لجريدة عمان:
2025-03-17@13:49:01 GMT

4: قراءة الفيلم

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

قراءة الفيلم تعني ببساطة الوعي بجماليات الفيلم، أعني: القدرة على إدراك المفردات أو العناصر التي تشكل جماليات الفيلم. هذه القدرة- كما في سائر الفنون- تتطلب امتلاك المتلقي مهارات خاصة في الإدراك الجمالي تتعلق بالخبرة الجمالية بالسينما، فضلًا عن مهارات الإدراك والخبرة الجمالية بوجه عام التي ينبغي أن تتوافر لدى كل متلق: فالحقيقة أن مَن يحسن قراءة فن ما من الفنون (كاللوحة على سبيل المثال) هو شخص يكون مؤهلًا أيضًا لقراءة الفنون الأخرى.

ولكن ما نريد أن نتوقف عنده في هذا المقال هو الكشف عن تلك المهارات الخاصة التي تكون مطلوبة لإدراك جماليات الفيلم:

بوسعنا القول إن فن السينما هو فن جامع، أعني أنه يستلهم الأساليب الجمالية للفنون الأخرى التي وصل إليها الفن في عصرنا عبر أكثر من قرن من الزمان؛ وكأن فن السينما يستعيد الدور التاريخي لنشأة الفنون في عصر القدماء، حينما كان يمثل المسرح الفن الجامع في عصره، فهو يجمع بين الشعر والتمثيل والموسيقى والرقص؛ ولهذا سُمي المسرح «أبو الفنون»، بينما أُطلِق على السينما اسم «الفن السابع»، باعتباره الفن الأخير في سلسلة الفنون الجميلة الكبرى المعروفة. ولكن هذا الفن قد تطور عبر قرن من الزمان تطورا مذهلًا من حيث الأساليب الفنية في التعبير؛ نظرًا للتطور المذهل في تقنيات الكاميرا وإمكانيات التصوير.

لقد أصبحت الصورة السينمائية بالتدريج مناط التكوين الجمالي المهيمن على هذا الفن. وهذا ما ينبغي أن يفطن إليه قارئ الفيلم. وليس معنى ذلك أن الحوار في الفيلم تكون له أهمية ثانوية: فالحقيقة أن الحوار تكون له قيمة جمالية كبرى، خاصة في تلك الأفلام التي يكون الحوار فيها من إبداع كاتب سيناريو أو مستمدًا من نص أدبي لأديب عظيم. ولكننا نتعلم ونكتشف دائما أن الأعمال السينمائية الكبرى هي تلك التي تسيطر فيها الصورة السينمائية على الحوار وعلى المشهد برمته.

ما شكل خبرتي الجمالية بفن السينما منذ فترة مبكرة هو حضوري العروض السينمائية الأسبوعية التي تقيمها مراكز الثقافة الفرنسية في البلدان العربية التي أقمت فيها حينًا من الزمان. كنت ألاحظ أن الأفلام الفرنسية التي تُعرَض، يقل فيها الحوار بصورة ملحوظة، وكأن المخرج يريد أن يجبرنا على قراءة الفيلم وفهم دلالاته الجمالية من خلال الصورة السينمائية أولًا (تمامًا مثلما أن الفنان التجريدي يريد أن يجبرنا على تأمل اللوحة من خلال الخطوط والألوان والتكوينات). وأذكر أنني شاهدت فيلمًا- لا أذكر اسمه- مستمدا من نص للفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: لم يَرِد الحوار في الفيلم إلا قرب نهايته في صورة مقتضبة، وكأن المخرج يريد أن يقول لنا إن كل ما يمكن قوله قد قالته الصورة السينمائية بوضوح أكبر وأكثر تعبيرًا. وربما تذكرنا العلاقة بين الصورة السينمائية والكلمات أو النص الحواري بالعلاقة- التي سبق أن تناولناها في مقالنا عن قراءة الموسيقى- بالعلاقة بين الموسيقى والكلمات كما في الأغنية والأوبرا وغير ذلك: فالأعمال العظمى من هذا النوع هي تلك التي تكون فيها الموسيقى قادرة على أن تُعزَف وحدها بشكل مستقل عن الكلمات، وأن تنال مع ذلك إعجابنا ومتعتنا بها.

وفي ضوء هذا الأمر نفسه يمكننا المقارنة بين السينما الأمريكية والسينما الأوروبية: فالأفلام الأمريكية - باستثناءات قليلة - لا تقوم على جماليات الصورة السينمائية كما هو الحال في السينما الأوروبية عموما، وإنما تقوم على إبهار الأحداث المتلاحقة المشوِّقة، وعلى إبهار الصورة التي تستخدم تقنيات متقدمة؛ ولذلك نجد أن هذا النوع من السينما يحقق نجاحًا في التسويق التجاري للأفلام التي تتعلق بالحروب والأحداث التاريخية الجسام، والتي تتطلب ميزانيات ضخمة؛ بينما حظ هذه السينما قليل في الأفلام التي تتعلق بتناول خبرات العالم المعيش كما تتبدى في حياة الناس، وهي غالبًا لا تتناول أحداث الناس العاديين، وإنما تتناول حياة الأبطال في الحروب والحياة، وغالبًا ما يتمثل هذا البطل (أو الأبطال) في صورة الأمريكي المنتصر على الدوام.

وما ينبغي أن يلتفت إليه أيضًا قارئ الفيلم هو العلاقة بين الصورة والصوت في الفيلم. والصوت هنا يتبدى -في بعض منه- من خلال مواءمة الصورة والأداء التمثيلي لفعل الكلام؛ ولهذا السبب نفسه، فإننا لا نستمتع بالأفلام المدبلجة، خاصة تلك التي يتم دبلجتها بشكل رديء. غير أن علاقة الصورة بالصوت تتبدى على نحو آخر من خلال علاقة الصورة السينمائية بموسيقى الفيلم.

وهذا ينقلنا إلى التأكيد على أهمية المونتاج الذي ربما يكون أهم العناصر الجمالية في الصورة السينمائية. والمونتاج ببساطة هو فن تقطيع ووصل اللقطات والمشاهد السينمائية، وهذا فن عميق دقيق في صناعة الصورة السينمائية، وله دور كبير مع الأدوات الفنية الأخرى في تحديد دخول الصوت على الصورة؛ وهذا يتبدى بوضوح في عملية دخول مقاطع من الموسيقى التصويرية في توقيت بعينه لمشاهد معينة، كما أنه يتبدى أيضًا في تقطيع لقطات المشهد، ليشغل كل منها زمنا معينا. وفي هذا الصدد يقول أحد علماء جماليات السينما: «حينما تشاهد فيلمًا ما، حاول أن تخمن اللحظة التي ينبغي أن تنتهي فيها اللقطة السينمائية إما بتغيير كادر التصوير أو الزاوية أو المجال». ويزداد الأمر تعقيدا، ومن ثم يزداد جمالًا، حينما يحدث هذا المونتاج على مستوى الصورة والصوت في الوقت ذاته.

د. سعيد توفيق أستاذ علم الجمال والفلسفة المعاصرة بجامعة القاهرة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصورة السینمائیة ینبغی أن من خلال

إقرأ أيضاً:

روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية .. مرآة تعكس روائع الأمة

احتفل المتحف الوطني صباح اليوم بافتتاح معرض "روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية"، برعاية معالي سالم بن محمد المحروقي، وزير التراث والسياحة ورئيس مجلس أمناء المتحف الوطني، وبحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، نائب حاكم إمارة الشارقة، ويأتي المعرض نتيجة تعاون بين المتحف الوطني وهيئة الشارقة للمتاحف.

ويهدف المعرض، الذي يستمر حتى الثالث من مايو القادم، إلى إبراز جمالية الفن الإسلامي وتطوره جنبًا إلى جنب مع الإسهامات العلمية لعلماء المسلمين عبر العصور، من خلال عرض 82 مُقتنى فريدًا من روائع فنون الحضارة الإسلامية ونتاج العلماء المسلمين، تعكس جميعها مدى ثراء الثقافة الإسلامية وصمودها عبر الأزمان والحروب، إلى جانب تأثيرها وتأثرها بمناحي الحياة العلمية والاجتماعية والفنية، ومن بين أبرز المقتنيات المعروضة مصحف مخطوط يعود لعام 1074 هجريًا، وأول درهم مغولي فضي لهولاكو تم سكه في بغداد بعد الاحتلال المغولي للدولة العباسية عام 659 هجريًا، وإبريق من الفخار المذهب يعود إلى القرن السابع الهجري، وغيرها من المعروضات النادرة.

كنوز معرفية

وفي كلمة له قبل افتتاح المعرض، قال سعادة جمال بن حسن الموسوي، الأمين العام للمتحف الوطني: في إطار الدبلوماسية الثقافية التي ينتهجها المتحف الوطني، يُقام معرض "روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية" في المتحف الوطني، وهو استمرار لخطوة خطاها المتحف الوطني، بدءًا بإقامة معرض "الحضارة العُمانية: النشأة والتطور" في عام 2023 في متحف الشارقة للآثار، والذي حظي برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ما فتح أبواب التعاون المتحفي بين المتحف الوطني وهيئة الشارقة للمتاحف.

وأضاف: يقدم معرض "روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية" مقتنيات تمثل كنوزًا معرفية من العصور الإسلامية، والتي يمكن الاستدلال بها على التقدم العلمي والحضاري والمعرفي الذي كانت تشهده تلك العصور، وكيف أسهم الإسلام في تأسيس حضارة متينة أساسها العلم، والارتقاء بالمعرفة والنهوض بالمعارف البشرية وتسخيرها لخدمة الأرض والإنسان.

معروضات نادرة

كما قدمت سعادة عائشة راشد ديماس، المديرة العامة لهيئة الشارقة للمتاحف، كلمة قالت فيها: المعرض يجسد الروابط الأخوية الوثيقة والعلاقات التاريخية العميقة التي تجمع دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، في ظل دعم ورعاية القيادتين الحكيمتين لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وجلالة السلطان هيثم بن طارق، سلطان عُمان الشقيقة، وحرصهما على تعزيز التعاون والعمل المشترك ودفعه إلى آفاق أرحب، ولقد كانت زيارة صاحب السمو حاكم الشارقة إلى سلطنة عُمان حافزًا رئيسيًا لتنظيم هذا المعرض، ترجمة لرؤيته السديدة في توظيف الثقافة والفنون كجسر يعزز الروابط المتينة بين الأشقاء، ويكرس قيم التعاون والتبادل الثقافي بين بلدينا، والتي تؤطرها الروابط التاريخية والثقافية والاجتماعية الممتدة عبر التاريخ في مختلف المجالات.

وتابعت قائلة: يسعدنا أن نقدم عبر هذا المعرض مجموعة استثنائية من القطع النادرة، التي يُعرض بعضها للمرة الأولى خارج دولة الإمارات العربية المتحدة، لتكون شاهدة على الإرث العريق الذي يجمع شعبينا، ويعكس الروابط التاريخية العميقة، وهذه المجموعة تعكس الحرفية الفائقة والإبداع الذي تميزت به الحضارة الإسلامية عبر العصور، ومن بين هذه التحف الفريدة، إبريق من الفخار المذهب يعود إلى القرن السابع الهجري، والذي يعد نموذجًا يدل على استمرارية الفنون الإسلامية عبر العصور رغم التغيرات في الحكم والاقتصاد وحتى مواد الإنتاج، وأول درهم إسلامي سُك في بغداد بعد الاحتلال المغولي عام 656 هجريًا، في دلالة على صمود الحضارة الإسلامية وقدرتها على التجدد، إضافة إلى مصحف مخطوط يعود لعام 1074 هجريًا، خطَّه الخطاط حافظ عثمان، الذي يعد من أعظم الخطاطين العثمانيين في عصره.

ثلاثة أقسام

ورافقت انتصار العبيدلي، أمينة متحف الشارقة للحضارة الإسلامية، راعي الحفل والضيوف أثناء تجولهم في المعرض، مقدمة لهم شرحًا وافيًا عن أقسامه الثلاثة وما يضمه من مقتنيات متنوعة.

وفي لقاء مع وسائل الإعلام، قالت العبيدلي: سعدنا بهذا التعاون مع المتحف الوطني لعرض 82 مقتنى تم توزيعها على ثلاثة أقسام رئيسية، بدءًا بقسم فنون الخط، مرورًا بقسم علوم وابتكارات، وانتهاء بقسم التناغم والتنوع، وهذه المجموعة القيمة، التي عكست التطور الحضاري الإسلامي تاريخيًا وجغرافيًا، ستتيح للزائر الاستمتاع بمشاهدة روعة الفنون الإسلامية، من فنون الخط العربي التي تجسدت في مجموعة متنوعة من المواد، كالمخطوطات والمسبوكات الإسلامية، إلى المصاحف والصفحات القرآنية، كما يسلط المعرض الضوء على إسهامات علماء المسلمين، متضمنًا أدوات فلكية مختلفة، وأخرى طبية استخدمت في مجالات متعددة، منها أدوات الكي، بالإضافة إلى مخطوط طبي مترجم من اليونانية إلى العربية، وهناك كذلك مقتنيات مصنوعة من الزجاج والمشغولات المعدنية والفخار، تجسد التبادل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين الحضارات الإسلامية عبر العصور.

مقالات مشابهة

  • روائع الفنون من متحف الشارقة للحضارة الإسلامية .. مرآة تعكس روائع الأمة
  • هل تخضع اليمن؟ قراءة في وهم التحالف الصهيوأمريكي
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • هل ثواب قراءة القرآن من الهاتف أقل من المصحف الورقي؟.. الإفتاء تجيب
  • قمرة يواصل تمكين صناع الأفلام لدعم المبدعين في مسيرتهم السينمائية
  • تعرف على عروض قصر السينما حتى نهاية شهر رمضان 2025
  • رحل في هدوء.. الفنان إحسان يترك مسيرة فنية حافلة في السينما المصرية
  • «الرزفة».. فن الحربية والفروسية
  • عمرو سلامة يثير الجدل بسبب إسماعيل يس.. الأسوأ في تاريخ السينما المصرية
  • أمير طعيمة: أضع ضوابط خاصة لاختيار الأعمال التي أشارك فيها .. فيديو