رأي اليوم:
2024-10-05@15:54:57 GMT

ناجي ظاهر: لحظات في صُحبة كلاريس

تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT

ناجي ظاهر: لحظات في صُحبة كلاريس

 

 

ناجي ظاهر كيف أكتب قصة؟.. سؤال طرحته على نفسي، مدة نافت على نصف القرن.. هي مدّة معاقرتي للكلام. في البداية كنت أطرحه على نفسي، أما فيما بعد، بعد أن بتّ واحدّا من كتّاب القصة وصدرت لي مجموعات قصصية عديدة، تضمّن بعضها قصصًا بات يُدرّس ضمن المناهج التدريسية في بلادي، فقد انضمّ إليّ اخرون في طرح هذا السؤال.

في كلّ مكان أذهب إليه تقريبًا يطرح عليّ مثل هذا السؤال، لا سيّما من قبل الطلاب الذين التقي بهم أو أنوي تعليمهم الكتابة الإبداعية في مجال كتابة القصة. فكيف تكتب القصة؟ وماذا عليك أن تفعل كي تتمكّن من كتابة قصة تلقى القبول وتحظى باهتمام القراء؟ وماذا يُطلب منك كي تنضم إلى نادي كتّاب القصة؟ أجيب بداية، أن حال كاتب القصة نادرًا ما يختلف عن حال سواه من كتاب القصة، المجلّين، فهو إنسان حسّاس، يمتلك درجة عالية جدًا من الحساسية، يعمل أربعًا وعشرين ساعة في اليوم، كما يقول الكاتب دي فوتو في كتابه الآسر عن ” عالم القصة”، ويجسّد حساسية دائمة الاشتعال ومتميّزة تجاه الواقع، كما يري فرانك اوكونور في كتابه الهام عن الفن القصصي” الصوت المنفرد”. هذا الانشغال المتواصل وهذه الحساسية المتوترة، تدفعان بصاحبهما، لأن ينشغل بكلّ ما يحيط به، فتراه يتوقّف منشغلًا بالمرأة المسنّة الذي رآها وقد استقلّت باص الساعة السابعة المسافر من مدينته الناصرة إلى المدينة القريبة حيفا، ويرى ما وضعته على وجهها من أصباغ وعطور لا يمكن لعطّار أن يعيد إليه بهاء كان، فيقول لسان حاله إن العطار لا يُصلح ما أفسده الدهر، وقد ينشغل بهذه المرأة المسنّة، وينساها ثم يعود إليها ليتذكرها مجدّدًا، فإذا ما بقيت، انتابه إحساس، مثل ذاك الذي انتاب الكاتب العربي المصري يوسف إدريس، بقيمة ما وقعت عينه عليه من إيحاءات، أما إذا نسيها، فانه يتأكّد من أنها لا تستحق عناء التذكر وينساها إلى لا رجعة، آملا في قدحة أخرى، يبعثها” سقط زند” آخر على طريقة أبي العلاء المعري. إلحاح هذه المسنّة قد يدفع الكاتب مع مضي الوقت، لأن يوغل في عالم متخيّل لتلك المرأة، فهي مسنّة، إذن هي عاشت في زمن النضال الفلسطيني، في عام النكبة الفلسطينية، أما سبب سفرتها تلك فلا بدّ من أن يكمن وراءها سرّ، فما هو؟ إنه خبر غريب مذهل تلقّته تلك المرأة، على حين غرّة، من محبوب لها كان مقاتلًا إبان الفترة المشار إليها، ذاك المحبوب كتب إليها ما مفاده، انه أقام منذ عام النكبة في حيفا متشبثًا بأرض الوطن، وانه لم يتّصل بها منذ ذلك الوقت لسبب بسيط هو أنه لم يشأ أن يكون سببًا للتنغيص عليها وعلى حياتها الشخصية مع زوجها!! أما دافع كتابته لها، فانه يكمن في سبب لا يقلّ أهمية عن ذاك الذي جمع بينهما أيام فلسطين، هذا الدافع يتمثّل في أنه بات يشعر بأن أيامه قليلة على هذه الأرض، وأنه يريد أن يراها في لحظاته الأخيرة. تلك المرأة، وقد باتت واضحة المعالم وأطلق عليها خالقها مجدّدًا اسم كلاريس، حملت نفسها يوم الأحد، وانطلقت في باص الساعة السابعة إلى حيفا، بيدها عنوان ذاك الرجل الذي كان، على أمل أن تلتقي به ولو في لحظاته الأخيرة، لقد بات واضحًا أن تلك المرأة إنما تزيّنت واستقلّت الباص، في تلك الساعة، لتلتقي بحلم كان وآن لها أن تلتقي به ولو في لحظات رحيله الأخيرة. لكن هل ستلتقي حلمها ممثلًا بذلك الرجل؟ سؤال لا تجد له أية إجابة، لهذا تواصل السفر وفي عينيها أكثر من حلم. يتوقّف الباص أخيرًا في حيفا، هناك تُسارع للنزول منه، ترتقي درج البيت في الدور الذي حدّده لها. قبل أن تصل بخمس من الدقائق، تنطلق صرخة، إنها صرخة مدوّية تنبئ بموت ألفته وعرفت بأية نبرة من الصوت يـُعبـّر عنه الناس. في تلك اللحظة تدرك أنها لم تتأخر منذ ذلك العام، عام النكبة، إلى العام التي تعيش فيه، وإنما تأخرت دقائق، لا تعدو عدد أصابع اليد الواحدة، فتعود على عقبيها. ترون والحالة هذه، أن القصة ولدت من منظر مميّز ترك تأثيره الخاص في نفسية صاحب القصة، ثم تشكلت في أبعاد ذات علاقة بما عاشه الكاتب من تجربة حياتية، كونه ابنًا لعائلة من المهجّرين الفلسطينيين وفدوا للإقامة في مدينة الناصرة، بعد تهجير إسرائيل ألقسري لهم من قريتهم سيرين، وهي مهدّمة حاليًا وكانت تتبع لمنطقة بيسان. كما ترون.. القصة ابتدأت بتلك المرأة المُسنّة، ثم تنقّلت معها لتعيش بعضًا من هواجسها وأفكارها، ثم انتهت تلك النهاية الفاجعة التي قادت إليها الأحداث، بكلّ ما تضمنته من فجائعية حفلت بها” التغريبة الفلسطينية”! صاحب القصة، كما قد ترون أيضًا، اعتمد على مخزون لا باس به من المعرفة بالنفس الإنسانية، كما استعان بتجربة حياتية يومية لها زمانها ومكانها، فهي لا تحلّق في فضاء الخيال إلا لترتد إلى الواقع، ولا تتضاد مع الواقع إلا لتلتصق به أكثر، هي باختصار تحاول أن توجد مساحتها المتخيّلة الذاتية، غير أنها لا تقوم بأي تعاكس مع الواقع، بقدر ما تحاول أن تتصالح معه عبر فتحها نافذة جديدة على الرؤيا، تضيف إليه، ولا تنتقص من حدّته. بناء على هذا كلّه، يمكننا ملاحظة أن صاحب القصة إنما يعيش تجربة فريدة من نوعها ويحاول دائمًا أن يقدّمها إلينا على أنها الواقع، علمًا أنها ليست الواقع بحذافيره، وإنما هي واقع متخيّل قد يكون أشد صدقًا من الواقع، أقول هذا لسببين أحدهما أننا في القصة نلمس واقعًا متكاملًا، وليس مُجتزءًا، كما هو الشأن في الحياة اليومية المعيشة، والآخر أنه يقف وراء القصة، كاتب ذو حساسية دائمة الاشتعال، لا يخبو لها أوار، وهو ما يمكّن صاحبها من تقديم واقع متخيل ومتكامل أيضًا.

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

لحظات مؤثرة بمطار هيثرو لهاربين من الموت في لبنان

بالأحضان والدموع وفرحة اللقاء.. وثّق عابرون في مطار هيثرو البريطاني لحظات مؤثرة للبنانيين يحملون الجنسية البريطانية، أو مواطنين بريطانيين نجوا بحياتهم من المواجهات الحربية القاتلة التي تدور في لبنان بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.

أعدّت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية تقريراً حول هذه اللحظات المؤثرة، التي تنوعت بين لم شمل زوج بزوجته، أو لقاء أخت بأختها، وعدد كبير من العوائل التي توزعت في صالة الوصول بالمبنى رقم 3 بمطار هيثرو.


كشف الزوج علي أن زوجته اضطرت على دفع حوالى 2500 دولار لتتمكن من الوصول إلى لندن، لأنها تمتلك إقامة دائمة في بريطانيا.
وإذ شدّد على أنّ لبنان بلدهما وسيعودان إليه عندما تتحسن الأحوال، اعتبر أن مجرد التفكير بالعودة الآن خطير للغاية، لكنه سعيد جداً بوصول زوجته آمنة وسليمة.

أمر مخيف

إلى جوار علي وزوجته، كان هناك مراهق يستقبل ابن عمّه الهارب من لبنان، فأشار، بعدما طلب عدم ذكر اسمه، أن القلق سيد الموقف والأعصاب مشدودة، لكن الأسرة سعيدة بوصول ابن عمه.
وإذ أعرب عن أسفه لعدم تمكن الكثيرين من مغادرة لبنان، لأن أسعار تذاكر السفر أصبحت مرتفعة جداً، في ظل توقف معظم الطيران الأوروبي والعربي باتجاه لبنان.
وأمل أن تتمكن باقي أسرة عمّه من مغادرة لبنان، لأنه أمر مخيف وصول نبأ إصابة أحدهم بضرر، بينما سيحظون بالأمان في لندن.

للبقاء آمنين علينا السفر

من بين الهاربات إلى المملكة المتحدة 3 شقيقات سافرن إلى بريطانيا بعدما اعترفن بأنه ليس لديهن خيار سوى الفرار من لبنان الذي مزقته الحرب.
غادرت أمل زهر الدين (18 عاما) وشقيقتاها ياسمين (17 عاما) وليلى (22 عاما) على متن طائرة مستأجرة تابعة للحكومة البريطانية من بيروت إلى برمنغهام.
وفي تصريح من مطار بيروت قبل أن تغادر إلى لندن، أكدت الطالبة الجامعية أمل أنها تحب لبنان وتشعر بالضيق الشديد من اضطرارها إلى الفرار، لكن في الوقت الحالي لا توجد طريقة يمكن من خلالها البقاء آمنين إلا السفر.
وقالت أمل، التي ولدت في المملكة المتحدة، ولم تقض في لبنان إلا 5 سنوات، بأنها وشقيقتيها خططن للم شملهم مع العائلة في غرب ساسكس، مؤكدة البقاء على التفاؤل بأن الحرب لن تستمر لفترة طويلة.

مقالات مشابهة

  • "ما الذي ينمو في راحة يدكِ؟" يفوز بجائزة بمهرجان سلا لفيلم المرأة
  • ما الذي ينمو في راحة يدك؟ يفوز بجائزة الجمهور بالمهرجان الدولي لفيلم المرأة
  • ماذا ستغير انتخابات كوردستان على أرض الواقع؟
  • مروة ناجي تشوق الجمهور لحفلها بمهرجان الموسيقي العربية بدورته الـ32 بهذه الطريقة (صورة)
  • نازحو البقاع بلبنان يروون لحظات كابوسية تحت القصف
  • حسني بي: ما صدر عن الرئاسي بشأن المركزي خطأ ونحمد الله أن الخطأ أنتج صواب بتكليف ناجي عيسى
  • لحظات مؤثرة بمطار هيثرو لهاربين من الموت في لبنان
  • حظك اليوم الخميس| توقعات الأبراج المائية.. لحظات رومانسية مع الحبيب
  • أحمد ناجي قمحة: الرد الإيراني جاء لطمأنة المنظمات والفصائل المتعاونة معها
  • محافظ ميسان “حبيب ظاهر الفرطوسي” يترأس اجتماع اللجنة الأمنية العليا بالمحافظة