يونيو 1, 2024آخر تحديث: يونيو 1, 2024

د. علي عزيز أمين

* الصراع بين روسيا والغرب وصل إلى ما قبل حالة الغليان، وذوو العقول الضعيفة يدفعون العالم إلى الصدام النووي

إرهاص

على الرغم من أن بعض الدول الصغيرة في الاتحاد الأوروبي والناتو ليست أكثر من بيادق في رقعة شطرنج الساحة السياسية العالمية إلا أنها كثيراً ما تلعب دور المحرض لأمور بالغة الخطورة تورط بواسطتها الدول الكبرى جديّا، والدافع الرئيسي في هذا هو عقدة النقص، الذي ينطلق من الضآلة تورما نحو تضخيم الذات، ومحاولة تقمص مفتعلة موهومة قد تؤدي إلى دمار هؤلاء الصغار أنفسهم، ما يذكر بقصة الضفدع المغرور للشاعر الفرنسي جان دو لافونتين حيث ينفخ الضفدع نفسه ليغدو أكبر حجما من الثور وتكون نهايته بأن ينفجر ويموت!

ولكن الضفدع المغرور وأمثاله يمكن أن يسيئوا لأنفسهم وحسب، أما الضفادع القميئة من زعماء وبعض كبار المسؤولين في عدد من الدول الغربية فهم بتنطّحهم للظهور بمظهر العظمة يمكن أن يسيئوا إلى العالم كله ويتسببوا في دماره.

على شفا حفرة من جهنم

تصاعدت حدة الصراع بين روسيا والغرب إلى درجة ما قبل الغليان، وهذا أمر مفهوم، فقد اكتشفت الدول الغربية الكبرى متأخرة أن شعاراتها كانت أشبه بنمر من ورق وطبل أجوف حين عقدت العزم على الانتصار على روسيا بشحن أوكرانيا بجميع أنواع الأسلحة، ونتيجة تلاحق الفشل تلو الآخر بدأ الزعماء الغربيون يفقدون صوابهم شيئا فشيئا، إذ ابتلعت الحرب جل أسلحتهم التي تحول معظمها إلى خردة، وإلى معارض الغنائم في روسيا، وذهبت المساعدات المالية الهائلة إلى بلوعتين أوكرانيتين: بلوعة الاقتصاد المنهار، وبلوعة الفساد.

في هذا الظرف الذي أراد الغرب أن يكون عصيبا على روسيا، بات عصيبا بالنسبة له، وبدأت الأطروحات التي لم تكن مقبولة أبدا بالنسبة للزعماء الغربيين قبل عامين، أو حتى بضعة أشهر تظهر للعلن، رغم حدة مخاطرها، حيث وافقت ألمانيا على أن تستخدم كييف الأسلحة الألمانية لضرب أهداف داخل روسيا، حيث أعلن شتيفن هيبستريت المتحدث باسم المستشار الألماني “شولتس” أن ذلك يدخل في إطار الدفاع عن النفس، في غضون ذلك انتشرت أخبار تؤكد أن بايدن وافق سرا على استخدام الأسلحة الأمريكية أيضا لضرب عمق الأراضي الروسية ، وأن كان الأمر قد بُرر بالأوضاع الميدانية في خاركوف حيث أوضح ممثل البنتاغون أن إدارة بايدن تقر ذلك في إطار القصف المتبادل في المناطق التي تحقق فيها القوات الروسية نجاحا كبيرا

الجوقة النشاز

والغريب في الأمر أن هذه الجوقة تناغمت أصواتها تحديدا في هذا الإطار، وفي هذا التوقيت حيث وسَّع أمين عام الناتو ستولتنبرغ وعمَّق من أطروحاته التي بدأت على حياء منذ أسابيع، ثم غدت علنية وواضحة وتحريضية في ضرورة منح أوكرانيا حق ضرب عمق الأراضي الروسية! الأمر الذي لم تتحفظ عليه بريطانيا أساسا.

ماذا يجري واقعيا؟ هل فقد الزعماء الغربيون عقولهم، فقد حذرت روسيا مرارا من انجرار الغرب للدخول في صراع مباشر مع روسيا، واكتفت بالإعلان عن أن كل ما يرسل من أسلحة غربية سيكون أهدافا مباشرة مشروعة للقوات الروسية وسيتم تدميره، كما أنها تعلم علم اليقين أن الأسلحة الغربية تستخدم واستخدمت لضرب الأراضي الروسية، وخاصة بصواريخ

“ستورم شادو” البريطانية، والحقيقة أن القوات الأوكرانية لم ولن تنتظر قرارات السماح الشكلية فهي تتصرف بما تمليه ميادين القتال.

روسيا في الواقع لا تخشى هذا الانعطاف في المواقف الغربية لسببين جوهريين الأول أن استخدام الأسلحة الغربية مستمر في ضرب الأراضي الروسية منذ زمن بعيد، والثاني أنها تعرف قدراتها الواقعية، وتدرك أن ذلك لن يؤثر جوهريا على سير المعارك، وتنفيذ أهداف العملية العسكرية في أوكرانيا، ويكفي أن نشير إلى أن القوات الروسية تمكنت خلال شهر مايو وحده من تحرير 28 بلدة وقرية جديدة، ومازالت تحرز تقدما مشهودا، والغرب لا يهمه حجم الضحايا التي تتكبدها أوكرانيا، فهو يقاتل روسيا بأوكرانيا، وخسائر أوكرانيا البشرية في الأسبوع الأخير وحده تجاوزت 11 ألف قتيل، من هنا يأتي التصعيد الغربي غير المسبوق، حتى أن بيسكوف الناطق باسم الكرملين اعتبر أن هذا التصعيد ناتج بشكل مباشر عن تغيير الوضع الميداني بسرعة، وإن سارت الأمور باتجاه ما اقترحه الرئيس الفرنسي قبل حين، فهذا يعني انتقال المخاطر من الاحتمال القابل للحدوث بنسبة قليلة، إلى انتظار التحقق بنسبة عالية جدا، أي أن مسألة الصدام بين الدول النووية سيغدو وقوعه مجرد وقت.

الضفادع

ولكن المثير حقا هو أن بعض الدول الصغيرة باتت تؤجج بتصريحاتها الذي يشبه نقيق الضفادع أجواء التناحر وكأنها صاحبة القول الفصل في قرار الحرب العالمية الثالثة، وقد أوضح مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي أن مسألة نشوب حرب نووية ليست مجرد أوهام، وأن الصراع مع الغرب يتطور وفق أسوأ السيناريوهات، وأوضح أن روسيا تدرك أن الأسلحة بعيدة المدى تخضع لسيطرة عسكرية مباشرة من دول الناتو، وهذا يعني أنها مشاركة، ما يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب حقيقية مهما حاول الناتو تصوير الأمر بأنه نتيجة قرارات فردية من دول ذات سيادة، وشدد مدفيديف على أن تصور البعض في أن روسيا لن تستخدم الأسلحة التكتيكية النووية أمر واهم، كما كانوا يتصورون أن روسيا لن تقوم بعمليتها العسكرية داخل أوكرانيا.

وهنا يظهر التحذير المبطن من الرئيس بوتن لدول صغيرة لم يسمها، دول تحاول سكب البنزين على النار مذكرا بأنها دول ذات مساحة صغيرة وكثافة سكانية، وفي ذلك تورية ذكية جدا لا تحتاج إلى كثير عناء لنستوضح ما تقصده أي أنها لن تكلف روسيا سوى بضعة صواريخ إن استمرت هذه الدول في تحريضها لإشعال حرائق كبيرة.

هل هو تمهيد لدخول الحرب علنا

ليس صعبا أن نقدر الدول التي قصدها الرئيس الروسي تقبع في مقدمها دول البلطيق التي كانت جمهوريات سوفييتية ذات يوم، فرغم ضآلة هذه الدول مساحة وسكانا تتنطح لدور المحرض للتصعيد وحتى المواجه وهي تقارب بمجموع سكانها سكان سانت بطرس بورغ ولكن سانت بطرس بورغ تكبرها بحوالي تسع مرات، ومع ذلك دعا قادتها إلى رفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية وكذلك فعلت الدولتان الجديدتان في الناتو فنلندا والسويد وحتى النرويج حيث أعلن الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب أن لأوكرانيا قصف الأراضي الروسية بأسلحة من الدول الغربية في إطار القانون الدولي ويقصد هنا حشر هذا الأمر في إطار الدفاع عن النفس، أما وزير خارجية النرويج “إسبن بارث إيدي” اعتبر بوضوح أن لأوكرانيا الحق في استخدام الأسلحة الغربية في قصف الأراضي الروسية، ودعا وزير الخارجية الدانيماركي راسموسين حتى إلى السماح لأوكرانيا بقصف الأراضي الروسية بطائرات اف 16 بعد أن تستلمها، أيضا بررذلك بأن قصف الأراضي الروسية هو نوع من الدفاع عن النفس، وأعلن وزير الدفاع السويدي بول جونسون أن لأوكرانيا الحق في قصف الأراضي الروسية للدفاع عن النفس، ويطرح السؤال نفسه لماذا لم يطرح هؤلاء الزعماء الغربيون هذه المبررات مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بل أبدوا تحفظا شديدا إزاء هذه الاستخدامات؟ كانوا يتخوفون من أن ذلك سيفسر مساهمة مباشرة في الحرب ضد روسيا وإشعال حرب عالمية ثالثة، الموضوع بكل بساطة أن هذه الأطروحات هي رد على نجاحات القوات الروسية، ولكنه تأجيج خطير، ولعب ليس بنار عادية بل بنار نووية، لذا من الأفضل لهؤلاء الزعماء أن يلعبوا بشيء آخر أفضل من أن يلعبوا بمصير البشرية، وأن يمهدوا لدخور الحرب بشكل مباشر، المشكلة أنه إن وقعت الواقعة، فلن يندم أحد ولن يلام أحد ولن يتم البحث عن المذنب حيث يكون هناك “اللا أحد” .

مرتبط

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

كلمات دلالية: قصف الأراضی الروسیة عن النفس فی إطار فی هذا

إقرأ أيضاً:

بايدن يشعل حرب أوكرانيا بقرار خطير ضد روسيا

قال مسؤولون أمريكيون، الأحد، إن الرئيس جو بايدن سمح لأول مرة لأوكرانيا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، التي قدمتها الولايات المتحدة، لشن ضربات داخل روسيا.

وقال المسؤولون إنه من المرجح استخدام هذه الأسلحة في البداية ضد القوات الروسية والكورية الشمالية دفاعاً عن القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في غرب روسيا، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
وأشارت إلى أن قرار بايدن يشكل تغييراً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه ملف الحرب في أوكرانيا، لافتة إلى أن مستشاريه انقسموا حيال هذا القرار.
 ويأتي هذا التحول قبل شهرين من تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه، بعد أن تعهد بالحد من الدعم لأوكرانيا.
أوكرانيا وروسيا تتنافسان على الأفضلية قبل عودة ترامب - موقع 24يهرع الجيش الأوكراني إلى خط المواجهة تحسباً لهجوم روسي مكثف، حيث يقاتل الجانبان من أجل كسب الأفضلية والتقدم قبل عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقال مسؤولون إن السماح للأوكرانيين باستخدام الصواريخ بعيدة المدى، المعروفة باسم أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش، أو ATACMS، جاء رداً على قرار روسيا المفاجئ بإشراك قوات كورية شمالية في ساحة القتال.
وبدأ بايدن في تخفيف القيود المفروضة على استخدام الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة لأوكرانيا، بعد أن شنت روسيا هجوماً عبر الحدود في مايو (أيار) في اتجاه خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.
ولمساعدة الأوكرانيين في الدفاع عن المدينة، سمح بايدن باستخدام نظام الصواريخ HIMARS، الذي يبلغ مداه حوالي 50 ميلاً، ضد القوات الروسية مباشرة عبر الحدود. لكن بايدن لم يسمح للأوكرانيين باستخدام نظام ATACMS الأطول مدى، والذي يبلغ مداه حوالي 190 ميلاً.
شولتس: الاتصال مع بوتين كشف خبراً "غير سار" - موقع 24دافع المستشار الألماني أولاف شولتس عن الاتصال الهاتفي، الذي أجراه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وقال مسؤولون أمريكيون إنهم "لا يتوقعون أن يؤدي هذا التحول إلى تغيير جذري في مسار الحرب، إلا أن أحد أهداف تغيير السياسة، إرسال رسالة إلى كوريا الشمالية مفادها أن قواتهم معرضة للخطر وأنهم لا ينبغي أن يرسلوا المزيد من الجنود".

وقال المسؤولون إنه في حين من المرجح أن يستخدم الأوكرانيون الصواريخ أولاً ضد القوات الروسية والكورية الشمالية التي تهدد القوات الأوكرانية في كورسك، فإن بايدن قد يسمح لهم باستخدام الأسلحة في أماكن أخرى.
وقال بعض المسؤولين الأمريكيين إنهم يخشون أن يؤدي استخدام أوكرانيا للصواريخ عبر الحدود إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى الرد باستخدام القوة ضد الولايات المتحدة وشركائها، إلا أن مسؤولين رأوا في ذلك تقديرات "مبالغاً فيها".

مقالات مشابهة

  • روسيا : قمة العشرين عكست بوضوح عزلة الدول الغربية وتراجع نفوذها
  • هذا ما نعرفه عن العقيدة النووية الروسية.. أوكرانيا تختبر صبر بوتين
  • أوكرانيا تنفذ أول هجوم بصواريخ «أتاكمز» بعيدة المدى على الأراضي الروسية
  • أوكرانيا تبدأ استخدام الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى ضد الأراضي الروسية
  • ما مدى خطورة الصواريخ الغربية لدى أوكرانيا على روسيا؟
  • موسكو تحذر من "تغيير جذري" إذا هاجمت أوكرانيا عمق الأراضي الروسية
  • روسيا تهدد باستخدام أسلحة جديدة في أوكرانيا
  • باريس: استخدام أوكرانيا صواريخ فرنسية لضرب الأراضي الروسية يبقى خيارا
  • قبل الرحيل.. بايدن يمنح أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الأمريكية داخل الأراضي الروسية
  • بايدن يشعل حرب أوكرانيا بقرار خطير ضد روسيا