يبدو موقف المغاربة من قضية فلسطين، لا يرتهن فقط بمقولة الأمة واعتباره « واجبا وطنيا، وفريضة دينية، والتزاما قوميل عروبيا »، بل أصبح كذلك يندرج بالنسبة لعدد كبير من المغاربة على اختلاف أطيافهم في خانة القضايا الإنسانية العادلة.
يأتي ذلك أن منطق كل فكر أو فلسفة أو مسار يحب ويحترم الإنسان، لا يمكن إلا أن يرفض العدوان المفرط تجاه الفلسطينيين، بعيدا عن كل الحسابات السياسية والإستراتيجية والدينية والعرقية والمذهبية.
فممارسات التنكيل والكراهية والمعاداة والاكزنوفوبيا والتقتيل، التي تتم معاينتها عبر الفيديوهات والصور، تدفع كل من يؤمن بالإنسية ويقدر العنصر البشري إلى خلاصة مفادها أن هذه الممارسات تجسد صنفا من العنف والقمع المتشنج والنوعي، الذي يكاد يكون ضربا من الفوبيا الإنسية.
فالعدوان على المدنيين في فلسطين لم يعمل إلا على تصدير الصراع لباقي العالم، فتحول الصراع الثنائي إلى قضية إنسية، صارت معها جميع أشكال التضامن والاحتجاج ضد الهجمات، نوعا من أنواع التعبير عن الإنسية، التي افتقدها المجتمع الدولي منذ عدة قرون.
فالتوافق وشبه الإجماع المغربي على رفض الغارات الحربية ضد المدنيين الفلسطينيين، يمكن اعتباره نسقا من أنساق إعادة إنتاج الحركة الإنسية التي عرفتها أوربا خلال القرنين 15 و 16، والتي قامت على مقولة تمجيد وإعادة الاعتبار للإنسان، من خلال فلسفة وفكر يتمحور حول مقولات قوة عقله ورقي تكوينه ورمزية كرامته وتشبثه بحقه في الحياة.
وتباعا، يمكن اعتبار أن التضامن المتواصل واللامشروط مع المدنيين الفلسطينيين، تم احتضانه بطريقة تلقائية من داخل بعد إنساني، ينهل قيمه من سردية تَمَغْرِبِيتْ، التي تجعل من القضية الفلسطينية عنصرا من عناصر مقوماتها الأساسية، بموازاة حركة مدنية إنسية كونية لا تعترف باللغة والجغرافيا والدين واللون السياسي والانتماء العرقي أو الاثني … »
المصدر: اليوم 24
إقرأ أيضاً:
فلسفة «أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان» تجسد التأمّل والحوار الإنساني
البندقية (الاتحاد)
احتفالاً باليوم العالمي للفلسفة سنويّاً، والذي يصادف 21 نوفمبر، تظهر اليونسكو القيمة الدائمة للفلسفة في تطوير الفكر البشري في كل ثقافة وكل فرد.
بهذه المناسبة، قالت ليلى بن بريك، مديرة الجناح الوطني لدولة الإمارات في بينالي البندقية، إن فلسفة المعرض الفني «عبدالله السعدي أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان» لاقت استحسان الزوار خلال الأشهر الماضية من عمر بينالي البندقية للفنون.
وتصف اليونسكو الفلسفة بأنها اختصاص مشوق، كما أنها ممارسة يوميّة من شأنها أن تحدث تحوّلاً في المجتمعات. وتحث الفلسفة على إقامة حوار الثقافات، إذ تجعلنا نكتشف تنوع التيارات الفكرية في العالم، وهذا ما جسده الفنان عبدالله السعدي في معرضه الفردي «أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان» في بينالي البندقية، حيث تتشابك أعماله مع سلالة من الشعراء القدامى الذين ألهمتهم رحلاتهم في الصحراء لكتابة قصائد خالدة، وهذا ما يجسد دعوة اليونسكو إلى ممارسة التساؤلات النابعة من الاندهاش بالعالم وبالبيئة المحيطة.
وقال طارق أبو الفتوح القيّم الفني للمعرض: «بنيت فلسفة عبدالله السعدي في معرض أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان على التأمّل والحوار الإنساني الممتد على مدى عقود، حيث قدم السعدي رؤاه المفاهيمية المرتبطة أساساً بالمرجعيات القديمة والبيئة والذاكرة المكانية والبيئية، يقدّم أعمالاً فنية تشهد على تاريخ قريب متعدّد الطبقات للفن الإماراتي المعاصر، ويحمل في الوقت نفسه أصولاً موغلة في القدم، وارتباطاً تاريخياً بالغ الوضوح مع مراحل إبداع الشعراء القدامى من شبه الجزيرة العربية من حيث الارتباط بالطبيعة والمكان الجغرافي، وحالات التأمل والإلهام الفني».
أخبار ذات صلة من دبي إلى باكو.. «جناح الأديان» يحشد الأصوات في مواجهة تحدي المناخ محمد كاظم.. جامع الضوء والأمواجوأضاف أبو الفتوح: «إن تعبير (أماكن الذاكرة) طرح لأول مرة من قبل المؤرخ الفرنسي بيير نورا كمقابل حسي لماهية الذاكرة الجمعية للأمة الفرنسية، ثم ظهرت مشروعات تنظيرية مماثلة على المستوى الأوروبي، وتلاها العالم الناطق بالإنجليزية، ثم غيرهم من الأمم، حتى بدأ العمل مؤخراً على أماكن للذاكرة العالمية. يُعرّف بيير نورا أماكن الذاكرة على أنها ليست أماكن جغرافية أو ذات أبعاد ملموسة فحسب، بل هي أيضاً تشمل كتباً أو أغاني أو أعمالاً فنية وأياماً تذكارية، ونصوصاً فلسفية وعلمية وأنشطة رمزية، وغيرها، تشكل جميعها مكونات لتلك الذاكرة الجمعية التي تمثل تواريخ موازية وغير رسمية تتخطى الروايات المعروفة، والموثقة، والسياقات الملموسة، والمحسوسة».
حول ارتباط فلسفة أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان بلغة الضاد، قالت ليلى بن بريك: «عند النظر إلى سياق ممارسة عبدالله السعدي الإبداعية والذاكرة الجمعية التي تؤثر في عمله، لا يمكن إغفال دور اللغة، إذ يحتضن العالم العربي واحدة من أقدم الذاكرات اللغوية في العالم، حيث تمتد الأصول اللغوية إلى ما يربو على ألفي عام، وهي تعد الرابط الأساسي، ثقافياً وفكرياً ووجدانياً، بين شعوب تعيش في مساحات شاسعة تمتد من المحيط الأطلسي وحتى الخليج العربي، وترتبط تلك الذاكرة اللغوية بأماكن متنوعة للذاكرة الجمعية».
افتتح المعرض الدولي للفنون في بينالي البندقية 20 أبريل الماضي أبوابه للزوار بمشاركة دولية واسعة تضم الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، و87 مشاركة وطنية من دول العالم، ويهدف إلى تسليط الضوء على القصص غير المروية حول الفنون والعمارة في دولة الإمارات العربية.