د. محمد بن عوض المشيخي **

 

صناعة السياحة في أي بلد واعد وطموح، تحتاج إلى خططٍ استراتيجيةٍ واضحة المعالم؛ وجهود هائلة من الجهات التي تتولى هذا الملف الاقتصادي والثقافي المُهم، والذي يعد رافدًا تنمويًا للدخل الوطني، وقبل ذلك كله العمل على تحسين المرافق السياحية التي رصدتها الدولة لرؤية "عُمان 2040"، والتي تهدف لأن تتضاعف نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سنوات الرؤية، بحيث تسجل 7% من الناتج المحلي، وتنفيذ شبكات الطرق المزدوجة وبعض الجسور التي أصبحت ضرورية لحل مشكلة الاختناقات المرورية في مدينة صلالة، والتي سبق الإعلان عن بعضها في الفترة الأخيرة.

لقد حان تنفيذ هذه المشاريع بأسرع وقت، وعلى وجه الخصوص مشروع ازدواجية شارع السلطان قابوس، الذي يُفترض أن يكون قد تم إنجازه أو على الأقل البدء في العمل بالمشروع الذي رُصدت له مُخصَّصات مالية معروفة ونافذة بأوامر وتوجيهات سامية قبل سنوات، والأهم من ذلك كله الترويج والتعريف الصحيح بالمزايا التي تتميز بها ظفار، ببيئاتها الثلاث: السهول والجبال والبوادي؛ وذلك من خلال زيادة إقامة المعارض الترويجية في المدن الخليجية، ونشر إعلانات قصيرة عبر الصحف والقنوات العربية والخليجية والمنصات الرقمية ذات الانتشار الواسع والمشاهدات العالية، بهدف كسب أكبر عدد ممكن من الزوَّار للمحافظة في الأوقات المناسبة كل عام؛ فمعظم الذين يُخطِّطُون للسفر يحسمون قراراتهم للبلدان والمدن التي يستهدفونها بالزيارة، وذلك قبل بضعة أشهر من الآن، والمدة الزمنية التي يُفترض أن تهدف لها الخطة الترويجية 6 أشهر على الأقل قبل بداية فصل الخريف من كل عام.

ويعد موسم الخريف في محافظة ظفار- الذي تفصلنا أيام عن حلوله- واحدًا من أهم الوجهات السياحية الخليجية والمحلية الواعدة التي تتميز بقربها الجغرافي للسياح في دول مجلس التعاون الخليجي، بالمقارنة بالوجهات السياحية الأخرى البعيدة وما فيها من مخاطر صحية، وتكاليف مالية إضافية؛ مثل دول شرق آسيا وجمهوريات آسيا الوسطى وأوروبا. ولعل الأمن والاستقرار وكرم الضيافة العُمانية الأصيلة والأسعار التنافسية في السكن، من أبرز القيم المُضافة لزوار المحافظة، في هذا الجزء الغالي من سلطنتنا الحبيبة عُمان؛ فالأجواء التي تتميز بها هذه المنطقة عن غيرها من المناطق في شبه الجزيرة العربية استثنائية؛ حيث سقوط الأمطار الموسمية من 21 يونيو وحتى 21 سبتبمر من كل عام، وامتداد البساط الأخضر من صرفيت غربًا إلى مرتفعات سمحان شرقًا على امتداد أكثر من 350 كيلومترًا في أبهى صور الطبيعة الخلابة؛ حيث الشلالات التي تتساقط في العديد من المناطق الجبلية كدربات وكور وعين وجوجب.. كُل ذلك جعل من ظفار تستقطب العام الماضي "موسم 2023" حوالي مليون سائح خلال ثلاثة أشهر فقط. ومن الإيجابيات التي نُفِّذَت الموسم الماضي- وهي مستمرة في المواسم التالية- خفض أسعار التذاكر للمواطنين إلى 54 ريالًا ذهابًا وعودة من مسقط إلى صلالة، كما يطمح الكل أن تَفتح الجامعات والمدارس أبوابها بالتزامن مع نهاية فصل الخريف، وليس في شهر أغسطس كما حصل العام الماضي؛ حيث أربك ذلك الحركة السياحة في ظفار، بينما تتكاتف الجهود لتشجيع السياحة الداخلية بين محافظات وولايات السلطنة.

كذلك يتعين توعية الجميع من المقيمين والزائرين بضرورة المحافظة على الطبيعة والبئية والمراعي الخضراء التي تشكل واحدًا من الكنوز الطبيعية، لضمان استدامة مستقبل السياحة في السلطنة، وعلى الجهات المختصة والتي تهمها استمرارية وصيانة الأشجار والنباتات والمواقع السياحية، أن تنخرط في تشكيل فرق مشتركة من وزارة التراث والسياحة وبلدية ظفار وشركة بيئة وهيئة البيئة، لتنفيذ الحملات التوعوية اللازمة ميدانيًا مع بدء وصول الأفواج السياحية إلى محافظة ظفار، وكذلك الاستعانة بالفرق التطوعية العاملة في هذا المجال مثل (فريق أتين التطوعي) للمحافظة على البيئة، لا سيما المساحات الخضراء، على أن يتم العمل في توزيع هؤلاء الأشخاص في المناطق ذات الكثافة مثل وادي دربات ومرتفعات أتين وسهولها، وفي مرتفعات سمحان وافتلقوت بالقرب من المغسيل. علاوة على تمكين هؤلاء المتطوعين والموظفين من استخدام وسائل الإعلام الحكومية منها والخاصة لتذكير الجميع بأهمية المحافظة على البئية الريفية وكذلك السهول الخضراء.

ولا شك أن مقترح مشروع طريق "المغسيل- ضلكوت" الساحلي الذي يبلغ طوله 60 كيلومترًا، سوف ينقل السياحة في السلطنة نقلة نوعية، إذا ما رأى النور؛ فهناك العديد من الشواطئ الجميلة ذات المناظر الخلابة التي تأسر ألباب الناظرين وتسحرهم في مختلف فصول السنة، خاصة الفزائح وحوطة الشيخ عثمان ورخيوت، والتي تعد بالمجمل مواقع مثالية لإقامة مُنتجعات سياحية وشاليهات لاستقبال الأفواج السياحة من مختلف دول العالم. ويمكن تحويل موقع خيصة (خرفوت) الذي أصبح محمية إلى متحف طبيعي بعد ترميم المباني القديمة المطلة على بحر العرب؛ إذ لا يمكن الوصول إلى هذه المنطقة التي يأتي المغامرون من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية لزيارتها مشيًا على الأقدام أو عن طريق البحر نظرًا لأهمية (خرفوت) وموقعها الاستراتيجي الفريد في كتابات الرحالة والمستكشفين الجغرافيين عبر التاريخ. لقد تابعنا طوال السنوات القليلة الماضية زوار خريف صلالة من دول مجلس التعاون وخاصة رواد وسائل التواصل الاجتماعي الذين يحظون بمئات الآلاف من المتابعين، عند نقلهم المشاهد والصور الرائعة والتي لا مثيل لها في أي مكان في العالم، وذلك من مرتفعات (شعت ورأس ساجر) في جبل القمر التابع لولاية رخيوت، حيث تعانق أمواج المحيط الهادرة الخلجان الرملية والجبال الخضراء الشامخة التي تتجاوز سويسرا أوروبا في جمال طبيعتها الأخاذ.

في الختام.. نوجِّه نداءً عاجلًا إلى القائمين على هذا الحدث المُهم عبر هذه النافذة الإعلامية: الرسالة الأولى: لا شك أن دربات هي أقونة السياحة في ظفار والمكان الابرز لمرتادي موسم الخريف؛ فالازدحام والاختناق المروري في الطريق إلى الوادي أصبح لا يُطاق، وعليه من الضروري فتح طريق جديد من الجهة الغربية لدربات أو تنفيذ ازدواجية طريق دربات طاقة الحالي.

الرسالة الثانية: تتعلق بالفعاليات المصاحبة لهذا الموسم 2024 بأن تتمحور حول الندوات الثقافية والدينية والمؤتمرات العلمية؛ وذلك لنجعل من خريف ظفار ساحة فكرية تضيف بصمة ثقافية وبُعدًا إبداعيًا لكل مُرتادي المحافظة في هذا الوقت من السنة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حملات الدعاية لمصر تزين الواجهات الرئيسية ببورصة برلين السياحية

تصدرت صور المقومات والوجهات والمنتجات السياحية المختلفة والمتنوعة في مصر وشعار الحملات الدعائية للمقصد السياحي المصري "مصر ... تنوع سياحي لا مثيل له" الواجهات الرئيسية لمبني أرض المعارض (Messe Berlin) والمخصص لإقامة بورصة برلين السياحية الدولية بألمانيا (ITB) والمقرر افتتاحها اليوم الثلاثاء الموافق 4 مارس وتستمر فعالياتها حتى 6 مارس الجاري.

يأتي ذلك في إطار الحملة الدعائية الإعلانية التي أطلقتها الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي على هامش مشاركة وزارة السياحة والآثار في بورصة ITB.

كما تم اختيار الأماكن المتميزة لوضع الصور واللافتات الدعائية الإعلانية للمقاصد السياحية المصرية المختلفة بالشوارع المحيطة بمقر البورصة والتي تتزين حالياً بصور عن المتحف المصري الكبير والذي سيتم افتتاحه كاملاً رسمياً يوم 3 يوليو القادم، والشواطئ المشمسة ذات المياه الصافية والمواقع الأثرية الفريدة في مصر، هذا بالإضافة إلى علم مصر الذي يرفرف عالياً وسط أعلام دول العالم التي زينت الشوارع المؤدية إلى مقر البورصة.

ومن المقرر أن يفتتح اليوم السيد شريف فتحي وزير السياحة والآثار الجناح المصري المشارك في فعاليات بورصة برلين السياحية الدولية والذي تبلغ مساحته 1500 متر مربع، ويضم 118 عارض من بينهم 47 شركة سياحة و67 فندق، بالإضافة إلى 3 شركات طيران علاوة على مشاركة جمعية الحفاظ على السياحة الثقافية، بالإضافة إلى تخصيص أماكن بالجناح لغرفة المنشآت الفندقية وغرفة شركات ووكالات السفر والسياحة.

وقد جاء تصميم الجناح المصري على شكل معبد فرعوني، ويضم شاشات عرض كبيرة لعرض الأفلام الترويجية عن المقاصد السياحية المصرية المختلفة وما تتمتع به من ثراء في المقومات والمنتجات والأنماط السياحية المتنوعة والتي لا يضاهي مثلها في العالم.

كما تم تخصيص جزء من الجناح للمأكولات والمشروبات المصرية التقليدية والتراثية التي يتميز بها المطبخ المصري، هذا بالإضافة الأنشطة الفلكلورية المصاحبة والتي يتم تقديمها للجمهور.

ومن الجدير بالذكر أن بورصة برلين السياحية الدولية تعد إحدى أهم وأكبر المعارض السياحية التي تُقام على مستوى العالم وملتقى دولي للمتخصصين بصناعة السياحة حيث تحظى بحضور عدد كبير من المتخصصين ومتخذي القرار في صناعة السياحة من مختلف دول العالم.

مقالات مشابهة

  • مبادرة ظفار للحد من الإسراف في العزاء.. نحو بساطة تعكس روح التعزية
  • النور بطلاً لدوري نادي نخل للناشئين والطو وصيفًا
  • عروض استثنائية لتمويل السيارات من بنك ظفار بمعدلات فائدة تنافسية
  • "مجموعة الوكلاء المتفوقين" لعام 2024 وهي أعلى وسام تمنحه تويوتا للشركاء الاستراتيجيين والتي حصلتها للسنة الثانية على التوالي.
  • النور حمد (سوء الخاتمة وبئس المصير)!!
  • حملات الدعاية لمصر تزين الواجهات الرئيسية ببورصة برلين السياحية
  • ظفار يقفز لصدارة دوري الدرجة الأولى
  • كاس العالم للأندية.. مكافاة الأهلي تفوج دوري أبطال أفريقيا 4 مواسم
  • بدء تطوير 3 مسارات جبلية في ظفار لدعم سياحة المغامرات
  • اكسب المزيد مع حساب التوفير عالي العوائد من بنك ظفار