أثير – جميلة العبرية

بدأتُ متابعة قصة اليازي البادية مع ما نشرته الدكتورة ريا المنذرية عبر حسابها في منصة (أكس) حين كانت اليازي في الصف الثامن.

وصفتها المنذرية حينها بأنها بليغة اللسان والأكثر جدارة في تقديم الورشة التي دعت لتنفيذها. كان لديها أملًا كبيرًا وعزيمة للاستمرار وعدم اليأس، وشاركتهم قصتها مع إصابتها بالسرطان.

وبعد خمس سنوات من ذلك المنشور، عادت الدكتورة ريا من جديد ونشرت منشورًا آخر تبشرنا فيه بتفوق اليازي في الدبلوم العام وحصولها على بعثة دراسية خارجية إلى “إيرلندا” لدراسة الطب. حينها تواصلت معها “أثير”، ففرحت اليازي وشكرت على إتاحة الفرصة للتعبير وكتابة قصتها فكتبت الآتي:

ما الذي يجعلنا نستمر؟ ربما نتوقف قليلاً لكننا نعود لنواصل مرة أخرى. تدور بداخلنا أصوات تدفعنا بعضها إلى الأمام، والبعض الآخر يتذمر فيجبرنا على التوقف. ربما لو توقفنا لوهلة عن سماع الأصوات المزعجة وأصغينا إلى داخلنا سنجد أن الطريق أسهل بكثير مما نتوقع. قد يجد البعض قصتي التي أرويها مملة، ولكن إن كنت تود معرفة الإجابة عن السؤال الذي طرحته في المقدمة ستجد ما أكتبه الطريق للإجابة عنه.

في الثانية عشرة من عمري، مندفعة أمام الحياة، لا أتوقف عن طرح الأسئلة، أطارد الأفكار والقصص الخيالية. لم أتوقع يوماً أن يجبرني شيء على التوقف عن كل هذا، ولكنها كانت بداية أصعب تحدٍ بالنسبة لي. كنت أشعر بالتعب طوال الوقت، شعري يتساقط، وأبسط المهام اليومية تكلفني الكثير من الجهد. أخذتني أمي إلى الطبيب وبعد رحلة طويلة من التشخيص، أخبرني الطبيب أنني قد أمكث في المستشفى لوقت أطول من العادة. أخبرني الطبيب في ذلك الوقت ليقرب الصورة إلى ذهني بالطبع أن المشكلة في مصنع الدمى الخاص بي. قال لي تخيلي لو أن هذا المصنع يعمل ولكنه يصنع دمى بأشكال مختلفة: دمية بعين واحدة، وأخرى بثلاثة أرجل. لن يتقبل أي أحد دمية مشوهة، صحيح؟

أدركت في تلك اللحظة أنه يقصد مصنع الدم الخاص بي (النخاع) والذي ينتج بعض الخلايا الغريبة التي يرفضها الجسم ويحاربها فيضعف. ظننت أن قصة الدمى ممتعة إلى أن أدركت أنني مصابة بسرطان الدم والذي يطلق عليه علمياً (لوكيميا الدم). هنا أدركت أن القصة أكثر من مجرد مصنع الدمى. بدأت رحلة العلاج. طلب مني الأطباء أن أتوقف عن الذهاب إلى المدرسة لحين شعوري بالتحسن؛ لكنني رفضت تماماً. كانت المدرسة بالنسبة لي المكان الذي أنسى فيه ضعفي ومرضي. كل ما كنت أوده هو أن يعود كل شيء كما كان في السابق، لكن هذا كان مستحيلاً في تلك الفترة. أمي وأبي وإخوتي كانوا يشعرون بالقلق طوال الوقت؛ ولكنهم كانوا دائماً أول من يساندني وينسيني الألم. شكراً عائلتي.

ظن البعض أن ذهابي للمدرسة قد يضرني، لكن كنت دائماً أريد أن أكون الأفضل. انتهى العام الدراسي بالصف الثامن. في الحقيقة لم أنجح فقط بل كنت من نخبة الطالبات في المدرسة. حصلت على تقدير ممتاز ومركز متقدم رغم أنني قضيت بعض الأسابيع في المستشفى والبعض الآخر في صف المدرسة. لم أنسَ يوماً كيف كانت مدرستي ومعلماتي وزميلاتي في المدرسة أول من يشجعني، فلم أشعر يوماً أنني مختلفة.

وهكذا مرت الأيام والسنوات وأنا أحاول ألا أتوقف. تساقط شعري، فقدت الكثير من الوزن وأصبح وجهي شاحباً، لكن ما تبقى لي ابتسامتي التي كنت أخفي خلفها آلاماً لا تنتهي. كان الأطباء في المستشفى مثالاً يُحتذى به. كنت أتمنى أن أكون في يوم من الأيام طبيبة قدوة مثلهم تماماً، يعتنون بالمرضى ويقدمون لهم الدعم. دائماً يحاولون تخفيف الألم عن الأطفال رغم صعوبة العلاج الذي قد يمتد إلى أربع سنوات وأكثر في بعض الحالات. شكراً لكل من كان له دور في هذه القصة.

قالت لنا: ربما لم تحصلوا على إجابتكم بعد، ما الذي يجعلنا نستمر؟ في الصف الثاني عشر، بدأت أشعر أن الأمر كله يتوقف على حلمي. لأعوض كل ما خسرته وكل ما شعرت به من ألم، أردت أن أكون طبيبة. في الحقيقة، أن أصبح طبيبة لم يكن أمراً اختيارياً بل كنت متعلقة برغبتي وكنت أردد دائماً: إما الطب وإما فلا. لم أتخيل يوماً رغم الضغوطات والتحديات في تلك المرحلة أن يجرني شغفي نحو حلمي. ثم وصلت إلى نقطة النهاية. انتهت الدراسة وبفضل الله الذي سخر لي خيرة، حصلت على معدل ٩٩٪ وتم قبولي في كلية الطب في إيرلندا. شعرت في تلك اللحظة أنني أملك الخير كله بيدي. كل ما كنت أنتظره طوال هذه السنوات الطويلة أصبح حقيقة. في الواقع، إنها النهاية لبداية حياة جديدة، وأحلام وقصص أجمل قد ترمم الماضي المتعب.

وبعد نهاية هذا العام الدراسي أضافت اليازي:

رحلة الابتعاث لم تكن سهله، ولأن السنة الأولى تكون سنة التحديات كما يقولون، نتعلم منها ونسقط ونتعثر، ثم نعود مرة أخرى ونحاول، كنت أصارع الوقت مع المقررات الدراسية والتحديات التي لا تنتهي مع التأقلم مع اللغة الجديدة، ولكن لا شيء مستحيل، واللغه ليست معيار وإنما وسيلة، كنت أدرك أنني أستحق المزيد الوقت لأثبت لنفسي أولا أنني أستطيع والحمد لله، في نهاية العام، حصلت على جائزة أفضل طالب في السنة التأسيسية للطب أكاديمياً واجتماعياً وهذا أول إنجاز أكاديمي في بداية مسيرتي العلمية، وأتمنى ألا يكون الأخير.

أدركت أن الأحلام قد تصبح حقيقة إذا تحولت إلى هدف، ولكنها ستبقى في المخيلة ما زالت في مكانة الحلم.

كأن ما مضى بالنسبة لي حلم، وطبيبة المستقبل اليازي ستعود مرة أخرى لتبني حلماً جديداً ومبهراً. عاهدت نفسي أن أعود لأرد المعروف لكل من مر في طريقي ووضع شمعته لينيره. لأمي وأبي، لأخوتي، لعائلتي، لأصدقائي، وللأطباء وحتى المرضى.

ويبقى السؤال دائماً، ما الذي يجعلنا نستمر؟ فكرة عابرة؟ مقولة مؤثرة؟ لوحة فنان؟ أو ربما صوت بداخلنا لا يتوقف يدفعنا لنستمر ونحقق المزيد. كل شخص في هذه الحياة لديه قصة وموقف لا يُنسى، يجعله يستمر في السعي ليعوض نفسه بالأفضل، ولا يتوقف أبداً عن السعي حتى لو تأكد أنه في المسار الصحيح. يستمر ليصنع المستحيل ومن لب المشكلة يصنع الفرق والتغيير، ليحقق حياة أفضل وحلماً عظيماً يجعله ينسى ما مر به من شدة. تماماً كقصة مصنع الدمى الذي لا يعمل جيداً.

هكذا نحن، هكذا الإنسان، شغوف بطبعه يسعى دائماً ليكون الأفضل. ولكن قد يتوقف بعضنا ليستريح قليلاً ثم يكمل ليشق طريقه فيبهرنا في النهاية.

أحلامنا قد تتحقق ونجد لأفكارنا مكاناً ليتقبلها. والمستحيل بنظرك سيحدث، ما علينا سوى أن نستمر ونستمر…

اقرأ أيضا ShareTweetSend الأكثر مشاهدةاكتشاف ظاهرة جيولوجية فريدة في ضلكوتمن 700 إلى 200 ريال: نشر التفاصيل المالية للتوجيهات السامية حول خفض رسوم توصيل المياهدفعة ثانية تُكمل برنامج "أصحاب السعادة الولاة" في الأكاديمية السلطانية للإدارةرئيس هيئة البيئة: قرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية لم يحقق هدفه الأسمى حتى الآنقريبًا: منظومة رقمية مبتكرة تدير الأفلاج العمانيةمقترح من "بايدن" لوقف الحرب في غزة عبر 3 مراحل، تعرّف على تفاصيلهكيف استطاعت الحكومة توفير أكثر من 7 ملايين ريال من الإيجارات؟الأرشيف يونيو 2024 د ن ث أرب خ ج س
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
30  
« مايو    

تواصل مع أثير

رقم المكتب: 0096824595588
الفاكس:  0096824595545
رمز البريد: 111
صندوق البريد: 2167
البريد الالكتروني
info@atheer.om


موسى الفرعي – الرئيس التنفيذي – رئيس التحرير

كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC

No Result View All Result الرئيسة أخبار أخبار محلية أخبار عالمية رياضة رياضة محلية رياضة عالمية أثيريات فضاءات تاريخ عمان من عمان فيديو أثير بودكاست أثير مجلس الشورى الفترة التاسعة الفترة العاشرة

كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC

  تحميل التعليقات...   اكتب تعليقاً... البريد الإلكتروني (مطلوب) الاسم (مطلوب) الموقع

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: فی تلک

إقرأ أيضاً:

أبراج تحب المماطلة من العمل.. هل أنتِ منهم؟

نشرت صحيفة " تايمز أوف إنديا " أن هناك نوعان من الشخصيات في العمل والحياه الأول ينجز الأمور بشكل سريع ودقيق ولديه حس عالِ من الإلتزام والنوع الأخر يحب المماطلة والتملص من العمل، ووفقاً لعلم الفلك هناك 6 أبراج فقط هي من تعشق المماطلة والتملص عن العمل وهما:

أبراج تحب المماطلة من العمل.. هل أنتِ منهم؟برج الثور:

يستغرق اصحاب برج الثور وقتًا طويلًا جداً في التفكير، وأيضاً وضع الخطوات من أجل بدء العمل وإنجازه وعادة يمر موعد تسليم الاعمال دون الإنتهاء من علمهم فهم يقضون معظم الوقت في التفكير بدلًا من التنفيذ.

برج الدلو:

يكره اصحاب برج الدلو تقييدهم بالمسئوليات وأيضاً الإلتزامات وإذا تم إرغامهم على العمل يستغرقون وقتًا طويلًا لإتمام العمل وهذا يرجع لثقتهم القليلة في أنفسهم وفي قدرتهم على إتمام الأمور.

برج العذراء:

ما يعيق أصحاب برج العذراء عن تنفيذ العمل في الوقت المحدد هو إهتمامهم بالتفاصيل ومحاولتهم السعي بشكل دائم نحو الكمال.

برج القوس:

على الرغم من الأفكار المبدعة التي يفكرون بها ويقدمونها طوال الوقت إلا أنهم لا يأخذون خطوة التنفيذ  لأنهم لا يحبون الهموم أو المسئوليات.

برج الميزان:

يهتم أصحاب برج الميزان بأنفسهم كثيرًا ويميلون للكسل بشكل دائم إذا شعروا بعدم الرغبة في تنفيذ الأمور فهم يؤمنون أن يعيشون حياتهم من اجلهم فقط وليس من أجل الأخرين.

برج الحوت:

على الرغم من تميز أصحاب برج الحوت بالإبداع والخيال الخصب ولكنهم يماطلون ويتملصون من العمل وينجزونه في نهاية المطاف بعد جهد كبير من التملص والكسل.

كلمات دالة:أبراجبرج الثوربرج الحوت تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

نادين طاهر مُحررة قسم صحة وجمال

انضمّتْ إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" عام 2013 كمُحررة قي قسم صحة وجمال بعدَ أن عَملت مُسبقًا كمحُررة في "شركة مكتوب - ياهو". وكان لطاقتها الإيجابية الأثر الأكبر في إثراء الموقع بمحتوى هادف يخدم أسلوب الحياة المتطورة في كل المجالات التي تخص العائلة بشكلٍ عام، والمرأة بشكل خاص، وتعكس مقالاتها نمطاً صحياً من نوع آخر وحياة أكثر إيجابية.

الأحدثترند دعاء صباح يوم جديد عبارات جميلة عن ذو القعدة 1446 كلمات عن إشراقة الصباح دعاء بداية شهر جديد مايو حظك اليوم الخميس 1 أيار/ مايو 2025‎‎ Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • موعد صرف معاش تكافل وكرامة.. وبرلماني: استمرار الحصول عليه دائما طبقا للقانون
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • أبراج تحب المماطلة من العمل.. هل أنتِ منهم؟
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • وهبي: لا يمكن توفير طبيب شرعي لكل إقليم بسبب ضعف أجور التشريح التي لا تتجاوز 100 درهم
  • ما حدث كان مؤلمًا.. رسالة مؤثرة لكولر بعد رحيله عن الأهلي
  • دراسة علمية تحذر من تناول الدجاج 4 مرات أسبوعيًا.. اعرف السبب
  • البيت الابيض: ترامب يريد وقفا دائما لإطلاق النار في أوكرانيا وليس مؤقتا
  • معتز إينو: لوم الأهلي على الصفقات "قصر ديل".. والأحمر سيعود بقوة
  • الطيبون يفوزون دائما.. بيكيه يسخر من ريال مدريد بعد الكلاسيكو