بين طريق "الهند- حيفا" ومبادرة "الحزام والطريق"
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
إلياس فرحات **
تتنافس في آسيا وخصوصًا في غرب آسيا مبادرتان اقتصاديتان عالميتان، هما مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة طريق الهند- حيفا التي أعلنتها الولايات المتحدة السنة الماضية.
وتتصف المبادرة الأمريكية بأنها رد على المبادرة الصينية ونوع من المواجهة، وهي تفتقر إلى خريطة جغرافية مستقرة. كما أنها جاءت بإعلان متسرع ومن دون مشاورات مع العديد من الدول والشعوب التي تشملها.
ويعود تاريخ طريق الحرير القديم إلى القرن الثاني قبل الميلاد ويشير الإسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مرورًا بآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
في شهر أبريل 2019 افتتح الرئيس شي جين بينغ قمة "طرق الحرير الجديدة" التي شارك فيها ممثلون عن 150 بلدًا، بهدف التسويق للمبادرة التي ستكون محور السياسة الاقتصادية الصينية مع العالم وتسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية والتبادل التجاري بشكل عام .
وترتكز مبادرة الحزام والطريق على التعاون الاقتصادي بين الأمم والإسهام بالنهوض الاقتصادي والتكامل فيما بينها، وإرساء علاقات صداقة سلمية واستبعاد النزاعات وتسوية القائمة منها.
وكانت رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني أول تحرك صيني لإزالة العقبات السياسية عن الطريق والحزام ولا تزال الصين تلعب دورًا هامًا في تسوية الخلافات وتغليب لغة الحوار بين الشعوب على لغة النزاعات والحروب التي أرهقت البشرية .
وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتوجس خيفة من هذه المبادرة العالمية وقامت فعلًا بمواجهتها عب إحياء قمة الحوار الرباعي (كواد) QUAD الذي يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
ولم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن التقارب بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت الهند في الإمارات حليفًا مليئًا بالمال الذي تحتاجه ورأت الإمارات في الهند توازنًا مع الصين، فضلًا عن كسب الجالية الهندية في الإمارات وهي الأكبر بين الجاليات الأجنبية وتشكل نحو 30% من سكان الإمارات، علمًا أن السكان الأصليين يقدرون بنحو 12% فقط.
وسارعت الولايات المتحدة لإنشاء صيغة تحالف سمتها اختصارًا "2I 2U"؛ أي الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة .
على أن الاجراء الأكبر والمفاجئ الذي اتخذته الولايات المتحدة وبشكل متسرع على هامش قمة العشرين في نيودلهي هو ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن إطلاق مبادرة طريق الهند- دبي- حيفا- أوروبا، في مقابل مبادرة الحزام والطريق الصينية، في محاولة واضحة لتخريب التقارب السلمي بين الصين وشعوب وسط وآسيا وغربها وأوروبا.
تجاوزت مبادرة سوليفان الجغرافيا بتجاوزها باكستان والصين إرضاءً للهند، وتجاوز إيران وتركيا إرضاء لإسرائيل. لكنه في المقابل خسر دولًا وازنة تضمُّها مبادرة الحزام والطريق.
ومن المفارقات الجغرافية لمبادرة سوليفان هي أن الطريق تبدأ من داخل الهند إلى مرفأ مومباي على المحيط الهندي. ومن هناك تتحول الى خط بحري يبدأ من مومباي ويصل الى دبي في الخليج. وبعدها تتابع برًا من دبي الى المملكة العربية السعودية والأردن وصولًا الى مرفأ حيفا في الكيان الإسرائيلي.
لم تعر الولايات المتحدة اهتمامًا لاستقرار الخليج في ظل خلافات مع إيران. وهذا ما قد يعرقل دور دبي، ناهيك عن أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يجد تسوية بعد وتحديدًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ حيث هناك حرب قائمة في غزة واضطرابات مستمرة في القدس والضفة الغربية فضلًا عن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا ما يجعل حيفا غير آمنة.
ونشير إلى أن العالم بأسره قد حبس أنفاسه في أبريل الماضي بانتظار الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق. هل هذا المناخ يسهل قيام مبادرة اقتصادية بحجم مبادرة الهند- حيفا؟ بالطبع لا!
من المهم الإشارة إلى أن مبادرة الحزام والطريق ليست حلفًا سياسيًا وعسكريًا؛ بل هي مبادرة إنشاء بنى تحتية لتسهيل التجارة والاتصال بين الأمم الواقعة على طريق الحرير
وعلى العكس، وإضافة إلى افتقارها للعامل الجغرافي المستقر، تفتقر مبادرة طريق الهند - حيفا إلى أساس تاريخي في العلاقات بين الدول المعنية. وهي تعد بمثابة مواجهة سياسية وأمنية مع مبادرة الحزام والطريق، أكثر منها مبادرة اقتصادية .
لكن الجغرافيا لا تخطئ. فقد وقعت مبادرة الهند- حيفا في فجوة كبيرة عندما أصبحت حيفا وميناؤها غير آمنين في أثناء العدوان على غزة وغير مستقرين لمثل هذه المبادرة، مهما كانت نتيجة حرب غزة. إذ لا يمكن لمستثمر أن يضع إمكاناته في طريق يبدو مقصده النهائي غير مستقر.
لقد جاءت مبادرة الحزام والطريق- كما ذكرنا آنفًا- بعد مؤتمر حضرته 150 دولة فيما مبادرة الهند- حيفا جاءت تسرعًا وارتجالًا من الولايات المتحدة كرد غير بناء على مبادرة الحزام والطريق.
وتكشفُ هذه الوقائع أحد أهم ميزات السياسة الصينية، وهي علاقات سلمية وتجارة "رابح- رابح" مع باقي الدول، فيما تستبطنُ المبادرةُ الأمريكية مشاريعَ هيمنةٍ سياسيةٍ.
** عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، وباحث سياسي وعسكري
** ورقة عمل قُدِّمَت إلى الندوة الدولية عن "مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق" التي نظمها مركز الدراسات الآسيوية والصينية (بلبنان) مع جريدة الرؤية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إعلام: التعديلات الأوكرانية على اتفاقية المعادن النادرة لم تعجب الولايات المتحدة
أوكرانيا – أفادت وسائل إعلام أوكرانية امس الجمعة، بأن التعديلات التي أجرتها أوكرانيا على اتفاقية المعادن الأرضية النادرة، لم تعجب الجانب الأمريكي.
ونقلت صحيفة “NV” أن “هذا هو السبب وراء تأجيل لقاء فلاديمير زيلينسكي مع نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس. ولم يتم تأكيد أو نفي هذه المعلومات رسميا”.
وكانت وسائل إعلام أوكرانية قد ذكرت سابقا أن كييف قامت بمراجعة مشروع اتفاقية المعادن الأرضية النادرة وسلمته إلى ممثلي الولايات المتحدة، وأن الجانب الأمريكي طلب وقتا حتى الساعة 18:00 بتوقيت موسكو للعمل عليه، وأن هذا هو السبب المزعوم لتأجيل لقاء زيلينسكي مع فانس.
وفي الساعة 19:37 بتوقيت موسكو، أفادت وكالة “أوبشِستفينويه” الأوكرانية نقلا عن المتحدث باسم زيلينسكي سيرغي نيكيفوروف بأن الاجتماع قد بدأ.
وفي وقت سابق، أعلن زيلينسكي بعد لقائه مع وزير الخزانة الأمريكية سكوت بيسينت أن كييف تلقت من واشنطن مشروع اتفاقية لاستخدام المعادن الأرضية النادرة الأوكرانية.
كما ناقش زيلينسكي هذا الموضوع خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأشار إلى أن نتائج المفاوضات حول هذا الموضوع يمكن أن تُثبت في مؤتمر ميونيخ للأمن في الفترة من 14 إلى 16 فبراير.
وفي بداية فبراير الجاري، صرح ترامب بأن الولايات المتحدة مهتمة بالحصول على المعادن الأرضية النادرة من أوكرانيا.
وفي وقت لاحق، أفاد زيلينسكي بأن كميات كبيرة من المعادن والمعادن الأرضية النادرة التي تم عرضها على واشنطن تقع في مناطق خارجة عن سيطرة كييف.
وفي مقابلة مع “رويترز”، أشار إلى استعداده لإبرام صفقة واقترح على ترامب الحصول على المعادن الأوكرانية ومخازن الغاز تحت الأرض مقابل ضمانات أمنية.
المصدر: RT