هل يستطيع الرئيس رامافوزا النجاة من نكسة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي؟
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
شولا لاوال- خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب أفريقيا أغلبيته في الانتخابات التي جرت في البلاد هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ نهاية نظام الفصل العنصري، في انتكاسة كبيرة للحزب الذي قاد تحرير البلاد من حكم الأقلية البيضاء.
وبدأ حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي يقود البلاد منذ عام 1994، مفاوضات مغلقة مع أحزاب أخرى لمحاولة تشكيل ائتلاف حاكم، وهو أمر لم يضطر إلى القيام به حتى الآن.
وبعد فرز كافة الأصوات تقريبا، حصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على نحو 40% من الأصوات، يليه حزب المعارضة الرئيسي، التحالف الديمقراطي، بنسبة 21%. وفي المركز الثالث جاءت قصة النجاح الكبيرة للانتخابات: حزب "أومكونتو وي سيزوي" (إم كيه) الذي يتزعمه الرئيس السابق جاكوب زوما. وقد فاز حزب زوما بنحو 15% من الأصوات على المستوى الوطني، و45% من الأصوات في مقاطعة كوازولو ناتال، مسقط رأس زوما. وقد استبعد عضو في حزب (إم كيه)، الذي تتكون قيادته العليا من العديد من السياسيين من جذور حزب المؤتمر الوطني الأفريقي من بينهم زوما نفسه، التوصل إلى اتفاق مع الحزب الحاكم ما لم يقيل رامافوزا أولا.
اقتصاد جنوب أفريقيا يعتبر الأكثر تقدما في القارة (مواقع التواصل الاجتماعي)وقال محللون إنه بعد قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى أسوأ أداء انتخابي له على الإطلاق، سيواجه رامافوزا ضغوطا شديدة للتنحي. وقال مدير أفريقيا في معهد كامبريدج لقيادة الاستدامة ريتشارد كالاند "لقد فقدوا الأغلبية وخسروا بشدة. هذا يمثل هزيمة كبيرة للغاية". ولا يزال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي هو أكبر تشكيل سياسي في جنوب أفريقيا، ويكاد يكون من المستحيل تشكيل الحكومة المقبلة بدون الحزب، لذلك سيكون وضعه جيدا في المفاوضات. وقال كالاند "السؤال هو ما إذا كان رامافوزا سيقود تلك المفاوضات أم أنه سيستقيل أو يُطاح به على المدى القصير". وتتضخم هذه التساؤلات بفِعل الخيارات المحدودة التي يواجهها رامافوزا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في حين يحاولان تشكيل ائتلاف قادر على الحكم.
زوما ضد رامافوزا: تاريخ مريرإذا تعاون حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحزب (إم كيه)، فسيحصلان على أغلبية واضحة في البرلمان. ومن شأن دعم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن يساعد أيضا زوما على تجاوز منتصف الطريق في كوازولو ناتال، مما يمنح حزبه الذي تشكل أواخر العام الماضي، فرصة لتشكيل حكومة في الإقليم بعد أول انتخابات يخوضها. ومع ذلك، فإن القول أسهل من الفعل، وفقا للمحللين.
ويأتي تراجع دعم الناخبين لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي على خلفية تدهور البنية التحتية العامة، والتفاوتات الاجتماعية، وارتفاع معدلات الجريمة. كما تعاني جنوب أفريقيا من أعلى معدلات البطالة في العالم، حيث تبلغ 33%، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 45%. وأدى انقطاع التيار الكهربائي المستمر إلى عرقلة الاقتصاد. كما واجه رامافوزا وغيره من مسؤولي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فضائح فساد شخصية، حيث واجه الرئيس في وقت ما تصويتا بسحب الثقة، بسبب مزاعم سوء السلوك.
رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا (وكالة الأناضول)لذلك، فإن حصة التصويت لصالح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تراجعت بنسبة 17% عما كانت عليه في انتخابات 2019، عندما فاز بنسبة 57% من الأصوات، مقابل صعود حزب (إم كيه) الذي ينتمي إليه زوما. وعلى الرغم من أن زوما اختار شخصيا رامافوزا ليكون نائبا له عندما كان رئيسا آنذاك، فإنهما اختلفا منذ ذلك الحين. وتعود خلافاتهما إلى عام 2018 عندما أجبر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي زوما على الاستقالة من زعامة الحزب ورئاسة الدولة، بسبب فضائح فساد متعددة تورط فيها.
وتولى رامافوزا المنصبين وشكل لجنة تحقيق مع زوما لاتهامه بالفساد والهدر. وفي المقابل، وجه زوما، في تصريحاته العامة، انتقادات لا حصر لها للرئيس وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، دعم زوما حزب (إم كيه) المعارض الجديد بينما كان لا يزال يدعي أنه جزء من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، مما أدى إلى إيقافه عن العمل.
وتوقع المحللون حينها أن زوما يهدف إلى تحدي رامافوزا وهو ما ظهر في تقسيم أصوات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في انتخابات هذا الأسبوع، باستخدام قاعدة دعمه الموالية في كوازولو ناتال. وقال المحلل في معهد الحوار العالمي سانوشا نايدو "يتعلق الأمر بالأعمال غير المكتملة بين الاثنين كما قال الرئيس رامافوزا من قبل. ويشعر زوما أنه بحاجة إلى تبرئته من تهم الفساد، ويعتقد أن المؤسسات كانت ضده، ولذلك لا يرى أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي تحت قيادة رامافوزا منظمة شرعية وذات مصداقية".
ائتلاف صعبعلى الرغم من الانحدار الحاد في حظوظ المؤتمر الوطني الأفريقي، كان رامافوزا -حتى وقت قريب، على الأقل- الوجه الأكثر شعبية للحزب. وفي استطلاعات الرأي الداخلية للحزب التي أجريت في شهر مارس/آذار الماضي، وُجد أنه السياسي الأكثر شعبية بين قادة الأحزاب الرئيسية، كما أنه حصل على مرتبة أعلى حتى من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي نفسه. وقال محللون إن ذلك يجعل من الصعب على الحزب أن يجد بديلا عنه.
فقد كان رامافوزا زعيما نقابيا سابقا، وكان أحد المقربين من نيلسون مانديلا، ورجل أعمال ثري، وينسب إليه أنصاره الفضل في براغماتيته الثابتة، ولتلميع صورة جنوب أفريقيا على مستوى العالم كمقاتل للمستضعفين في بلدان "الجنوب العالمي". وقد تمت الإشادة بشكل خاص برئاسته لدعمها الفلسطينيين ورفع قضية إبادة جماعية تاريخية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على غزة. وفي هذا الشهر، أمرت هذه المحكمة إسرائيل بوقف هجومها العسكري على رفح في جنوب غزة، وهو المطلب الذي ينص عليه القانون الدولي والذي تجاهلته إسرائيل وواصلت هجماتها.
وقال محللون إنه بدلا من حزب (إم كيه)، فإن تقاسم السلطة مع التحالف الديمقراطي قد يوفر لكل من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وجنوب أفريقيا ائتلافا حاكما أكثر استقرارا، لكن ذلك لن يكون سهلا. واتهم منتقدو التحالف الديمقراطي بأنه يسعى لتحقيق مصالح الأقلية البيضاء في البلاد. وكان الحزب من أشد المنتقدين لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ورامافوزا.
وقبل الانتخابات، وعد التحالف الديمقراطي "بإنقاذ جنوب أفريقيا من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" وتعهد بعدم تشكيل حكومة ائتلافية معه أبدا، لكنه الآن لا يغلق أي خيارات. ويقول المحللون إن ائتلاف المؤتمر الوطني والتحالف الديمقراطي يمكن أن يكون الخيار الأفضل للبلاد في الوقت الحالي، حيث يوحد الأمة، ويعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأكثر تقدما في أفريقيا.
جنوب أفريقيا تعاني من ضعف الخدمات وتفشي الفقر (غيتي إيميجز)وقال إبراهيم فقير، المحلل في المعهد الانتخابي للديمقراطية المستدامة، "هناك اختلافات عميقة بين الاثنين، لكن هذه الخلافات ليست مستعصية على الحل. وبهذا، فإن لدى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فرصة أفضل لتحقيق الاستقرار وإعادة تأهيل المؤسسات الحكومية في المدى القصير". وأضاف فقير أن الخيار الآخر هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، حيث سيتم منح جميع الأحزاب التي تحصل على أكثر من 10% من الأصوات حقائب وزارية.
وأضاف فقير "هذا هو نوع الحكومة التي ترأسها نيلسون مانديلا بعد وصوله إلى السلطة لأول مرة في عام 1994. وفي كلتا الحالتين، ستكون هناك تحديات". وقال "إذا اتفق حزب المؤتمر الوطني الأفريقي مع التحالف الديمقراطي، أو على تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن الأحزاب المختلفة ستحاول تقويض الحكومة بسبب التنافس فيما بينها، لذلك فإن لكل منهما مخاطره".
وفي الوقت نفسه، كما قال نايدو من معهد الحوار العالمي يجب على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أن يأخذ في الاعتبار عاملا آخر في حسابات قيادته، وهو هل ستساعد إزالة رامافوزا من السلطة الحزب بالفعل على التعافي؟، وأضاف نايدو "حتى لو أُجبر رامافوزا على المغادرة أو شعر أنه بحاجة إلى المغادرة، فإن ذلك لا يحل مشكلة استقرار حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ولا يحل مشكلة البلاد. هذا هو المكان الذي نحتاج فيه إلى هذا المستوى من العقلانية والتفكير العملي في الحزب. إنها ليست متعلقة بما يحدث لرامافوزا، فإن الأمر يتعلق بالبلد والأسواق، والأهم من ذلك بحياة الناس".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات من حزب المؤتمر الوطنی الأفریقی التحالف الدیمقراطی جنوب أفریقیا تشکیل حکومة من الأصوات إم کیه
إقرأ أيضاً:
كيف تفوقت تركيا على مصر والولايات المتحدة في منطقة القرن الأفريقي؟
نشرت مجلة "ناشونال إنترست" تقريرًا يناقش الدور المتزايد لتركيا في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث نجحت وساطتها بين إثيوبيا والصومال في إنهاء صراع طويل بينهما، بينما يسلط النفوذ التركي المتزايد الضوء على ضعف تأثير كل من مصر الولايات المتحدة في المنطقة مؤخرًا.
وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن إنهاء تركيا للخصومة التي دامت قرابة عقد من الزمن بين إثيوبيا والصومال يعد تطورًا مرحبًا به من أجل الاستقرار الإقليمي، لكنه يعقد استراتيجية مصر الإقليمية، التي لا تزال منخرطة بفاعلية في هذا النزاع.
وقد أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق ووصفه بأنه "اتفاق تاريخي"، وينص الاتفاق على موافقة إثيوبيا والصومال على "ترك الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية وراء ظهورهما"؛ حيث يمنح الاتفاق إثيوبيا منفذًا بحريًا "موثوقًا وآمنًا ومستدامًا" تحت السيادة الصومالية، في إشارة ضمنية إلى أن أديس أبابا ستلغي اعترافها بدولة أرض الصومال.
وبلغت التوترات بن البلدين ذروتها في كانون الثاني/يناير الماضي عندما أفادت تقارير أن إثيوبيا غير الساحلية أبرمت صفقة مع أرض الصومال لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية مقابل الاعتراف بها، وقد اعتبرت الصومال الصفقة انتهاكًا لسيادتها. أما مصر، المتورطة في نزاعها الخاص مع إثيوبيا حول موارد مياه النيل، فقد دعمت الصومال كجزء من استراتيجيتها الأوسع نطاقًا للضغط على إثيوبيا.
وبحلول شهر آب/ أغسطس الماضي، أفادت التقارير أن مصر نشرت 10 آلاف جندي وأرسلت شحنتين من الأسلحة إلى مقديشو، وأعربت أديس أبابا عن قلقها من وصول القوات والأسلحة، قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الأمني في الصومال، وأن الأسلحة قد تقع في أيدي الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب.
وفي مقابلة مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أكد التزام القاهرة بأمن الصومال بعد استكمال إثيوبيا للمرحلة الخامسة من ملء سد النهضة الإثيوبي، كما كشف عبد العاطي عن أنه كرر اعتراضه على الإجراء الأحادي الجانب الذي اتخذته إثيوبيا في رسالة إلى مجلس الأمن القومي الموحد، وقد ردت أديس أبابا برسالتها الخاصة إلى مجلس الأمن الدولي، متهمةً مصر بتوجيه تهديدات متكررة باستخدام القوة. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أرسلت مصر شحنة أسلحة ثالثة إلى الصومال.
وأضافت المجلة أن العلاقات بين مصر وتركيا شهدت تقاربًا حذرًا في الوقت نفسه؛ حيث استقبل أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنقرة في أيلول/سبتمبر الماضي، في أول زيارة للسيسي إلى تركيا، وكانت العلاقات بين البلدين متوترة منذ سنة 2013 عندما أدان أردوغان الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي ضد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي.
وقد بدأت هذه الديناميكية في التحول سنة 2020 عندما أعاد أردوغان تقييم إستراتيجيته؛ فإصلاح العلاقات مع تركيا قد يساعد على تحييد التهديدات الإقليمية لمصر وتعزيز اقتصادها المتعثر، وبالنسبة لأردوغان، توفر إعادة بناء العلاقات مع القاهرة فرصة لإعادة تأكيد دور تركيا الإقليمي، والسعي إلى الاندماج في منتدى غاز شرق المتوسط.
ومن خلال وساطته مع الصومال وإثيوبيا، وجّه أردوغان ضربة للنفوذ المصري في المنطقة، مما يضطر مصر إلى إعادة تقييم إستراتيجيتها، وبينما قد يوفر دفء العلاقات بين القاهرة وأنقرة بعض البدائل، إلا أن نجاح تركيا في هذه الحالة يؤكد قدرتها على التفوق على مصر على الساحة الإقليمية.
إن هذه الصفقة تُظهر تنامي نفوذ أنقرة على الساحة العالمية؛ فقد أوضح أردوغان أنه يرغب في توسيع بصمة تركيا في أفريقيا وخارجها، حتى في مناطق النفوذ الأمريكي التقليدي، في تذكير بأن تركيا تتحدى بنشاط ديناميكيات القوى التقليدية، وغالبًا ما يكون ذلك على حساب الولايات المتحدة وحلفائها.
وهذه ليست الحالة الوحيدة التي تهيمن فيها تركيا على العناوين الرئيسية، فقد أصبحت تركيا أكثر قوة في الشرق الأوسط الأوسع، وخاصة في سوريا؛ حيث دعمت انتفاضة الثوار الأخيرة التي أسقطت نظام الأسد وفاجأت العالم بأسره، وأظهرت عجز روسيا وإيران عن دعم حليفهما، مما يشير إلى اهتمام تركيا بتأكيد إرادتها في جميع المجالات التي تبدو فيها واشنطن غائبة أو مشتتة للغاية بسبب العملية الانتقالية بين إدارتي بايدن وترامب.
وقالت المجلة إن المناورة التركية يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة، فبينما يتم تهميش منطقة القرن الأفريقي في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن المنطقة تبقى ذات أهمية إستراتيجية لمواجهة عدم الاستقرار، وكبح التطرف، وتأمين الطرق البحرية الرئيسية في القارة الأسرع نموًا في العالم.
وبدون وجود إقليمي؛ تخاطر واشنطن بالتنازل عن نفوذها لقوى أخرى، ويمكن للوساطة الفعالة في النزاع على النيل بين مصر وإثيوبيا أن تعيد المصداقية الأمريكية وتحقق الاستقرار في القرن الأفريقي، وقد يؤدي الفشل في القيام بذلك إلى تعميق التصدعات بين حلفاء الولايات المتحدة، وإضعاف نفوذها في مشهد عالمي يزداد تنافسية ومنح أنقرة فرصة أخرى لتعزيز مكانتها.