حين تسقط ورقة التوت من فوق العقائد البالية تتجرد الإنسانية من كل المعاني إلا الشرف..

حين تقع المبادئ في براثن الدجالين واللصوص تتحول المواقف إلى حلبة صراع لا يربح فيها إلا أصحاب الوجوه الزائفة..

حين يتشدق دعاة الفضيلة بمصطلحات عنترية لا أصل لها إلا في عقولهم المتحجرة يصبح المجتمع مجرد صورة باهتة لحقيقة تتوارى خلف أسوار الجهل.

هكذا تبدل المعنى الحقيقي لمفهوم الشرف من جوهر الكلمة إلى مظهرها الخارجي..

الشرف في المُعجم هو صفة تقيم مستوى الفرد في المجتمع، ومدى ثقة الناس به بناء على أفعاله وتصرفاته، وفي تلك الحالة تصف مدى النبل الذي يتمتع به الفرد اجتماعيا..

وماذا عن تعريف الكلمة في الحياة؟

حدث ولا حرج..تعريف له ألف معنى وقيمة ضائعة..

مؤخرا إحتل حادث فتاة "الأوبر" المانشتات، هذا الحادث الذي تكرر مرات في وقت قصير، إختلفت المواقف وباتت الضحية واحدة..فتاة ضعيفة هزمتها أفكار المجتمع البالية فجعلتها تقفز من السيارة أثناء سيرها بسرعة فائقة لأن تصرفات السائق جعلتها تتصور للحظة أنه سيعتدي عليها..وأنا أتصور أنه قد تهيأ لها في تلك اللحظات الصعبة عشرات الرؤى والأفكار..

علها تسائلت: ماذا سيكون ردة فعل الأهل؟ ماذا سيقول الجيران؟ كيف سيقيمها الأصدقاء؟ هل ستجلس أمام القفص أم خلفه؟!

الشرف في الحقيقة كلمة لها معنى واحد ولكن مع مر العصور وتغير المفاهيم تبدل المعنى بألف معنى جديد لتصبح أكثر المتحدثات عن الشرف هن العاهرات..وأكبر حاملي لوائه هم المرتشين!.

ولأن المعنى مغري وله ألف مدخل فقد تطرق الأدب العربي والعالمي إلى هذا المفهوم من خلال روايات وقصص..

سلط الأدب الضوء على هذه الأسئلة الصعبة التي تحتل عقول كل الفتيات في مجتمع كبلتها فيه الأعراف والقيل والقال، لدرجة جعلت فتاة الأوبر تختار أن تفقد حياتها بدلا من أن تفقد عذريتها؟!

فأي مجتمع هذا؟!

دعاء الكروان:

في عام 1934م نُشرت رواية عميد الأدب العربي طه حسين "دعاء الكروان" وهي الرواية التي كتبها ببراعة صاحب الفكر والرؤية على الرغم من أنه أديب فقد نور عينيه إلا أن الله قد أنعم عليه بنور البصيرة، فكتب هذه الرواية البديعة ليمزج فيها بتجرد وحنكة تغريد الكروان الشجيِّ بصرخات القهر والظلم على لسان بطلة الرواية "آمنة" تلك الفتاة الريفية رقيقة الحال التي تصطحبها الحياة في رحلة بائسة مع العوَز والترحال، ومن بعده تتعرض للغدر والانتهاك، ثم تعود وتنتقم من أجل شرف أختها التي قتلها المجتمع دفاعا عنه..إنها قصة استقاها المؤلِّف من واقع عاشه في الريف المصري، ولازالت حتى يومنا هذا هذه القصة تعبر عن واقع أليم تُضطهد فيه المرأة ويُهضم حقَّها.  

حادثة شرف: 

ثم يتألق فارس القصة القصيرة يوسف إدريس في قصة "حادثة شرف" فيكتب ليعري المجتمع أمام نفسه ويغوص ببراعة في الجهل المستفحل في الأرياف والتقاليد البالية التي لم ولن تنتهي مهما طال الزمان، تدور أحداث الرواية عن قصة فتاة قرويّة فائقة الجمال، تعيش مع أخيها وهو متزوّج في منزله، إلا أنه يلاحقها بنظراته الغريبة أينما ذهبت متشككا في سلوكها على الرغم حرصها على شرفها وسمعتها، يعترضها شاب ذات صباح ويحاول أن يجذبها فتصرخ بكلّ جوارحها حتى يهرع إليها الجميع، لكنّ أخاها يظنّ بأنّ الشابّ قد اغتصبها فيعلن رغبته في أن تخضع لكشف العذرية وإلّا قتلها واستراح..تسير الفتاة مجبرة في موكب يحفل بأهل القرية وقد توجهوا بأبصارهم على مكان واحد في جسدها وكأنهم إختزلوا شرفها فيه، تسير منكّسة الرأس، يسكنها الغضب الجامح، حتى تصل إلى منزل المرأة ويتبيّن للجميع من خلال الفحص أنّها ما زالت عذراء فعلاَ.

ثم تنتقل الرواية إلى اللحظة التي ينقلب فيها حال الفتاة بعد تلك الحادثة، لتتحول إلى فتاة شرسة نظراتها جريئة تجردت من الحياء، فلم تعد تكترث باكتساب ثقة واحترام الآخرين، بل وتتخلص من شرفها الذي طرحه شقيقها أرضًا.

الحرام:

يعود يوسف إدريس من جديد ليضع يده على جرح غائر في جسد مجتمع مريض، ويكتب من جديد رواية "الحرام" التي تبدأ بعثور الخفير عبد المطلب على جنين حديث الولادة ملقى بجانب شجرة كبيرة، فيتوقع دون تفكير أن هذا الجنين هو ابن سفاح أو حرام، لأن الأجنة الوليدة لا يتم التخلص منها إلا لهذا السبب البديهي.

الحقيقة أن يوسف إدريس في قصة "الحرام" لم يقصد إدانة المرأة المغتصبة، بقدر ما قصد أهانة المجتمع والفكر المريض وإدانة الثقافة الاجتماعية التي لا تتهم الجاني بل تتهم المجني عليها تماما مثلما يحدث في الكثير من حالات الإغتصاب والتحرش بالفتيات حتى يومنا هذا، إنها صورة متكررة حتى لو إختلفت المسميات والعصور!.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

نجاة عبد الرحمن تكتب: التوحد

كثيرون يعتقدون أن التوحد إعاقة ذهنية، يجهلون انه ليس مرضا بل اضطرابا عصبيا يصيب الجهاز العصبي خلال سنوات النمو الأولي للطفل، و للبنين النصيب الأكبر من تلك الإصابات، و مازال يعجز العلم حتى الآن عن اكتشاف سبب ذلك الاضطراب العصبي الذي بنفسم إلى ثلاث مستويات :

المستوى الأول يطلق عليه متلازمة اسبرجر، وأصحاب ذلك المستوى تكون درجة ذكائهم حادة للغاية و يتقنون الحفظ بكافة أشكاله، لكنهم يفتقدون التفاعل الاجتماعي و انعدام المهارات الحياتية، بشكل اشبه بالروبوت الآلي الذي يتم تحريكه بالريموت كنترول.

المستوى الثاني: يواجه طفل التوحد ذات الدرجة المتوسطة صعوبة كبرى مع البيئة المحيطة في التواصل فيقتصر حديثه على عبارات بسيطة، كما ينخرط في سلوكيات متكررة، ويحتاج إلى رعاية ودعم نفسي و اجتماعي كبير.


المستوى الثالث: هو أشد درجات التوحد وفيه يحتاج الطفل إلى رعاية متكاملة شاملة، لما يعانيه أصحاب ذلك المستوي من صعوبة شديدة في التواصل، وعدم القدرة على التحدث بوضوح بل يصدر أصوات همهمات و زائير يشبه زائير الأسد، ونادرًا ما يتفاعل مع الآخرين، كما تظهر عليه الأعراض السلوكية بصورة أكثر حدة، خاصة تجاه نفسه حيث يميل لإيذاء نفسه بعض كلتا اليدين و ضرب الرأس في جسم صلب عند التعبير عن الغضب أو الفرح لعدم تلقيه لغة تعبير أخرى.

و مؤخرا أصبح التوحد يصيب الأطفال في سن العاشرة بسبب التعمق في استخدام السوشيال ميديا و الانغلاق و الانعزال التام بعيدا عن جو الأسرة.

نصائح للتعايش مع التوحد و تعد خلاصة تجربتي و دراستي مع أصحاب اضطراب طيف التوحد.

توجد بعض الإجراءات التي يمكن للوالدين القيام بها التي تقدم الدعم والرعاية للطفل المصاب، وتتضمن هذه الإجراءات ما يلي:

التركيز على الإيجابيات: يستجيب صاحب اضطراب طيف التوحد للتعزيز الإيجابي، مثل المكافآت وتقديم الهدايا عند القيام بسلوك جيد، ويساعد مدح الطفل على زيادة شعوره بالرضا.
الحفاظ على روتين محدد: يفضل اصحاب اضطراب طيف التوحد الروتين وعدم التغيير؛ لذا يفضل الالتزام بروتين محدد ليسهل على الطفل تطبيق ما تعلمه.


اللعب: تساعد مشاركة الأنشطة واللعب مع الطفل في تحسين مهارات التواصل.
منح الطفل الوقت اللازم للاستجابة: قد يحتاج الطفل تجربة عدة طرق علاجية لاكتشاف الطريقة المناسبة له؛ لذا ينبغي على الأهل التحلي بالصبر وعدم الاستسلام إذا لم يستجب الطفل لأسلوب علاجي معين.
اصطحاب الطفل خارج المنزل: يساهم اصطحاب الطفل عند الخروج من المنزل أثناء القيام بالمهام اليومية، مثل التسوق في اندماج الطفل مع العالم الخارجي.

تمت دعوتي كضيف متحدث في عدد من الندوات حول التوحد خلال الأيام الماضية، وجدت أنه أصبح هناك اهتماما كبيرا من الدولة و المجتمع تجاه البحث و المعرفة حول التوحد و كيفية التعايش معه، و كانت من اكثر الندوات ثراءً ثلاث ندوات الأولي بمؤسسة إيزيس للخدمات الاجتماعية لدعم و تدريب و تعليم و تأهيل و توظيف ذوي القدرات الخاصة بالتعاون مع الجمعية المصرية العلمية للعلاج التنفسي التي يرأسها أ.د محيي الدين عبد الظاهر خليفه، ثم ندوة تم تنظيمها بالمجلس الأعلى للثقافة دعاني لها آ.د عماد محجوب أستاذ و رئيس قسم علم النفس بجامعة القاهرة و أستاذ علم التفس الإكلينيكي فئات خاصة، ثم ندوة بحزب حماة وطن أمانة شرق القاهرة دعاني لها د. جمال حمدان أحد قيادات الحزب.


سعدت كثيرا بالندوات الثلاث و الحفاوة بأصحاب اضطراب طيف التوحد و مدى حرص و اهتمام الحضور بمعرفة كل تفصيله تتعلق بأولادنا من اصحاب اضطراب طيف التوحد، و لكن ما أثار إستيائي ما صدر عن أحد الأساتذة دكتور جامعي ربما كان رئيسا لجامعة عريقة ذات يوم عندما قال " ربنا خلق المعاقين ليه؟ علشان أهاليهم تتعذب بيهم؟ ! هذه كانت كلمته خلال الندوة.

لا أنكر أنني لم أندهش لان كثيرا ما أسمع ذلك من الجهلاء و عديمي الثقافة و المعرفة و مسطحي الفكر و الأميين، و لكنني صعقت عندما سمعته من قامه كبيرة و قدوة عليها واجب تجاه المجتمع و يجب عليها تثقيفه و توعيته و ليس العكس.

الذي صدر عن ذلك الأستاذ هو نتاج جهل مجتمعي تجاه أولادنا من ذوي القدرات الخاصة.

بالرغم من الطفرة العلمية و التقدم و اهتمام الدولة المصرية بذلك الملف إلا إنه مازال هناك تقصيرا كبيرا تجاه توعية المجتمع و تثقيفه بأهمية الاهتمام بأولادنا من ذوي القدرات الخاصة، الأزهر الشريف يجب أن يتدخل بسلسلة ندوات إرشاديه حول الصبر على أولادنا و حسن التعامل معهم و فضل ذلك عند رب العالمين.

و لا أنكر التقصير الصحفي و الإعلامي تجاه ذلك الملف الهام، فلا يعقل أن تنتفض الدولة المصرية من أجل حقوق هؤلاء الأبناء و في الوقت ذاته يتجاهل الإعلام و الأزهر حملات التوعية و التثقيف.

و هنا يجب أن أنوه لفضل وجود ملاك في بيتنا انه منحه من الله و ليس محنة، منحة اختارنا الله حتى ندخل بها الجنة دون عناء.

ليس كل متعلم مثقف و ليس كل جاهل أعمى، المقصود بالأعمى هو أعمى البصيرة و الفطنة و الثقافة و القناعة و الصبر على أولادنا، كم من أم غير متعلمة بل أمية تحسن إلى أولادها من ذوي القدرات الخاصة، و خير مثال أحب أن أحدثكم عنه هي " ماما زوزو " تلك المرأة الحديدية الصبورة الحنونة، التي تجاوزت السبعين عاما و كان قد رزقها الله بأبن معاقً ذهنيا صبرت عليه و كبرته و رعته خير رعاية ثم زوجته من فتاة من نفس ظروفه لترزق بثلاث أبناء معاقين ذهنيا تقوم على رعايتهم جميعا تلك البطلة " ماما زوزو " النموذج الذي استمد منه قوتي و أدعو القادرين و أصحاب القلوب الرحيمة لتقديم المساعدة لتلك المرأة الحديدية بتوفير مسكّن آدمي لها و لأحفادها و ابنها و زوجته المعاقين ذهنيا حيث أنهم يعيشون في غرفة متواضعة ذات سقف من الخوص و بقايا الكرتون و الخشب بحمام مشترك مع الجيران، و دعمها ماديا و تحقيق أمنيتها بزيارة بيت الله الحرام.

مقالات مشابهة

  • التقوى.. سر مفتاح الخير ومغاليق الشر
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • منزل إسماعيل الأزهري.. احتفالاً بالذكرى ٦٩ للاستقلال المجيد ذلكم الشرف الباذخ
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: التوحد
  • لأول مرة منذ 3 عقود.. مفهوم جديد للطعام الصحي
  • خطيب الجامع الأزهر: أكرم الله أمة العرب وجعل معجزة النبي بلسانها
  • في مثل هذا اليوم.. رحيل الروائي شتاينبك
  • طعنة وسط الشارع تكتب نهاية فتاة بأوسيم
  • بالفيديو | سلطان: كل ما في الدنيا يُعوّض إلا الشرف والسمعة
  • الرواية الكاملة لهروب الأسد .. تفاصيل لم تنشر من قبل