خبراء اقتصاديون يتوقعون استمرار رفع الوكالات الدولية التصنيف الائتماني لسلطنة عمان
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
قيس السابعي: المؤشرات الاقتصادية تشير إلى تحسن الأداء الاقتصادي والمالي لسلطنة عمان
حبيبة المغيرية: تدرج التصنيف لسلطنة عمان بشكل إيجابي وملحوظ والاقتصاد العماني في تعاف مستمر
عبدالله السعيدي: استقرار التصنيف يعزز المكانة الاقتصادية للسلطنة ويساهم في جذب الاستثمارات
تخطو سلطنة عمان خطوات ثابتة في اتباع الإصلاحات المالية التي تساهم في تخفيض أعباء الدين العام، مع تسجيل تحسن في الأداء الاقتصادي والمالي، والاستمرار في رفع مستوياتها في تصنيف الائتماني لإيجاد بيئة استثمارية جاذبة تعزز من نمو الناتج المحلي.
وللوقوف أكثر على تحسن تصنيفات سلطنة عمان الائتمانية، استطلعت "عمان" آراء عددا من الخبراء والمحللين الاقتصاديين للتعرف على الأسباب التي ساهمت في استقرار التصنيف الائتماني لسلطنة عمان، وتوقعاتهم المستقبلية للاقتصاد العماني في ظل السياسات التي تتبعها سلطنة عمان. وسنتعرف أيضا على مساهمة استقرار التصنيف الائتماني في تعزيز مكانة سلطنة عمان الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية.
الإصلاحات المالية
في البداية أوضح الدكتور قيس بن داود السابعي -قانوني وخبير اقتصادي-، قائلا: من أسباب استقرار التصنيف الائتماني لسلطنة عمان لوكالة فيتش عند +BB مع نظرة مستقبلية مستقرة هي استمرار سلطنة عمان في اتباع الإصلاحات المالية التي ساهمت في تخفيض أعباء الدين العام، واتباع السياسات المالية بمختلف الطرق في تحصيل الإيرادات العامة والجارية للدولة، واتخاذ سياسات وحلول مالية من شأنها ضبط الأوضاع المالية والاقتصادية.
وتوقع السابعي رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عمان مستقبلا، حيث إن الوكالات العالمية ترفع التصنيف الائتماني إذا سددت الدولة الديون في وقتها أو قبل موعد استحقاقها، بالإضافة إلى قوة استثماراتها الأجنبية، وثبات سعر عملتها الوطنية وسعر الصرف، وحجم الإيرادات غير النفطية، وتحسين مدفوعات الميزان التجاري، ومعدل التضخم، ومدى توفر الاستثمارات والتنوع الاقتصادي سواء في الطاقة المتجددة والطاقة الخضراء والتنمية المستدامة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والمعادن والبتروكيماويات والصناعات التكريرية.
وأوضح الدكتور أن التصنيف الائتماني يعتبر مفتاح المستثمرين للاستثمار في الدولة التي تحمل درجة تصنيف ائتماني عالٍ، فكلما كانت درجة التصنيف عالية ومرتفعة كلما بث ذلك طمأنينة لدى المستثمرين للاستثمار في هذه الدولة؛ لأن هذه الدولة قادرة على سداد ديونها، كما أنها تحتوي على بيئة عالمية لتحقيق الربح والرفد الاقتصادي الصحيح لهذا المستثمر. مؤكدا بأن رفع التصنيف يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وغير الأجنبية.
وأوضح السابعي أن جميع المؤشرات والأرقام الاقتصادية منذ عام 2020 تشير إلى تحسن الأداء الاقتصادي والمالي لسلطنة عمان، وقال: "لم تعد سلطنة عمان تسجل عجوزات في الميزانية المالية، كما أنها تسجل فائضا ماليا سنويا، كما أن حجم الدين العام ينخفض، والناتج المحلي الإجمالي في زيادة، والإيرادات غير النفطية تتوسع، وقاعدة التنوع الاقتصادي تستمر وتتسع، فكل هذه مبشرات بارتفاع الأداء الاقتصادي والمالي".
تسديد المستحقات
من جانبها قالت الدكتورة حبيبة المغيرية، أكاديمية وخبيرة اقتصادية: هناك عدة أسباب ساهمت في استقرار التصنيف الائتماني لسلطنة عمان، وهي التزام الحكومة واستمرارها في تسديد المبالغ المستحقة لخفض المديونية العامة وأثبتت قدرتها على ذلك، حيث تدرج التصنيف الائتماني للسلطنة بشكل إيجابي وملحوظ، لعدة أسباب منها الاستقرار الأمني والسياسي، ونمو الناتج المحلي ووجود السياسة المالية للدولة، وبيئة الأعمال الجاذبة للاستثمارات المباشرة وغير المباشرة وغيرها من الأسباب.
وتوقعت الدكتورة أن ترفع وكالة فيتش التصنيف الائتماني للسلطنة مستقبلا، حيث توجد جهود واضحة ومتواصلة من الحكومة في ذلك، للعمل بالأسباب التي تعجل من رفع الوكالة لرفع التصنيف الائتماني للدولة، حيث من المعروف أن الوكالة تستند على عوامل ترتبط بتغيير حالة الدول في هذا التصنيف منها الاستقرار السياسي والأمني، واستدامة الدين بقدرة الدولة على سداد الدين بدون تعثر أو تأجيل.
وأكدت المغيرية أن استقرار أو ارتفاع التصنيف الائتماني للدولة هو عامل جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تستطيع الدولة أن تشكل استثمارات مشتركة بين الدول أو استثمار شركات أجنبية في السلطنة، وأيضا استقرار التصنيف الائتماني مهم للاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث يساهم في فرصها المالية من ناحية الاقتراض واستقرارها، والأهم من ذلك هو مساهمة هذا التصنيف في رفع الجدارة الائتمانية وبالتالي قدرة سلطنة عمان على حصولها على القروض. وقالت المغيرية: اقتصاد السلطنة في تعافٍ مستمر، نتيجة لتحسن أسعار النفط واستقرارها، وأيضا ساهم نمو وتطور القطاعات غير النفطية والمشاريع الحيوية الكبرى في تعزيز نمو الاقتصاد وتنوعه تطور أدائه.
تراجع الدين العام
أوضح المحلل الاقتصادي عبدالله بن سعيد السعيدي أن تأكيد وكالة فيتش في تقريها الأخير على التصنيف الائتماني لسلطنة عمان عند +BB مع نظرة مستقبلية مستقرة، أتى نتيجة تراجع مستوى الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان ضمن أولويات وجهود الحكومة خلال الفترة الماضية، بجانب جهود الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتعزيز كفاءة القطاع العام بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية والهيكلية وتحسين أداء المؤسسات الحكومية. وقال: وسط أسعار نفط مواتية واستمرار جهود خفض الدين العام والالتزام بعمليات الإصلاحات، من المتوقع أن تتحسن الدرجة الائتمانية السلطنة عمان من قبل وكالات التصنيف خلال الفترة القريبة القادمة.
وأشار السعيدي إلى أنه من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العماني نموا خلال السنوات القادمة، وذلك حسب توقعات المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات التصنيف الائتمانية، وقال: نتمنى أن يرتفع التصنيف الائتماني للسلطنة قريبا والوصول لدرجة الاستثمار.
وأكد السعيدي أن استقرار التصنيف الائتماني للسلطنة يساهم في تعزيز مكانتها الاقتصادية ويساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية، قائلا: استقرار التصنيف يعطي طمأنينة وتفاؤل للمستثمرين في ظل الظروف الحالية التي تشهدها الكثير من دول العالم. وقال السعيدي: مستقل الاقتصاد العماني مشرق في ظل نمو الأنشطة غير النفطية، وتقليل الاعتماد على الأنشطة النفطية، ومبادرات التنويع الاقتصادي المختلفة، فكل الجهود الحالية تبشر بمستقبل باهر ومشرق للاقتصاد العماني.
توقعات وكالة فيتش
والجدير بالذكر أن وكالة فيتش توقعت بأن تحقق سلطنة عمان فائضا ماليا بنسبة 2.2 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024م، و0.9% في عام 2025م، مفترضة أن يبلغ متوسط سعر النفط نحو 80 دولارا أمريكيا للبرميل في عام 2024م، ونحو 70 دولارا أمريكيا للبرميل في عام 2025م. وتتوقع الوكالة أن تبلغ نقطة تعادل سعر النفط في سلطنة عُمان بين 65-70 دولارا أمريكيا للبرميل.
وقالت الوكالة إنها تتوقع أن ينخفض الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 36.5% في نهاية عام 2023م إلى 32.4% في عام 2024م، و31.9 % في عام 2025م، مشيرة إلى مواصلة سلطنة عُمان في سداد بعض الديون قبل موعد استحقاقها مستفيدة من الإيرادات الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط. وتتوقع الوكالة أن تسدد الحكومة نحو 2.9 مليار دولار أمريكي من ديونها الخارجية في النصف الأول من عام 2024م.
وأشارت الوكالة إلى أنها تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 1.3% في عام 2023م إلى 1.8% في عام 2024م، مدعوما بنمو القطاع غير النفطي بنسبة 2.7%، ويعزى هذا النمو إلى زيادة الاستهلاك المحلي، ونمو الاستثمارات الأجنبية، وتحسن قطاع السياحة. كما تتوقع الوكالة أن ينمو القطاع غير النفطي إلى 2.8% في عام 2025م. وأوضحت وكالة فيتش في تقريرها أن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان قد يرتفع في حال استمرار إجراءات ضبط الأوضاع المالية وتراجع الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ونمو الإيرادات غير النفطية.
توقعات صندوق النقد الدولي
من جانب آخر توقع صندوق النقد الدولي أن يواصل اقتصاد سلطنة عمان النمو بمعدل 1.2% خلال العام الجاري، وأن يرتفع النمو إلى 3.1% خلال العام المقبل، مشيرا إلى أن معدل النمو في سلطنة عمان خلال العام الماضي بلغ 1.3%، وهو أعلى من متوسط معدل النمو في دول المجلس والذي سجل 0.4% خلال 2023، ومن المتوقع زيادة متوسط النمو في المنطقة إلى 2.4% بنهاية العام الجاري وإلى 4.9% في العام المقبل.
وقال الصندوق في تقرير الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى أن سلطنة عمان سجلت معدلات نمو مرتفعة خلال عامي 2021 و2022 بمعدل 3.1% و4.1% على التوالي، ويستمد النمو الحالي في سلطنة عمان زخمه من قوة أداء الأنشطة غير النفطية ومن المتوقع أن يظل أداء القطاعات غير النفطية قويا في سلطنة عمان وأن تكون هذه القطاعات المساهم الرئيس في النمو خلال السنوات المقبلة في ظل الخطط الطموحة لتنويع الأنشطة الاقتصادية وخفض الاعتماد على النفط.
وأوضح الصندوق أن زخم النمو يعد قويا في منطقة دول مجلس التعاون لكنه قام بخفض توقعات نمو الاقتصاد الكلي هذا العام نظرا لتفاقم الصراعات وتراجع إنتاج النفط والتشدد في بيئة السياسات المالية في عديد من الدول، لكن من المرجح ارتفاع النمو خلال العام المقبل واستقرار معدلاته على المدى المتوسط عند نحو 3.5% في منطقة دول المجلس، وأن يبلغ متوسط معدل النمو هذا العام في منطقة دول المجلس 2.4%، وأن يرتفع إلى 4.9% خلال العام المقبل مع تخفيف سياسات خفض إنتاج النفط.
وقال التقرير إن فوائض المالية العامة ستشهد تراجعا بشكل عام في عدد من دول منطقة مجلس التعاون، لكن سلطنة عمان من بين دول المنطقة التي تحرز نجاحا في استغلال وضبط أوضاع مواردها العامة والحد من تأثيرات تقلبات النفط ودعم جهود التنويع الاقتصادي، وتوقع التقرير أن تشهد سلطنة عمان تحسنا في الأرصدة الأولية غير النفطية كنسبة من الناتج المحلي غير النفطي.
وكان أحدث تقرير للصندوق بعد مشاورات المادة الرابعة مع سلطنة عمان في بداية هذا العام قد أكد على أن الاقتصاد العُماني يواصل التعافي بدعم من أسعار النفط المواتية وزخم الإصلاح المستمر، مشيدا بالتقدم في تنفيذ جدول الأعمال الطموح بشأن الإصلاحات الهيكلية في ظل "رؤية عُمان 2040" وأهدافها لتعزيز النمو المستمر والمتنوع والشامل للجميع بقيادة القطاع الخاص، كما أشار إلى أن سلطنة عمان لديها الإمكانية لزيادة تنوع النشاط الاقتصادي والتمهيد للتحول في مصادر الطاقة من خلال المُضي قدما في تحسين جودة المؤسسات، وتقليص دور الدولة، وتعزيز بيئة الأعمال، مع مواصلة الالتزام بتنفيذ جدول الأعمال الطموح بشأن المناخ والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التصنیف الائتمانی لسلطنة عمان التصنیف الائتمانی لسلطنة ع الاستثمارات الأجنبیة خلال العام المقبل جذب الاستثمارات معدل النمو فی فی سلطنة عمان النقد الدولی رفع التصنیف غیر النفطیة وکالة فیتش من المتوقع فی سلطنة ع فی عام 2024م أن یرتفع إلى أن
إقرأ أيضاً:
اللغويات وتجربة دراسة اللهجات في سلطنة عمان قصة عمرها أكثر ٤ عقود
كلايف هولز: كنتُ أتجول في سيارة نيسان باترول أستكشف كل زاوية وركن من شمال عُمان، وأتحدث إلى العمانيين
أقيمت بجناح وزارة الثقافة والرياضة والشباب جلسة حوارية استضافت البروفيسور كلايف هولز أستاذ في دراسات العالم العربي المعاصر بجامعة أكسفورد، وناقش هولز في الجلسة التي أدارتها سارة الشيادية "اللغويات وتجربة دراسة اللهجات في سلطنة عمان."
انطباعات أولى
سرد هولز في البدء حكاية زيارته لعمان وقال عن انطباعاته الأولى، واصفا مطار السيب منتصف يناير عام ١٩٧٣ والذي كان ما يزال جديدا كليا، حيث جاء إلى عمان لقضاء عطلة لمدة أسبوع بدافع الفضول بالأساس، ولكن أيضًا للهروب من برد الشتاء الكويتي القارس حسب وصفه. وقال: "لم أزر عُمان من قبل؛ ففي عام ١٩٧٣، كان عدد الأجانب قليلًا جدًا. لم أتمكن من القدوم أصلًا إلا بفضل صديق قديم لي، أندرو بريغهام، الذي عملت معه وشاركتُ معه شقة في البحرين قبل بضع سنوات، وكان يعمل في وزارة التربية والتعليم كأول مُدرّب ومُدرّب مُدرّس لغة إنجليزية كلغة أجنبية في عُمان."
وأضاف: "لا شك أن عُمان في تلك الأيام الغابرة، قبل 52 عامًا، عندما بدأت النهضة لتوها، كانت مكانًا مختلفًا تمامًا عن الآن. وكل ما تراه هو وادٍ صخري جاف بتلال جرداء بعيدة، وبعض الشجيرات المتربة، ومهبط الطائرات القديم في بيت الفلج. هذا كل شيء. ومع ذلك، استمتعت تمامًا بتلك العطلة القصيرة في عُمان، ولم أتوقع أبدًا أن أعود. كم كنت مخطئًا".
وعاد هولز في عام ١٩٨٠، ثم في عامي ١٩٨٣ و١٩٨٤، إلى السلطنة في زيارات استشارية قصيرة لتقديم المشورة للجنة التأسيسية لجامعة السلطان قابوس. حيث قدم المشورة بشأن دور مركز اللغات وهيكله الوظيفي. كان وفي عام ١٩٨٥ عرضت عليه وظيفة مدير لمركز اللغات الذي كان قد وضع وثيقة تصميمه.
وقال عن العامين اللذين قضاهما في الجامعة: "بالنظر إلى الوراء الآن، بعد مرور أربعين عامًا، ما زلت أعتبر العامين اللذين قضيتهما في جامعة السلطان قابوس من أكثر الأعوام الخمسة والأربعين إثارةً في حياتي العملية التي قضيتها في تعليم اللغات، سواءً تعليم اللغة الإنجليزية في العالم العربي أو تعليم اللغة العربية في جامعات المملكة المتحدة، والتي شملت تسع سنوات في كامبريدج وسبع عشرة سنة في أكسفورد".
وتحدث البروفيسور كلايف هولمز عن التحديات الأولية في جامعة السلطان قابوس، وأشار إلى أن مستوى إجادة الطلاب للغة الإنجليزية عند التحاقهم كان ضعيفًا جدًا، على الرغم من نتائج الامتحانات.
كما أن خبرك تدريس العلوم في المدارس كانت خبرة عملية شبه معدومة (بسبب قلة المختبرات أو انعدامها). بالإضافة إلى أن هيئة تدريس العلوم في جامعة السلطان قابوس كان معظمهم معتادون على الطلاب الناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أم فقط.
وطرح هولز مجموعة من الحلول وقتها منها تجنب الكتب الدراسية التقليدية لتعليم اللغة الإنجليزية لأغراض خاصة. وتصميم مواد دراسية داخلية تستند إلى محاضرات علمية فعلية (مصورة) كمدخلات لتدريس اللغة. إلى جانب اعتماد نهج تدريس جماعي تعاوني، يشمل كلًا من هيئة تدريس العلوم وأعضاء هيئة تدريس المكتبة.
في ربيع عام ١٩٨٧، ومع اقتراب نهاية عقدي الذي استمر عامين في جامعة السلطان قابوس، تلقيتُ اتصالاً لا يُقاوم من جامعتي الأم، جامعة كامبريدج، لشغل منصب محاضر في اللغة العربية. لطالما كانت اللغة العربية شغفي الأول، وكان من أبرز أسباب جاذبيتي للعمل في عُمان أن الإقامة الطويلة هنا أتاحت لي، مثلي من علماء اللهجات العربية، فرصاً قيّمة لإجراء أبحاث ميدانية في واحدة من أقل بقاع شبه الجزيرة العربية شهرةً وأكثرها سحراً. لذلك، من عام ١٩٨٥ إلى عام ١٩٨٧، كانت وظيفتي اليومية في عُمان هي إدارة مركز اللغات في جامعة السلطان قابوس. ولكن في كل عطلة نهاية أسبوع تقريباً، كنتُ أتجول في سيارة نيسان باترول رباعية الدفع، ومعي مسجل شرائط الكاسيت، أستكشف كل زاوية وركن من شمال عُمان، وأتحدث إلى العمانيين العاديين، وأسجلهم، ثم أنقلهم لاحقاً، وكلما كان أقل تعليماً كان أفضل. "ولكن لماذا تفعل ذلك؟"، قد تتساءل. "ماذا يمكنك أن تتعلم من طريقة تحدث أجدادي الأميين؟".
البحث في اللهجة العربية العمانية
عمل هولز لعدة سنوات في البحرين والكويت والجزائر والعراق، وفي عام ١٩٨١ أكمل درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج حول اللهجات العربية في البحرين وكيفية تغيرها عبر الأجيال. وقال: "بدأتُ عام ١٩٨٥ بالخروج بسيارتي رباعية الدفع وجمع البيانات من خلال تسجيل كلمات العمانيين العاديين، كانت أمامي ورقة بيضاء تقريبًا. لكن ما كان لديّ، بالإضافة إلى نسخة من كتاب راينهارت، هو البحث المنشور، وبعضه من تأليفي."
وأضاف: "بدأتُ محادثةً مع عدد من كبار السن الذين كانوا يعملون على الفلج. عندما بدأوا الحديث، كنتُ أفهم حوالي ٩٠٪ مما قالوه، ولم أصدق أذنيّ. لقد لفت انتباهي على الفور العديد من سمات كلامهم التي تشبه تمامًا سمات قرويي البحارنة".
واستعرض هولز خلال المحاضرة اللهجة العربية العمانية وبعض السمات اللغوية غير العادية فيها، مستعرضا جملا مختلفة مما سجله، مبينا اختلاف وتقارب اللهجة العمانية و العربية الفصحى وبعض مناطق العالم التي تتحدث العربية، ومستعرضا كذلك الاختلاف في اللهجات بين مناطق مختلفة من عمان كبدية والحمراء، وسمائل وساحل الباطنة ومناطق أخرى. وناقش هولز استخدام التنوين في اللهجات ودلالاته اللغوية عما هو عليه في اللغة العربية الفصحى.
وناقش هولز تأثير العولمة والتغيرات العالمية على اللغة واللهجات وأشار إلى أن التغيرات التي تصيب اللهجات واللغات هي تغيرات تحدث في شيء حولنا واللغة واللهجات هي أحد هذه الأشياء التي تتغير وتتأثر بالمتغيرات.
كلايف هولز هو أستاذ في دراسات العالم العربي المعاصر بجامعة أكسفورد، وزميل في الأكاديمية البريطانية، وأحد أبرز المتخصصين في دراسة اللهجات العربية، خاصة لهجات شبه الجزيرة العربية.
بعد حصوله على البكالوريوس في اللغتين العربية والتركية عام 1969، عمل البروفيسور في الدبلوماسية الثقافية وتعليم اللغة الإنجليزية في عدة دول من ضمنها الكويت والعراق والبحرين، وحصل على درجتي الماجستير في اللغة الإنجليزية والدكتوراه في اللغويات الاجتماعية العربية من جامعة كامبريدج.
والجدير بالذكر بأن أعماله العلمية أسهمت في تطوير علم اللغويات العربية، ومن أبرز مؤلفاته كتاب العربية المعاصرة ، وسلسلة * اللغة والثقافة والمجتمع في شرق الجزيرة العربية. ونحن بانتظار صدور كتابه الجديد حول لهجات شمال عمان عام 2025