حلمت فكانت: قصة اليازي البادية مع السرطان إلى دراسة الطب
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
أثير – جميلة العبرية
بدأتُ متابعة قصة اليازي البادية مع ما نشرته الدكتورة ريا المنذرية عبر حسابها في منصة (أكس) حين كانت اليازي في الصف الثامن.
وصفتها المنذرية حينها بأنها بليغة اللسان والأكثر جدارة في تقديم الورشة التي دعت لتنفيذها. كان لديها أملًا كبيرًا وعزيمة للاستمرار وعدم اليأس، وشاركتهم قصتها مع إصابتها بالسرطان.
وبعد خمس سنوات من ذلك المنشور، عادت الدكتورة ريا من جديد ونشرت منشورًا آخر تبشرنا فيه بتفوق اليازي في الدبلوم العام وحصولها على بعثة دراسية خارجية إلى “إيرلندا” لدراسة الطب. حينها تواصلت معها “أثير”، ففرحت اليازي وشكرت على إتاحة الفرصة للتعبير وكتابة قصتها فكتبت الآتي:
ما الذي يجعلنا نستمر؟ ربما نتوقف قليلاً لكننا نعود لنواصل مرة أخرى. تدور بداخلنا أصوات تدفعنا بعضها إلى الأمام، والبعض الآخر يتذمر فيجبرنا على التوقف. ربما لو توقفنا لوهلة عن سماع الأصوات المزعجة وأصغينا إلى داخلنا سنجد أن الطريق أسهل بكثير مما نتوقع. قد يجد البعض قصتي التي أرويها مملة، ولكن إن كنت تود معرفة الإجابة عن السؤال الذي طرحته في المقدمة ستجد ما أكتبه الطريق للإجابة عنه.
في الثانية عشرة من عمري، مندفعة أمام الحياة، لا أتوقف عن طرح الأسئلة، أطارد الأفكار والقصص الخيالية. لم أتوقع يوماً أن يجبرني شيء على التوقف عن كل هذا، ولكنها كانت بداية أصعب تحدٍ بالنسبة لي. كنت أشعر بالتعب طوال الوقت، شعري يتساقط، وأبسط المهام اليومية تكلفني الكثير من الجهد. أخذتني أمي إلى الطبيب وبعد رحلة طويلة من التشخيص، أخبرني الطبيب أنني قد أمكث في المستشفى لوقت أطول من العادة. أخبرني الطبيب في ذلك الوقت ليقرب الصورة إلى ذهني بالطبع أن المشكلة في مصنع الدمى الخاص بي. قال لي تخيلي لو أن هذا المصنع يعمل ولكنه يصنع دمى بأشكال مختلفة: دمية بعين واحدة، وأخرى بثلاثة أرجل. لن يتقبل أي أحد دمية مشوهة، صحيح؟
أدركت في تلك اللحظة أنه يقصد مصنع الدم الخاص بي (النخاع) والذي ينتج بعض الخلايا الغريبة التي يرفضها الجسم ويحاربها فيضعف. ظننت أن قصة الدمى ممتعة إلى أن أدركت أنني مصابة بسرطان الدم والذي يطلق عليه علمياً (لوكيميا الدم). هنا أدركت أن القصة أكثر من مجرد مصنع الدمى. بدأت رحلة العلاج. طلب مني الأطباء أن أتوقف عن الذهاب إلى المدرسة لحين شعوري بالتحسن؛ لكنني رفضت تماماً. كانت المدرسة بالنسبة لي المكان الذي أنسى فيه ضعفي ومرضي. كل ما كنت أوده هو أن يعود كل شيء كما كان في السابق، لكن هذا كان مستحيلاً في تلك الفترة. أمي وأبي وإخوتي كانوا يشعرون بالقلق طوال الوقت؛ ولكنهم كانوا دائماً أول من يساندني وينسيني الألم. شكراً عائلتي.
ظن البعض أن ذهابي للمدرسة قد يضرني، لكن كنت دائماً أريد أن أكون الأفضل. انتهى العام الدراسي بالصف الثامن. في الحقيقة لم أنجح فقط بل كنت من نخبة الطالبات في المدرسة. حصلت على تقدير ممتاز ومركز متقدم رغم أنني قضيت بعض الأسابيع في المستشفى والبعض الآخر في صف المدرسة. لم أنسَ يوماً كيف كانت مدرستي ومعلماتي وزميلاتي في المدرسة أول من يشجعني، فلم أشعر يوماً أنني مختلفة.
وهكذا مرت الأيام والسنوات وأنا أحاول ألا أتوقف. تساقط شعري، فقدت الكثير من الوزن وأصبح وجهي شاحباً، لكن ما تبقى لي ابتسامتي التي كنت أخفي خلفها آلاماً لا تنتهي. كان الأطباء في المستشفى مثالاً يُحتذى به. كنت أتمنى أن أكون في يوم من الأيام طبيبة قدوة مثلهم تماماً، يعتنون بالمرضى ويقدمون لهم الدعم. دائماً يحاولون تخفيف الألم عن الأطفال رغم صعوبة العلاج الذي قد يمتد إلى أربع سنوات وأكثر في بعض الحالات. شكراً لكل من كان له دور في هذه القصة.
قالت لنا: ربما لم تحصلوا على إجابتكم بعد، ما الذي يجعلنا نستمر؟ في الصف الثاني عشر، بدأت أشعر أن الأمر كله يتوقف على حلمي. لأعوض كل ما خسرته وكل ما شعرت به من ألم، أردت أن أكون طبيبة. في الحقيقة، أن أصبح طبيبة لم يكن أمراً اختيارياً بل كنت متعلقة برغبتي وكنت أردد دائماً: إما الطب وإما فلا. لم أتخيل يوماً رغم الضغوطات والتحديات في تلك المرحلة أن يجرني شغفي نحو حلمي. ثم وصلت إلى نقطة النهاية. انتهت الدراسة وبفضل الله الذي سخر لي خيرة، حصلت على معدل ٩٩٪ وتم قبولي في كلية الطب في إيرلندا. شعرت في تلك اللحظة أنني أملك الخير كله بيدي. كل ما كنت أنتظره طوال هذه السنوات الطويلة أصبح حقيقة. في الواقع، إنها النهاية لبداية حياة جديدة، وأحلام وقصص أجمل قد ترمم الماضي المتعب.
وبعد نهاية هذا العام الدراسي أضافت اليازي:
رحلة الابتعاث لم تكن سهله، ولأن السنة الأولى تكون سنة التحديات كما يقولون، نتعلم منها ونسقط ونتعثر، ثم نعود مرة أخرى ونحاول، كنت أصارع الوقت مع المقررات الدراسية والتحديات التي لا تنتهي مع التأقلم مع اللغة الجديدة، ولكن لا شيء مستحيل، واللغه ليست معيار وإنما وسيلة، كنت أدرك أنني أستحق المزيد الوقت لأثبت لنفسي أولا أنني أستطيع والحمد لله، في نهاية العام، حصلت على جائزة أفضل طالب في السنة التأسيسية للطب أكاديمياً واجتماعياً وهذا أول إنجاز أكاديمي في بداية مسيرتي العلمية، وأتمنى ألا يكون الأخير.
أدركت أن الأحلام قد تصبح حقيقة إذا تحولت إلى هدف، ولكنها ستبقى في المخيلة ما زالت في مكانة الحلم.
كأن ما مضى بالنسبة لي حلم، وطبيبة المستقبل اليازي ستعود مرة أخرى لتبني حلماً جديداً ومبهراً. عاهدت نفسي أن أعود لأرد المعروف لكل من مر في طريقي ووضع شمعته لينيره. لأمي وأبي، لأخوتي، لعائلتي، لأصدقائي، وللأطباء وحتى المرضى.
ويبقى السؤال دائماً، ما الذي يجعلنا نستمر؟ فكرة عابرة؟ مقولة مؤثرة؟ لوحة فنان؟ أو ربما صوت بداخلنا لا يتوقف يدفعنا لنستمر ونحقق المزيد. كل شخص في هذه الحياة لديه قصة وموقف لا يُنسى، يجعله يستمر في السعي ليعوض نفسه بالأفضل، ولا يتوقف أبداً عن السعي حتى لو تأكد أنه في المسار الصحيح. يستمر ليصنع المستحيل ومن لب المشكلة يصنع الفرق والتغيير، ليحقق حياة أفضل وحلماً عظيماً يجعله ينسى ما مر به من شدة. تماماً كقصة مصنع الدمى الذي لا يعمل جيداً.
هكذا نحن، هكذا الإنسان، شغوف بطبعه يسعى دائماً ليكون الأفضل. ولكن قد يتوقف بعضنا ليستريح قليلاً ثم يكمل ليشق طريقه فيبهرنا في النهاية.
أحلامنا قد تتحقق ونجد لأفكارنا مكاناً ليتقبلها. والمستحيل بنظرك سيحدث، ما علينا سوى أن نستمر ونستمر…
اقرأ أيضا ShareTweetSend الأكثر مشاهدةاكتشاف ظاهرة جيولوجية فريدة في ضلكوتمن 700 إلى 200 ريال: نشر التفاصيل المالية للتوجيهات السامية حول خفض رسوم توصيل المياهدفعة ثانية تُكمل برنامج "أصحاب السعادة الولاة" في الأكاديمية السلطانية للإدارةرئيس هيئة البيئة: قرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية لم يحقق هدفه الأسمى حتى الآنقريبًا: منظومة رقمية مبتكرة تدير الأفلاج العمانيةمقترح من "بايدن" لوقف الحرب في غزة عبر 3 مراحل، تعرّف على تفاصيلهكيف استطاعت الحكومة توفير أكثر من 7 ملايين ريال من الإيجارات؟الأرشيف1 | ||||||
2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 |
9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 |
16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 |
23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 |
30 |
تواصل مع أثير
رقم المكتب: 0096824595588
الفاكس: 0096824595545
رمز البريد: 111
صندوق البريد: 2167
البريد الالكتروني
info@atheer.om
موسى الفرعي – الرئيس التنفيذي – رئيس التحرير
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC
No Result View All Result الرئيسة أخبار أخبار محلية أخبار عالمية رياضة رياضة محلية رياضة عالمية أثيريات فضاءات تاريخ عمان من عمان فيديو أثير بودكاست أثير مجلس الشورى الفترة التاسعة الفترة العاشرةكل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC
تحميل التعليقات... اكتب تعليقاً... البريد الإلكتروني (مطلوب) الاسم (مطلوب) الموقعالمصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: فی تلک
إقرأ أيضاً:
الحرب وجمود الخطاب
في الوقت الذي يتعرض الوطن فيه لغزو أجنبي وتستبيح فيه ميليشيا إرهابية القري والمدن، وفي الوقت الذي تأكد فيه بما لا يدع مجالا للشك في وجود مؤامرة دولية لضرب وحدة السودان، في مثل هذا الوقت ما هي أولويات الأحزاب والوطنيين في عمومهم؟
للاسف الكثير من الأحزاب والناشطين ما زالوا يتبنون نفس الأولويات ونفس خطابهم الذي سبق إندلاع الحرب وسبق سقوط نظام البشير وكأن هذه الحرب تحدث وكأن هذا الغزو لم يحدث وهذه المؤامرة الدولية لم تحدث. ببساطة فشلت هذه الشرائح في تحديث خطاب الأولويات مستصحبة التغييرات الجسام التي تهز الوطن من جذره. فما زال الكلام هو نفس الكلام القديم الذي جله هجاء كيزان مصحوبا بشعارات نبيلة لا يحدد الخطاب وسائل تحقيقها. ببساطة عدم تحديث الخطاب والأوليات عبارة عن هروب من تحديات اللحظة الحرجة أما عن نقص في التحليل أو نقص في الشجاعة الوطنية.
من حق الجميع هجاء الكيزان بالسنة حداد، وقد فعلت ذلك ثلاثين عاما من حكمهم، ولم أنتظر سقوط نظامهم ولم أفاوضهم ولم أشارك في حكمهم، ولا في برلمان وحكومة بشير ما بعد نيفاشا. ولكن تكرار هجاء الكيزان، وهو حق، لا يعفي كل القوي السياسية من مسؤولية تحديد سبل عملية للتصدي للغزو الخارجي الهمجي مع ملاحظة أن شعار لا للحرب لم يردع أشوس ولم يحمي مغتصبة.
شعار لا للحرب يصلح قبل اندلاعها ولكنه لا يصلح بعد أن اشتعلت نيرانها. بعد اندلاعها يجوز شعار مثل “نعم لوقف الحرب” ولكن هذا الشعار يفرض سؤال ما هي الخطة العملية الكفيلة بإيقاف الحرب التي تدعو إليها القوي الوطنية .
هناك ثلاث مآلات لإيقاف الحرب. فمن الممكن أن تقف بمقاومة العدوان الأجنبي الميليشي ودحره. ومن الممكن أن تقف الحرب بان يستسلم الجيش ويسلم الوطن للغزاة. ومن الممكن أيضا أن تقف بتفاوض يقتسم فيه الشعب موارده وسلطاته مع الغزاة والعودة إلي نسخة معدلة من اقتسام الغنيمة في توازن الرعب الذي ساد قبل بداية الحرب. يقع علي القوي الوطنية والراي العام أن يحدد خياراته من بين هذه السيناريوهات بدلا من الهروب منها إلي خطاب قديم في كامل الذهول عما استجد.
ربما كانت هناك مآلات وسيناريوهات أخري غابت عني، وانا علي كامل الإستعداد للإصغاء إليها ممن يذكرني ولكن عليه تقديم تصور عملي، واضح وخطة واضحة لحماية المواطن من استباحة الميليشا له وحماية الوطن من غزو خارجي لم يعد موضع شك أو تخمين. العنوا من شئتم ولكن هذا لا يعفي واجب تحديد كيف تحمي سلامة المواطن من الميليشا وحماية الوطن من الغزاة.
معتصم اقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب