المسار التطبيقي للذكاء الاصطناعي في سلطنة عُمان ومستجداته
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
تشق سلطنة عُمان طريقها إلى النمو الاقتصادي عبر اعتماد سياسة التنوع الاقتصادي الذي يعتبر التحول الرقمي أحد فروعه الرئيسة الذي يمكن أن يساهم في رفد الاقتصاد المحلي وتنميته؛ إذ يشير تقريرٌ صادر عن مؤسسة «PWC» في عام 2018م عن أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي الذي يعوّل عليه الكثيرون في تحقيق استدامة كبيرة للاقتصاد العُماني، حيث -وفقا للتقرير الصادر- يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان مع دولة الكويت ودولة قطر ومملكة البحرين بنسبة تصل إلى 8.
أطالع ما تنشره وسائل الإعلام المحلية عن مستجدات تفاعلنا مع الأنظمة الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي، وما يمكن أن تسهم به في رفد الاقتصاد وتسريع عملية التحول الرقمي التي نحاول بواسطتها تحقيق مستوى «الرشاقة» في جميع القطاعات؛ إذ طالعت خبرين نشرتهما جريدة عُمان -الأسبوع المنصرم- في تاريخ 27 مايو عن اتساع رقعة تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي كان أحدهما اعتماد هيئة البيئة في جنوب سلطنة عُمان استعمال خوارزمية الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات التي تجمعها بواسطة أنظمة الاستشعار عن بعد وعبر صور الأقمار الصناعية في عملية مراقبة أشجار المر والتنبؤ بالمتغيرات المستقبلية، مما يساهم في حماية هذه الشجرة، ويتعلق الخبر الثاني بتوصية ندوة «آليات تسوية منازعات العمل بين الواقع والمأمول» باستعمال الذكاء الاصطناعي في توجيه العامل والتدخل في حل النزاعات العمالية مع الجاهزية البشرية للتدخل في حال عدم جدوى الوساطة الرقمية. وجدت في هذين الخبرين جزئيات لا يتصور البعض أن الذكاء الاصطناعي قادرٌ على خوض غمارها، إلا أن هذه الجزئيات التي تتعلق بقطاعي الزراعة والعمل فيهما من التعقيد ما يمكن أن نجده في قطاعات سبق أن اقتحم الذكاء الاصطناعي مجالها في سلطنة عُمان مثل قطاع الصحة والتعليم؛ فقطاع الزراعة بما يحويه من تحديات يتصل بعضها بأبجديات اقتصادية في غاية الأهمية بحاجة ماسة إلى تدخّل خوارزميات الذكاء الاصطناعي في كثير من مفاصله، ولا أنكر حراك القطاع الزراعي والجهات المعنية في مواكبة التقدم الرقمي واستثماره في مواجهة هذه التحديات؛ فبجانب ما نُشر عن هذه المبادرة الرقمية في مراقبة أشجار المر ثمّة دراسات كثيرة لباحثين عُمانيين شهدت بعضها في مؤتمرات محلية تبحث في الحلول التي يمكن أن تقدمها خوارزميات الذكاء الاصطناعي في مجال الزراعة. أما ما يخص توجيه العمال عن طريق الذكاء الاصطناعي وتقديم الوساطة والحلول للقضايا العمالية؛ فهذه سابقة تعكس مستويات الوعي الرقمي في سلطنة عُمان تتمثل في تحقيق الاستفادة القصوى من نماذج الذكاء الاصطناعي التي يمكنها -وفقا لخوارزمياتها المدهشة- أن تتفاعل مع المشاعر الإنسانية وتحليل أنماطها السلوكية التي بدورها تعكس نقلة نوعية في الخدمات المجتمعية.
تتلخص فائدة الذكاء الاصطناعي في كونه يمتلك قدرات تحليلية دقيقة وسريعة للبيانات الكبيرة؛ فيسهم في خفض التكاليف التشغيلية ورفع مستويات الجودة وتقديم أنجع الحلول وأسرعها؛ وبالتالي يمكنه المساهمة في رفع الناتج المحلي بشكل مباشر أو غير مباشر عبر توظيفه في قطاعات مهمة، ويمكن أن نلتفت إلى بعض هذه القطاعات التي جاءت في تقرير نشره موقع «PWC» مع توقعات بنسبة مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي للشرق الأوسط وفقا للقطاعات منها قطاع البناء والتصنيع الذي يُتوقع أن تصل نسبة مساهمة الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12.4%، وبنسبة تصل إلى 18.6% للقطاع العام الذي يشمل التعليم والصحة، ونسبة 19% لقطاع التجارة بالتجزئة والجملة، والسلع الاستهلاكية، والإقامة وخدمات الطعام، و15.2% لقطاع النقل واللوجستيات، و14% لقطاع التقنية والإعلام والاتصالات. تظل هذه التوقعات محل تغيّر وفقا لتغييرات الخطط الاستراتيجية لدول المنطقة ورؤيتها الاقتصادية التي تُبنى نظير المستجدات الطارئة التي تتأثر بالتطويرات التقنية المتسارعة -التي بات من الصعب تحديد مستجداتها في سنوات قليلة قادمة بسبب ثورة الطفرات الرقمية السريعة-.
سبق أن تناولنا بعض ملامح الرؤية المعنية بالاقتصاد الرقمي في سلطنة عُمان، ونتابع بشغف مسار هذه الرؤية عبر الخطط المرسومة وما أنجزَ منها وفقا للجدول الزمني المحدد، وتبيّن عبر هذه المتابعة نجاح مسار هذه الرؤية الوطنية، إلا أن مستجدات الأنظمة الرقمية وتسارع تطويراتها التي نراها تجتاح كل قطاعات حياتنا تستدعي أن نلتفت إلى مسار الاقتصادات الرقمية المنافسة في المنطقة والعالم أجمع عبر سياسة التحديث الظرفي المستمر لخططنا الرقمية التنفيذية، ويتحقق ذلك بواسطة اكتشاف مواضع جديدة لتوظيف الذكاء الاصطناعي والأنظمة الرقمية في قطاعات لم تكن ذا أولوية في برنامج التحول الرقمي مثل القطاع المجتمعي والإنساني بشكل عام، ولنا في توصية ندوة «آليات تسوية منازعات العمل بين الواقع والمأمول» مثال على مبادرات تجديد مواضع توظيف الذكاء الاصطناعي في مهام تتعلق بالجانب الإنساني وتأمين حقوقه في العمل والمجتمع، ويمكن أن نضيف قطاع التعليم الذي يحتاج إلى تفاعل أكبر مع التقنيات الرقمية الذكية مع الأخذ بعين الاعتبار السلبيات الحالية المرافقة لأداء نماذج الذكاء الاصطناعي خصوصا حال توسّع توظيفه في قطاع التعليم من حيثُ اقترانه بممارسات غير مسؤولة يمكن أن تضعضع عملية التعليم إن لم تحدد لعملية التوظيف الرقمي ممارسات واضحة وقوانين تخص أخلاقيات التعليم، وهذا أيضا ما ينبغي أن يرافق جميع القطاعات والمواقع التي يتداخل تشغيلها مع الأنظمة الرقمية.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی فی التحول الرقمی الناتج المحلی یمکن أن فی قطاع
إقرأ أيضاً:
مساعد وزير الخارجية يبرز أهمية الأبعاد التنموية للتناول الأممى للذكاء الاصطناعي
شارك السفير عمرو الجويلى مساعد وزير الخارجية للشئون متعددة الأطراف والأمن الدولي كمتحدث في حوار حوكمة الذكاء الاصطناعي بين الاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية الذى استضافته وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة.
وأبرز، خلال كلمته في الجلسة الخاصة "بالمبادرات الأفريقية في الأطر متعددة الأطراف"، أهمية مراعاة الأبعاد التنموية في جميع المحافل الدولية التي تبحث موضوعات الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أهمية أن تقوم الدول الأفريقية بطرح أولوياتها السياساتية المتعلقة بمصلحة المجتمع في الدول النامية لتوازن وتتكامل مع المقاربات التي تقتصر على منظور السوق خاصة في المنتديات متعددة أصحاب المصلحة.
وأضاف "الجويلى" أن متابعة موضوع الذكاء الاصطناعى في الأطر متعددة الأطراف ترتكز على ثلاثة محاور، الأول تأثيره على مناخ وهيكل العلاقات الدولية، والثانى كونه أداة مطوعة للاستخدام في العلاقات الدولية، والثالث أنه أصبح جزءاً من جدول الأعمال بما يحمله من قضايا جديدة مثل البيانات، والقدرات الحاسوبية، والنماذج الخوارزمية. واستطرد مشدداً على الحرص على إدماج التقدير البشرى في استخدامات الذكاء الاصطناعى، خاصة تلك التي قد تمس سلامة وأمن المجتمعات.
وفى الجلسة الختامية برئاسة الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عرض مساعد وزير الخارجية للإسهام الرائد لمصر في تناول القضايا الرقمية على الصُعد متعددة الأطراف الذى يتوجه استضافة الحوار بين الاتحاد الأفريقي وبين منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية في مصر، وسبقه قيام مصر بتنسيق أعمال مجموعة الـ٧٧ في نيويورك في التفاوض على الميثاق الرقمى العالمى الذى اعتمدته قمة الأمم المتحدة للمستقبل في سبتمبر الماضى.