#الصراعات القائمة بين #البشر على مر #التاريخ #صراعات #سياسية وتوسعية باسم الدين

بقلم : المهندس محمود ” محمد خير” عبيد
اذا ما تتبعنا تاريخ الصراعات البشرية و الإنسانية على مر التاريخ نجد ان هذه الصراعات في جلها صراعات قائمة باسم الدين في الظاهر و لكن في باطنها نجد ان أسبابها صراعات سياسية و توسعية من اجل الانقضاض على موارد المناطق التي يتطلع الطامعين الى احتلالها و التمتع بثرواتها او الاستفادة من حضارتها و استثمار مواردها البشرية و المعرفة و العلم الذي يتمتعون به أبناء هذه المناطق فالصراعات و الحروب و الفتوحات و التوسعات لم يكن لها في يوم علاقة بالدين لا من قريب او بعيد, فالله ارسل الرسل و الأنبياء من اجل الأيمان به وحده كخالق لهذا الكون و من عليه و من اجل تدعيم أواصر المحبة و السلام و التسامح في هذا الكون و قبول كل انسان للأخر بأيمانه و معتقداته, فالرسل بعثت و الكتب انزلت و الأديان اتبعت من اجل تصحيح مسار البشر في كل مرحلة من مراحل الحياة على هذه الأرض, فكافة الأديان هدفها واحد و هو عبادة الله و الأيمان به و توجيه بني البشر الى حياة المحبة و التسامح.

نحن لم نكن في يوم في موقع يمكننا ان نعمل على تكفير احد او ننكر على احد طريقة ايمانه و عبوديته لله عز و جل لأن ليس هناك على الأرض من احد صاحب ولاية او لديه توكيل من الله ان يكفر احد او ينكر على احد طريقة عبادته و دينه او يدخل هذا الجنة و يدخل ذاك النار, فمن يكفر بدين او ملة او مذهب او عقيدة ارسلها الله الى خلقه فقد انكر على الله قدرته على الكمال في اصطفاء الرسل او بعث الكتب السماوية. معاذ الله ان يكون هناك دين افضل من دين او رسول افضل من رسول فرب العالمين منذ ان خلق البشر و اوجد الخليقة على هذه الأرض و هو العالم بغيب الأمور يعلم كيف سيهذب خلقه و يعلمهم و يهديهم و يعلمهم و هو العالم ان من خلقهم من البشر في كل فترة يحتاجون الى عملية تصحيح لمسارهم و الارتقاء بأيمانهم و يضعهم على الطريق الصواب و يهديهم الى طريق الخير و المحبة و السلام و الى الأيمان بوحدانيته و بربوبيته, فمن ارسل الزبور و صحف ابراهيم والتوراة و الآنجيل و القران و من جاء بابراهيم و موسى و عيسى و محمد و إخوانهم من الأنبياء عليهم السلام هو الله عز وجل فالمصدر واحد فكيف لنا ان نكفر او نتجاهل احدهم او ننكر أي من اتباعهم و هم من خلقهم و اوجدهم على هذه الأرض و خلقنا هو الله خالقهم و خالقنا و موجدنا و موجدهم. انما كل نبي و رسول منهم جاء في مرحلة من مراحل هذه الدنيا لأعادة الأمور و العلاقة بين الخالق و عباده الى نصابها و من اجل العمل على تصحيح المسار الإيماني, فما نادى به موسى هو ما دعا اليه عيسى و جاء به محمد عليهم السلام. فعلى ماذا نختلف و نعمل على تكفير بعضنا بعضا” و نتعصب الى دين و عقيدة و مذهب و رسول اذا ما كان الهدف واحد والآديان جميعها اديان الله و الشريعة شريعة الله و رب الأديان و باعثها واحد لا اله الا هو. ماذا لو كان الله عز و جل ارسل رسول واحد و دين واحد على مر الأزمان و العصور على هذه الأرض، هل كان بني البشر سيجدون ما يتصارعون و يتعصبون و يتنازعون و يختلفون من اجله و هل كانوا سيعملون على التصارع دينيا” و مذهبيا” او سينتصرون لدين او مذهب او عقيدة على حساب دين اخر, ام كنا سوف نجد سبب اخر من اجل الأختلاف و الصراع. ام صراعنا و اختلافنا ما هو الا عبارة عن مسميات او عصبية او تدين دنيوي زائف لا يغني و لا يسمن من جوع و نحن ليس لدينا الوصاية على اي من خلقه ان نكفره او نحاسبه، ام هو اتباع لأصحاب الهوى من رجال الدين المنافقين من مسيلمات هذا العصر و العصور السابقة و دجاليها. ان الاختلاف دائما” وابدا” كان وما زال خلاف سياسي يتم توظيف الدين من اجل تأجيجه و لم يكن له في يوم أي علاقة لا من قريب او بعيد باي دين او مذهب او عقيدة و خدمة لأصحاب السلطة، هو صراع على السلطة و التوسع سياسيا” و جغرافيا” باسم الدين منذ ان خلق الله البشرية منذ ان قتل هابيل اخاه قابيل. فرجال السلطة لا يريدون من هو اعلى منهم سلطة حتى لو كانوا رسل الله و انبيائه، فبني اسرائيل مثلوا بعيسى عليه السلام خوفا” على السلطة و قريش لم تؤمن بمحمد خوفا” على السلطة ، لذلك نجد الساسة و كبار القوم هم من حاربوا الأديان و انتصروا لسلطتهم و هم مؤمنين برسالة الرسل و لكن ابت انفسهم ان تؤمن بما جاؤوا به. فها هم القرشيين من كفروا في رسالة محمد في بداية دعوته هم نفسهم من توسعوا باسم الدين جغرافيا” و نقلوا حكمهم من الجزيرة العربية الى بلاد الشام و قاموا باستثمار مسمى التوسع الديني و نشر الأسلام من خلال إقامة دولتهم الأموية في بلاد الشام للاستفادة من حضارة شعبها و ارثه التاريخي و حضارته و التوسع الجغرافي و السياسي و هو ما كان ليحصل لولا لم يجيروا هذا التوسع باسم الدين و من ثم اتى توسع العباسيين و اقاموا دولتهم في العراق. فمن يعمل الى تجيير الخلافات بين الشعوب الى خلافات دينية فليعمل على تصحيح معلوماته فالسلطة و التوسع الجغرافي و السياسي كان و ما زال و سيبقى من اهم اسباب الحروب والدمار على هذه الأرض, فالجميع يتصارع على السلطة , ارضاءا” لغروره و شهواته و نزعاته فالحروب الصليبية قامت باسم الدين و الأحتلال الصهيوني لأرض فلسطين باسم الدين و النزاعات الأهلية في معظم البلدان تتم باسم الدين و الله بريء من كل من يهدر دم انسان باسم الدين و هو القائل في محكم كتابه ” لكم دينكم و لي دين” و هاهم رجال السلطة يحيطون انفسهم بزبانية هذه الأرض من علماء النفاق و الدجل الذين يكذبون باسم خالقهم و انبيائه معتقدين انهم متحصنين بدجلهم و كذبهم و نفاقهم و متسلحين برجال الدين مسيلمات هذا العصر و دجاليها حتى يشدوا من ازرهم و يلبوا مصالحهم و يقدموا لهم الفتاوى الدنيوية من اجل سلطة و حياة و جاه زائلين شادين الركاب الى مقعدهم في جهنم و بئس المصير فكل من فسد على شعبه و امته و خان الآمانة و نهب و سرق و نهب خيرات البشر التي انعم الله بها على خلقه فلينتظر عقاب رب الخلق العادل مهما كان مركزه و سلطانه على الأرض و مهما علا شانه فتحت عرش رب العزة و ايمانا” بعدل رب العزة و وعده سوف يكون جناح السلاطين و القادة مليئا” بكل من خان الأمانة و قتل الروح الأنسانية ,من اجل الفوز بسلطان او رقعة ارض إضافية يضمها لسلطانه, التي اوكله بها الله و شنع في خلقه و جوعهم من اجل ان يعيش هو و حاشيته و من اجل ان يرتفع و يعلوا بسلطانه, فالعدل قادم لا محالة يا من اتخذتم المنافقين اتباعا” لكم من اجل ان يوجهوكم الى حساب عسير من الله. نحن لن نحاسبكم على الأرض سوف نترك الحساب لرب الناس عندما تسقط اوراقكم و تنكشف عوراتكم امام الخلق اجمعين فارونا ماذا سينفعكم منافقوكم و رجال علمكم و دينكم و زبانيتكم.
ان الكنيس بيت الله و الكنيسة بيت الله و المسجد بيت الله و كل له حرمته مهما اختلفت المسميات و كل منا له طريقته في عبادة رب العزة كما وصلت اليه من اباءه و اجداده فما يضمن لي ان اتباع موسى او اتباع عيسى او اتباع محمد طريقتهم الصحيحة بعد 3500 عام و 2020 عام و 1440 عام، ما يسوقني الى اي طريقة هي فطرتي التي فطرني الله عليها و ايماني بوحدانية الله الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا احد و جميع الطرق التي تقربني الى الله اؤمن بها و هي جزء من التركيب الروحاني و العقلاني لأي دين او اي رسالة . متى ستنار عقولنا بالمعرفة و المحبة و السلام و التسامح و قبول الأخر بغض النظر عن مسمى دينه او الرسول الذي نؤمن به او المكان الذي نعبد الله فيه فجميع الأنبياء و الرسل اصطفاهم الله ليكونوا رسله للبشرية و لم يصطفيهم او يزكيهم من اجل ان نعبدهم او نبجلهم او نزكيهم على الله حتى اصبحنا ننتظر شفاعتهم لنا قبل ان نسال شفاعة و رضا رب العزة و اوصلناهم الى مرحلة الالوهية بعاداتنا و تقاليدنا و هذا ليس محصور بدين او مذهب او عقيدة او شرع فجميع اتباع الديانات اوصلوا رسلهم الى هذه المرحلة كل بطريقته, كما لو عدنا الى الجاهلية مرة اخرى و لكن جاهليتنا ان وضعنا الرسل هم الواسطة بيننا و بين من خلقنا هو الذي لا يحتاج الى واسطة للتواصل معه سوى دعوة من قلب مؤمن بوحدانيته و بقدرته على الإجابة و صلاة مخلصة مجردة من أي شوائب. كفانا تعصبا” لأفكار بالية مدمرة تزيدنا فرقة و تشرذما” من اجل سلطة زائلة او دعما” لأهداف اناس لن يزيدونا الا تعصبا” و كراهية و لنعود الى فطرتنا التي فطرنا الله عليها فعندما خلقنا الله خلقنا انقياء اتقياء و اخرجنا من ارحام امهاتنا لنعود الى الأيمان بالله الواحد و العمل على نشر تعاليمه التي بعث بها رسله جميعا” و لا نزكي رسول على رسول او نبي على نبي والتي ارادها لنا المبنية على المحبة و العدل و السلام فلنامن اننا هنا على هذه الأرض في رحلة ستنتهي في اي وقت و سوف نغادر قطار الدنيا لننتقل الى الدنيا الأبدية التي سوف نكون بها جميعا” تحت عرش الرحمن صاحب السلطة الوحيدة و الأبدية الذي لا اله الا هو و الذي سنعبده بغض النظر عن ديننا و رسلنا و مذهبنا و عرقنا و مبادئنا و حاكمنا على الأرض. الرسل جمعاء و الأنبياء بعثت من اجل إيصال الانسان الى الكمال و السعادة الأبدية و للدعوة الى المحبة و السلام و العدل و التسامح و قبول الأخر، هذا هو الهدف الذي خلق الله تعالى من أجله الإنسان، فان حكمة الباري تعالى اقتضت بخلق الظروف المناسبة لوصول الإنسان إلى الكمال اذا ما استخدم عقله و فطرته بالشكل الصحيح، بل إلى ذروته و قمة انسانيته و عطاءه.
ان الهدف من إرسال الرسل وبعث الأنبياء والكتب هو إقامة العدل الإلهي على الأرض. يقول تعالى في الآية 25 من سورة الحديد :
“لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز”
أن الهدف الذي من أجله أرسل الله الرسل جميعا هو تحقيق العدل الإلهي (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) من هذا المنطلق نجد ان البشرية جمعاء بغض النظر عن الدين او الرسول او المذهب او العقيدة ودون استثناء لابد أن يكون لها دور كبير في قيام دولة العدل الإلهي على الأرض، حيث ان نهضة الأرض ومن عليها من بشر لن تنهض ولن تنتفض على قهر السلطة وقمعها وتجبرها التي شاعت في الأرض فسادا” منذ ان خلق الله الأرض ومن عليها الا بنبذ الفرقة والعنصرية والتعصب الديني والمذهبي والعرقي. أن العدل الإلهي لا بد أنه سيتحقق على الأرض ان اجلا” ام لاحقا” لأن عشق العدل وتحقيقه من الفطرة بل هو لفظ جامع لكل أنواع الخير ولذلك كان هو الهدف من بعثة الرسل جميعا
أن الله عز وجل أرسل الرسل لقيادة الأمم وأنزل معهم المنهج الكامل من خلال الكتب التي انزلها على رسله” التوراة، الأنجيل والقران” والميزان. فلنترك الوصاية والحكم على البشر وتكفيرهم وانكار افعالهم لرب البشر فمن لم يعطي الوصاية لرسله على البشر وانبيائه لن يعطيها لعامة البشر من اجل ان يكفروا ويتحكموا بالناس بتكفيرهم فاذا ما كان البعض كافرين باعينكم فأنتم كافرين باعينهم و ربما يكونوا خير البشر باعين رب البشر. كل له مقياسه و اذا ما اردتم اصلاح الكون اصلحو انفسكم اولا و عقولكم البالية و موروثكم الهريء, قوموه بالوحدة و التكافل و المحبة و التسامح مع كافة الآديان و العقائد و المذاهب توحدوا على الآيمان بوحدانية الخالق و ربوبيته و احترام كافة الرسل و الديانات و المذاهب و لندع الخلق للخالق و كفاكم هرولة خلف زبانية العصور من و رجال الدين المنافقين الذين يدعون للفرقة و العصبية و النفاق باسم الله و الله بريء منهم و هم من يدعون الى الكره و لتنتصر فطرتنا البريئة النظيفة النقية التي خلقنا الله عليها و شكلنا على المحبة و التسامح و السلام قبل ان تشكلنا مجتمعاتنا و محيطنا بالشكل الذي يضمن لهم ديمومتهم من خلال محاربة الأخر و كرهه لدينه او عرقه او عقيدته او جنسه. لست صاحب ولاية وليس لي ان احكم على الناس ولكن لو كانت لي الولاية لجعلت وقود جهنم رجال الدين و زبانيتها على مر العصور الذين افسدوا الأرض و اهدروا دماء البشر باسم الله و الله بريء منهم و من افعالهم و فرقوا البشرية بفتاويهم و بث روح الفرقة و اهدار دم بني البشر لمن خالفهم في دينهم او مذهبهم او عقيدتهم انتصارا” لنزعاتهم الشخصية و سلطانهم. عافانا الله وعافاكم من زبانية الأرض من رجال دين ينكرون السلام على هذه الأرض و المحبة و ينكرون رسالات رب العالمين و يزكون الأنبياء و الرسل على خالقهم. فلنتفكر ايها المتفكرون و لنستيقظ من غفوتنا كفاكم تأليها لرجال دينكم الذين ما هم الا شرذمة من المنافقين، المخادعين و لتعملوا على اتباع فطرتكم التي فطركم الله عليها و استخدام عقولكم التي انعم الله بها عليكم، انتصروا لله و لخلقه جميعا” قبل ان تنتصروا لدين او مذهب او عقيدة او رسول او نبي او شيخ او من يسمون بعلماء الدين( رجال علم) او رجل دين او فكر. نريد لهذه الأرض السلام و المحبة و التسامح و قبول الأخر و احترامه. ولنتذكر تبدأ الحياة عندما نزيح الأنا الخاصة بنا و نفسح المجال لمحبة الأخرين.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: البشر التاريخ صراعات سياسية المحبة و السلام على هذه الأرض باسم الدین على السلطة رجال الدین الله علیها على الأرض من اجل ان منذ ان ما کان على مر

إقرأ أيضاً:

أزمة ممتدة: جنوب السودان بين صراعات السلطة والعنف العرقي

د. أماني الطويل
مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

يشكل اعتقال رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان ووزراء ومسئولين آخرين خلال الأسابيع الماضية اختراقاً لاتفاق سلام هش تم توقيعه عام 2018 بعد حرب أهلية في جنوب السودان بين الرئيس سلفا كير ونائبه، امتدت لخمس سنوات ونشطت خلالها الصراعات القبلية والعرقية التاريخية في جنوب السودان وكانت نتائجها المباشرة مقتل نحو نصف مليون ونزوح مليونى شخص من مجتمعاتهم المحلية.

تصاعد التوتر بين طرفى السلطة في جنوب السودان شهد تطوراً في 4 مارس 2025، حيث استولت مليشيا النوير (الجيش الأبيض) المرتبطة بنائب الرئيس رياك مشار، على قاعدة عسكرية في منطقة الناصر تابعة لجيش جنوب السودان، وهي بلدة رئيسية على الحدود بين جنوب السودان وإثيوبيا، بعد أن اتهم مشار الجيش، بقيادة الرئيس سلفا كير، بشن هجمات على قواته في مقاطعة أولانغ في 25 فبراير الماضي، إضافة لأكثر من هجوم على الموالين له في منطقتين أخريين في غرب البلاد.

وقد اعتقل الرئيس كير العديد من كبار حلفاء مشار رداً على التطورات التي شهدتها الناصر، وتم اتهام نائب الرئيس مؤخراً على لسان المتحدث الرسمي لحكومة جنوب السودان بالتواصل مع "الجيش الأبيض" وتحريضه على التمرد على السلطة الشرعية، وذلك بالتوازي مع ما تشهده البلاد من أعمال عنف مروعة على المستوى المحلي، لا علاقة لها بالتنافس على السلطة بين كير ومشار، ولكنها مرتبطة بالصراعات القبلية التقليدية، وذلك بسبب التعددية في التجمعات العرقية الرئيسية ومنها النيلوتك والدينكا والنوير والتوبوسا واللاتوكا والزاندي والشلك. وكل واحدة من هذه التجمعات الثقافية المكتفية ذاتياً والمنعزلة لها لغتها الخاصة ومعتقداتها الدينية المختلفة. وليس معنى هذا أن العناصر الأفروعربية أو الإسلامية واللغة العربية غائبة تماماً في جنوب السودان، خصوصاً على المستوى اللغوي للعامة وغير المتعلمين فيما يسمى عربي جوبا.

جذور الأزمة
تذهب غالبية الأدبيات السياسية إلى وجود جذور تاريخية للصراع الراهن مرتبطة بشعور القبائل غير الرئيسية في جنوب السودان بالتهميش في التمثيل السياسي لصالح قبيلة الدينكا كبرى قبائل جنوب السودان، الأمر الذي دفع الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري إلى تقسيم جنوب السودان إلى ثلاث ولايات. هذا التقسيم ساهم في تجذير الشعور بالتهميش الداخلي في جنوب السودان بعد انهيار اتفاقية أديس أبابا التي أبرمت عام 1972 بين شمال وجنوب السودان وعودة قبيلة الدينكا- أكبر القبائل جنوب السودان- إلى ممارسة هيمنتها، على أن التحالف القبلي والعرقي الذي أنجزه جون جارانج في إطار الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تبلورت عام 1983ضد الحكومة المركزية في الخرطوم قد ساهم على نحو ما في صياغة تقارب قبلي على خلفية وحدة الهدف، ولكن هذا التحالف لم يستمر طويلاً، إذ انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1991 بين جون جارانج المنتمي إلى قبيلة الدينكا ورياك مشار المنتمي إلى قبيلة النوير، وهو ما أبرز الصراع القبلي من جديد في جنوب السودان، حيث اتخذ العنف الاجتماعي منذ هذا التاريخ أبعاداً قبلية وعرقية.

عوامل تطور الصراع
ساهمت حرب السودان التي اندلعت في أبريل 2023 في تصاعد حدة التوتر في جنوب السودان، حيث فرضت ضغوطاً متزايدة على حكومة الرئيس سلفا كير لسببين: الأول، خسارة ثلثى الإيرادات الحكومية بعد انفجار خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي قرب العاصمة السودانية الخرطوم وسط القتال عام 2024. وقد أعاق الصراع العسكري إصلاح الأنبوب، الأمر الذي ساهم في اندلاع أزمة مالية مستحكمة.

والثاني، حالة التوازن الحرج المطلوبة من الرئيس سلفا كير إزاء كل من رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي) للحفاظ على علاقاته مع كليهما، إذ أن أنبوب النفط ينتهي في بورتسودان حيث الإقامة المؤقتة لحكومة السودان، بينما كانت تسيطر قوات الدعم السريع على بعض مناطق مرور الأنبوب، وهو ما فرض على كير التفاعل مع حميدتي لفترة مؤقتة، حيث أن قوات الدعم السريع سمحت عمداً بتدمير خط الأنابيب، نظراً لأن رسوم العبور كانت تذهب إلى منافسيها في بورتسودان، مما أجبر كير على إجراء مفاوضات عالية المخاطر مع قوات الدعم السريع لاستئناف تدفق النفط.

على صعيد موازٍ، تبرز تحديات قادمة من جنوب السودان للجيش السوداني في شمال السودان. إذ أن التحالف بين حميدتي وعبد العزيز الحلو - الذي يسيطر على مناطق جبال النوبة في جنوب كردفان - يسمح بامتداد الفاعلية العسكرية من دافور في غرب السودان إلى جنوب السودان وصولاً إلى مناطق أعالي النيل في جنوب السودان، حيث تعد الأعمال العدائية في أعالي النيل أول امتداد كبير للعنف من حرب السودان إلى جنوب السودان. وإذا كان التحالف يشكل ضغطاً سياسياً وعسكرياً على كل من كير والبرهان، فإنه يوفر فرصة لرياك مشار المتمرد على الرئيس كير لدعم قدراته العسكرية وأوراق ضغطه السياسي.

أما على المستوى السياسي، فإن الرئيس سلفا كير قد أقصى شركاءه في الحكومة الانتقالية التي تم تأسيسها عبر اتفاقية السلام المنشط عام 2018، وهى الحكومة التي تأخرت في إعلانها لعدة شهور عن الجدول الزمني المتضمن في اتفاق السلام، كما أقال الرئيس كير منذ عام 2020 وزيرة الدفاع من منصبها (زوجة رياك مشار)، وأقال أيضاً حاكم البنك المركزي، ومؤخراً أقال وزير النفط كانج شول، ونائب قائد الجيش جابرييل دوب لام، بينما وضع مسئولين عسكريين كبار متحالفين مع نائبه مشار رهن الإقامة الجبرية، وتم اعتقال الوزير المسئول عن جهود إحلال السلام في جنوب السودان ستيفن بار كول، لفترة محدودة، وهو من السياسيين المشاركين في مفاوضات اتفاق السلام عام 2018.

صحيح أن الحكومة التزمت بإجراء المسح السكاني عام 2022 المؤسس للإجراءات السياسية المتضمنة في اتفاقية السلام المنشط، فضلاً عن شروط التنمية المتوازنة، ولكنها تجاهلت التشاور مع الأحزاب بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية، ولم يتم وضع دستور دائم للبلاد، كما لم يتم وضع التشريعات اللازمة لتشكيل المحاكم المختلطة، حيث تقع مسئولية إنشاء المحكمة المختلطة على عاتق مفوضية الاتحاد الإفريقي، ونظراً لمعارضة الحكومة المستمرة، فقد ترددت المفوضية في إنشاء المحكمة المختلطة من جانب واحد. وفي الوقت نفسه، تم عرقلة إنشاء هيئة تسوية النزاعات.

وفي عام 2024، ونظراً لتصاعد مؤشرات التوتر السياسي والقبلي وأيضاً الأمني، تم نشر قوات حفظ سلام إضافية وقوات عاجلة في النقاط الساخنة في جنوب السودان التي عانت من خطف للمدنيين، ونزوح نتيجة التغير المناخي والمجاعات.

وهكذا تبلورت عوامل التوتر السياسي، الأمر الذي أسفر عن تأجيل الانتخابات الرئاسية أكثر من مرة لتكون سنوات حكم سلفا كير ١٤ عاماً متصلة، حيث من المقرر أن يتم إجرائها نهاية عام 2026.

تطويق الصراع
التفاعلات المرتبطة بحرب السودان من المنتظر أن تدفع الجيش السوداني إلى تأمين منطقة أعالي النيل في جنوب السودان، عبر قطع الطريق على ممر يوفره التحالف بين قطاع الشمال في حركة تحرير السودان في جبال النوبة وبين قوات الدعم السريع، وهو الممر الذي يتيح لها منطقة عمليات آمنة تمتد من دارفور غرباً عبر جنوب كردفان جنوباً عبر أعالي النيل في جنوب السودان إلى ولاية النيل الأزرق السودانية وإثيوبيا شرقاً.

هذه الأوضاع الميدانية قد تفرض تفاعلاً بين الجيش السوداني وقبائل النوير المتواجدة في هذه المناطق بينما هم أعداء لحليف الفريق البرهان، سلفا كير الذي يدعمه حالياً الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني بقوات موجودة بجنوب السودان شنت قصفاً ضد "الجيش الأبيض" أكثر من مرة.

وتكمن المخاطر الحقيقية في اندلاع قتال في مدنية ملكال عاصمة ولاية أعالي النيل، نظراً لكونها مدينة متعددة الأعراق، وقد تؤدي أعمال العنف فيها إلى نتائج مرعبة على الصعيد الإنساني، خصوصاً وأن مقتل الجنرال ماجور داك قائد منطقة الناصر العسكرية على يد النوير رغم جهود الأمم المتحدة لإنقاذه عبر محاولة إخلاء جوي، ساهم في تصعيد التوتر السياسي والعسكري بين كير ومشار وبالتالي اتخاذ قرار اعتقاله، فضلاً عن احتجاز الرئيس كير حالياً قادة عسكريين مرموقين تابعين لمشار.

وطبقاً لتوقعات الخبراء، فإن تطويق سيناريو اندلاع صراع مسلح في جنوب السودان مطلوب من الاتحاد الإفريقي، فضلاً أنه مطلوب من القاهرة الانتباه لاندلاع هذا الصراع، ومحاولة تطويقه عبر الجهود الدبلوماسية المباشرة بالتعاون مع كل من الاتحاد الإفريقي والسودان وإرتيريا والصومال، إذ أن تفعيل التحالفات المصرية في شرق إفريقيا يتطلب الانخراط الفعال في جهود إحلال السلام في هذه المنطقة المهمة استراتيجياً لمصر.

موقع #مركز الاهرام للدراسات  

مقالات مشابهة

  • القضية الكردية في خضم الصراعات الإقليمية
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الجوف
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا في أردني لتهريبه مواد مخدرة إلى المملكة
  • المتحدث باسم العدل والمساواة: هذه الدعوات تجعل ممن اطلقها شركاء في ارتكاب جرائم التهجير القسري للمدنيين
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • أزمة ممتدة: جنوب السودان بين صراعات السلطة والعنف العرقي
  • مصطفى بكري: الدفاع عن الأرض حق مشروع.. فلماذا تطالبون بنزع سلاح المقاومة؟
  • السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله”:الجهاد عامل حماية ونهضة للأمة
  • الإخلاص والخير.. بيان المراد من حديث النبي عليه السلام «الدين النصيحة»
  • للطلاب والمكروبين والمرضى.. أسرار استجابة الدعاء بأسماء الله الحسنى