لجريدة عمان:
2025-01-16@10:38:04 GMT

النموذج اللغوي العماني

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

يشكل الذكاء الاصطناعي اليوم عالما من التطورات غير المسبوقة، القادرة على فهم اللغة البشرية وتوليدها، حيث يعد ذلك ثورة لغوية رائدة في مجال الابتكار التقني وتطبيقاته، ولأن النماذج اللغوية التي بدأت ضمن تلك التطبيقات اعتمدت اللغة الإنجليزية بشكل واسع من خلال البيانات المفتوحة الضخمة، التي عزَّزت تداول هذه اللغة وارتباطها بالاقتصاد والاستدامة البيئية وغير ذلك من القطاعات التنموية المرتبطة بانفتاح البيانات وتوفر المعلومات على نطاق واسع، فإن العالم التفت إلى أهمية النماذج اللغوية الداعمة للغات الأخرى، والتي تشكِّل أهمية على المستويات الوطنية والإقليمية.

وكغيره من المحتويات اللغوية ظل المحتوى العربي يعاني تراجعا كبيرا خلال العقود السابقة، على الرغم من تنامي المواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية، والنمذجة وغيرها، إلاَّ أن ازدهار النماذج اللغوية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي خلال السنوات الأخيرة، جعلت من إمكانية تعزيز ذلك المحتوى، وزيادة فاعليته في التنمية أمر قابل للتحقُّق، خاصة وأن الكثير من الدول العربية جعلت من إيجاد نموذج لغوي عربي هدف من أهدافها الوطنية، لما يمثله ذلك من أهمية سيما في دعم الاقتصاد القائم على التكنولوجيا أو ما يُسمى بـ (الاقتصاد الرقمي).

إن النماذج اللغوية بحسب معجم البيانات والذكاء الاصطناعي، الصادر عن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي بالتعاون مع مجمع سلمان العالمي للغة العربية، هو (نموذج يحدِّد احتمالية وجود سلسلة معينة من الكلمات في جملة)؛ فهو نموذج إحصائي، يقوم على التوزيع الاحتمالي ضمن نموذج لغوي معيَّن أو مجموعة من النماذج لاستخدامها في (معالجة اللغة الطبيعية) مثل طرائق التعبير والكلام، والترجمات الآلية، وتحليل المعلومات واسترجاعها عبر مجموعة من التوزيعات والاحتمالات.

ولذلك فقد شهد العامان 2023، و 2024 انطلاقا لافتا للنماذج اللغوية المعتمدة على اللغة العربية، والتي تهدف إلى تعزيز المحتوى العربي، ودعم التوجهات اللغوية للمجتمعات العربية، وتحسين دورها في النمو الاقتصادي باعتبارها استثمارا ثقافيا قائما على الاقتصاد الرقمي الموجَّه نحو فتح آفاق الابتكارات التقنية وفرص عمل جديدة للشباب المبدعين، والمؤسسات العاملة في هذا القطاع، فمنذ العام 2023 أعلن مركز الذكاء الاصطناعي (إنسبشن) التابع لمجموعة (جي 42) بالتعاون مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، عن إطلاق النموذج اللغوي (جيس)؛ الذي يستند إلى (13 مليار مؤشر، وتم تدريبه على مجموعة بيانات جرى تطويرها حديثا، وتضم 395 مليار رمز باللغتين العربية والإنجليزية) - حسب صحيفة البيان.

وهكذا أيضا أعلن مركز المعلومات الوطني في الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، عن النموذج اللغوي العربي (علاَّم)؛ الذي (تم تدريبه على أكثر من 500 مليار وحدة لغوية) - بحسب صحيفة الشرق الأوسط -، وقد تم تزويد هذا النموذج ببيانات عن التاريخ السعودي، والرياضة والصحة والتعليم وغير ذلك، حيث يُعد - بحسب الصحيفة - (أهم مصادر المعرفة الموثوقة في السعودية...)، لذا فإن العالم شهد منذ 2023 تدشين مجموعة من النماذج اللغوية الداعمة للمحتوى العربي، والذي يحمل خصوصية المجتمعات العربية سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي.

ولأن عُمان واحدة من تلك الدول التي تشهد حِراكا واسعا وتنمية رقمية متسارعة، وطموحا نحو الاستثمار في الاقتصاد الرقمي ودعم كل ما من شأنه أن يُعزِّز ذلك الاستثمار، ويمكِّن قدرته على التنامي، فإنها أطلقت خلال معرض كومكس العالمي للتكنولوجيا في نسخته الـ 33 للعام 2024، مجموعة من البرامج والمبادرات والشراكات الخاصة بتنمية البنية التقنية من ناحية، وتوسعة المشروعات المتخصصة من ناحية ثانية، وتدشين مشروعات متنوعة تكشف التطورات والخبرات الواسعة للمؤسسات العمانية والشركات العاملة في هذا القطاع.

ومن بين تلك المبادرات والبرامج الواعدة والمهمة جاء إطلاق مشروع النموذج اللغوي للمحتوى العماني (شات جي بي تي) (المرحلة الأولى)، وهو نموذج لغوي (يتم تدريبه على المحتوى العُماني الثقافي والتاريخي والفني والعلمي والحضاري والسياسي بالذكاء الاصطناعي) - بحسب نشرة وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات -، إذ يهدف هذا النموذج إلى إحداث (تأثير إيجابي) على قطاعات التنمية في عُمان، إضافة إلى ما يقدمه من تعزيز للثقافة الوطنية ومفهوم المواطنة الإيجابية، والتواصل الفاعل في الحِراك المجتمعي ومواصلة العطاء الحضاري والفكري.

إن مشروع النموذج اللغوي للمحتوى العماني، يُعد أحد أهم المشروعات الثقافية التي تدعم دور القوة الناعمة ويسهم في تحقيق أهدافها، من خلال التعريف بالثقافة العمانية والتاريخ والحضارة عبر التاريخ الممتد والضارب في القدم، وكذلك الكشف عن الممكنات الحديثة والفُرص التي تتميَّز بها عُمان في تنوعها الجغرافي والجيولوجي والبيولوجي وغير ذلك، مما يجعلها بيئة خصبة للاستثمار، إضافة إلى إبراز آفاق التطورات الحضارية التي تشهدها البلاد في كافة المجالات منذ بداية عصر النهضة الحديثة، وهي في تنمية متواصلة وسريعة، الأمر الذي يجعلها متطلِّعة نحو الاقتصادات الحديثة والاستفادة منها.

لذا فإن هذا المشروع الثقافي المهم يقدِّم الثقافة العمانية بمفهومها الواسع أمام الجمهور العربي والعالمي لتكون نافذة يطلُّون منها على الفكر العماني الباني للحضارة عبر تاريخه الممتد في مجالاتها الواسعة، ليكون قوة ناعمة ترتكز على السلام والتفاهم، لتعرِّف بتلك الثقافة وتبني جسور التواصل والمعرفة بين عُمان وشعوب العالم. إنه نموذج عربي عماني يفتح الفرص التقنية والابتكارية والاقتصادية الواسعة، ضمن مفاهيم تنطلق من الحاضر إلى المستقبل، وتدعم تطلعات الثقافة الوطنية.

إن اهتمام الدولة باقتصاديات الذكاء الاصطناعي عموما يكشف الطموح والتطلعات الحثيثة نحو الاستثمار في الاقتصادات التقنية الواعدة، التي تشكِّل اليوم أحد أهم الأهداف التي تطمح إليها دول العالم، والتي تؤثِّر على مسار سوق الأعمال الذي يشهد تحولات عدة خاصة في ظل تنامي التطورات في القطاع التقني وشيوع تطبيقاته المعتمدة على معالجة النصوص والصور والأصوات، ونماذج اللغة الكبرى (LLMs)، والتي تتميَّز بشبهها بالإنسان من حيث قدرتها على إنشاء اللغة وفهمها، الأمر الذي يدعم زيادة إنتاج الصناعات ويفتح فرص جديدة في سوق العمل والوظائف الإبداعية والتقنية عموما.

ولهذا فإن الأهداف التي قامت عليها مشروعات اقتصادات الذكاء الاصطناعي التي تم إطلاقها خلال المعرض، تنطلق من (تحقيق مستهدفات قطاعات التنويع الاقتصادي في خطة التنمية الخمسية العاشرة 2021-2025)، اعتمادًا على اقتصاد قائم على التقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن هنا تم تخصيص ما قيمته 10 ملايين ريال عماني لدعم تلك المشروعات، في مبادرة طموحة غايتها فتح الفرص الاستثمارية، ورفد الاقتصاد، والمعرفة، وتطوير خدمات الحكومة الذكية.

فمشروعات اقتصادات الذكاء الاصطناعي عموما، ومشروع النموذج اللغوي العماني بشكل خاص، تعد مرحلة مهمة في التنمية التقنية في عُمان باعتبارها تنطلق من التحوُّل الرقمي إلى الاقتصاد الرقمي، الذي يفتح أمام الدولة آفاق واسعة على مستوى الاستثمار المعرفي وتطوير جودة الخدمات، ويقدِّم للمؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع آفاق رحبة للابتكار وتطوير المعارف. ولعلنا قريبا سنشهد تدشين تلك التطبيقات والبرامج، وسيكون لها دور أساسي في تنويع الاقتصاد الوطني، ورفد سوق العمل المحلي، وتوسيع فرص الابتكار وإنتاج الصناعات الإبداعية المختلفة القائمة على المعارف والثقافة بتنوعها.

إن مشروع النموذج اللغوي العماني يشكِّل استثمار معرفيا ورقميا رائدا سيفتح المجالات واسعة أمام الشباب العماني المبدع وسيفتح مجالات الاستثمار في القطاعات المختلفة، ولهذا فإن العمل على تسريع تدشينه، والتسويق له بما يستحق، سيكون له أثر فاعل لتحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی النماذج اللغویة الاقتصاد الرقمی النموذج اللغوی مجموعة من

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يعيد صناعة المحتوى وبناء المجتمعات

قدّم بين ريلز، رئيس قسم استراتيجية المحتوى في مكتب مؤسس لينكد-إن، ريد هوفمان، جلسة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، استكشف خلالها التطورات الهائلة في مجال صناعة المحتوى، ورافقه خلال الجلسة التوأم الرقمي لريد هوفمان، «ريد أيه آي». وسلطت الجلسة الضوء على دور الذكاء الاصطناعي التوليدي في سياق إعادة تشكيل صناعة المحتوى وبناء المجتمعات، وقدرته على تحقيق نطاق وتأثير يتجاوزان ما تحققه منصات التواصل الاجتماعي حالياً.
واستحوذ «ريد أيه آي» توأم ريد هوفمان الرقمي على انتباه واهتمام الجمهور، إذ تحدث بعدة لغات منها الفرنسية والهندية والأوردو، ليبرهن على إمكانيات الذكاء الاصطناعي في توليد الكلام والأصوات.
شهد الذكاء الاصطناعي مؤخراً تطورات أتاحت لصناع المحتوى تعزيز سرعة إنجاز الأعمال، كإنجاز فيلم مدته 12 دقيقة خلال أيام معدودة فقط، وهو ما يمثل قفزة نوعية تحاكي ما حققته منصات مثل «يوتيوب» سابقاً، من إتاحة مجال صناعة المحتوى للجميع. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاق إمكانات مذهلة بالنسبة للمهتمين بصناعة الأفلام وصناعة المحتوى، إلا أنه يفرض أيضاً بعض الأسئلة حول إمكانية التمايز والتفاضل في عالم يستخدم فيه الجميع هذه التقنية.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يتنبأ بمكونات الوجبة المثالية
  • مايكروسوفت تدشن قسمًا داخليًا جديدًا عن الذكاء الاصطناعي
  • صناع المحتوى يبيعون مقاطعهم غير المنشورة لشركات الذكاء الاصطناعي
  • ممثلون يستخدمون الذكاء الاصطناعي للحصول على مظهر أصغر
  • الذكاء الاصطناعي يسعى إلى فهم العالم
  • إبراهيم اليازجي.. الشخصية التي مثّلت اللغة في شكلها الإبداعي والفني
  • الذكاء الاصطناعي في المستطيل الأخضر: هل يُنجب لنا ميسي أم يعيد ماردونا؟!
  • فتح باب التسجيل في مبادرة «مليون خبير لأوامر الذكاء الاصطناعي»
  • الذكاء الاصطناعي يعيد صناعة المحتوى وبناء المجتمعات
  • الولايات المتحدة.. قواعد جديدة تتعلق بتصدير الشرائح الإلكترونية المستخدمة في الذكاء الاصطناعي