قراءة الفيلم تعني ببساطة الوعي بجماليات الفيلم، أعني: القدرة على إدراك المفردات أو العناصر التي تشكل جماليات الفيلم. هذه القدرة- كما في سائر الفنون- تتطلب امتلاك المتلقي مهارات خاصة في الإدراك الجمالي تتعلق بالخبرة الجمالية بالسينما، فضلًا عن مهارات الإدراك والخبرة الجمالية بوجه عام التي ينبغي أن تتوافر لدى كل متلق: فالحقيقة أن مَن يحسن قراءة فن ما من الفنون (كاللوحة على سبيل المثال) هو شخص يكون مؤهلًا أيضًا لقراءة الفنون الأخرى.
بوسعنا القول إن فن السينما هو فن جامع، أعني أنه يستلهم الأساليب الجمالية للفنون الأخرى التي وصل إليها الفن في عصرنا عبر أكثر من قرن من الزمان؛ وكأن فن السينما يستعيد الدور التاريخي لنشأة الفنون في عصر القدماء، حينما كان يمثل المسرح الفن الجامع في عصره، فهو يجمع بين الشعر والتمثيل والموسيقى والرقص؛ ولهذا سُمي المسرح «أبو الفنون»، بينما أُطلِق على السينما اسم «الفن السابع»، باعتباره الفن الأخير في سلسلة الفنون الجميلة الكبرى المعروفة. ولكن هذا الفن قد تطور عبر قرن من الزمان تطورا مذهلًا من حيث الأساليب الفنية في التعبير؛ نظرًا للتطور المذهل في تقنيات الكاميرا وإمكانيات التصوير.
لقد أصبحت الصورة السينمائية بالتدريج مناط التكوين الجمالي المهيمن على هذا الفن. وهذا ما ينبغي أن يفطن إليه قارئ الفيلم. وليس معنى ذلك أن الحوار في الفيلم تكون له أهمية ثانوية: فالحقيقة أن الحوار تكون له قيمة جمالية كبرى، خاصة في تلك الأفلام التي يكون الحوار فيها من إبداع كاتب سيناريو أو مستمدًا من نص أدبي لأديب عظيم. ولكننا نتعلم ونكتشف دائما أن الأعمال السينمائية الكبرى هي تلك التي تسيطر فيها الصورة السينمائية على الحوار وعلى المشهد برمته.
ما شكل خبرتي الجمالية بفن السينما منذ فترة مبكرة هو حضوري العروض السينمائية الأسبوعية التي تقيمها مراكز الثقافة الفرنسية في البلدان العربية التي أقمت فيها حينًا من الزمان. كنت ألاحظ أن الأفلام الفرنسية التي تُعرَض، يقل فيها الحوار بصورة ملحوظة، وكأن المخرج يريد أن يجبرنا على قراءة الفيلم وفهم دلالاته الجمالية من خلال الصورة السينمائية أولًا (تمامًا مثلما أن الفنان التجريدي يريد أن يجبرنا على تأمل اللوحة من خلال الخطوط والألوان والتكوينات). وأذكر أنني شاهدت فيلمًا- لا أذكر اسمه- مستمدا من نص للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: لم يَرِد الحوار في الفيلم إلا قرب نهايته في صورة مقتضبة، وكأن المخرج يريد أن يقول لنا إن كل ما يمكن قوله قد قالته الصورة السينمائية بوضوح أكبر وأكثر تعبيرًا. وربما تذكرنا العلاقة بين الصورة السينمائية والكلمات أو النص الحواري بالعلاقة- التي سبق أن تناولناها في مقالنا عن قراءة الموسيقى- بالعلاقة بين الموسيقى والكلمات كما في الأغنية والأوبرا وغير ذلك: فالأعمال العظمى من هذا النوع هي تلك التي تكون فيها الموسيقى قادرة على أن تُعزَف وحدها بشكل مستقل عن الكلمات، وأن تنال مع ذلك إعجابنا ومتعتنا بها.
وفي ضوء هذا الأمر نفسه يمكننا المقارنة بين السينما الأمريكية والسينما الأوروبية: فالأفلام الأمريكية - باستثناءات قليلة - لا تقوم على جماليات الصورة السينمائية كما هو الحال في السينما الأوروبية عموما، وإنما تقوم على إبهار الأحداث المتلاحقة المشوِّقة، وعلى إبهار الصورة التي تستخدم تقنيات متقدمة؛ ولذلك نجد أن هذا النوع من السينما يحقق نجاحًا في التسويق التجاري للأفلام التي تتعلق بالحروب والأحداث التاريخية الجسام، والتي تتطلب ميزانيات ضخمة؛ بينما حظ هذه السينما قليل في الأفلام التي تتعلق بتناول خبرات العالم المعيش كما تتبدى في حياة الناس، وهي غالبًا لا تتناول أحداث الناس العاديين، وإنما تتناول حياة الأبطال في الحروب والحياة، وغالبًا ما يتمثل هذا البطل (أو الأبطال) في صورة الأمريكي المنتصر على الدوام.
وما ينبغي أن يلتفت إليه أيضًا قارئ الفيلم هو العلاقة بين الصورة والصوت في الفيلم. والصوت هنا يتبدى -في بعض منه- من خلال مواءمة الصورة والأداء التمثيلي لفعل الكلام؛ ولهذا السبب نفسه، فإننا لا نستمتع بالأفلام المدبلجة، خاصة تلك التي يتم دبلجتها بشكل رديء. غير أن علاقة الصورة بالصوت تتبدى على نحو آخر من خلال علاقة الصورة السينمائية بموسيقى الفيلم.
وهذا ينقلنا إلى التأكيد على أهمية المونتاج الذي ربما يكون أهم العناصر الجمالية في الصورة السينمائية. والمونتاج ببساطة هو فن تقطيع ووصل اللقطات والمشاهد السينمائية، وهذا فن عميق دقيق في صناعة الصورة السينمائية، وله دور كبير مع الأدوات الفنية الأخرى في تحديد دخول الصوت على الصورة؛ وهذا يتبدى بوضوح في عملية دخول مقاطع من الموسيقى التصويرية في توقيت بعينه لمشاهد معينة، كما أنه يتبدى أيضًا في تقطيع لقطات المشهد، ليشغل كل منها زمنا معينا. وفي هذا الصدد يقول أحد علماء جماليات السينما: «حينما تشاهد فيلمًا ما، حاول أن تخمن اللحظة التي ينبغي أن تنتهي فيها اللقطة السينمائية إما بتغيير كادر التصوير أو الزاوية أو المجال». ويزداد الأمر تعقيدا، ومن ثم يزداد جمالًا، حينما يحدث هذا المونتاج على مستوى الصورة والصوت في الوقت ذاته.
د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الصورة السینمائیة ینبغی أن من خلال
إقرأ أيضاً:
هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح؟ الإفتاء تجيب
هل يجوز قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.
وقالت دار الإفتاء المصرية فى إجابتها عن السؤال عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”، إن قراءة القرآن من المصحف في صلاة التراويح جائزة.
واستدلت بأنه ثبت أن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها كان يَؤُمها غلام لها صغير يقرأ من المصحف.
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن قراءةَ بعض آيات القرآن بعد الفاتحة سُنَّة في الركعتين الأُولَيَيْن من الصلاة، وذلك للإمام، قال الله تعالىٰ: {... فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... } [المزمل:20]، ولو تُرِكَتِ القراءة بعد سورة الفاتحة فالصلاة صحيحة.
وأضاف أن الأصل في الصَّلاةِ أن تكون قراءةُ القرآن فيها عن ظَهْرِ قَلبٍ وليست من المصحف؛ لذا جعل النَّبِيُّ ﷺ معيار التفضيل في الإمامة الحفظ والإتقان للقرآن؛ لظاهر قوله ﷺ: «لِيَؤُمّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا» رواه البخاري.
أما قراءةُ المُصَلِّي من المصحف، فقد اختلف الفقهاء فيها؛ فذهب الشافعية، والحنابلة - في المعتمد- إلىٰ جواز القراءة من المصحف في الصلاة سواء كانت الصلاة فرضًا أم نفلًا.
وقد استدلُّوا بما ورد أن أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: «كان يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِن المُصْحَفِ» رواه البخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم.
وتابع: “فرَّق المالكية بين الفرض والنفل، فَرَأَوا كراهةَ قراءة المصلِّي في المصحف في صلاة الفرض مطلقًا، وكذلك يكره في النافلة إذا بدأ في أثنائها؛ لاشتغاله غالبًا، ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة من المصحف من غير كراهةٍ؛ لأنه يُغتفَرُ فيها ما لا يُغتفَرُ في الفرض”.
بينما يرى الحنفية أنَّ القراءةَ من المصحف في الصلاة تفسدها، وهو مذهب ابن حزم من الظاهرية؛ لأنَّ حمل المصحف، والنظر فيه، وتقليب الأوراق، عملٌ كثير.
وقال المركز إنه بناءً على ما سبق فإنَّ الأفضلَ والأَولَىٰ للمصلِّي أن يقرأ القرآن من حفظه؛ فقد امتدح الله ﷻ المؤمنين بحفظهم لكتابه الكريم، فقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ... } [العنكبوت:49]، ولأن السُّنة المحفوظة عن النبي ﷺ وأصحابه القراءة عن ظهر قلب.
فإن عجز عن ذلك، وكانت القراءةُ طويلة كما في صلاة القيام؛ فعندئذٍ يجوز له القراءةُ من المصحف، ولا حرج عليه في ذلك.
حكم القراءة من المصحف في صلاة الفرض
قالت دار الإفتاء، إن القراءة من المصحف في صلاة الفرض جائزة، ولا مانع للمصلي من القراءة من المصحف سواء يصلي الفرض أو السنة.