جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-07@02:03:06 GMT

التاريخ.. والذكاء الاصطناعي!

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

التاريخ.. والذكاء الاصطناعي!

 

يوسف عوض العازمي

 

"فالتاريخ لا تصنعه الآلهة وإنما البشر. وعلى المفكرين، البحث عن أسباب تطوره الثابتة الكامنة في ثناياه. وبنشأة هذا التيار الحديث والمعاصر في تفسير مسيرة التاريخ؛ نشأت فلسفة التاريخ". عبدالقادر عدالة.

***********

في فترة سابقة كنت أتجهز لكتابة بحث تاريخي لإنجازه أهمية قصوى لدي، وكنت مهتما به وأطمح ليكون ذا وجاهة، ويقدم شيئا لم يتم التطرق له سابقا، وتتبعت كل ماهنالك مفيد وينفع في كتابة هذا البحث، وأتذكر وقتذاك استشرت أحدهم ممن أظن فيه المعرفة والكياسة والفطنة في علم التاريخ، وأشار إلي بما يفيد، وبدأت مرحلة التجهيز، وخذ وهات من تجميع للمصادر والمراجع، والتوجه إلى عدة مكتبات بين وقت وآخر، وقراءة عدة تقارير وأبحاث إلكترونية (بصيغة PDF) لتعزيز المتطلبات للبحث المزمع إنجازه، وغير ذلك مما يفيد.

من الكتب التي أستعنت بها للتدرب والفهم والاستيعاب على منهج الكتابة التاريخية كتاب أوراق في التاريخ والحضارة أوراق في علم التاريخ للدكتور عبدالعزيز الدوري، صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، إذ ذكر في صفحة 242: إن أساليب البحث تتمثل بالدرجة الأولى في التآليف الجامعية، وفي رسائل الدراسات العليا، وفي بعض مؤلفات الأساتذة والمختصين، ولكن أساليب الكتابة الموروثة ماتزال تؤثر في الكتابة التاريخية، وخاصة لدى كتاب لم يتدربوا حديثا في البحث التاريخي.

وفي صفحة 243 من نفس الكتاب للمؤلف: ويبين البعض أن المطلوب ليس إعادة كتابة للتاريخ بل كتابته برؤية جديدة، أو قراءة جديدة، وهكذا نسمع دعوة إلى رؤية قومية للتاريخ العربي، ومثلها دعوة إلى وجهة إسلامية في كتابة التاريخ .

مما سلف يتضح أن الكتابة بمجال التاريخ ليس باليسر المتوقع، صعب جدا على الكاتب المهتم كتابة بحث مختل الميزان، متذبذب التوازن، يمتلئ جداره بثقوب.

لذلك أتذكر أن البحث وصل مراحله النهائية، وتم تحديد الفكرة الرئيسية لرأي الكاتب، وهنا كانت المشكلة إذ إن الفكرة أو رأي الكاتب غير مواتية للنشر، وممكن تفتقد دقة معينة سيما وهي تتحدث عن حدث قريب زمانيا في حقبة الستينيات الميلادية، هنا كنت بين إستكمال البحث بغض النظر عن أية تبعات، وإن لم ينشر حاضرا ممكن جدا يجد متسعا للنشر مستقبلا؛ فالزمن يتغير، والأفكار تتبدل، وإن ثبتت المواقف والمبادئ، وكما قيل قديما لكل زمان دولة ورجال .

القصة ليست خوفًا من أمر ما، إنما خشية ألا ينشر البحث كاملا؛ سواء ببتر فقرة، أو حذف سطر، أو استبدال عبارة، والكلمة ممكن تغير معنى الفكرة بأكملها فما بالك بسطر كامل أو عبارة أستكملت مفرداتها، لاشك هامش الحرية معقول، ومناسب جدا، لكن التاريخ صعب تقديمه أحيانا بحقبة معينة لعدة أعذار وجيهه، وبحقبة أخرى قد تمر هذه الأبحاث مرور الكرام ولايلتفت لها أساسا !

من الأمور المهمة هي أخلاق الكاتب، فكاتب التاريخ ليس "نقال علوم" كما يُقال بلهجتنا العامية، ينقل كل شئ بلا ضوابط، أحيانا وأن ثبتت صحة الرواية يفترض لأسباب منطقية أن لاتنشر، وأن لايتم حتى التلميح بها أيضا، لأن كاتب التاريخ يفترض فيه حسن الخلق والفطنة والنظرة البعيدة الثاقبة، ويفهم تماما قاعدة : ليس كل مايعرف يقال، فكاتب التاريخ المحترم ليس محررا في صحيفة تابلويد تنقل الفضائحيات، وأخبارا ما أنزل الله بها من سلطان.

قراءة التاريخ تحتاج كتبا موثوقة النقل، وجيهة البحث، صادقة الكلمة، توصل المعنى في قلب الخبر بحرفية المؤرخ المتمكن، والآن دخلنا عصر الألكترونيات، وملفات إلكترونية، ووسائل تواصل ألكترونية، وبداية دخول الذكاء الأصطناعي على الناس وحياتهم عبر باب واسع، تصور إن السيارة أصبحت كهربائية، والطائرات المسيرة (درون) أصبحت تغني بتأثيرها عن القوات الجوية ومنصات الصواريخ، وأيضا بالدرون ممكن جدا ولا تستغرب أن تتحول مستقبلا لكبسولات طائرة، وتجدها متاحة وبأرخص الأثمان، هل تتذكر عندما نزل الهاتف النقال قي السوق وكم سعره ذاك الوقت رغم مواصفاته المتواضعة ورغم ذلك كان بعتبر ثورة في التطور، وبعدها بسنوات أصبح هذا الهاتف يباع بأسعار زهيدة وبمواصفات عالية.

تخيل معي لو ان لكل منا كبسولته الطائرة المنخفضة الثمن، يذهب بها ويتنقل بها وممكن يسافر بها، سنجد من يتذكر السيارات بشعور من يتذكر هاتف نوكيا حاليا !

الزمن يتغير، والتاريخ صفحاته يتم تصفحها بسرعة الأيام، ومن بعلم هل ستصدر كنب تاريخ معتبرة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وماهي قدرتها على التفكر والتمعن والتقدير للحدث المؤرخ له، إن غدا لناظره قريب، ولنننظر؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

 

حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة

السر السيد

الرواية من تأليف الكاتب السوداني محمدأحمد الفيلابي، الذي يعد واحدا من الكتاب الذين فتحوا نفاجا بين التنمية المجتمعية واسئلتها وبين الفن والادب دون ما تغوٌل على أي من الحقلين، كما في نصوصه للراديو ونصوصه المسرحية ونصوصه القصصية. من كتبه المنشورة نذكر “مدنياااو”/ “استدراك- نحكى ويتساءلون” والمجموعة القصصية “الموت أكثر من مرة”.

صدرت الرواية التى صمم غلاف الجزء الثانى منها أشرف الأزهرى ولوحة الغلافين للتشكيلي عصام عبد الحفيظ وكتب مقدمتها الناقد أبوطالب محمد، صدرت في طبعتها الأولى في العام 2024.. (الجزء الاول)، صدر عن خطوط وظلال للنشر والتوزيع بالاردن والجزء الثاني، صدر عن مكتبة الطليعة العلمية بالاردن.

تتكون الرواية من جزأين، الاول بعنوان: (سبعون يوما من العبث) وعدد صفحاته 142 صفحة من القطع المتوسط والثاني بعنوان: (هستيريا الخوف) وعدد صفحاته 169 صفحة من القطع المتوسط.

على المستوى الهيكلي أو المعماري الذي قامت عليه الرواية بجزأيها، قام الجزء الاول على تقنية “العناوين” وعددها ثمانية، نذكر منها (الشلة/ أشلاء ومخاوف/ الجنرال في نقاهته/ الخروج من العتمة)، بينما قام الجزء الثاني على تقنية الفصول وعددها عشرة وعبر تآزر التقنيتين الهيكليتين تدفٌق السرد الذى تنوعت فيه التقنيات ونهض على اسلوب زاوج بين اللغة كثيفة الجمال حتى حدود الشاعرية واللغة التقريرية مستخدما تقنيات الصوت المفرد “صوت الراوي” والأصوات المتعددة “أصوات شخصيات الرواية”، كأن تحكي شخصية ما ذكرياتها ويومياتها، أو المونتاج كاستدعاء نص من النصوص، لكاتب ما نشره في صحيفة أو في أو في كتاب أو في راديو أو في فضائية أو في وسائط التواصل الاجتماعي، كان هذا النص مقالا أو قصيدة أو تقريرا اخباريا أو تحليلا سياسيا أو مقولة فلسقية او فكرية.

في موضعة النص وتنسيبه:

جاء في الرواية ص 25/26 الجزء الاول: (… بين الصراخ والعويل تبين ان جسما ناريا سقط على غرفة الضيوف، فدكها دكا.. ووقعت عينها على زوجها الساقط ارضا والدم يغطى كامل جسده..غامت الدنيا في وجهها ولم تعد ترى سوى الظلام ولا تسمع شيئا، وهوت ارضا). وجاء في الجزء الثانى من اوراق الشابة وصال،ص 148: ( نوقن ان حالنا أفضل ممن قتلن او اغتصبن او وقعن في ايدى من يتاجرون بنا.فالحرب في كل الاحوال شر بلا حدود.تسحق من يقف امامها.تطحن حيوات الجميع، والنساء بشكل اخص تصبح اجسادهن ساحة حرب..فى الحروب يرتفع سلاح الاذلال والمهانة لهن ولمن لا يسمح بالمساس بهن..).انتهى.

قد لا أختلف كثيرا مع النقاد والقراء الذين يصنفون هذا النص بأنه (رواية)، ولهم الحق في ذلك بالطبع، لكني وبالنظر لموضوع “النص” والذي هو حرب الخامس عشر من ابريل 2023 بين القوات المسلحة والدعم السريع والكيفية التى اشتغل عليها النص فيها،أجدنى لا انفى عنها بشكل مطلق وصف انها “رواية” لكني أميل أكثر إلى تصنيفها بأنها كتابة مغايرة “جسد ابداعي ماكر” يكر على تخوم الكتابة الروائية ولا يبقى فيها ويفر عن تخومها ولا يغادرها لهذا وصفته بالكتابة المغايرة وبما انه يسعى لانتاج صورة أو صورا عن هذه الحرب وما نتج عنها من تقتيل ونهب للمتلكات الخاصة والعامة ومن تدمير للبنى التحتية ومن نزوح ولجوء ومن نشر وتكريس للعنصرية والجهوية، في مدى زمني ومكاني يبدأ من اليوم الاول للحرب 15 أبريل 2023 وينتهى في اليوم ال 200 للحرب نوفمبر 2023 ” وفي مدى مكاني يبدأ من الخرطوم والقرية التي نزحت لها شلة الاصدقاء مرورا بقوز يعقوب واشارات لاماكن اخرى وليس انتهاء بمراكز الايواء. تكمن مغايرتها أى هذه الكتابة او هذا النص في انها تأسست على نزوع بحثى واضح يجمع بينما هو ثقافى واخبارى وسياسي وحقوقى تتجلى فيه خبرة الفاعل المدني الذى يتوفر على معرفة بالقوانين الدولية والوطنية ذات الصلة بالحرب وبمعرفة على ثقافة المناصرة والرصد بل على معرفة بكل ما يرتبط بقاموس الحرب من اقتصاديات ومن نزوح ولجوء ونوعية الانتهاكات وتكيفيها من اغتصاب وتقتيل وتشريد وتدمير وتفاوض وغيره، لذلك فهى كتابة ذات طابع سياسي تنهل من كل تلك الحقول التى اشرت لها وهى اذ تفعل هذا تكون قد مارست (مكرها)، الذى (يبدعن) هذا الطابع السياسي_من ابداع_ ويمنحه “انحرافا ومفارقة” عن اليومى ويضعه على تخوم الكتابة الادبية والفنية كرا وفرا ويمنحه رصيدا من الاخيلة والجمال لذلك لا غرابة ان يوصف هذا النص او هذه الكتابة بأنها رواية،سيما انه يتوسل بعضا من تقنيات السرد وينهض على اسلوب مشحون بالجمال والاخيلة ومن ذلك مثلا تبادل الادوار او التناوب في الحكى بين الراوى شخصيات الرواية أو في التداعى الحر لبعض الشخصيات أو في الحوار أو في قطع تسلسل الحكى من حين لآخر عبر تدخلات الراوى وكل هذه المستويات للحكي كما هو معروف تعد من تقنيات السرد وللتأكيد على ما ذهبت اليه في ما يخص تبادل الادوار اشير إلى ما كتبَته شخصيات شلة القرية من يوميات ووقائع كلها على صلة بالحرب بصورة مباشرة أو غير مباشر وهى شخصية المهندس سعيد وشخصية نورى ضابط الجيش الذى أحيل للمعاش وشخصية المثقف والفاعل السياسي عبدو وشخصية الشابة وصال التى نزحت مع اختيها وامها وسكنت في مركز الايواء بالقرية وفيما يخص قطع تسلسل الحكي وتواصل الاحداث أشير إلى النصوص المأخوذة من سياقات اخرى واقحامها في متن النص كبعض المقالات او التصريحات المنشورة لكتاب وصحافيين معروفين أو إيراد معلومة أو مقولة لمؤرخ او مفكر أو مسئول حكومى أو بيان لفاعل مدنى كأيراد بعضا مما ذكره ابراهيم فوزى باشا في مذكراته عما فعله الانصار عند تحرير الخرطوم في العام 1885 ابان الثورة المهدية أو الخطاب الذى وجه لمدير الغابات بشأن ما يحدث في “غابة امبارونا بولاية الجزيرة من عمل متعمد لازالتها او ذلك التقرير عن النهب والسرقة لصحافى بريطانى، اضافة للاستشهادات الكثيرة بمقولات وافكار لمفكرين وسياسيين وفلاسفة، فقد احتشد هذا النص او هذه الكتابة المغايرة الماكرة بأسماء كثيرة من هؤلاء كالشيخ بابكر بدري وابن خلدون وغوستاف وعبدالمجيد عابدين وآل غور وغيرهم،اما فيما يخص الحوار فأشير إلى الحوار الذى كان مكانه بورتسودان ودار بين عبدو الذى غادر القرية إلى هناك لتنفيذ دورة تدريبية وزميل دراسته التاجر الجشع، فمن بعض ما يكشفه هذا الحوار نظرة بعض الناس للحرب من خلال اوضاعهم الخاصة.

اخيرا اشير إلى ان هذه “الرواية” أو هذ النص أو هذه “الكتابة المغايرة الماكرة”، التي اعتبرها المبادرة الأولى الجامعة لتوثيق حرب الخامس عشر من أبريل، مما يعني وبلا حذر وضعها ضمن ما يعرف (بروايات الحرب) كما اشار الناقد ابوطالب محمد في مقدمته.. أشير إلى أنها قد جسدت وبجدارة طقسا “حداثيا” لاشتباك الناس والامكنة والنصوص والذاكرة والتاريخ والماضي والحاضر مع الحرب في مدى زمني محدد وهى لما تنتهى بعد ، بأمل عريض ومقاومة خلاقة،

فبينما تسعى الحرب ليحوز أحد طرفيها او أطرافها كل “السلطة” بمفهومها الأشمل،عملت هذه الكتابة المغايرة الماكرة وهى تجسد طقسها الحداثى هذا على تفتيت السلطة أو بالحرى (توزيعها)، فهناك تعدد في الاصوات فالكل يحكى، فقد سمعنا صوت الراوى وصوت الكاتب نفسه وسمعنا أصوات شلة القرية وأصوات النازحين في مراكز الايواء وسمعنا صوت “حارنة” وصوت “نعمة” وصوت “سكينة بت يعقوب” وسمعنا أصوات المتحاربين، وسمعنا أصوات الفاعلين المدنيين والمفكرين والمؤرخين، وهناك تعدد وتنوع في النصوص فقد وقفنا على سوق من النصوص نهضت عليه هذه الكتابة…إعادة التوزيع للسلطه هذه تجعلنى أستطيع أن أضع هذه الكتابة في قلب المجرى الأساس للمقاومة الثقافية ليس فقط فيما قدمته من شهادة فصيحة لبشاعة الحرب وقبحها ومن شهادة عن صمود ومقاومة المتضررين منها وانما أيضا على مستوى علاقات بنائها “شكلها”، الذى يصدٌر ولو بشكل خفى حالة شعورية يحس عبرها القارئ والقارئة بجمال التنوع والتعدد والاختلاف والذى بسبب غيابه أو تغييبه في حياتنا السياسية واليومية شكل البنية التحتية لهذه الحرب وما سبقها من حروب في السودان.

ان كان من خاتمة لهذه التأملات العابرة فهي هذه المقولة التى جاءت في الحزء الثاني ص18:

(الحكي هو الشفاء الوحيد من حالة الانتظار الممل.. تنغسل بفضله الاوجاع وتندمل الجراح أو تنفتح بعد التئامها).

وكيف لا وقد استطاعت هذه الكتابة المغايرة أو هذا النص أو هذه الرواية ان تجعل من الحكي قوة كما يذهب إلى ذلك ادوارد سعيد.

 

الوسومادب الحرب الرواية السودانية الفايلابي رواية

مقالات مشابهة

  • حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة
  • رئيس المركز الوطني للأمن السيبراني: الكويت ورومانيا اتفقتا على تعزيز التعاون في دعم برامج البحث العلمي
  • المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية
  • عمر عبدالحليم ينتهي من كتابة فيلم "الغواصة"
  • بعد نجاح فيلم السرب.. عمر عبدالحليم ينتهي من كتابة «الغواصة»
  • ليه مفترض ما تخوض نقاشات مطولة؟
  • «ممكن تلاقيهم قدامك».. أصعب سؤالين في امتحان الكيمياء للثانوية العامة 2023
  • كتاب الضبط يشلون المحاكم في إضراب وطني يستمر أسبوعاً كاملاً
  • استطلاع إسرائيلي: سقوط الليكود ممكن حال تشكيل حزب يميني جديد
  • كتاب الضبط يشلون المحاكم بإضرابات وطنية