حفل تأبين للباحث والأديب الراحل الدكتور محمد قجة في حلب
تاريخ النشر: 2nd, June 2024 GMT
حلب-سانا
بمناسبة مرور أربعين يوما على رحيل الباحث والأديب محمد قجة أقامت وزارة الثقافة وعائلة الراحل اليوم حفلاً تأبينياً على خشبة مسرح نقابة الفنانين في مدينة حلب تضمن مواد فلمية وكلمات عن مسيرة الباحث على مدى عقود.
ونوهت وزيرة الثقافة الدكتورة لبانة مشوّح في كلمتها بخصوصية الدكتور محمد قجة من حيث عمق ثقافته وغزارة إنتاجه، الذي جعل من عمق سورية الحضاري وعراقة تاريخها وغنى تراثها وفصاحة لسانها العربي وتأصّلها العروبيّ، محورَ حياته، ووهبها جلّ عنايته.
وأضافت الوزيرة مشوح إنّ الأديب الراحل أدرك أهمية حفظ التراث العربي الأدبي والتاريخي والموسيقي، وتدوين ألوان من الحياة الاجتماعية والشعبية في مدينة حلب، لإيمانه أولاً بعظمة هذا التراث، وليقينه بأن حفظه وتدوينه وأرشفته يخدم الهوية الوطنية، ويحفظها للأجيال القادمة.
ولفتت إلى تفرد قجة كمثقف تواق لمزيد من المعرفة، وكباحث وكاتب أدى دوراً كبيراً تجاه مجتمعه وهويته الوطنية والأجيال القادمة.
بدوره قال رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني إن الأديب الراحل شخصية موسوعية ومرجع للأجيال وقد لخص في آخر مؤلفاته ركائز شخصيته الإنسانية والعلمية والأدبية فتناول التراث والتوثيق للأوابد والوفاء لأهله وبلده.
وفي كلمة أسرة الراحل تحدث الدكتور حسن قجة عن جوانب حياة والده كأب ومعلم جمعهما مشوار طويل من البحث والإنتاج الفكري ما أثمر مؤلفات تكرّس القيم الإنسانية وفي مقدمتها الحوار واحترام الآخر.
ولفت المهندس خير الدين الرفاعي في كلمته إلى البصمة الفريدة التي تركها الراحل في تاريخ جمعية العاديات الممتد لقرن من الزمن، فعمل على تعزيز دورها وتوسيع فروعها في المحافظات السورية.
كما ألقى كلمة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب الدكتور جميل جمول، وكلمة طلبة الراحل ألقاها الأديب محمد أبو معتوق، وكلمة وفاء ألقاها معن صلاح الدين علي، وكلمة المؤسسات الثقافية الأهلية ألقاها محمد الموسى وكلمة اصدقاء الراحل ألقاها الروائي نبيل سليمان.
وسلطت الكلمات الضوء على مشوار الأديب الراحل في الأدب والإبداع ودوره المهم في التاريخ والتراث ومساعيه الكبيرة بمختلف الفترات، لاسيما في اختيار حلب عاصمة للثقافة الإسلامية.
يذكر أن الباحث والأديب الراحل محمد قجة من مواليد مدينة حلب عام 1939 وتخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة دمشق باختصاص اللغة العربية وآدابها وحصل على الدراسات العليا من الجزائر باختصاص تاريخ الأندلس وشغل منصب الأمين العام لاحتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية ونال جائزة الدولة التقديرية في مجال النقد والدراسات والترجمة عام 2016 وهو رئيس مجلس إدارة جمعية العاديات منذ 1994.
وفي رصيد الراحل أكثر من 800 بحث و57 كتاباً ما بين التأليف الفردي والمشاركة والإشراف على التأليف، بالإضافة إلى النصوص المسرحية والدواوين ومراجعات في الترجمة.
حضر حفل التأبين محافظ حلب حسين دياب وأمين فرع حلب لحزب البعث العربي الاشتراكي أحمد منصور ولفيف من رجال الدين الإسلامي والمسيحي وحشد من الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية وأسرة الراحل.
أوهانيس شهريان
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الأدیب الراحل محمد قجة
إقرأ أيضاً:
نزع الإنسانية عن أهالي غزة
تموج الحروب بقصص وحكايات يشيب لهولها الولدان، وكلما طال أمد الحرب كثرت الحكايات وتعددت المآسي. وهي كلها قصص من البؤس تدعو للتعاطف عند ذوي الفطرة السوية وليس من أفسدت العنصرية والمال فطرتهم. وحرب غزة الحالية ليست استثناء، فهناك عملية نزع أنسنة ممنهجة مستمرة على مستويات مختلفة، لا ترى في البشر الذين يعيشون في هذه البقعة كائنات من لحم ودم ومشاعر.
لا شك أن ما يمر به الفلسطينيون من سكان قطاع غزة يفوق في هوله أي هول آخر، وأن صمودهم الجماعي يفوق أي صمود آخر، لكنهم في النهاية بشر وليسوا مادة في صفقات تجارية كما يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يصورهم، وليسوا أيضا حيوانات بشرية على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي.
تصف الموسوعة البريطانية مصطلح نزع الأنسنة (Dehumanization) بعملية تجريد للبشر من صفاتهم الإنسانية كمبرر لمعاملتهم معاملة غير آدمية، مثل ممارسة التعذيب ضدهم. فالإنسان السوي الطبيعي لا يقبل أن يقتل إنسانا من دون وجه حق ولا حتى أن يمنعه الطعام.
كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين
والإنسانية وفق هذا المفهوم هي مقابل الهمجية وفق رؤية المفكر الفلسطيني الأمريكي الدكتور إدوارد سعيد، والتي بلورها في آخر مقال لها قبل رحيله في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية عام 2003. وهي ليست الأنسنة بمعنى التمركز حول الذات، وهو المفهوم الذي ينتقده المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري. وللمفارقة فإن آخر مقال للمسيري قبل رحيله كان بعنوان "الإنسان والشيء"، ينتقد فيه ما يصفه تشييء الإنسان أي جعل الإنسان مادة استهلاكية واستعمالية بالنظر إلى الجانب المادي فيه حصرا دون الجانب الروحي.
إن كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين.
وليس أدل على هذه النظرة من مقترح الرئيس الأمريكي لإيجاد مساكن لأهالي غزة خارجها والاستفادة من الموقع الجغرافي في مشاريع استثمارية. الأمر هنا لم يعد متعلقا بأمن إسرائيل بقدر ما هو بالعودة للنظرة الغربية الاستعمارية في جهورها للعالم العربي والإسلامي. وهي تجسيد سياسي حي وواضح لمقولة كارل ماركس التي افتتح فيها إدوارد سعيد كتابه الاستشراق: "إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، لا بد وأن يمثلهم أحد"، وذلك في معرض حديثه عن الشرق والشرقيين.ظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم وبالتالي فإن كل نقاش سياسي واقتصادي للأوضاع في غزة على هذه الأرضية التي تنزع عن الأهالي صفاتهم الإنسانية هو أمر غير منطقي وغير عقلاني؛ لأنه مبني بالأساس على كون هؤلاء البشر أقل من غيرهم وليست لهم الصفات الإنسانية التي تجعلهم جديرين بالحياة.
ومن هنا نفهم منطلقات التضامن العالمي لبعض الحركات الشعبية والأفراد مع القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية غزة بشكل خاص؛ أنها منطلقات من الضمير الإنساني البسيط في نسخته غير الملوثة بجشع المال والعنصرية. وهي تتعامل مع أهالي غزة كبشر لهم الحق في الحصول على مقوماتها الأساسية قبل الحديث عن أية قضايا سياسية أو عسكرية أخرى.
وهذه النظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم. وقدر أهل غزة الكرام أن يكونوا رأس حربة في مواجهة الوجهة الوحشي العسكري لهذا الإجرام.
x.com/HanyBeshr