لجريدة عمان:
2024-09-30@12:07:02 GMT

4: قراءة الفيلم

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

قراءة الفيلم تعني ببساطة الوعي بجماليات الفيلم، أعني: القدرة على إدراك المفردات أو العناصر التي تشكل جماليات الفيلم. هذه القدرة- كما في سائر الفنون- تتطلب امتلاك المتلقي مهارات خاصة في الإدراك الجمالي تتعلق بالخبرة الجمالية بالسينما، فضلًا عن مهارات الإدراك والخبرة الجمالية بوجه عام التي ينبغي أن تتوافر لدى كل متلق: فالحقيقة أن مَن يحسن قراءة فن ما من الفنون (كاللوحة على سبيل المثال) هو شخص يكون مؤهلًا أيضًا لقراءة الفنون الأخرى.

ولكن ما نريد أن نتوقف عنده في هذا المقال هو الكشف عن تلك المهارات الخاصة التي تكون مطلوبة لإدراك جماليات الفيلم:

بوسعنا القول إن فن السينما هو فن جامع، أعني أنه يستلهم الأساليب الجمالية للفنون الأخرى التي وصل إليها الفن في عصرنا عبر أكثر من قرن من الزمان؛ وكأن فن السينما يستعيد الدور التاريخي لنشأة الفنون في عصر القدماء، حينما كان يمثل المسرح الفن الجامع في عصره، فهو يجمع بين الشعر والتمثيل والموسيقى والرقص؛ ولهذا سُمي المسرح «أبو الفنون»، بينما أُطلِق على السينما اسم «الفن السابع»، باعتباره الفن الأخير في سلسلة الفنون الجميلة الكبرى المعروفة. ولكن هذا الفن قد تطور عبر قرن من الزمان تطورا مذهلًا من حيث الأساليب الفنية في التعبير؛ نظرًا للتطور المذهل في تقنيات الكاميرا وإمكانيات التصوير.

لقد أصبحت الصورة السينمائية بالتدريج مناط التكوين الجمالي المهيمن على هذا الفن. وهذا ما ينبغي أن يفطن إليه قارئ الفيلم. وليس معنى ذلك أن الحوار في الفيلم تكون له أهمية ثانوية: فالحقيقة أن الحوار تكون له قيمة جمالية كبرى، خاصة في تلك الأفلام التي يكون الحوار فيها من إبداع كاتب سيناريو أو مستمدًا من نص أدبي لأديب عظيم. ولكننا نتعلم ونكتشف دائما أن الأعمال السينمائية الكبرى هي تلك التي تسيطر فيها الصورة السينمائية على الحوار وعلى المشهد برمته.

ما شكل خبرتي الجمالية بفن السينما منذ فترة مبكرة هو حضوري العروض السينمائية الأسبوعية التي تقيمها مراكز الثقافة الفرنسية في البلدان العربية التي أقمت فيها حينًا من الزمان. كنت ألاحظ أن الأفلام الفرنسية التي تُعرَض، يقل فيها الحوار بصورة ملحوظة، وكأن المخرج يريد أن يجبرنا على قراءة الفيلم وفهم دلالاته الجمالية من خلال الصورة السينمائية أولًا (تمامًا مثلما أن الفنان التجريدي يريد أن يجبرنا على تأمل اللوحة من خلال الخطوط والألوان والتكوينات). وأذكر أنني شاهدت فيلمًا- لا أذكر اسمه- مستمدا من نص للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: لم يَرِد الحوار في الفيلم إلا قرب نهايته في صورة مقتضبة، وكأن المخرج يريد أن يقول لنا إن كل ما يمكن قوله قد قالته الصورة السينمائية بوضوح أكبر وأكثر تعبيرًا. وربما تذكرنا العلاقة بين الصورة السينمائية والكلمات أو النص الحواري بالعلاقة- التي سبق أن تناولناها في مقالنا عن قراءة الموسيقى- بالعلاقة بين الموسيقى والكلمات كما في الأغنية والأوبرا وغير ذلك: فالأعمال العظمى من هذا النوع هي تلك التي تكون فيها الموسيقى قادرة على أن تُعزَف وحدها بشكل مستقل عن الكلمات، وأن تنال مع ذلك إعجابنا ومتعتنا بها.

وفي ضوء هذا الأمر نفسه يمكننا المقارنة بين السينما الأمريكية والسينما الأوروبية: فالأفلام الأمريكية - باستثناءات قليلة - لا تقوم على جماليات الصورة السينمائية كما هو الحال في السينما الأوروبية عموما، وإنما تقوم على إبهار الأحداث المتلاحقة المشوِّقة، وعلى إبهار الصورة التي تستخدم تقنيات متقدمة؛ ولذلك نجد أن هذا النوع من السينما يحقق نجاحًا في التسويق التجاري للأفلام التي تتعلق بالحروب والأحداث التاريخية الجسام، والتي تتطلب ميزانيات ضخمة؛ بينما حظ هذه السينما قليل في الأفلام التي تتعلق بتناول خبرات العالم المعيش كما تتبدى في حياة الناس، وهي غالبًا لا تتناول أحداث الناس العاديين، وإنما تتناول حياة الأبطال في الحروب والحياة، وغالبًا ما يتمثل هذا البطل (أو الأبطال) في صورة الأمريكي المنتصر على الدوام.

وما ينبغي أن يلتفت إليه أيضًا قارئ الفيلم هو العلاقة بين الصورة والصوت في الفيلم. والصوت هنا يتبدى -في بعض منه- من خلال مواءمة الصورة والأداء التمثيلي لفعل الكلام؛ ولهذا السبب نفسه، فإننا لا نستمتع بالأفلام المدبلجة، خاصة تلك التي يتم دبلجتها بشكل رديء. غير أن علاقة الصورة بالصوت تتبدى على نحو آخر من خلال علاقة الصورة السينمائية بموسيقى الفيلم.

وهذا ينقلنا إلى التأكيد على أهمية المونتاج الذي ربما يكون أهم العناصر الجمالية في الصورة السينمائية. والمونتاج ببساطة هو فن تقطيع ووصل اللقطات والمشاهد السينمائية، وهذا فن عميق دقيق في صناعة الصورة السينمائية، وله دور كبير مع الأدوات الفنية الأخرى في تحديد دخول الصوت على الصورة؛ وهذا يتبدى بوضوح في عملية دخول مقاطع من الموسيقى التصويرية في توقيت بعينه لمشاهد معينة، كما أنه يتبدى أيضًا في تقطيع لقطات المشهد، ليشغل كل منها زمنا معينا. وفي هذا الصدد يقول أحد علماء جماليات السينما: «حينما تشاهد فيلمًا ما، حاول أن تخمن اللحظة التي ينبغي أن تنتهي فيها اللقطة السينمائية إما بتغيير كادر التصوير أو الزاوية أو المجال». ويزداد الأمر تعقيدا، ومن ثم يزداد جمالًا، حينما يحدث هذا المونتاج على مستوى الصورة والصوت في الوقت ذاته.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصورة السینمائیة ینبغی أن من خلال

إقرأ أيضاً:

أهمية القراءة في حياة الإنسان

أهمية القراءة في حياة الإنسان، القراءة تُعتبر واحدة من أهم الأنشطة التي تسهم في تطوير الفكر وتنمية المهارات الإنسانية. 

فهي ليست مجرد وسيلة للترفيه أو التعلّم، بل هي نافذة على العالم الخارجي، تمد الإنسان بالمعرفة والتجارب وتساعده على توسيع مداركه وفهمه للحياة.

تنشر لكم بوابة الفجر الإلكترونية في السطور التالية كافة التفاصيل حول أهمية القراءة في حياة الإنسان.

أهمية القراءة للفرد

1. تنمية العقل والفكر: القراءة تُغذي العقل بالمعلومات والمعرفة، وهي وسيلة فعالة لتحفيز الدماغ على التفكير النقدي والتحليل. 

من خلال الاطلاع على مختلف المواضيع، يتعلم الفرد كيفية ربط الأفكار واستخلاص الحلول للمشكلات.

أهمية القراءة في حياة الإنسان


2. توسيع الآفاق الثقافية: القراءة تمكن الإنسان من التعرف على ثقافات وحضارات مختلفة، وتساعد على فهم التنوع الثقافي في العالم.

 من خلال قراءة الكتب التي تناقش تجارب ومعتقدات مختلفة، يتعلم الفرد التسامح وقبول الآخر.


3. تحسين مهارات اللغة والتواصل: القراءة المنتظمة تسهم في إثراء مفردات الشخص وتحسين قدراته اللغوية.

 كلما قرأ الفرد أكثر، زادت قدرته على التعبير عن أفكاره بشكل واضح ودقيق، سواء كان ذلك شفهيًا أو كتابيًا.


4. تخفيف التوتر والإجهاد: تعد القراءة وسيلة فعالة للاسترخاء وتخفيف التوتر.

 عندما يغوص الفرد في كتاب ممتع، ينسى ضغوط الحياة اليومية ويمنح عقله فرصة للراحة. 

الكتب الخيالية والروايات تُعتبر مصادر جيدة للترفيه العقلي.


5. تحفيز الإبداع: القراءة، خاصة في مجالات الأدب والفنون، تحفّز على التفكير الخلّاق والإبداعي. 

من خلال قراءة القصص الخيالية أو الاطلاع على الفنون المختلفة، يُلهم العقل لإنتاج أفكار جديدة ومبتكرة.

أهمية القراءة في بناء المعرفة وتطوير الشخصية أهمية القراءة للمجتمع

1. بناء مجتمع مثقف: عندما يُقبل الأفراد على القراءة، ينشأ جيل واعٍ وقادر على التفكير والتحليل.

 المجتمعات التي تشجع على القراءة تتقدم علميًا وثقافيًا، حيث تسهم المعرفة في إيجاد حلول فعالة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية.


2. تعزيز روح الحوار والنقاش: القراءة تغذي الفكر بمعلومات وأفكار متنوعة، مما يجعل الأفراد قادرين على المشاركة في الحوارات والنقاشات بشكل إيجابي وفعّال.

 الفهم العميق للأفكار المختلفة يسهم في بناء مجتمع متسامح ومفتوح على النقاش البنّاء.


3. الحد من الجهل: القراءة تساهم في محاربة الجهل ونشر الوعي.

 عندما يكون الأفراد متعلمين ومثقفين، يصبحون أكثر قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وبالتالي يساهمون في تقليل انتشار المعلومات الخاطئة.


4. تعزيز التنمية المستدامة: المعرفة هي أساس التنمية المستدامة.

 المجتمعات التي تعزز القراءة وتنشر المعرفة تكون أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتستطيع تطوير خطط مبتكرة لتحقيق التقدم.

أهمية القراءة في تنمية العقل وتطوير الذات أنواع القراءة

1. القراءة التعليمية: تهدف إلى اكتساب المعرفة في مجالات معينة، مثل العلوم، التاريخ، الرياضيات، وغيرها.

 تُعد القراءة التعليمية أساسية لتطوير مهارات الفرد في المجال الأكاديمي أو المهني.

أهمية القراءة في حياة الإنسان


2. القراءة الترفيهية: هي القراءة التي تهدف إلى الترفيه والاستمتاع، مثل قراءة الروايات والقصص الخيالية.

هذا النوع من القراءة يسهم في تحسين المزاج ويمنح الفرد فرصة للاسترخاء.


3. القراءة التحفيزية: تتضمن الكتب والمقالات التي تهدف إلى تحفيز الشخص على تحسين نفسه، سواء في حياته الشخصية أو المهنية.

 هذا النوع من القراءة يشجع على تطوير المهارات الحياتية مثل القيادة، التفكير الإيجابي، وإدارة الوقت.


4. القراءة الثقافية: تهدف إلى تعزيز الفهم الثقافي وزيادة الوعي بالتنوع الإنساني. 

من خلال قراءة الأدب والفلسفة والسياسة من مختلف الثقافات، يستطيع الفرد فهم المجتمع العالمي بشكل أوسع.

 

التحديات التي تواجه القراءة في العصر الحديث

1. التشتت الرقمي: مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة، أصبح من الصعب على الكثير من الأفراد التركيز على القراءة. 

التشتت الرقمي يقلل من الوقت الذي يخصصه الناس للقراءة العميقة والمركزة.


2. نقص المكتبات والمصادر: في بعض المناطق، لا تتوفر مكتبات أو مصادر كافية للوصول إلى الكتب والمعلومات، مما يحد من قدرة الأفراد على الاستفادة من القراءة.


3. ضعف الاهتمام بالقراءة: بعض المجتمعات لا تعطي أهمية كبيرة للقراءة، سواء في المناهج الدراسية أو في الحياة اليومية، مما يؤدي إلى تراجع نسبة القراء.

أهمية القراءة في بناء المعرفة وتطوير الشخصية


4. ارتفاع تكلفة الكتب: في بعض الأحيان، قد تكون تكلفة الكتب عالية، خاصة في المجتمعات التي لا تتوفر فيها مكتبات عامة أو برامج لدعم القراءة، مما يجعل الوصول إلى الكتب محدودًا.

 

سبل تعزيز القراءة في المجتمع

1. تشجيع القراءة منذ الطفولة: يمكن تعزيز حب القراءة لدى الأطفال من خلال تقديم كتب ملائمة لأعمارهم وتشجيعهم على استكشاف القصص. 

القراءة بصوت عالٍ للأطفال وتخصيص أوقات يومية للقراءة مع العائلة يساعد في زرع هذه العادة مبكرًا.


2. إنشاء نوادي القراءة: يمكن تأسيس نوادي قراءة في المدارس والجامعات وأماكن العمل، حيث يمكن للأفراد تبادل الكتب والمشاركة في مناقشات حول محتواها.

 هذه الأنشطة تعزز من حب القراءة وتفتح المجال أمام حوارات مثمرة.


3. توفير الكتب الرقمية: مع التطور التكنولوجي، يمكن استغلال التطبيقات والمنصات الرقمية لتوفير الكتب بأسعار معقولة أو مجانًا، مما يسهل الوصول إلى المحتوى الثقافي والمعرفي.

أهمية القراءة في تنمية العقل وتطوير الذات


4. تحفيز الأفراد على القراءة: من الممكن تقديم حوافز للأفراد من أجل تشجيعهم على القراءة، مثل مسابقات قراءة أو مكافآت على إتمام عدد معين من الكتب.

 هذا النوع من التحفيز يشجع على القراءة المستمرة،  القراءة هي مفتاح المعرفة والتنمية الشخصية والمجتمعية.

 من خلال تعزيز حب القراءة في حياتنا اليومية، يمكننا أن نُسهم في بناء جيل مثقف وواعٍ، قادر على التفكير النقدي والمساهمة الإيجابية في المجتمع.

 يتطلب هذا التحول تعاونًا بين الأفراد والمؤسسات لتوفير مصادر المعرفة وتحفيز الأجيال الجديدة على اكتشاف متعة القراءة.

 

مقالات مشابهة

  • برلماني: الحوار الوطني منصة هامة لمناقشة القضايا التي تخص الأمن
  • بـ 300 ألف جنيه.. فيلم «عاشق» يحافظ على صدارة دور العرض السينمائية
  • بشير التابعي: الأهلي كان مرعوب من الزمالك .. وهي المرة الأولى التي أراهم بتلك الصورة
  • الحوار الوطني يستعرض أوجه الدعم المباشر التي تقدمها الدولة لمواطنيها
  • النادي الثقافي يطلق المكتبة السينمائية للطفل والناشئة
  • إلى قائمة كتاباتي المنشورة فيها
  • تداعيات اغتيال نصر الله على حزب الله ومحور المقاومة.. قراءة في آراء الخبراء (خاص)
  • أهمية القراءة في حياة الإنسان
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تحكي قصة “الحكامة” التي خلعت ملابسها الداخلية وعلقتها داخل متحرك للدعم السريع وإنصاف مدني تقاطعها: (قولي قلعت لباسها عادي ما فيها حاجة)
  • حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور