إلياس فرحات **

تتنافس في آسيا وخصوصًا في غرب آسيا مبادرتان اقتصاديتان عالميتان، هما مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة طريق الهند- حيفا التي أعلنتها الولايات المتحدة السنة الماضية.

وتتصف المبادرة الأمريكية بأنها رد على المبادرة الصينية ونوع من المواجهة، وهي تفتقر إلى خريطة جغرافية مستقرة. كما أنها جاءت بإعلان متسرع ومن دون مشاورات مع العديد من الدول والشعوب التي تشملها.

بينما ترتكز مبادرة الحزام والطريق على أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ في السياسة الاقتصادية الخارجية. قامت هذه المبادرة على أنقاض طريق الحرير القديم, وهي تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول الطريق الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنى تحتية في تاريخ البشرية. ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.

ويعود تاريخ طريق الحرير القديم إلى القرن الثاني قبل الميلاد ويشير الإسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورًا بآسيا الوسطى والشرق الأوسط.

في شهر أبريل 2019 افتتح  الرئيس شي جين بينغ قمة "طرق الحرير الجديدة" التي شارك فيها ممثلون عن 150 بلدًا، بهدف التسويق للمبادرة التي ستكون محور السياسة الاقتصادية الصينية مع العالم وتسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية والتبادل التجاري بشكل عام   .

وترتكز مبادرة الحزام والطريق على التعاون الاقتصادي بين الأمم والإسهام بالنهوض الاقتصادي والتكامل فيما بينها، وإرساء علاقات صداقة سلمية واستبعاد النزاعات وتسوية القائمة منها.

وكانت رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني أول تحرك صيني لإزالة العقبات السياسية عن الطريق والحزام ولا تزال الصين تلعب دورًا هامًا في تسوية الخلافات وتغليب لغة الحوار بين الشعوب على لغة النزاعات والحروب التي أرهقت البشرية .

وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتوجس خيفة من هذه المبادرة العالمية وقامت فعلًا بمواجهتها عب إحياء قمة الحوار الرباعي (كواد) QUAD الذي يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.

ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن التقارب بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت الهند في الإمارات حليفًا مليئًا بالمال الذي تحتاجه ورأت الإمارات في الهند توازنًا مع الصين، فضلًا عن كسب الجالية الهندية في الإمارات وهي الأكبر بين الجاليات الأجنبية وتشكل نحو 30% من سكان الإمارات، علمًا أن السكان الأصليين يقدرون بنحو 12% فقط.

وسارعت الولايات المتحدة لإنشاء صيغة تحالف سمتها اختصارًا "2I 2U"؛ أي الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة .

على أن الاجراء الأكبر والمفاجئ الذي اتخذته الولايات المتحدة وبشكل متسرع على هامش قمة العشرين في نيودلهي هو ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن إطلاق مبادرة طريق الهند- دبي- حيفا- أوروبا، في مقابل مبادرة الحزام والطريق الصينية، في محاولة واضحة لتخريب التقارب السلمي بين الصين وشعوب وسط وآسيا وغربها وأوروبا.

تجاوزت مبادرة سوليفان الجغرافيا بتجاوزها باكستان والصين إرضاءً للهند، وتجاوز إيران وتركيا إرضاء لإسرائيل. لكنه في المقابل خسر دولًا وازنة تضمُّها مبادرة الحزام والطريق.

ومن المفارقات الجغرافية لمبادرة سوليفان هي أن الطريق تبدأ من داخل الهند إلى مرفأ مومباي على المحيط الهندي. ومن هناك تتحول الى خط بحري يبدأ من مومباي ويصل الى دبي في الخليج. وبعدها تتابع برًا من دبي الى المملكة العربية السعودية والأردن وصولًا الى مرفأ حيفا في الكيان الإسرائيلي.

لم تعر الولايات المتحدة اهتمامًا لاستقرار الخليج في ظل خلافات مع إيران. وهذا ما قد يعرقل دور دبي، ناهيك عن أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يجد تسوية بعد وتحديدًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ حيث هناك حرب قائمة في غزة واضطرابات مستمرة في القدس والضفة الغربية فضلًا عن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا ما يجعل حيفا غير آمنة.

ونشير إلى أن العالم بأسره قد حبس أنفاسه في أبريل الماضي بانتظار الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق. هل هذا المناخ يسهل قيام مبادرة اقتصادية بحجم مبادرة الهند- حيفا؟ بالطبع لا!

من المهم الإشارة إلى أن مبادرة الحزام والطريق ليست حلفًا سياسيًا وعسكريًا؛ بل هي مبادرة إنشاء بنى تحتية لتسهيل التجارة والاتصال بين الأمم الواقعة على طريق الحرير

وعلى العكس، وإضافة إلى افتقارها للعامل الجغرافي المستقر، تفتقر مبادرة طريق الهند - حيفا إلى أساس تاريخي في العلاقات بين الدول المعنية. وهي تعد بمثابة مواجهة سياسية وأمنية مع مبادرة الحزام والطريق، أكثر منها مبادرة اقتصادية .

لكن الجغرافيا لا تخطئ. فقد وقعت مبادرة الهند- حيفا في فجوة كبيرة عندما أصبحت حيفا وميناؤها غير آمنين في أثناء العدوان على غزة وغير مستقرين لمثل هذه المبادرة، مهما كانت نتيجة حرب غزة. إذ لا يمكن لمستثمر أن يضع إمكاناته في طريق يبدو مقصده النهائي غير مستقر.

لقد جاءت مبادرة الحزام والطريق- كما ذكرنا آنفًا- بعد مؤتمر حضرته 150 دولة فيما مبادرة الهند- حيفا جاءت تسرعًا وارتجالًا من الولايات المتحدة كرد غير بناء على مبادرة الحزام والطريق.

وتكشفُ هذه الوقائع أحد أهم ميزات السياسة الصينية، وهي علاقات سلمية وتجارة "رابح- رابح" مع باقي الدول، فيما تستبطنُ المبادرةُ الأمريكية مشاريعَ هيمنةٍ سياسيةٍ.

 

** عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، وباحث سياسي وعسكري

** ورقة عمل قُدِّمَت إلى الندوة الدولية عن "مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق" التي نظمها مركز الدراسات الآسيوية والصينية (بلبنان) مع جريدة الرؤية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

توقف العمل بتطبيق تيك توك في الولايات المتحدة

يمن مونتيور/ وكالات

توقف تطبيق تيك توك عن العمل في الولايات المتحدة مساء أمس السبت ولم يعد متوفراً على متاجر “أبل” وجوجل على الإنترنت قبل تطبيق قانون ينص على إغلاق المنصة التي يستخدمها 170 مليون أمريكي اليوم الأحد.

وقال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أمس السبت إنه سيمنح “على الأرجح” تيك توك مهلة لمدة 90 يوما من الحظر المحتمل بعد توليه منصبه غدا الاثنين، وهو تعهد أشارت إليه الشركة في إشعار لمستخدمي التطبيق.

وجاء في الإشعار الذي ظهر للمستخدمين مساء أمس السبت “جرى إقرار قانون يحظر تيك توك في الولايات المتحدة.

وللأسف لا يمكنكم استخدام تيك توك في الوقت الحالي. نحن محظوظون لأن الرئيس ترامب أشار إلى أنه سيعمل معنا على إيجاد حل لإعادة تيك توك بمجرد توليه منصبه. انتظرونا”.

ولم تحظر الولايات المتحدة منصة تواصل اجتماعي كبيرة من قبل. ويمنح القانون الذي أقره الكونغرس بأغلبية ساحقة إدارة ترامب الجديدة سلطة واسعة لحظر تطبيقات أخرى مملوكة لشركات صينية أو الدفع لبيعها.

وأصبحت منصات أخرى مملوكة لشركة بايت دانس المالكة لتطبيق تيك توك، ومن بينها تطبيق تحرير الفيديو (كاب كت) وتطبيق التواصل الاجتماعي (ليمون8)، غير متاحة على متاجر التطبيقات في الولايات المتحدة منذ أمس السبت.

وقال ترامب في مقابلة مع شبكة (إن.بي.سي) “تمديد 90 يوما هو شيء سيتم على الأرجح، لأنه مناسب… وإذا قررت القيام بذلك، فمن المحتمل أن أعلن عنه يوم الاثنين”.

وحذرت شركة تيك توك يوم الجمعة من أنها ستوقف تطبيقها في الولايات المتحدة اليوم الأحد ما لم تقدم إدارة الرئيس جو بايدن ضمانات لشركات مثل أبل وغوغل بأنها لن تواجه إجراءات قانونية عندما يدخل الحظر حيز التنفيذ.

وبموجب قانون صدر العام الماضي وأيدته المحكمة العليا بالإجماع يوم الجمعة، كان أمام المنصة مهلة حتى اليوم الأحد لقطع العلاقات مع الشركة الأم الصينية بايت دانس أو إغلاق عملياتها في الولايات المتحدة لإنهاء المخاوف بشأن تهديدها للأمن القومي.

وأكد البيت الأبيض أمس السبت أن الأمر متروك لإدارة ترامب لاتخاذ الإجراءات. وقالت كارين جان بيير المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان “لا نرى أي سبب يدعو تيك توك أو الشركات الأخرى لاتخاذ إجراءات في الأيام القليلة المقبلة قبل تولي إدارة ترامب يوم الاثنين”. ولم ترد تيك توك بعد على طلب للتعليق على ما صدر عن البيت الأبيض.

واتهمت السفارة الصينية في واشنطن يوم الجمعة الولايات المتحدة باستخدام سلطة الدولة غير العادلة لقمع تيك توك. وقال متحدث باسم السفارة “ستتخذ الصين جميع التدابير اللازمة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة بقوة”.

 

مقالات مشابهة

  • تحذير من مرض الحزام الناري وأهمية العلاج المبكر| تفاصيل
  • روبيو وزيرا لخارجية أمريكا: هدفنا جعل الولايات المتحدة أقوى
  • الاتحاد الأوروبي سيتعامل "ببراغماتية" مع الولايات المتحدة
  • 37 برنامجًا ومبادرة لتمكين الصم وضعاف السمع بالشرقية
  • عاجل.. الشرع يهنئ ترامب ويتطلع لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة
  • الرئيس عون يهنئ ترامب: نشكر الولايات المتحدة على دعمها للبنان
  • هل تستعيد TikTok الخدمة في الولايات المتحدة
  • تيك توك يستأنف العمل في الولايات المتحدة
  • توقف العمل بتطبيق تيك توك في الولايات المتحدة
  • السفير الألماني لدى الولايات المتحدة يحذر من ترامب