يواجه اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية تحديات وأزمة مالية حادة، في ظل تزايد مؤشرات الخطر، والتوقعات بانخفاض قيمة العديد من الأصول، وطرق التمويل الغامضة، والعجز الهائل، إلى جانب ارتفاع التضخم ومعدلات الفائدة.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير ترجمته "عربي21": إن القاعدة الأساسية في تقييم المخاطر المحيطة بقطاع المال هي أنه: كلما بقيت أسعار الفائدة مرتفعة زاد خطر حدوث انهيار مالي، ولئن كانت فترة ولاية جو بايدن قد بدأت بعودة مستويات قياسية من التضخم لم تشهدها أمريكا منذ ثلاثة عقود، فإنها قد تنتهي بأزمة مالية خانقة".



وتوضح الصحيفة أن بوادر هذا الخطر تتمثل في أزمة تراجع الطلب على المكاتب، ورأس المال الاستثماري ومخاطر الديون المدرجة وفقاعة الذكاء الاصطناعي في وول ستريت والعجز الهائل. 
ورغم أن هذه الإشارات لا تزال ضعيفة، فإن تعددها وتصاعدها يثير مخاوف من عاصفة مالية في الولايات المتحدة، بسبب هذه الظواهر التي يعتبرها الخبراء "سوسا ينخر عظام القطاع المالي".

وتشير الصحيفة إلى أن هذا القطاع كان قد شهد مقدمة لهذه التطورات، ففي آذار/ مارس 2023 عندما انهارت البنوك الإقليمية واحدا تلو الآخر بسبب ارتكابها لأخطاء فادحة، حيث أنها وضعت ودائع عملائها في استثمارات على المدى الطويل، ثم تفاجأ الجميع بارتفاع نسب الفائدة، ما دفع هؤلاء العملاء لسحب ودائعهم والبحث عن أرباح قصيرة المدى مساوية للنسبة التي قدمها الاحتياطي الفدرالي والمتمثلة في 5.25 بالمئة سنويا، على عكس أرباح الاستثمارات طويلة المدى التي انخفضت بشكل لافت.

وفي تلك الفترة، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك "جي بي مورغن" قد تدخلا لإخماد الحريق وتجنب الكارثة، ولكن اليوم بعد عام كامل لا تزال معدلات الفائدة المرتفعة تلقي بظلالها على هذا القطاع، وقد أثبتت التجارب السابقة أن الانهيارات تحدث على حين غرة وبشكل مخالف لتوقعات الخبراء، لأن النظام المالي مصمم بطريقة غامضة ولا يسمح بتقييم المخاطر المالية بشكل شفاف.

وتوضح الصحيفة أن مؤشر الخطر الأول على هذه الأزمة هو العقارات المكتبية؛ حيث إن العشرية الثانية من القرن العشرين شهدت شغفا كبيرا في بناء المكاتب، ولكن مع تفشي فيروس كورونا والتحول إلى العمل عن بعد، خاصة في المدن الكبرى والمكلفة التي يُعد فيها الإيجار مكلفا، مثل نيويورك وسان فرانسيسكو وشيكاغو، باتت الآن أكثر من 110 مليون متر مربع من المكاتب خالية من المستأجرين، وهو ما وضع المستثمرين في هذا المجال في ورطة بين انخفاض أسعار الإيجار وخلو أغلب المكاتب، وارتفاع نسب الفائدة.

وأضافت الصحيفة أنه الآن يجب على المستثمرين في هذا المجال سداد 18 مليار دولار من القروض خلال الاثني عشر شهرا المقبلة، وهو ضعف ما كان عليه الحال في 2023.

 وبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال؛ فإن 35 بالمئة فقط من أقساط القروض تم تسديدها في موعدها في 2024، في مقابل نسبة 99 بالمئة خلال نفس الفترة من 2021. وبهذه النسبة - التي تعد أسوأ من 37 بالمئة التي تم تسجيلها في 2009 في أعقاب الأزمة المالية الكبرى - يُثار توتر كبير في الأوساط المالية الأمريكية.

توقعات قوية بحدوث انخفاضات
وذكرت الصحيفة أن مجلس الإشراف على الاستقرار المالي في الولايات المتحدة الأمريكية - الذي تم إنشاؤه لأغراض رقابية بعد أزمة 2008 - أعرب في تقريره لعام 2023، عن قلقه من المخاطر المحتملة على الاستقرار إذا واصلت الاستثمارات مواجهة صعوبات عامة.

 ومن الأمثلة على ذلك ما حدث مع برج مانهاتن الموجود في شارع برودواي في نيويورك؛ حيث تم شراؤه في 2014 من طرف مجموعة بلاكستون مقابل 605 مليون دولار، وتم التفريط فيه في نهاية أبريل/ نيسان الماضي مقابل 185 مليون دولار، وهو ما يعني خسائر فادحة لمن استثمروا في هذه العملية.

مخاطر القروض الخاصة
وتلفت الصحيفة إلى أن القروض الخاصة، وهو المصطلح الذي يشير إلى القروض المقدمة لشركات صغيرة لدرجة أنها لا يمكنها إصدار سندات مدرجة في البورصة، وليست صغيرة بما يكفي لطلب قروض من البنوك. 

وهذا السوق الذي ظهر منذ حوالي 30 عاما كان غالبا مربحا جدا للمستثمرين العارفين بخباياه، وسمح لهم بمضاعفة استثماراتهم ثمانية مرات منذ العام 2001. وقد أعلن بنك "غولدمان ساكس" أنه جمع أكثر من عشرين مليار دولار لخط تمويل الاستثمارات في القروض الخاصة، وهو ينوي ضخ مبلغ يتراوح بين 130 و300 مليار دولار في أنشطته في هذا القطاع خلال الخمس سنوات المقبلة.

وبحسب الصحيفة؛ فإن المشكلة في هذا القطاع هي أنه يفتقد للتوازن، فعند الاستثمار في الأسهم يسترد المستثمر رأس المال ويواصل جني الأرباح، ولكن مع هذه القروض الخاصة يسترد المستثمر المبلغ الذي أقرضه فقط، مع وجود مخاطر كبيرة في حال التخلف عن السداد بسبب الركود وإفلاس الشركات. 

وهذه النقطة بالذات تثير المخاوف في القطاع المالي الأمريكي، لأن القروض كانت هي السبب وراء أزمة عام 2008.

أما المؤشر الثالث الذي تحذر منه الصحيفة فهو قطاع الأسهم الخاصة؛ أي الاستثمار في الشركات غير المدرجة التي أسسها رواد أعمال مثل إيلون ماسك. إذ يحلم الجميع بالاستثمار في هذه الشركات الصاعدة، ولكن الخبراء ينبهون أن تقييم بعضها قبل ارتفاع سعر الفائدة كان مبالغا فيه، وتم ضخ مبالغ خيالية في هذه الشركات من طرف المستثمرين.

بدء المستهلك في التراجع
وبينت الصحيفة أن الشركات الصغيرة لم تستعد مستويات نشاطها الاقتصادي السابقة لعام 2021، وهي في نفس الوقت تحتاج لدفع أموال المستثمرين خلال السنوات المقبلة. وأغلبها عاجزة عن تحقيق أرباح، وحتى الاكتتابات العامة باتت نادرة.

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن هذا القلق في القطاع الأمريكي يشمل أيضًا بورصة وول ستريت، التي سجلت أرقاما قياسية بفضل حالة الانتشاء بشركات الذكاء الاصطناعي وتصنيع المعالجات الدقيقة، إلا أن هذا لا يخفي معاناة العديد من الأسهم الأخرى، وخاصة تلك المرتبطة مباشرة بالمستهلك الأمريكي؛ حيث إن شركات مثل ماكدونالدز اضطرت لتخفيض أسعار الوجبات التي تقدمها إلى مستوى خمسة دولارات، ونفس الشيء لصيدليات ولغرينز والخطوط الجوية الأمريكية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي اقتصاد الولايات المتحدة التضخم أسعار الفائدة الأزمة المالية اقتصاد الولايات المتحدة التضخم الأزمة المالية أسعار الفائدة المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة القروض الخاصة الصحیفة أن هذا القطاع فی هذا

إقرأ أيضاً:

أسباب فشل جهود الأمم المتحدة في السودان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فشلت الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها التي أنشئت من أجلها وهى نزع فتيل الأزمات إذ أن العالم أصبح يعج بالمشكلات والأزمات، وأكبر دليل على ذلك الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان على غزة، والحرب الأهلية التي تدور رحاها في السودان، التي بدأت في 15 أبريل 2023، وما زالت دائرة حتى الآن ويدفع ثمنها الشعب السوداني الشقيق، في الوقت الذي كان فيه السودان ماضيا إلى نهاية فترة انتقالية وبداية حكم مدني ديمقراطي يقود إلى استقرار سياسي واقتصادي يعوض السودانيين عن ثلاثة عقود قضوها تحت ظل النظام السابق، ثم تبعتها فوضى الفترة الانتقالية، لكن الحرب انفجرت لتشكل "صدمة" وحدثاً ضخماً لم يكن متوقع الحدوث.
فحتى اللحظة التي أعلنت فيها الحرب بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، كان الطرفان مرتبطين معاً بمصلحة مشتركة تتعلق بتقاسم السلطة على رغم الخلافات الدفينة بين قائديهما، وقد تبدى لكل منهما أنه بحاجة إلى القوى المدنية لاكتساب شرعية شعبية، وعلى لسانيهما صيغت خطابات ورغبات بعض القوى الحزبية وفرضت شروطا لاستمرارهما معاً، كان أبرزها الخلاف حول دمج "قوات الدعم السريع" في الجيش، الذي كان أحد بنود "الاتفاق الإطاري" الذي وقعه المكون العسكري في مجلس السيادة الحاكم في السودان و"قوى إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي" ومجموعات متحالفة معها في 5 ديسمبر 2022، تمهيداً لنقل السلطة للمدنيين، لينهي حالة الفوضى التي شهدتها البلاد منذ
سقوط نظام عمر البشير عام 2019 فترة من الاضطرابات السياسية، شملت انقلابًا عسكريًا في عام 2021، وأدى ذلك إلى صعوبة عمل الأمم المتحدة مع حكومة فعالة وموثوقة.
كما تواجه الأمم المتحدة صعوبة في التوفيق بين مختلف الفصائل السودانية، والتي لديها مصالح متباينة وأهداف متضاربة.
بينما لم تتمكن الأمم المتحدة من إشراك الشعب السوداني بشكل كافٍ في جهودها، مما أدى إلى شعور بالاستياء والتهميش.
كما تعاني الأمم المتحدة من نقص التمويل لعملياتها في السودان، مما يعيق قدرتها على تنفيذ برامجها وتحقيق أهدافها، إذ تعتمد الأمم المتحدة بشكل كبير على الدول المانحة، مثل الولايات المتحدة ودول الخليج، لتمويل عملياتها، يُمكن لهذه الدول التأثير على أجندة الأمم المتحدة وسياساتها، مما قد يُعيق قدرتها على العمل بشكل محايد ومستقل.
كما تواجه الأمم المتحدة صعوبة في الوصول إلى بعض المناطق في السودان، خاصةً في دارفور وجنوب كردفان، بسبب انعدام الأمن والبنية التحتية الضعيفة، وتفتقر الأمم المتحدة إلى الموارد البشرية الكافية لتنفيذ برامجها على نطاق واسع في السودان.
لا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع داخل السودان، إذ لم يعد خافياً على أحد أن دولاً بعينها تدعم أطرافاً داخل السودان سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو اللوجستي مما يساهم في استمرار الحرب ويعيق جهود السلام، ولعل آخر تجليات هذا المشهد تلك الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد أحدى الدول.
هنا تجدر الإشارة إلى تصريحات تيغيري شاغوتا، مدير المكتب الإقليمي لشرق وجنوب أفريقيا في منظمة العفو الدولية التي أكد فيها على تعرّض الشعب السوداني للإهمال والتجاهل على مدار عام كامل، إذ تحمل وطأة الاشتباكات العنيفة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، بعد أن أخفقت الجهود الدبلوماسية حتى الآن في وضع حدّ للانتهاكات، أو توفير الحماية للمدنيين، أو تقديم المساعدات الإنسانية الكافية، أو محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
كما استغرق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ما يقرب من عام لتبني قرار بشأن السودان يدعو إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. ولكن على الرغم من القرار، لا يزال القتال مستمرًا في جميع أنحاء البلاد، مع عدم وجود تدابير لحماية المدنيين من التعرض للأذى.

في أكتوبر 2023، أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في السودان، مفوضة بالتحقيق والتثبت من الوقائع والأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات المرتكبة في النزاع.

يجب على الدول الأعضاء ضمان توفير الموارد اللازمة والدعم السياسي الكامل لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان.

في حين قالت أميمة غوتابي، المديرة التنفيذية للمجموعة السودانية للديمقراطية أولًا: “على الرغم من دورها الهام المحتمل في تعزيز المساءلة عن الفظائع المرتكبة في السودان، فإن بعثة تقصي الحقائق غير قادرة حاليًا على أداء مهامها بصورة مجدية، لأنها لم تحصل بعد على العدد الكامل من الموظفين أو التمويل الكافي بسبب تجميد عملية التوظيف في الأمم المتحدة، ولا يستطيع العالم تحمل تبعات مواصلة تجاهله للأمر، ويجب على الدول الأعضاء ضمان توفير الموارد اللازمة والدعم السياسي الكامل لبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان، وإبقاء حقوق الإنسان في السودان على رأس جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهيئات الأمم المتحدة الأخرى”.

يذكر أنه قتل الكثيرين من أبناء الشعب السوداني، ونزح ما يقرب من 10.7 مليون شخص بسبب النزاع، ما جعله أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، ويحتاج ما لا يقل عن 14 مليون طفل، أي نصف أطفال البلاد، إلى المساعدة الإنسانية.
كما حذّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الاستجابة الإنسانية الدولية للسودان لا تزال تعاني من نقص التمويل بشكل حاد، على الرغم من تحذير المنظمات الإنسانية من المجاعة. وحتى نهاية فبراير، لم يتم تلبية التماس الأمم المتحدة للتمويل إلا بنسبة 5% فقط، الأمر الذي يقوّض بشكل خطير عملية إيصال المساعدات والخدمات الطارئة الحيوية.

مقالات مشابهة

  • تحذيرات من هجمات سيبرانية تستهدف مياه الشرب في أمريكا.. من يقف وراءها؟
  • تحذيرات من مجاعة وشيكة في وسط وجنوب قطاع غزة
  • تكتيك جديد.. الصين تضايق ابنة أحد المعارضين في أميركا
  • 6.5 مليار دولار قيمة الأسلحة الأمريكية المقدمة لاسرائيل
  • دراسات توضح أسباب أزمة انقطاع الكهرباء وتداعياتها على العالم.. بينها روسيا وأمريكا
  • اندفاع الأمريكيين نحو الإسلام بسبب العدوان على غزة يثير تساؤلات إسرائيلية
  • وزيرا دفاع الولايات المتحدة وروسيا يبحثان أزمة أوكرانيا
  • تيك توك ومعركة تكسير العظام في أمريكا
  • أسباب فشل جهود الأمم المتحدة في السودان
  • إسرائيل تخسر نحو 60 بالمئة من الاستثمار الأجنبي بسبب الحرب على غزة