لجريدة عمان:
2025-03-10@20:24:22 GMT

دولة ناقصة... وطن كامل

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

كاميرا العدو كانت ترصد المشهد من فوق - هل شاهدت جون رامبو الأمريكي من قبل؟ حسنا إليك آخر صيحات القتل الفلسطيني على شاشة الأخبار: سقط الفدائي الأول ليبزغ مكانه من غيب الصورة فدائي آخر يرث بندقية الأول ويشتبك لأقل من عشر ثوانٍ، عشر ثوانٍ فقط، قبل أن ينهره الرصاص الثقيل - هل شاهدت الفيديو الذائع عن استشهاد فدائيين مجهولين على سطح بناية في جباليا؟ أجل، ولذا أعتقد بأنني في حاجة إلى وقتٍ طويل حتى أعود لتقبّل السينما، سينما الحرب الأمريكية تحديدا.

بماذا شعرت؟ شعرت بالخوف في البداية، الخوف على نفسي، ثم أعدت تشغيل الفيديو ثانيةً. وبماذا شعرت؟ شعرت بالخوف أكثر على نفسي حين أحسست بالفتنة. الفتنة؟ نعم، فتنة الألم! وماذا بعد؟ خفت أن ينهض الشهيد الجريح إلى مهمته مجددا فيشدّ أعضاءه على الجدار ثم يبادر من جديد. تخيلته يقف على الكسر ليدافع عن جراحه الراعفة بما تبقى في دمه من خبز وماء، وبما ادخر في سلاحه المفرد من طلقات، قبل أن يسرقه نعاس الموت من جسده المنهار. وتساءلت كيف لنا أن نرحم هؤلاء الفتية من مهمة الوطن؟ هذا سؤال لا يمكن أن يلقى رواجا هذه الأيام لأنه ببساطةٍ يتنافى مع طبيعة الدم، لأن الدم مصابٌ وراثيا بالوطن الوراثي. فمن يرحم هؤلاء الفتية الذين لا يرحمون أنفسهم من إدمان الوطن إلى هذا الحد؟!

أقل من ثلاثين ثانية كانت تكفي لأختنق بتاريخ لا هدنة فيه لالتقاط الأنفاس. من هؤلاء الفتية الذين يدقون باب المؤرخ في الليل بلا وجوه ولا أسماء ولا عناوين شخصية؟ يسرقني مطلع أغنية بعيدة: «ما بعرفن ما شايفن/ لفوا وجوهن بالقهر/ خبوا سلاحن في الوعر/ خبوا أساميهن/ ما في حدا بيشوفهن/ إلا إذا ماتوا». من هؤلاء الفتية المداومون لأربعٍ وعشرين ساعةً يوميا في واجب الوطن بلا مرتبات ولا ترقيات؟

تحتاج المرتبات والترقيات إلى وظائف، والوظائف بحاجة إلى مؤسسات، والمؤسسات بحاجة إلى دولة. قيل لهم إن الوطن ليس مسؤولا عن توفير الوظائف والمنح الدراسية، تلك هي مسؤولية الدولة، الدولة التي لم تتحقق بعد بما فيه الكفاية، ولا بدّ أنكم تدركون طبيعة الفارق بين الدولة والوطن: الوطن هو مجاز الدولة، فارجعوا إلى المخيّم.

قبل ثلاثين سنة كانوا أطفالا يكبرون في أزقة المخيمات. وربما كان بعضهم لا يزال فكرة في خيال أبيه. قبل أكثر من ثلاثين سنة كان المفاوضون -المنعّمون بثروة الثورة المحتضرة- يتبادلون نكاتا محلية الصنع وشيئا من القصص العائلية في محاولة لـ«كسر الجليد» مع ممثلي العدو في ذلك الشتاء النرويجي. لقد ذهبوا إلى هناك عبر قناة سرية باحثين عن دولة على هوامش من جغرافيا الوطن، فرشوا الخرائط على الطاولة، تفاوضوا على الحدود، على مصادر الماء وعلى الصادرات والواردات وعلى الضريبة الجمركية، وتفاوضوا على المقدّس أحيانا، لكنهم سرعان ما اكتشفوا حجم التباين بين ما يريدون وما يراد لهم. بدأ الود المصطنع يتلاشى، تشاجروا على مناطق النفوذ ونقاط التحكم والسيطرة. فجأة اتضح أن الحقائق على الأرض قد سدّت أفق النقاش، فتعطّلت المفاوضات لينفضّ الطرفان عن الطاولة حازمين حقائبهم - لكن نكتةً جديدةً على الباب، نكتة محايدةً هذه المرة، دبّت بينهم فجأة فتصاعدت منهم قهقهة متوترة أعادت الطرفين المتحاربين لاستئناف المفاوضات على الطاولة.

في المخيم، قبل ثلاثين عاما، كان الآباء والأمهات يوصون أطفالهم بالعودة. لم يشر أحد بالعودة إلى أين؟ أو إلى ماذا؟ لا أحد يعرف بالضبط ما هو المعنى المادي لهذه الكلمة؟ لقد أرادوا أن يعرّفوا حقهم في مرافعة الضحية أمام محكمة التاريخ فلم يجدوا أوضح من هذه الكلمة: العودة إلى أي شيء أول، والعودة حقٌّ كالشمس. في ذلك الوقت كان المفاوضون على التراب قد توصلوا إلى صيغة أولية تعد بشبه دولة على هيئة نشيد يرفرف فيه العلم ومؤسسات وشرطة مدربة وأجهزة أمن، ولكن ما كان يهم أبناء المخيمات هو ما اتضح لاحقا بأن المرور إلى تلك الصيغة المشوهة من الدولة لم تكن ممكنة إلا على حساب التنازل عن قضيتهم كلاجئين، أو تسويفها على الأقل. كانت الدولة الموعودة ناقصة منذ البداية، ناقصة لأسباب كثيرة أهمها أنها تحتكر هوية وطنية لا تشمل كل الوطن، إلى حد أسفر على مدى العقود الماضية عن تناقض حاد بين المفهومين المتخيّلين، الدولة والوطن. فأي دولة ممكنة بلا تحرير تحمل في مفهومها، بالضرورة، خيانة للوطن المحتل، الوطن الذي يستشهد من أجله الآن جيل من الفدائيين المتحررين من انضباط الجيوش النظامية، جيل يتجاوز عقدة الدولة إلى نزعة الوطن المكتمل.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

هما اللي على الرأس .. كلمات مؤثرة من أحمد موسى بمناسية يوم الشهيد

أكد الإعلامي أحمد موسى أن مصر تحتفل يوم 9 مارس من كل عام بيوم الشهيد، وهو اليوم الذي يتزامن مع ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، الذي استشهد في الصفوف الأمامية خلال المعركة، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن كرمز للتضحية والفداء.

وخلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي" عبر قناة "صدى البلد"، شدد أحمد موسى على أن الشهداء سيظلون دائمًا في قلب الوطن، مشيرًا إلى أهمية إحياء ذكرى الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أمن واستقرار البلاد.

وأشار أحمد موسى إلى أن مساندة الوطن فرض على الجميع، مؤكدًا موقفه الدائم في دعم الدولة المصرية ومؤسساتها، قائلًا: "سأظل دائمًا أتحدث عن شهداء الوطن، وعن الأحداث التي استهدفت رجال الجيش والشرطة، مثل واقعة قسم كرداسة، وأحداث مديرية أمن القاهرة، وحادث الفرافرة".

وفي حديثه عن الإرهاب، أكد موسى أنه لا يمكن التسامح مع من تلوثت أيديهم بدماء المصريين، مضيفًا: "الإرهابي يظل إرهابيًا، حتى لو اغتسل بماء زمزم، ولا يمكن أن نساعد في تبييض صورته".

واختتم موسى حديثه بالتأكيد على أن الشعب المصري يدرك جيدًا من هم أعداء الوطن، مشيرًا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد خلال الفترة الماضية على الموقف الثابت للشعب في دعم الدولة المصرية ومؤسساتها، خاصة في الأوقات الصعبة التي يواجهها الوطن.

أحمد موسى:  يهاجمونني بسبب دعمي للوطن ولن اغير موقفي

أكد الإعلامي أحمد موسى أن الشعب المصري يقف دائمًا إلى جانب وطنه في الأزمات، مشيرًا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي شدد على هذا المعنى خلال كلمته التي ألقاها أمس الجمعة في الأكاديمية العسكرية.

وخلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي" عبر قناة "صدى البلد"، قال أحمد موسى إن الرئيس السيسي اتخذ موقفًا حاسمًا بالانحياز للشعب المصري خلال ثورة 30 يونيو 2013، مؤكدًا أنه لولا هذا القرار، لكانت مصر اليوم في وضع مشابه لما تعيشه سوريا.

وشدد موسى على موقفه الثابت في دعم الجيش والشرطة والقضاء، قائلاً: "أنا لا أخاف إلا من الله، ومن يدافع عن الدولة ومؤسساتها معروف للجميع، حتى من كانوا يهاجمونني بسبب دعمي للوطن غيروا مواقفهم الآن".

وتطرق موسى إلى مسيرته الصحفية، مؤكدًا أنه منذ دخوله المجال الصحفي عام 1986، ثم تعيينه في جريدة الأهرام عام 1987، وانضمامه إلى نقابة الصحفيين عام 1988، وهو يحمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن الوطن.
 

مقالات مشابهة

  • وزير الدولة للتعاون الدولي القطرية تجتمع مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين
  • مؤشّرات تراجع مكانة الدولة العبرية
  • إزالة 20 حالة تعدِ على أراضي زراعية وأملاك دولة بمركزي أسيوط وصدفا
  • دستور دولة (تأسيس) الإفتراضية
  • مامعنى أن المرأة ناقصة عقل ودين؟!
  • هما اللي على الرأس .. كلمات مؤثرة من أحمد موسى بمناسية يوم الشهيد
  • (نجد شامت لأبو تركي واخذها شيخنا)..
  • الإمارات تتبع استراتيجية شاملة لتوطين الصناعات التقنية
  • الشيخة فاطمة توجه تحية اعتزاز وفخر للمرأة في الإمارات والعالم
  • برنامج الشراكات الاقتصادية الشاملة للإمارات يصل إلى محطته الـ20