لن توقف إسرائيل الجنون الذى تمارسه فى رفح ما لم يتدخل المجتمع الدولى الذى يلوذ بالصمت حتى الآن. ما يحدث فى رفح اليوم مروع لا سيما بعد أن كثفت دولة الاحتلال هجماتها على المدينة وتمادت فى القصف حتى بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية، وهى أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، قرارًا بوقف الحرب، وأمرت إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية فى رفح فورًا.
قصفت إسرائيل مخيمات النازحين الفلسطينيين فى رفح لينال هذا من الفلسطينيين العالقين فى الخيام الذين أحرقوا وهم أحياء. وهو ما دعا «جوزيب بوريل» مفوض السياسة الخارجية الأوروبية ليعلق على الحادث قائلًا: (ما يحدث من وقائع اليوم يدفعنا إلى المطالبة بضرورة تطبيق قرار محكمة العدل الدولية بوقف الحرب بشكل فورى). تمادت إسرائيل فى غيها وارتكاب جرائمها ليسقط خمسة وأربعين فلسطينيًا ويصيب آخرين. وهو ما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة إلى إدانة العملية، ويردف قائلًا: (لا يوجد مكان آمن فى غزة، ويجب وضع حد لهذه الفظائع).
لقد اقترفت إسرائيل الإثم، واعتلت الاجرام منهجًا عندما تعمد جيشها استهداف المدنيين فى الغارة التى شنها كجزء أساسى من استراتيجيته، فعلى الرغم من تصريحات حكومة نتنياهو المتكررة بأن إسرائيل تستخدم القوة ضد حماس لا المدنيين إلا أن هذا يتعارض مع السلوك الفعلى لهذه الحرب، وطريقة القتال الإسرائيلية برمتها. وهى الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر، والتى أسفرت حتى الآن عن مقتل ما يقدر بأكثر من 35 ألف فلسطينى، وإصابة ثمانين ألفًا، بالإضافة إلى ما يصل إلى عشرة آلاف فى عداد المفقودين يرجح أنهم لقوا حتفهم.
لقد حرص الجيش الإسرائيلى منذ البداية على أن يوسع هجماته إلى ما هو أبعد من حماس، حيث استهدفت غاراته المدارس والجامعات والمستشفيات، ومحطات معالجة المياه والصحفيين، وعمال الإغاثة والطواقم الطبية. ورغم أن التدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية أمر شهدته الحرب فى أوكرانيا، ومن قبلها العراق إلا أن ذلك لا يضاهى التدمير المطلق على الطريقة على الطريقة الإسرائيلية فى إدارة الحرب.
إنه استخدام القوة المفرطة، والتى قد تكون امتدادًا لعقيدة الضحية التى يعتقد أن الجيش الإسرائيلى قد بدأ فى تطبيقها خلال حرب عام 2006 ضد حزب الله فى لبنان حين رأى أن هزيمة المسلحين شبه مستحيلة فى المناطق الحضرية فى بيروت، لا سيما وأنهم كانوا على استعداد للموت من أجل قضيتهم. ولعل السبب وراء هذه العقيدة التجارب السابقة للجيش الإسرائيلى، سواء خلال حصار بيروت فى 1982، أو حرب 2006 فى لبنان، أو حتى فى حروب غزة الأربع التى سبقت الصراع الحالى، فالجانب الإسرائيلى لا يقبل بالخسائر الكبيرة التى يتكبدها فى عملياته فى المناطق الحضرية حتى لو كانت الخسائر الفلسطينية أكبر بعشر مرات أو عشرين مرة.
بموجب عقيدة الضحية يستخدم الجيش القوة على نطاق واسع وطويل الأمد ضد المدنيين لتحقيق هدفين: الأول قصير المدى وهو تعويض الدعم المقدم للفلسطينيين، والثانى طويل المدى ويتمثل فى ردع الحركات المسلحة فى المستقبل سواء فى غزة أو الضفة الغربية المحتلة أو جنوب لبنان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سناء السعيد دولة فوق القانون إسرائيل المجتمع الدولي محكمة العدل الدولية عملياتها العسكرية رفح فى رفح
إقرأ أيضاً:
مؤشّرات تراجع مكانة الدولة العبرية
لا أحد يستطيع تغيير طبيعة السياسة العدوانية والإجرامية الإسرائيلية التي لا تحترم ولا تلتزم بأيّ اتفاقيات أو تعهّدات. ليس سوى القوة ما يُلزِم دولة الاحتلال على الالتزام رغم أنفها.
خلال المرحلة الأولى من الاتفاق بين حركة «حماس» ودولة الاحتلال، انتهكت الأخيرة ما وقّعت عليه عشرات المرّات، لكنها لم تفلح في تحقيق ما أرادت حكومتها الفاشية المفلسة. محاولات دولة الاحتلال لإرغام «حماس» على الاستسلام لما أرادت بشأن تمديد المرحلة الأولى والإفراج عن أعداد أكبر من الرهائن، لم تصل إلى نتيجة.
الإدارة الأميركية منحت بنيامين نتنياهو مهلة 10 أيام، لتحقيق ما أراد، لكنه لم ينجح، بل إنه استدعى المزيد من الضغوط الداخلية، التي تطالب حكومته بالذهاب إلى المرحلة الثانية، ووقف الحرب.
صعّدت حكومة الاحتلال تهديداتها إلى أقصى مدى، عَبر إغلاق المعابر، ووقف تدفّق المساعدات إلى قطاع غزّة، ثم حاولت إضفاء مصداقية على التهديدات بالعودة للقتال، عَبر تحرّكات عسكرية، لكنها في الأخير لم تتمكن من تجاوز عتبة تهديداتها، والاكتفاء بإغلاق المعابر.
بالتأكيد يرغب نتنياهو وفريقه بالعودة للقتال، باعتباره الأسلوب المعتمد لبقاء الائتلاف الحكومي الفاشي، على الرغم من أن الضغط العسكري لم يؤدِّ إلى الإفراج عن أيّ رهينة.
كلمة السرّ في هذا العجز تكمن في رفض الإدارة الأميركية العودة إلى الحرب الإبادية، وتصرّ على متابعة المفاوضات. كان ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي قد قال: إنه سيحاول الإفراج عن الرهائن، إما بتمديد المرحلة الأولى، أو عَبر الانتقال للمفاوضات التي تتعلّق بالمرحلة الثانية.
صحوة المقاومة الفلسطينية - التي تقرأ على نحو جيّد طريقة تفكير كل من أميركا ودولة الاحتلال - أدّى إلى إرباك موقف الأخير، وأظهر عجزه عن اعتماد سياسة مستقلة خاصة به، والتصرّف وفق حساباته.
لذلك إن التطور الكبير - الذي ينطوي على أبعاد مهمّة - تمثل في تدخل الإدارة الأميركية على خطّ المفاوضات المباشرة مع «حماس» من دون انتظار الموافقة الإسرائيلية.
علينا أن نصدّق أنّ دولة الاحتلال لم تكن على علم مسبق بقرار الإدارة الأميركية الشروع في مفاوضات مباشرة مع «حماس»، وفي أقلّ تقدير فإن نفي نتنياهو علمه بتلك المفاوضات مجرّد محاولة فاشلة لحفظ ماء الوجه.
حفظ ماء الوجه فقط، لأنّ دولة الاحتلال لن تجرؤ على الاعتراض على ما تقوم الإدارة الأميركية بالتفاوض المباشر مع «حماس»، ولا الاعتراض على أيّ نتائج يمكن التوصّل إليها.
هيئة البث الإسرائيلية عكست حالة من الارتباك لدى حكومة الاحتلال، فلقد كانت أعلنت أنّ ثمّة تقدّماً في المفاوضات، ثم عادت لتتحدّث أن المفاوضات لم تحرز أيّ تقدّم.
الإدارة الأميركية قدّمت لنتنياهو السلّم الذي ينزل عليه؛ بعد أن دخلت خياراته في حالة اختناق، فلا هو قادر على نسف كل مجرى المفاوضات والذهاب إلى الحرب، ولا هو قادر على إرغام «حماس» على تغيير موقفها بالاتجاه الذي يستجيب ولو جزئياً للشروط الإسرائيلية.
في كلّ الحالات ثمّة رسائل مهمّة تقف خلف السلوك الأميركي، أوّلها أنّ هذه الإدارة لا علاقة لها بالمبادئ، وأنّها يمكن أن تتراجع عمّا يصدر عنها في العلن. هذه الإدارة ذهبت للتفاوض المباشر مع «حماس» التي صنّفتها على أنّها جماعة إرهابية، ما يعني أنّها تتمتّع بقدرٍ عالٍ من البراغماتية والمواقف غير المتوقّعة.
ثاني هذه التداعيات، أنّ الإدارة الأميركية ليست وسيطاً، بل إنها طرف مباشر في الصراع، بالنيابة عن دولة الاحتلال وبالأصالة عن نفسها، ما يؤكّد، أيضاً، أنها شريكة في كل ما ارتكبته وترتكبه الأخيرة من جرائم متعدّدة الأشكال.
ثالث هذه الرسائل، أنّ دولة الاحتلال - التي كانت تدّعي أنها سيّدة نفسها وسياساتها، وأنها دولة مستقلة - لا تلتزم بما لا يتوافق مع مصالحها وإستراتيجياتها حتى لو جاءت من حليفها الأميركي.
طبعاً مثل هذا الخطاب الإسرائيلي كان إلى حدّ ما وبالمعنى النسبي صحيحاً خلال مرحلة الإدارة «الديمقراطية» السابقة. فلقد عاندت وأقدمت على مواقف وإجراءات، تعارضت مع مواقف وطلبات إدارة جو بايدن.
غير أنّ هذا الخطاب اختفى مع مرحلة دونالد ترامب، إذ لم تصدر عن أيّ مسؤول إسرائيلي تبجّحات من هذا القبيل، بل إن الأسابيع المنصرمة من عمر الإدارة الأميركية الجديدة أظهرت أنها هي التي تقود، وتتعامل مع دولة الاحتلال على أنها أداة تنفيذية للسياسة والمواقف الأميركية.
هكذا أكدت دولة الاحتلال مكانتها باعتبارها أداة تابعة للسياسة الأميركية والدعم الأميركي، الذي إن توقّف عنها فإنها ستكون في حال يُرثى لها.
ويتكوف سيعود إلى المنطقة غداً، لتسريع عملية التفاوض، ولذلك لم يجد نتنياهو أمامه أيّ خيارات سوى أن يُرسل وفده إلى العاصمة القطرية ليظهر وكأنه شريك أساسي في المفاوضات.
المقاومة التي أثبتت نجاحها في الميدان تثبت مرّة أخرى نجاحها في معركة التفاوض، فهي لا تزال تصرّ على مواقفها وشروطها.
المقاومة تدرك أن إدارة ترامب لا ترغب في إعطاء فرصة لمعاودة الحرب الدموية، التي ستعيد فتح المجال أمام توسيع دائرتها بما يهدد الاستقرار الهشّ في المنطقة.
يعزّز هذا الاتجاه عدم نجاح الإدارة الأميركية حتى الآن في إقفال صفحة الحرب في أوكرانيا، ما يعني أنها تعتقد بإمكانية تحقيق نجاح أسرع على جبهة الشرق الأوسط.
إعلان جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية، أنهم سيواصلون القتال على جبهة البحر الأحمر وإعطاء مهلة 4 أيام، لكي تعاود دولة الاحتلال فتح المعابر والسماح بتدفّق المساعدات، يؤخذ على محمل الجدّ لدى الإدارة الأميركية، ولكن ليس لدى دولة الاحتلال التي تتمنّى أن تتوفّر لها الذرائع بقلب الطاولة، لكنها ليست صاحبة قرار في ذلك، فالأمر منوط بالإدارة الأميركية التي ستعمل على التسريع في التوصّل إلى اتفاق.
(الأيام الفلسطينية)