هذا الكتاب (كيف نتوضأ بأخلاق النبوة؟) طال انتظاره، وقلَّ نظيره…لماذا؟.


"طال انتظاره"؛ حيث إن العالم المعاصر الذي أهلكته النزعة المادية، والأثرة الفردية، والغطرسة الذاتية، والأنانية المقيتة، قد بات في مسيس الحاجة إلى التخلق بأخلاق سيدنا ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ معلم الناس الخير، والهادي بنور الله إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم في جميع مناحي الحياة.

 


وقد ضرب للبشرية مثالًا في السلوك والتصرف مع جميع خلق الله وفق: "مكارم الأخلاق" وليس وفق "الأخلاق الحميدة"؛ وإنما وفق مكارم الأخلاق، وكيف لا وقد مدحه ربُّ العزة سبحانه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ).


و "قلَّ نظيرُه"؛ فعلى الرغم مِن كثرة ما كَتب العلماء في سيرة نبي الهدى والرسول المجتبى (صلى الله عليه وسلم) على مرِّ الزمن؛ فإنَّه من النادر أنْ نجد عالِمًا قد ركَّز على مسألة "مكارم الأخلاق" وتطبيقاتها في سيرة ذي "الخُلُق العظيم".


وها هو ذا أخي صاحب الفضيلة الدكتور/ أحمد على سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، يُقدِّم لنا بحثًا قيِّمًا وعِلمًا -بإذن الله- نافعًا؛ يسد به الثغرة، ويثري به الوعي، ويُسهم في تعديل السلوك. 


وهو فيما قدَّم بين دفتي هذا الكتاب قد أمسك بأطراف مهمة من سيرة سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم)، غير مكتفٍ بالسرد النظري أو النصي، وإنما نجده يُرفق المبدأ الأخلاقي الكريم بالتطبيق العملي القويم؛ شارحًا "دستور الأخلاق النبوية" بأيسر عبارة، وبأوضح دليل، متجولًا فيه بين أخلاق النبوة، ملتقطًا منه درر الأقوال، وجواهر الأفعال، منتقلًا إلى واقع عصرنا الحاضر، وموظِّفًا هذه القيم العظمي المستمدة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إصلاح واقع البشرية المعذبة في أيامنا هذه.

 

عنوان الكتاب -كيف نتوضأ بأخلاق النبوة؟- بحد ذاته به من ثراء الإيحاء بالمعاني ما يفتح أبواب خير كثيرة لكل مَن قرأه، وأنعم نظره فيه، واجتهد للعمل بما أرشد إليه، أو نبَّه عليه.


قلتُ ـ وأكرر ـ هذا كتاب "طال انتظاره وقلَّ نظيره". واللهَ أسأل أن ينفع به البشر أجمعين، وأن يفتح به قلوبًا غُلفًا، وأعينًا عميًا. وأن يجعله في ميزان حسنات مَن ألَّفه، ومَن يقرأه، ويعمل به… والسلام على مَن قرأ وانتفع.


وبالله تعالى التوفيق

 

بقلم
أ.د/ إبراهيم البيومي غانم
مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ـ وعضو مجمع اللغة العربية (لجنة خبراء الشريعة الإسلامية)

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: صلى الله علیه طال انتظاره

إقرأ أيضاً:

الأب بطرس دانيال يكتب: دعوة واستجابة

الله يمنحنا الطمأنينة على لسان داود النبي بهذه الكلمات: «مَنْ يدعوني، أستجيبُ له، أنا معهُ في الضيق، أُخلِّصهُ وأمنحهُ مجدا» (مزمور 90: 15).

تمر البشرية بظروفٍ صعبة على جميع الأصعدة، سواء تقلبات واعتراض الطبيعة وكوارثها، أو اختلافات سياسية تدفع البعض للتخلص من الطرف الآخر، أو الأمراض التي تحلّ علينا كل فترة وليس لها علاج وغيرها.

ما يدفع البعض إلى عتاب الله هكذا: «أين معونتك وقدرتك وسلطانك أمام هذه التحديات التي نعيشها كل يوم؟»، هنا نتذكر الحكاية التي تُروى ما حدث مع أحد الأشخاص الذي كان يحلم بأنه عندما كان يعيش في سعادةٍ ورخاء بفضل الغنى والصحة والنجاح.

كان يشاهد أثناء سيره على شاطئ البحر آثار أربع أقدام على الرمال، ففهم أن اثنتين لله الذي كان يسير بجواره واثنتين له، فكان مطمئن البال لوجود الله بالقرب منه، ولكن مع مرور الوقت ضاقت به الدنيا، حتى إنه فقد كل ما يملك، وبدأ المرض يحلّ عليه، ووقع في الفشل والضعف والفقر.

وعندما ذهب مرةً أخرى إلى شاطئ البحر، وجد آثارا لقدمين فقط لا غير، فبدأ يعاتب الله على ما وصل إليه حاله قائلا: «كنتُ أرى قدميك بجواري عندما كنتُ أعيش في سعادةٍ وغنى وصحة ونجاح؛ ولكن عندما بدأت العواصف والأمواج تثور عليّ، تركتني بمفردي في مواجهتها!» فأجابه الله: «اِعلم جيدا، عندما كنتَ في حالةٍ ميسورة وبصحةٍ جيدة، كنتُ أسير بجوارك، ولكن عندما بدأت المشاكل والصعوبات تحلّ عليك، حملتُكَ على ذراعي!».

تُعلّمنا هذه القصة الرمزية درسا مهما، نستطيع به أن ندرك ونفهم بعض التساؤلات التي تمر في عقولنا أو نفكر فيها ونطرحها على الآخرين، نتيجة ما يحدث لنا أو لغيرنا في هذا العالم المتقلب، وهو أن نثق في الله القادر على كل شيء، والذي لن يتركنا أبدا بمفردنا لمواجهة صعوبات الحياة اليومية، كما يجب أن نتكل عليه لأنه يستجيب لنا، ويمحو من طريقنا العقبات التي لا نستطيع التغلب عليها، لضعف إمكانياتنا وقدراتنا.

مما لا شك فيه أنّ الله موجود دائما وأبدا في حياة كل واحدٍ منا، حتى وإن لزم الصمت. وعندنا نموذج رائع لأيوب البار الذي فهم وأدرك معنى صمت الله في نهاية حياته وغروبها، وعرف تماما أنّ كل شيء يحدث معه، له معنى ومخطط من الله لأجل خيره، وبكلمةٍ واحدة تخرج من فم الله يستطيع تغيير كل شيء إلى الأفضل.

كما يجب أن نستغل هذه الظروف التي تسير عكس الاتجاه في حياتنا، لندرك قدراتنا وضعفنا، ولا نستطيع العيش بدون اللجوء لله القادر على كل شيء، الذي يقوينا ويعضدنا لنتخطى الصعوبات والعوائق ومطبات الحياة.

إن الإنسان الذي يؤمن بقرب الله منه، يتحلى بالرجاء الذي يدفعه لقبول كل ما يحدث له، لأن الله يدبر له كل ما هو أفضل.

وهناك دروس كثيرة لما يحدث في حياتنا من مضايقات وفشل وإحباط، وهي أن نشعر بالآخرين وبالظروف التي يمرون بها وهم صامتون، ونكتشف أننا نملك نِعما عديدة يتمناها الملايين من البشر، والإنسان القوي الذي يصمد أمام نار المحن، يتطهر من شوائب كثيرة عالقة بداخله، ويصير كالذهب الخالص الذي يبرق ويلمع بعد وضعه في النار، وكلما كانت المحنة قوية والألم شديدا، ازداد معدن الإنسان قيمة وصلابة.

فحياة كل إنسان منا مليئة بالمفاجآت والتقلبات، وتحمل في داخلها بعض التناقضات: الفرح والحزن، النور والظلمة، الراحة والتعب، الرجاء واليأس، اللحظات السعيدة والأخرى التعيسة، النجاح والفشل. إذا.. الحياة تحمل في جذورها الأفضل والأسوأ.

وعلى كل واحدٍ منا أن يقبل كل هذا، طالبا من الله أن يساعده في توجيه قارب الحياة إلى بر الأمان، مستغلا الرياح العاتية والأمواج الشديدة من أجل خيره ونضجه.

ونردد مع داود النبي: «إني ولو سِرتُ في وادي ظلالِ الموت، لا أخافُ سوءا لأنَّكَ معي» (مزمور 23: 4). لذلك يجب علينا أن نثق في معونة الله الذي لن يتركنا أبدا بمفردنا لمواجهة مشاكل الحياة اليومية، وأن نتكل عليه لأنه يستجيب لنا حتما، فهو يعرف ما هو الأفضل لنا.

والإيمان بالله يملأ القلب بينابيع الأمل والثقة والطمأنينة، ويُبعد عن النفس المخاوف والقلق.

ونختم بالكلمات الموجودة على حائط أحد المخابئ بألمانيا حيث كان بعض الأسرى مختبئين هناك أثناء الحرب العالمية الثانية: «أؤمن بالشمس حتى وإن لم تسطع؛ أؤمن بالحب حتى وإن لم أشعر به؛ أؤمن بالله حتى عندما يصمت».

مقالات مشابهة

  • الأب بطرس دانيال يكتب: دعوة واستجابة
  • إبراهيم عثمان يكتب: نعم .. ولكن
  • إبراهيم عيسى: كتاب معالم في الطريق هو أصل الإرهاب الإسلامي في العالم كله
  • دار الإفتاء: لم يرد ما يدل على منع الصوم فى رجب
  • من أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم
  • أسباب رحلة الإسراء والمعراج
  • الدعاء للميت على القبر بعد الدفن .. تعرف عليه
  • إبراهيم عثمان يكتب: رخصة عرمانية بالفرح المشروط!
  • الاستغفار عند الانتصار
  • من سيرة النبي.. قصة اجعلها دليلك في مواجهة الابتلاء