جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-29@06:59:52 GMT

"ملحمة غزة" في ضوء القانون الدولي

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

'ملحمة غزة' في ضوء القانون الدولي

 

د. عبدالله الأشعل **

القتلُ جريمةٌ في كل النظم القانونية الوطنية، وإذا كان القتل بقصد الإبادة أصبح جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، وإذا كان يهدف- كما تفعل إسرائيل- إلى إبادة العرق الفلسطيني، تتحول الجريمة إلى جريمة إبادة جماعية وإبادة للجنس البشري "Genocide"، وإسرائيل تقتل الفلسطينيين بقصد الانتقام منهم، وفق نظرية نتنياهو؛ فهو قتل انتقام وإبادة، ولهذا فهي جريمة وفق القانون الوطني والدولي، والفاعل فيها مجرم قاتل.

وتتسم هذه الجريمة بأنها تمثل اعتداءً صارخاً على حق الإنسان في الحياة، وقد حصَّنت جميع النظم القانونية الحق في الحياة خاصة الشريعة الإسلامية؛ حيث نصَّ القرآن الكريم على أنَّه "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32) وقيل في قدسية النفس البشرية أنها خلق الله فلا يجوز لبعض خلقه أن يخرجه من الحياة إلى الموت، فهذا سلطان الله هو من يُحيي ويُميت، ولهذا السبب اعتُبر الانتحار والإجهاض جريمة، وإسرائيل برعت في شق بطون الأمهات الحوامل، كما استهدفت الأطفال حديثي الولادة، حتى تقطع جذور الشعب الفلسطيني وتُبيد نسله.

وقد حفل السجل الإسرائيلي بالجرائم ضد الصغار والشباب والأمهات والنساء وحتى الشيوخ. وقد سجّل تاريخ الإجرام الصهيوني تعمُّد الجنود قتل الشاب الجريح ومنع سيارات الإسعاف من الوصول إليه، وكذلك وَثَّقَتْ صورٌ بشعة مدى إجرام الجنود الصهاينة وهم يخنقون طفلًا وهو ينطق بالشهادتين بعد أن عزَّ المغيث.

كذلك تمارس إسرائيل القتل والإبادة وتزعم أنها مُمارسة لحقها فى الدفاع الشرعي وهي سلطة مُحتلة لا حقوق لها؛ بل إن حق الدفاع الشرعي حق أصيل للشعب الفلسطيني. وهنا اقترحُ جَمْع هذه الفظائع لنُصدرها في "الكتاب الأسود للإجرام الصهيوني". وقد أظهرت إسرائيل بسلوكها البربري كذب الادعاءات الغربية بأنَّ إسرائيل امتداد حضاري للغرب، مهمتها نقل العرب إلى هذه الحضارة. وقد رأينا من سلوك إسرائيل من هو المُحتضِّر ومن هو البربري والهمجي،؛ بل أثبتت إسرائيل أنها امتداد للإجرام الغربي الذي صدَّعنا بالتغنّي بشعارات حقوق الإنسان وهو يدعم إسرائيل بزعم الدفاع عن نفسها.

على الجانب الآخر المقابل للقتل هو القتال، وفاعلُهُ مُقاتِلٌ، والمُقاتِل يكتسبُ احترامًا عبر التاريخ؛ لذلك فإن القانون الدولي أحاطه بامتيازات، كما ألزمه بالتزامات أولها ألّا يتحوَّل المقاتل إلى قاتِل، ويحدث ذلك عندما لا يحترم المُقاتِل أعراف الحرب.

فإذا استسلم المُقاتِل أو جُرح أو مرِض أو أوشك على الغرق، فيجب على العدو أن يكف عن مُواجهته ويتحول إلى أسير له حماية وفق اتفاقية جنيف الثالثة، وإذا خرج من ميدان المعركة أصبح مدنيًا يتمتع بحماية اتفاقية جنيف الرابعة، خاصة إذا تحوَّلت الحرب إلى احتلال حربي وله قواعد صارمة في القانون الدولي.

لا يمكن قبول إبادة إسرائيل للفلسطينيين ومهاجمة المساجد والكنائس والمستشفيات وأفراد الرعاية الصحية كالمسعفين وغيرهم. والملاحظ أنَّ حصانة دور العبادة والمؤسسات الصحية حصانة مُطلقة، فلا يُقبل تبرير إسرائيل سلوكها المشين بأن المستشفيات تُستخدَم من جانب المقاومة. ثم إن إسرائيل تتعمد تدمير دور العبادة والمستشفيات، فإذا كان محظورًا أن يُهاجم أطراف الصراع المدنيين وهذه الأماكن، فكيف يكون هذا الإجرام مُمارسة مشروعة لحق الدفاع الشرعي؟

هكذا لابُد من التمييز بين القتل وهو جريمة، والقِتَال وفق أعراف الحرب، مع احترام المدنيين والأماكن المحمية بما فيها الأماكن الآثرية. فما بالنا بإسرائيل تُهدد زعماء المقاومة بالاغتيال وهو سلوك مُستهجن فى الظروف العادية وأشد استهجانًا وقت الحرب. فهذا الإعلان من جانب مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية دليلُ اتهامٍ جازمٍ ضد إسرائيل، وتسمية إسرائيل القتل المُتعمَّد حتى تُحكِم قبضتها على الشعب الفلسطيني، خاصة وأن سياسة الاغتيالات في إسرائيل سياسة رسمية.

وتدَّعي إسرائيل أنها تُقاتل، بينما هي تمارس فعل القتل. والمقاومة تُقاتِل ولا يجوز لها أن تُقْتَل؛ لأنَّ المقاومة مشروعة في القانون الدولي، بينما الاحتلال الحربي طويل الأجل لا حقوقَ له، خاصة وأنَّ الاحتلال الإسرائيلي هدفه الأساسي التمهيد لطرد الفلسطينيين والاستيلاء على الأراضي.

ويترتب على التمييز بين القتل والقتال النتائج الآتية:

أن المُعتدي عندما يكون قاتلًا ومغرورًا ولا يعترف بإنسانية الضحية، فإن قِتَالَهُ والصمود في وجهه، واجبٌ أخلاقي وقانوني. فِرَقُ القَتل لا حصانة لهم، أما فِرَق القِتَال، لَهُم كل الاحترام والتقدير والحماية.

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«المصريين»: إرسال مساعدات للبنان يؤكد مسؤولية القاهرة التاريخية تجاه الأشقاء العرب

ثمن المستشار حسين أبو العطا، رئيس حزب المصريين، عضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية، قرار الرئيس السيسي بإرسال مساعدات طبية وإغاثية للبنان، مؤكدا أن هذا الأمر ليس بجديد على القيادة السياسية المصرية الداعمة للأشقاء في شتى الأزمات وعلى جميع الأصعدة.

مصر تقود ملحمة إنسانية

وقال «أبو العطا» في بيان اليوم السبت، إن الدولة المصرية تقود ملحمة إنسانية متفردة وتؤكد للجميع في الداخل والخارج أن القاهرة ستظل الشقيقة الكبرى للأشقاء العرب والمدافع الأول عنهم، مشددا على أن ما يحدث في لبنان على قمة الأولويات لدى القيادة السياسية رغم كل التحديات الصعبة، وذلك في إطار التضامن الكامل على المستوى الرسمي والشعبي مع أهالي الشعب اللبناني الشقيق، باعتبارها تعد من أولى شواغل المصريين وتمس المصير القومي العربي.

وأضاف رئيس حزب المصريين، أن موقف الدولة المصرية داعم لسيادة الدولة اللبنانية وحقها في الحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها، مؤكدا أن القيادة السياسية المصرية ترفض بشكل صريح أي تدخل أو اعتداء على لبنان، مثمنا المطالبة المصرية بالوقف الفوري للحرب في لبنان، معتبرًا ذلك السبيل الوحيد لاستعادة الهدوء في المنطقة.

اندلاع الحرب الإسرائيلية

وأوضح أن الدولة المصرية هي التي قادت جهود الدعم والإغاثة لسكان غزة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع وإحكام الحصار عليه، وذلك رغم التعنت الإسرائيلي ومحاولات عرقلة دخول المساعدات إلى القطاع الذي يعاني من انقطاع كامل للكهرباء ونفاد في الوقود، بالإضافة إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية، وصعوبة توفير مياه شرب نظيفة وغذاء كاف للسكان، وتفعل نفس الشيء حاليا مع الأشقاء في لبنان، ما يحسب ويقدر للقيادة السياسية وجهودها المضنية في إحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط.

وأكد أن مصر هي صمام الأمان للقضية الفلسطينية واللبنانية، وخاضت إلى جانب ملحمة المساعدات، ملحمة دبلوماسية مهمة عملت فيها على إعادة توضيح القضية الفلسطينية للعالم، وتوضيح حقيقة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات وممارسات لا إنسانية قبل السابع من أكتوبر، مشددا على دعمه الكامل لقرارات القيادة السياسية انطلاقًا من ثوابتها الوطنية ورؤيتها الواضحة للوضع الحالي، مع قدرة مصر على التعامل بسياسة متزنة ومنضبطة.

ولفت إلى أن الدولة المصرية تقود جهودا سياسية ودبلوماسية مكثفة للحيلولة دون أن يدخل اللبنانيون والإسرائيليون في مواجهة مفتوحة حتى لا يعرقل جهود السلام والتهدئة في المنطقة التي لا تحتمل مزيدا من التوتر، وهو ما يبرز استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضيتين الفلسطينية واللبنانية، لكونهما من ثوابت السياسة المصرية لاستعادة الشعبين لحقوقهم المشروعة.

مقالات مشابهة

  • معنى مع سبق الإصرار والترصد فى القانون وعقوبتها فى جناية القتل
  • روسيا تدين بشدة جريمة اغتيال حسن نصر الله وتحمل “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن التصعيد
  • «المصريين»: إرسال مساعدات للبنان يؤكد مسؤولية القاهرة التاريخية تجاه الأشقاء العرب
  • وزير الخارجية: إثيوبيا خالفت القانون الدولي.. ومصر تحتفظ بحقها في الدفاع عن مصالح شعبها
  • روسيا والجزائر تؤكدان أهمية تسوية النزاعات عبر الأساليب القائمة على مبادئ القانون الدولي
  • روسيا تدين بشدة جريمة اغتيال السيد نصر الله وتحمل “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن التصعيد 
  • ما العقوبة القانونية على جريمة التنقيب عن الآثار؟.. تصل إلى السجن المؤبد
  • الخارجية الروسية: تفجيرات “التيار الشمالي” أعمال إرهابية يجب التحقيق فيها وفق القانون الدولي
  • وزير الخارجية: ليس مقبولا أن ترى إسرائيل نفسها فوق القانون
  • أبو الغيط: على المجتمع الدولي ومجلس الأمن مسئولية كبيرة لوقف آلة القتل والتدمير الإسرائيلية فورًا