفضية الفلسطينية، مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج وبلجيكا وسلوفينيا وغيرها، وسبقتها مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني في العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل: بوليفيا وكولومبيا وتشيلي وهندوراس وجامايكا وبليز، رغم الضغوط الأمريكية وامتدت المؤازرة للمطالبة بوقف إطلاق النار إلى جنوب أفريقيا والبرازيل.
الحذر من الخداع الإسرائيلي والأمريكي
سابعا: وجود تصدعات بالداخل الإسرائيلي تمثلت في الخلافات بين الأحزاب الرئيسية وقيادات مجلس الحرب، والتظاهرات من جانب أُسر الأسرى لوقف الحرب، وزيادة معدلات طلبات الهجرة للخارج، وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي سلبا بطول فترة الحرب، وتراجع الإقبال على المشاركة بالحرب من قبل جنود الاحتياط، وكثرة عدد القتلى الإسرائيليين في الحرب بالمقارنة بما يتم إعلانه رسميا.
ما زال هناك شبه إجماع إسرائيلي على استمرار الحرب حتى تحقق أهدافها المعلنة، بعد أن أصبحت تتعلق بالوجود الإسرائيلي أساسا، وتوقع قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتعويض إسرائيل عن قدر كبير من خسائرها المالية والعسكرية. وإذا كانت عزلة إسرائيل قد تزايدت دوليا، فما زالت تنعم بمؤازرة قوى دولية كبيرة
لكننا لا بد أن ندرك أنه ما زال هناك شبه إجماع إسرائيلي على استمرار الحرب حتى تحقق أهدافها المعلنة، بعد أن أصبحت تتعلق بالوجود الإسرائيلي أساسا، وتوقع قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتعويض إسرائيل عن قدر كبير من خسائرها المالية والعسكرية. وإذا كانت عزلة إسرائيل قد تزايدت دوليا، فما زالت تنعم بمؤازرة قوى دولية كبيرة.
ورغم العرض الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار فإننا يجب أن نحذر الخداع الأمريكي، من أجل الحصول على الرهائن وإفقاد المقاومة ذلك العامل التفاوضي المُؤثر، وربما السعي لتهدئة الأجواء حتى تمر الانتخابات الأمريكية ثم السماح لإسرائيل باستمرار عدوانها للقضاء على المقاومة، بعد أن تكون قد نظمت صفوف جيشها ومكوناتها الداخلية.
وكذلك يجب الحذر من سبل التواطؤ من قبل الحكام العرب الذين لن يتورعوا عن تنفيذ كل ما تطلبه منها أمريكا وإسرائيل أملا في الحماية الأمريكية والإسرائيلية لها، سواء بالمشاركة في قوات دولية داخل غزة للحد من هجمات المقاومة، ليصبح الصراع بين تلك القوات العربية والمقاومة، وكذلك المشاركة في الحصار الخانق حول غزة باستمرار منع الغذاء والدواء والوقود والاتصالات عنها، أو غيرها من الألاعيب التي لن تتوقف أمريكا إسرائيل عن اتخاذها حتى تحقق أهدافها وعدم السماح للمقاومة بتحقيق النصر، وهي الأمور التي لا بد أن تكون قوى المقاومة قد وضعتها في حساباتها، في ضوء ما شهدناه من تحكم وسيطرة على مشهد الصراع عسكريا وسياسيا من قبل المقاومة، ليس فقط طوال الأشهر الثمانية الأخيرة ،بل منذ إدارتها لغزة عام 2007، وربما قبل ذلك مع نشأة حماس عام 1987 وما قامت به من عمليات مقاومة طوال تلك السنوات السبع والثلاثين الماضية، ومقاومتها للحصار الأمريكي والأوربي لها منذ فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006.
x.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيلية المقاومة إسرائيل امريكا غزة المقاومة وقف إطلاق النار مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة لوقف إطلاق النار العدید من الدول على المقاومة من المقاومة ما زالت من قبل
إقرأ أيضاً:
المقاومة الفلسطينية وأسطورة ترامب
عندما وافقت إسرائيل أخيرًا على اتفاق هدنة يوم الجمعة، 17 يناير/ كانون الثاني 2025، بالغت وسائل الإعلام الأميركية في تمجيد دونالد ترامب، وتجاهلت معاناة الفلسطينيين، وأعادت تكرار الدعاية الإسرائيلية (هاسبارا)، وفشلت في التقاط جوهر القضية.
دخلت الهدنة حيّز التنفيذ يوم الأحد بعد أن قدمت حركة حماس لإسرائيل أسماء ثلاث أسيرات ليكنّ أول من يتم الإفراج عنهن ضمن الاتفاق، وذلك مقابل نحو 90 أسيرًا فلسطينيًا.
كان الاتفاق نفسه مطروحًا على الطاولة منذ أشهر. واعترف جو بايدن نفسه بأنه وضع "ملامح هذا الاتفاق" في 31 مايو/ أيار 2024. وفي المنتدى الاقتصادي العالمي، أشار رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى أن الاتفاق يعود إلى ديسمبر/كانون الأول 2023.
ظهر أول أنباء الهدنة بينما كانت فريق الانتقال الرئاسي لدونالد ترامب يدافع عن اختيارات الرئيس المنتخب المثيرة للسخرية لقيادة وزارات أميركية قوية مثل وزارة الدفاع (البنتاغون)، والأمن الداخلي، والصحة والخدمات الإنسانية. لكن أخبار دور ترامب في الهدنة دفعت كل ذلك إلى الخلفية.
ومع أن الاتفاق جرى التوصل إليه بمساعدة مفاوضين من قطر، ومصر، وحماس، وإسرائيل وممثلين عن كل من بايدن وترامب، إلا أنّ معظم وسائل الإعلام الرئيسية نسبت نجاح الاتفاق إلى ترامب وحده.
كان الإجماع شبه فوري. ففي الأخبار الدولية، اقترحت صحيفة "ذا غارديان" أن "ضغط ترامب الحازم"، هو ما دفع "نتنياهو أخيرًا إلى الموافقة على الاتفاق". كما أشادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بترامب، مشيرة إلى أن نتنياهو كان "أكثر خوفًا من ترامب منه من بن غفير". فيما أكد صحفيون إسرائيليون آخرون أن ترامب أخاف حماس أيضًا، عندما كتبوا أن "ضغط ترامب" كان "مصدر قلق لحماس".
إعلانتحولت رواية عن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، الذي وصل إلى القدس صباح السبت وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي أنه لا ينوي انتظار نهاية السبت اليهودي (شبات)، إلى ما يشبه الأسطورة. وظهرت صورة ترامب كرجل قوي يجيد ليّ الأذرع، متماشية مع الثقافة الشعبية الأميركية، واكتسبت أبعادًا أسطورية. وكما كتب ميرون رابابورت في مجلة "+972":
"لم يكن ليحدث أي اتفاق لولا أن دونالد ترامب العظيم والقوي أمسك بيد نتنياهو، وثناها خلف ظهره، ثم ثناها أكثر قليلًا، ثم أكثر قليلًا، ثم ضغط رأسه على الطاولة، وهمس في أذنه أنه في لحظة ما سيركله في موضع حساس".
ما بدا وكأنه انتصار لترامب كان في الواقع نتيجة لفشل جو بايدن في فرض أي ضغوط على إسرائيل. ففي الحقيقة، شكّل بايدن استثناءً للتاريخ الطويل لرؤساء الولايات المتحدة الذين حاولوا كبح جماح إسرائيل، بدءًا من نيكسون وصولًا إلى ريغان.
ومع نقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية، واتفاقيات أبراهام، التي حددتها حماس كأسباب لشن عملية "طوفان الأقصى"، يمكن اعتبار فترة ترامب الأولى واحدة من الأسوأ في إنهاء الصراع.
بينما كانت وسائل الإعلام الأميركية تحتفي بترامب، كانت أقل انتقادًا لإسرائيل مقارنةً بالإعلام الإسرائيلي نفسه. على سبيل المثال، دعمت شبكة "إن بي سي" بنيامين نتنياهو مجددًا، وألقت باللوم على حماس لعدم تفاوضها في وقت سابق.
في برنامج "TODAY" على NBC، نسب المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن، جون كيربي، الاتفاق إلى "عزل وإضعاف حماس". وزعم أن حماس كانت تضع العقبات "مرة بعد أخرى" وأنها "لم تكن مستعدة للتفاوض بنية حسنة".
لكن نتنياهو أظهر أنه لم يكن مهتمًا بإعادة الرهائن إذا كان ذلك يعني وقف الإبادة الجماعية، وأظهرت تقارير عديدة أن إسرائيل هي التي كانت ترفع سقف شروط الهدنة. واستشهدت NBC بالمتحدث باسم نتنياهو، ديفيد مينسر، الذي ادعى أن الهدنة لم تتحقق إلا بعد أن "غيرت حماس موقفها" من الاتفاق. وأشار مينسر إلى أن مقتل يحيى السنوار "لعب دورًا أيضًا".
إعلانولكن هل هذا صحيح؟ وفقًا لمصادر إعلامية تابعة لحماس، فإن الخسائر الإسرائيلية في رفح وشمال غزة كانت كبيرة، على الرغم من أن شمال غزة قد دُمّر بالكامل، واستمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي في قتل الفلسطينيين حتى اليوم الأخير قبل الهدنة.
ومع ذلك، كانت حماس لا تزال تحتفظ بالقدرة والإرادة القتالية، وحتى استغلال الذخائر الإسرائيلية غير المنفجرة لشن هجمات مباغتة ضد قوات الاحتلال. وذكر أبو عبيدة، المتحدث باسم كتائب القسام، في حسابه على "تليغرام" بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني، كيف اقتحم مقاتلو القسام مبنى كانت تتحصن فيه قوة إسرائيلية قوامها 25 جنديًا مشاة، "وتعاملوا معهم بمختلف أنواع الأسلحة، ما أسفر عن مقتل وإصابة جميع أفراد القوة".
أشارت المحللة رباب عبدالهادي إلى نقطة مشابهة خلال مكالمة عبر زوم مع منظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام" (JVP)، حيث أكدت على صمود الفلسطينيين، قائلة: "إسرائيل تمتلك رابع أقوى جيش في العالم"، بينما الفلسطينيون لا يمتلكون شيئًا، "ومع ذلك، يواصلون المقاومة". وبينما تعاني قوات الاحتلال الإسرائيلي من تدهور كبير في الروح المعنوية، تظل حماس تتمتع بدعم شعبي كبير.
كان هذا واضحًا، وأثار إحراجًا كبيرًا لإسرائيل، يوم السبت، 25 يناير/ كانون الثاني، عندما أطلقت حماس، وسط احتفاء كبير في عرض مسرحي ضخم، سراح أربع مجندات إسرائيليات بزيهن العسكري. كانت الرسالة البصرية واضحة: لم يكن كل الرهائن مدنيين.
وكتبت صحيفة "نيويورك تايمز" بنبرة ازدرائية أن عملية التسليم كانت "عرضًا أدائيًا"، لكنها اضطرت إلى الاعتراف بأن حماس أعدت "استعراض قوة"، حيث وصفت المنصة في "ميدان فلسطين" بوسط مدينة غزة – المنطقة التي دمرتها حملة القصف والاجتياح البري الإسرائيلي – والتي تضمنت لافتة تحمل عبارة: "الصهيونية لن تنتصر". كما أشارت الصحيفة إلى تجمع "مئات من المقاتلين المقنعين بالزي العسكري والمدنيين" في المكان.
إعلانبدت لهجة الصحيفة ساخرة ومتحاملة، وكأنها تريد إيصال أن الفلسطينيين لم يتعلموا بعد أن المقاومة الصامدة أمر غير مقبول. وفي إشارة غير واعية إلى تراجع أهميتها كناطقة باسم إسرائيل، كتبت "نيويورك تايمز" أيضًا أن "المسلحين الذين يحملون كاميرات باهظة الثمن كانوا يتبعون الرهائن، ربما لتصوير فيديو سينشر على وسائل التواصل الاجتماعي".
خارج الدوائر الإعلامية الأميركية السائدة، استمر الصحفيون والمحللون المستقلون في مناقشة الأسباب التي دفعت إسرائيل في النهاية إلى وقف قصف غزة. وكتب رمزي بارود أن الفترة ما بين رفض إسرائيل وقبولها النهائي للاتفاق شهدت مقتل أو إصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، رغم أن هذه المجازر تم تجاهلها تمامًا أو التقليل من شأنها في إسرائيل (وأضيف، في الولايات المتحدة أيضًا).
خلص محمد شحادة، مستشار حقوق الإنسان في منظمة "يوروميد"، إلى أن تدمير غزة كان الهدف الرئيسي لإسرائيل. وأشار إلى ذلك في حوار مع الصحفي المستقل بيتر بينارت، بعد أن راجع الإعلام الإسرائيلي.
أما المحلل الدولي يانيس فاروفاكيس، فقد تحدث بتعاطف عن أهوال غزة، ثم جادل بأن "الدمار الذي ألحقته [إسرائيل] لا يترجم إلى نصر". فلا تزال إسرائيل غير قادرة على السيطرة على غزة، والمقاومة المسلحة لا تزال تفجر "دبابات إسرائيل العظيمة". ولم تحقق إسرائيل أيًا من أهدافها المعلنة، وخاصة الوعد بالقضاء على حماس، كما صرخ أحد العناوين المثيرة في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل": "لأول مرة، إسرائيل تخسر حربًا".
بينما سخرت "ميدل إيست مونيتور" من الجيش الإسرائيلي، مشيرة إلى أن الرهائن كانوا محتجزين أحياء في شمال غزة "تحت أنف قوات الاحتلال الإسرائيلي، مما يتحدى رواية إسرائيل بشأن حملتها العسكرية وقدراتها الاستخباراتية".
يكمن الفرق بين الاستعراض الإعلامي لحماس والدعاية الإسرائيلية في أن حماس بنت رسالتها على الواقع. فقد كشفت صور الدمار الشامل في غزة زيف الأكاذيب والخداع والتبريرات التي قدمتها إسرائيل.
إعلانفإسرائيل لم تخض حربًا لتدمير حماس، بل سعت إلى تدمير غزة، وقد تم فضح عنفها الإبادي على نطاق واسع. وكما قال بارود: "إسرائيل تواجه الآن واقع فشل سياسي وعسكري على مستوى غير مسبوق." ومرة أخرى، خسرت إسرائيل أيضًا الحرب الإعلامية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية