فيصل محمد صالح
تتعدد مراكز التحالفات السياسية في السودان، ويتغير بعضها بين غمضة عين وانتباهتها، وتتفاوت مواقف هذه الكتل، كما أنها تتفاوت في حجمها وقدراتها على صنع المواقف وتشكيل المشهد السياسي في البلاد. وتبدو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) صاحبة السبق في الحراك والفعل بدرجة لا يمكن مقارنتها بأيٍّ من الأجسام الأخرى.
كان هذا هو موقف المجموعات التي اتجهت لتعلن من القاهرة «إعلان القاهرة» قبل أسابيع قليلة، ووقَّعت عليه الكتلة الديمقراطية ومجموعات صغيرة أخرى، كما كان موقف مجموعة قوى التغيير الجذري، التي تضم الحزب الشيوعي وبعض التنظيمات الصغيرة التي تكتفي بإصدار بيانات ناقِدةً للتنسيقية، ومعارِضةً لكل ما تقدمه. ولم تسجل الفترة الماضية أي تصور أو خطوة مميزة للتحالفات الأخرى تمت من دون الرجوع لفعل أو تصور ومقترح لـ«تقدم».
من بين هذه التحركات المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم» الذي عُقد طوال الأسبوع الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وسط حشد كبير فاق الستمائة مشارك من داخل وخارج السودان، مثَّلوا 18 ولاية و24 من مراكز الهجرة واللجوء خارج السودان، حسبما ذكرت وثائق المؤتمر. هذا المؤتمر جرى وصفه بأنه أكبر حشد لعمل سياسي في تاريخ السودان الحديث، وأوسع تحالف من نوعه، إذ إنه يضم إلى جانب القوى السياسية الرئيسية منظمات المجتمع المدني، والنقابات والمهنيين، ولجان المقاومة، والنساء والشباب، والفئات النوعية من مزارعين ورعاة ونازحين ولاجئين، ورجال الأعمال، والمبدعين والمثقفين وغيرهم. وتحمل كشوفات المدعوّين، التي أُتيح لي الاطلاع عليها، تمثيلاً متنوعاً وثرياً لكل هذه الفئات ومن كل ولايات السودان، وإنْ تعذَّر وصول البعض من داخل السودان بسبب الاعتقال والاحتجاز ومنع السفر ومصادرة جوازات السفر، وهي عقبات متوقعة.
وأهم جزء في هذا الأمر أن الكتل الكبيرة الممثلة للولايات ومدن اللجوء والهجرة حول العالم جرى اختيارها قاعدياً، بينما اُختير بعض الفئات مركزياً بتوافق المشاركين في اللجنة التحضيرية.
ناقش المؤتمر قضايا كثيرة واتخذ في كثير منها توصيات ومقترحات، وأرجأ بعضها لمزيد من التشاور وأخْذ رأي الخبراء، كما ذكر البيان الختامي. ووجود عضوية ممثلة في المؤتمر، بقدر ما تتيحه الإمكانات اللوجيستية، لا يلغي حق الرأي العام في مناقشة ونقد الأوراق والتوصيات، بل إنه يُلغي بمسؤولية خاصة لمن يؤيدون الخط العام والأهداف الرئيسية لـ«تقدم»، سواء كانوا في عضويتها أم لا، حتى لا تتحول التنسيقية إلى صنم يطوف حوله الناس ويبجّلونه ولا يقبلون نقداً له وفيه.
الاهتمام بالمؤتمر ومجرياته ينبع من نقطتين مهمتين وردتا في ثنايا الأجزاء السابقة من هذا المقال، ولا بأس من تلخيصهما هنا؛ أولاهما، كما ذكرت، توسع حجم المساهمة والمشاركة فيه، جغرافياً ونوعياً، والأخرى أنه جزء من حراك كبير ومتعدد الخطوات تقوم به التنسيقية منذ تكوينها الأول في المؤتمر التحضيري قبل نحو سبعة أشهر.
لن تكون تنسيقية «تقدم» المعبِّر الوحيد عن الساعين لوقف الحرب وتحقيق السلام وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، ويجب ألا تتوهم ذلك، لكنها الآن أكبر مراكز هذا الموقف، وعليها مسؤولية مستمرة في التحاور مع بقية الأحزاب والتنظيمات المختلفة التي ترفع نفس الأهداف، وأن تمتلك المرونة للتفاعل الإيجابي مع كل المبادرات الشبيهة بما في ذلك إمكانية انضمامها إلى تحالف أوسع، وتغيير اسمها وهياكلها وطريقة عملها إن اقتضى الحال.
والأهم من كل ذلك أن تتقبل قيادة «تقدم» الانتقادات والملاحظات، وحتى الهجوم عليها، لأن هذا جزء من الاهتمام بها وبما تفعله، ولأن ذلك يمكن أن يكون جهداً وطنياً مخلصاً لا يقلل منه اختلافه مع التنسيقية وطريقة عملها. وفوق كل ذلك فإن عليها الاستعداد للاعتراف بأن هذا الجسم مكون من أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني مثقلة بتاريخ طويل من التعثر وحتى الفشل وافتقاد المؤسسية، وعليها أن تتحمل كل هذه الإشكاليات والأوزار وتمضي في طريق طويل وصعب لكنه ضروري لإنقاذ السودان مما هو فيه من حرب وكارثة إنسانية ونزوح ولجوء، وأن تتمكن في الوقت نفسه من العمل لمعالجة العلل والإشكالات الفكرية والسياسية والتنظيمية.
نقلا عن “الشرق الأوسط”
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لـ تقدم
إقرأ أيضاً:
بريطانيا: انطلاق أعمال مؤتمر الاستثمار المباشر بمشاركة كويتية
كونا – انطلقت اليوم الجمعة أعمال (مؤتمر الاستثمار المباشر في عام 2025: رؤى واتجاهات تشكل مستقبل الاستثمار) والذي تنظمه هيئة تشجيع الاستثمار المباشر الكويتية بالتعاون مع الرابطة الدولية لهيئات تشجيع الاستثمار (وايبا). ويأتي المؤتمر كجزء من مهمة الهيئة كنائب رئيس منتخب للجنة التوجيه للرابطة ويبحث التحديات التي تعترض التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي العالمي اللذين يمولهما الاستثمار المباشر بسبب التحولات الجيو-سياسية والتقدم التكنولوجي وتغير أولويات المستثمر. ويشارك في المؤتمر مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا السفير صادق معرفي وسفير دولة الكويت لدى المملكة المتحدة بدر المنيخ ومساعد المدير العام لتطوير الأعمال في هيئة تشجيع الاستثمار المباشر ونائب الرئيس للجنة التوجيهية للرابطة الدولية لهيئات تشجيع الاستثمار (وايبا) محمد ملا يعقوب ورئيس مكتب الاستثمار الكويتي عبدالمحسن المخيزيم ومدير شؤون الاستثمار بوزارة الأعمال والتجارة البريطانية جون إدوارد والرئيس التنفيذي ل(وايبا) اسماعيل ارساهين الى جانب عدد من كبار المسؤولين وخبراء المال والأعمال من مختلف دول العالم. وقال مساعد وزير الخارجية لشؤون أوروبا السفير صادق معرفي في كلمة الافتتاح ان مؤتمر اليوم ينعقد في وقت حافل بالتحديات ولكن في الوقت نفسه يحمل فرصا عظيمة. واضاف معرفي “استذكر بفخر كبير السياسة الخارجية الثابتة لدولة الكويت عقب الاستقلال والتي مزجت الدبلوماسية مع الاستثمار” مضيفا ان رؤية الكويت الاستراتيجية “غرست بذور الصداقة” منذ قرون مضت والتي نمت في القارة الأوروبية. واستدرك بالقول “أعلن وبكل فخر ان استثمارات الكويت في المملكة المتحدة نمت في العشرين عاما الماضية بنسبة فاقت 400 بالمئة”. وأكد السفير معرفي ان المملكة المتحدة كانت ولا تزال احدى افضل وجهات الاستثمار والسياحة بالنسبة للكويت مشيرا الى انها احد اكبر مالكي العقار فيها. وأوضح أنه على الرغم من وجود تحديات اقتصادية وجيو-سياسية في مختلف أنحاء العالم الا “اننا نهدف الى تحقيق إعادة توازن على نحو يحمي مصالحنا”. من جهته قال مدير مكتب الاستثمار في وزارة الاعمال والتجارة البريطانية جون إدوارد في تصريح خاص لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان الاقتصاد الكويتي يشهد تحولا اقتصاديا جيدا حيث يركز على قطاع الصناعات الابتكاربة وصناعات الطاقة النظيفة. وأضاف إدوارد “نعمل عن كثب مع الحكومة الكويتية لتحديد القطاعات التي تهتم بها وفي نفس الوقت لدينا خبرة فيها لكي نتعاون في مجالها”. وتناول المشاركون في جلسات المؤتمر سبل جذب الاستثمارات عالية الجودة إلى أوروبا عبر الوكالات الأوروبية لتشجيع الاستثمار بما يتماشى وأهداف التنمية المستدامة والاستراتيجيات الاقتصادية الوطنية. واستكشفت الجلسة الأولى الفرص الناشئة للاستثمار المباشر في قطاعات الابتكار والاستثمار المستدام للتوصل الى فهم شامل لديناميات الاستثمار المباشر الحالية حول العالم فيما بحثت الجلسة الثانية في الاستراتيجيات والتوجهات التي تشكل الاستثمارات التمويلية مع التركيز على الصناديق السياسية وأسواق الأسهم. وتضمنت جلسات المؤتمر مناقشات الطاولة المستديرة الحصرية لوكالات تشجيع الاستثمار بغرض إيجاد استراتيجيات تعاون لمعالجة التحديات الإقليمية التي تواجه الاستثمار إضافة الى تعزيز الشراكات. واستعرضت الجلسات كذلك توقعات الاستثمار المباشر العالمي في العام الحالي ومن اهمها استمرار نمو قطاع الخدمات والإتصالات والطاقة المتجددة وأشباه الموصلات والتحول الصناعي باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتأسست الرابطة الدولية لهيئات تشجيع الاستثمار (وايبا) في جنيف عام 1995 بهدف تمكين مؤسسات تشجيع الاستثمار من العمل بفعالية أكبر لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز تدفق الاستثمار المباشر. ويقع على عاتق الرابطة بناء شبكات دولية تسهل الحوار بين الحكومات والقطاع الخاص كما توفر منصات تدريبية ومؤتمرات دولية مثل مؤتمر الاستثمار العالمي الذي يتيح لأعضائها فرصة الاطلاع على الاتجاهات العالمية الناشئة وصياغة سياسات استثمارية تتماشى مع هذه التطورات. |