جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-24@06:52:28 GMT

"ملحمة غزة" في ضوء القانون الدولي

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

'ملحمة غزة' في ضوء القانون الدولي

 

د. عبدالله الأشعل **

القتلُ جريمةٌ في كل النظم القانونية الوطنية، وإذا كان القتل بقصد الإبادة أصبح جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، وإذا كان يهدف- كما تفعل إسرائيل- إلى إبادة العرق الفلسطيني، تتحول الجريمة إلى جريمة إبادة جماعية وإبادة للجنس البشري "Genocide"، وإسرائيل تقتل الفلسطينيين بقصد الانتقام منهم، وفق نظرية نتنياهو؛ فهو قتل انتقام وإبادة، ولهذا فهي جريمة وفق القانون الوطني والدولي، والفاعل فيها مجرم قاتل.

وتتسم هذه الجريمة بأنها تمثل اعتداءً صارخاً على حق الإنسان في الحياة، وقد حصَّنت جميع النظم القانونية الحق في الحياة خاصة الشريعة الإسلامية؛ حيث نصَّ القرآن الكريم على أنَّه "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32) وقيل في قدسية النفس البشرية أنها خلق الله فلا يجوز لبعض خلقه أن يخرجه من الحياة إلى الموت، فهذا سلطان الله هو من يُحيي ويُميت، ولهذا السبب اعتُبر الانتحار والإجهاض جريمة، وإسرائيل برعت في شق بطون الأمهات الحوامل، كما استهدفت الأطفال حديثي الولادة، حتى تقطع جذور الشعب الفلسطيني وتُبيد نسله.

وقد حفل السجل الإسرائيلي بالجرائم ضد الصغار والشباب والأمهات والنساء وحتى الشيوخ. وقد سجّل تاريخ الإجرام الصهيوني تعمُّد الجنود قتل الشاب الجريح ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليه، وكذلك وَثَّقَتْ صورٌ بشعة مدى إجرام الجنود الصهاينة وهم يخنقون طفلًا وهو ينطق بالشهادتين بعد أن عزَّ المغيث.

كذلك تمارس إسرائيل القتل والإبادة وتزعم أنها مُمارسة لحقها فى الدفاع الشرعي وهي سلطة مُحتلة لا حقوق لها؛ بل إن حق الدفاع الشرعي حق أصيل للشعب الفلسطيني. وهنا اقترحُ جَمْع هذه الفظائع لنُصدرها في "الكتاب الأسود للإجرام الصهيوني". وقد أظهرت إسرائيل بسلوكها البربري كذب الادعاءات الغربية بأنَّ إسرائيل امتداد حضاري للغرب، مهمتها نقل العرب إلى هذه الحضارة. وقد رأينا من سلوك إسرائيل من هو المُحتضِّر ومن هو البربري والهمجي،؛ بل أثبتت إسرائيل أنها امتداد للإجرام الغربي الذي صدَّعنا بالتغنّي بشعارات حقوق الإنسان وهو يدعم إسرائيل بزعم الدفاع عن نفسها.

على الجانب الآخر المقابل للقتل هو القتال، وفاعلُهُ مُقاتِلٌ، والمُقاتِل يكتسبُ احترامًا عبر التاريخ؛ لذلك فإن القانون الدولي أحاطه بامتيازات، كما ألزمه بالتزامات أولها ألّا يتحوَّل المقاتل إلى قاتِل، ويحدث ذلك عندما لا يحترم المُقاتِل أعراف الحرب.

فإذا استسلم المُقاتِل أو جُرح أو مرِض أو أوشك على الغرق، فيجب على العدو أن يكف عن مُواجهته ويتحول إلى أسير له حماية وفق اتفاقية جنيف الثالثة، وإذا خرج من ميدان المعركة أصبح مدنيًا يتمتع بحماية اتفاقية جنيف الرابعة، خاصة إذا تحوَّلت الحرب إلى احتلال حربي وله قواعد صارمة في القانون الدولي.

لا يمكن قبول إبادة إسرائيل للفلسطينيين ومهاجمة المساجد والكنائس والمستشفيات وأفراد الرعاية الصحية كالمسعفين وغيرهم. والملاحظ أنَّ حصانة دور العبادة والمؤسسات الصحية حصانة مُطلقة، فلا يُقبل تبرير إسرائيل سلوكها المشين بأن المستشفيات تُستخدَم من جانب المقاومة. ثم إن إسرائيل تتعمد تدمير دور العبادة والمستشفيات، فإذا كان محظورًا أن يُهاجم أطراف الصراع المدنيين وهذه الأماكن، فكيف يكون هذا الإجرام مُمارسة مشروعة لحق الدفاع الشرعي؟

هكذا لابُد من التمييز بين القتل وهو جريمة، والقِتَال وفق أعراف الحرب، مع احترام المدنيين والأماكن المحمية بما فيها الأماكن الآثرية. فما بالنا بإسرائيل تُهدد زعماء المقاومة بالاغتيال وهو سلوك مُستهجن فى الظروف العادية وأشد استهجانًا وقت الحرب. فهذا الإعلان من جانب مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية دليلُ اتهامٍ جازمٍ ضد إسرائيل، وتسمية إسرائيل القتل المُتعمَّد حتى تُحكِم قبضتها على الشعب الفلسطيني، خاصة وأن سياسة الاغتيالات في إسرائيل سياسة رسمية.

وتدَّعي إسرائيل أنها تُقاتل، بينما هي تمارس فعل القتل. والمقاومة تُقاتِل ولا يجوز لها أن تُقْتَل؛ لأنَّ المقاومة مشروعة في القانون الدولي، بينما الاحتلال الحربي طويل الأجل لا حقوقَ له، خاصة وأنَّ الاحتلال الإسرائيلي هدفه الأساسي التمهيد لطرد الفلسطينيين والاستيلاء على الأراضي.

ويترتب على التمييز بين القتل والقتال النتائج الآتية:

أن المُعتدي عندما يكون قاتلًا ومغرورًا ولا يعترف بإنسانية الضحية، فإن قِتَالَهُ والصمود في وجهه، واجبٌ أخلاقي وقانوني. فِرَقُ القَتل لا حصانة لهم، أما فِرَق القِتَال، لَهُم كل الاحترام والتقدير والحماية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عيد الشرطة الـ73.. ملحمة الإسماعيلية وتخليد بطولات رجال الداخلية

في صباح يوم 25 يناير 1952، كتب رجال الشرطة في الإسماعيلية صفحة من أنصع صفحات الكفاح الوطني، حيث وقعت معركة مشرفة بين ضباط وأفراد الشرطة وبين القوات البريطانية المحتلة التي حاصرت قسم شرطة الإسماعيلية وطالبتهم بتسليم أسلحتهم والانسحاب إلى القاهرة.  

 

عيد الشرطة.. ملحمة تاريخية بدأت من شوارع الإسماعيلية 25 يناير.. قصة عيد الشرطة وبطولات جنودها البواسل

رغم قلة عددهم وتسليحهم، رفض رجال الشرطة الاستسلام للإنذار البريطاني الذي قاده الجنرال أكسهام.

بدلاً من ذلك، أمر وزير الداخلية آنذاك، فؤاد باشا سراج الدين، بمقاومة الاحتلال حتى آخر رجل وآخر طلقة، وكانت المعركة دموية، إذ حشدت بريطانيا 7 آلاف جندي مدعومين بالدبابات والأسلحة الثقيلة.  

في حوالي الساعة السادسة صباحًا، بدأت القوات البريطانية بقصف مبنى الشرطة وثكنات بلوكات النظام باستخدام المدافع الثقيلة والدبابات.  

ساعات متواصلة من القذائف داخل القسم، تقوضت خلالها الجدران، وسالت الدماء، أمر بعدها "اكسهام" بوقف الضرب، لكي يعلن رجال الشرطة المحاصرين إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعي الأيدي بدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.

"لن تتسلموا منا الا جثثاً هامدة ".. كلمات جاءت من النقيب مصطفي رفعت، في وجه العدو، فانطلقت المدافع مرة أخرى، وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المباني حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت في أركانها الأشلاء، وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.

وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين في مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لي انفيلد) أقوى المدافع، وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم وسقط منهم في المعركة 50 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين13 قتيلا و12 جريحا وأسر البريطانيون من بقي منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلي رأسهم قائدهم اللواء احمد رائف ولم يفرج عنهم إلا في فبراير 1952.

 

لم تكن معركة الإسماعيلية مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت رمزًا للصمود والتضحية من أجل الوطن، أظهر رجال الشرطة خلالها شجاعة استثنائية، ورفضوا الاستسلام بسهولة، مقدمين درسًا في الدفاع عن الكرامة الوطنية، وهو ما أكده الجنرال البريطاني أكسهام حين أبدى إعجابه بشجاعتهم، قائلًا: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف، واستسلموا بشرف، لذا من واجبنا احترامهم جميعًا ضباطًا وجنودًا، وأمر جنوده بتأدية التحية العسكرية تكريمًا لهؤلاء الأبطال”.  

في ذلك الوقت كانت منطقة القناة تحت السيطرة البريطانية بموجب اتفاقية 1936، التي قيدت سيادة مصر، إلا أن عمليات الفدائيين بالتعاون مع الشرطة كانت تكبّد المحتل خسائر يومية.  

وبعد إلغاء معاهدة 1936 في أكتوبر 1951، تصاعدت المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وكان رجال الشرطة يدعمون الفدائيين لحماية الشعب في مدن القناة.  

 

تكريم يوم 25 يناير

تم اعتماد 25 يناير عيدًا للشرطة المصرية تكريمًا لتضحياتهم ورفضهم الاستسلام لقوات الاحتلال.  

أُقيم نصب تذكاري لشهداء الشرطة بمبنى بلوكات النظام في العباسية بعد ثورة يوليو 1952.  

في فبراير 2009، أُقر اليوم كإجازة رسمية بقرار رئاسي، تكريمًا لتضحيات الشرطة في سبيل الحفاظ على الوطن وأمن المواطنين.  

تبقى ذكرى ملحمة الإسماعيلية مصدر إلهام لوطنية المصريين وتأكيدًا على دور الشرطة في الدفاع عن الوطن وشعبه مهما كانت التحديات.

مقالات مشابهة

  • سفير روسيا لدى الأمم المتحدة: إسرائيل بحظرها للأونروا تنتهك شروط انضمامها للأمم المتحدة
  • جريمة مروعة في نيجيريا.. قتل صديقته وتجول برأسها في حقيبة
  • فى عيد الشرطة الـ73.. النقيب إسلام مشهور شهيد سطر ملحمة الواحات
  • ملحمة فتاة أسوانية من ذوي الهمم.. «سارة» قهرت المستحيل وتحتاج إلى رعاية شيخ الأزهر
  • إسرائيل: الائتلاف يسقط مشروع قانون لتشكيل لجنة تحقيق رسمية في 7 أكتوبر
  • العربي الناصري: الشرطة جسدت ملحمة وطنية للدفاع عن أمن مصر
  • برلماني: تدفق المساعدات من مصر على قطاع غزة يعكس ملحمة تضامنية تاريخية
  • عيد الشرطة الـ73.. ملحمة الإسماعيلية وتخليد بطولات رجال الداخلية
  • برلماني: تدفق المساعدات المصرية على قطاع غزة يعكس ملحمة تضامنية تاريخية
  • عون: المجتمع الدولي متجاوب للضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان