تبين الموازنة العامة للدولة حجم القطاع الحكومى فى مجمل النشاط الاقتصادى، ويشكل الإنفاق الحكومى جزءاً من مجمل الإنفاق القومى، وتمثل الإيرادات العامة ذلك الجزء المقتطع من دخول الأفراد والمنشآت لصالح الخزانة العامة مضافاً إليه عوائد قطاع الأعمال العام.

وفق البيان المالى لوزارة المالية عن موازنة 2024- 2025 تشكل الإيرادات العامة 15٫4% من الناتج المحلى الإجمالى، بينما تمثل المصروفات العامة 22٫6% من الناتج، وهو ما يشير إلى وجود عجز مالى تبلغ نسبته 7٫3% من الناتج المحلى الإجمالى، يفسر ذلك لماذا ستلجأ الحكومة فى العام المالى القادم للاقتراض العام لسد هذا العجز المتوقع.

ومع استمرار العجز المالى واستمرار الاقتراض يتراكم الدين العام، الذى ستبلغ نسبته المقدرة للناتج فى العام المالى القادم 88٫3% من الناتج المحلى الإجمالى.

وقد عمدت الحكومة فى العام المالى القادم إلى شمول الموازنة العامة للأجهزة الحكومية وموازنة الهيئات العامة الاقتصادية، وكانت النتيجة أن نسبة العجز الكلى للناتج قد انخفضت إلى 7٫1% ، لكن نسبة الدين العام فى الناتج ارتفعت إلى 101٫9% فيما يُعرف بموازنة الحكومة العامة المجمعة.

وتحتل الضرائب العامة مكانة بارزة فى مالية الحكومة، باعتبارها المصدر الأهم فى كل دول العالم لتمويل النفقات العامة، حيث تُعد الضرائب أكثر سبل التمويل مواءمة مع طبيعة النشاط الحكومى، فإذا كانت الحكومة ملزمة بتوفير مجموعة من السلع العامة والخدمات العامة لكافة المواطنين دون مقابل.

كما فى خدمات الدفاع والأمن والعدالة وإنفاذ القانون وحفظ حقوق الملكية ورصف الطرق والشوارع وإضاءتها، وتوفير خدمات الإسعاف والمطافئ والنجدة، وتوفير الدعم والرعاية الصحية للفقراء، وتقديم خدمات التعليم الأساسى للكافة، فإن أنسب الوسائل لتوفير تلك الخدمات تتمثل فى الضرائب العامة، باقتطاع جزء من الدخل وفق المقدرة ودون منفعة مباشرة أو مقابل مباشر.

وتمتاز الضريبة عن وسائل التمويل الأخرى بإمكانية أخذ الظروف الشخصية للممولين فى الاعتبار، وتحقيق اعتبارات المواءمة والعدالة، إضافة لتمتعها بصفة الدورية، حيث تُفرض على الدخل عند اكتسابه، وعلى الإنفاق عند حدوثه، أو الثروة عند تكونها.

ومن ناحية أخرى تُستخدم الضريبة لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخرى، مثل اعتبارات العدالة الاجتماعية، حيث تُفرض الضريبة التصاعدية بنسب أعلى على أصحاب الدخول المرتفعة، وتطبق حدود للإعفاء الضريبى على الشرائح الأولى من الدخل لتوفير حد من الدخل اللازم لأعباء المعيشة، كما تُستخدم الضريبة للتحفيز على الادخار والاستثمار بمنح الإعفاءات الضريبية أو التمييز فى السعر.

إضافة إلى أن السياسة المالية للدولة تعتمد بشكل كبير على الضرائب كأداة لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، ففى حالات الركود أو الكساد (الركود الطويل) تلجأ الحكومات إلى تخفيض سعر الضريبة، ومن ثم يزيد الدخل المتاح للإنفاق لدى الأفراد فيزيد الإنفاق على الاستهلاك، كما يزيد الدخل المتاح للإنفاق لدى المنشآت فيزيد الإنفاق على الاستثمار، وكلاهما يزيد من الإنفاق الكلى الذى يحفز على مزيد من الإنتاج، ومن ثم يرتفع مستوى التشغيل ويتم التخلص من البطالة والكساد.

وفى حالات التضخم يمكن للحكومة أن تعتمد على السياسة الضريبية لمعاونة السياسة النقدية المسئول عنها البنك المركزى فى مكافحة التضخم من خلال رفع سعر الضريبة على الأشخاص الطبيعيين والشركات، ومن ثم خفض الدخل المتاح للإنفاق فيقل كل من الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار، بما يعمل على كبح جماح الارتفاع فى المستوى العام للأسعار (التضخم).

ويعانى واقع الاقتصاد المصرى من تناقض واضح مفاده أن نسبة الضرائب فى مصر تُعد من أقل نسب الضرائب على مستوى العالم، إذ تبلغ فى موازنة العام القادم 11٫8% من الناتج المحلى الإجمالى فى حين يبلغ متوسط نسبة الضرائب للناتج على مستوى العالم ما بين 25- 30% من الناتج، رغم تباين هذه النسبة من دولة إلى أخرى، حيث تبلغ فى الولايات المتحدة نحو 25%، وتصل فى بعض الدول الاسكندنافية (مثل السويد والنرويج) إلى قرابة 50% من الناتج، ومع ذلك يسود اعتقاد خاطئ فى الاقتصاد المصرى بارتفاع العبء الضريبى!

ويعود ذلك لمجموعة من العوامل، أهمها سوء فهم دور الدولة فى النشاط الاقتصادى، فكثير من أفراد المجتمع لديهم تصور خاطئ عن قدرات الحكومة المالية، وعن مصادر الإيرادات العامة، فالذى يملك موارد المجتمع وثرواته هم الأفراد والمنشآت من القطاع الخاص، بما فى ذلك الأراضى الزراعية، والأصول الإنتاجية فى كافة مناحى النشاط الاقتصادى، من زراعة وصناعة ونقل ومواصلات، ومرافق تعليمية ومرافق صحية، وعقارات، ومصانع ومزارع ومتاجر، فى حين لا تمتلك الدولة سوى العدد القليل من موارد الدخل الذاتية مثل شركات قطاع الأعمال العام مثل قناة السويس، وشركات البترول، والمناجم، وكلها تصب فى الموازنة العامة ولا توفر الكثير من الإيرادات كما يتصور البعض.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمن القومي اقتصاد مصر الاقتصاد

إقرأ أيضاً:

الطريق إلى المشنقة يرصد تصاعد أحكام الإعدام بمصر خلال عام 2024

أصدرت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، من خلال حملتها "أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر"، تقريرها التحليلي الثالث ضمن سلسلة "الطريق إلى المشنقة 3"، مدعوما بقاعدة بيانات تفصيلية حول تطبيق العقوبة في البلاد.  

ويواصل التقرير الجديد نهج التحليل الإحصائي الوصفي الذي اعتمدته الإصدارات السابقة، حيث يقدّم مقارنة إحصائية بين عامي 2023 و2024، مسلطا الضوء على التحديات التي تواجه العدالة الجنائية في مصر، لا سيما في ظل إصدار أحكام إعدام سريعة التنفيذ في بعض الحالات.  

509 حكم إعدام   
كشف التقرير عن صدور 509 أحكام بالإعدام خلال عام 2024، مقارنة بـ 454 حكما في 2023، وهو ما يعكس تصاعدا خطيرا في تطبيق العقوبة. 

كما شهد العام ذاته تنفيذ 13 حكمًا بالإعدام، مقابل 8 حالات في 2023، في ظل نظام قضائي يفتقر إلى معايير الشفافية والعدالة.  

وتشمل الأحكام الصادرة خلال العام:  
- 180 إحالة إلى المفتي بدرجتيها الأولى والثانية.  
- 281 حكمًا بالإعدام بدرجتيه الأولى والثانية.  
- 35 تأييدًا من محكمة النقض.  
- 13 تنفيذًا فعليًا للعقوبة.  


النساء أيضًا على المشانق  
شهد عام 2024 ارتفاعًا في عدد النساء المحكومات بالإعدام، حيث بلغت نسبتهن 10% من إجمالي الأحكام، مقارنة بـ 8% في 2023. ووفقًا للتقرير، تواجه 47 امرأة خطر الإعدام هذا العام، بينما تم تنفيذ الحكم في حالتين.  

وأشار التقرير إلى أن العديد من النساء المحكومات بالإعدام كُنَّ ضحايا للعنف الأسري والاستغلال الاقتصادي قبل وقوعهن في دائرة الجريمة، مؤكدًا أن النظام القضائي لا يأخذ في الاعتبار العوامل البنيوية والتمييز الجندري الذي يدفع بعض النساء إلى ارتكاب الجرائم.  

ويثير التوسع في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام تساؤلات جوهرية حول تحقيق العدالة في مصر، خاصة في ظل غياب ضمانات المحاكمة العادلة وإمكانية وقوع أخطاء قضائية قد تؤدي إلى إعدام أبرياء.  

وأكد التقرير أن العدالة لا تتحقق عبر المشانق، بل من خلال إصلاحات قانونية وقضائية شاملة، تعتمد على إعادة تأهيل الجناة، ومعالجة الأسباب الحقيقية للجريمة، بدلاً من الاعتماد على عقوبة لا رجعة فيها.

مقالات مشابهة

  • نمو الناتج الصناعي لليابان بنسبة 5ر2 % خلال الشهر الماضي
  • بتروتشاينا تسجل ربحًا قياسيًا في 2024 رغم تراجع أسعار النفط
  • زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم في موازنة العام المالى الجديد
  • بن عبد الله: 13.3 مليار درهماً حجم دعم الحكومة لمستوردي الأبقار والاغنام وعددهم 277
  • هدية خاصة من نقابة الأطباء لأعضائها بعد عيد الفطر
  • لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!
  • الحكومة العراقية توافق على تزويد لبنان بالوقود لمدة 6 أشهر
  • الطريق إلى المشنقة يرصد تصاعد أحكام الإعدام بمصر خلال عام 2024
  • بعد ضربات الجنوب والضاحية.. إليكم هذا البيان من الجيش
  • بري بحث مع وزير الصحة في الاضاع العامة واستقبل المدير العام لامن الدولة وحاكم مصرف لبنان