تحليل: التحالف مع الحوثي وضرب الجنوب.. استراتيجية العولقي لقيادة القاعدة في اليمن
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
أكد تحليل نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن قائد تنظيم القاعدة الجديد في اليمن "سعد العولقي" حريص على انتهاج ذات التعامل في استمرار العلاقة الجوهرية مع ميليشيا الحوثي- ذراع إيران، وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين خصوصاً في جانب تجنب المواجهة بين الجانبين توجيه النهج العسكري صوب المحافظات الجنوبية.
وأوضح التحليل الذي أعده الباحث عاصم الصبري، بأن التنظيم مستمر في عدم خوض أية معارك مفتوحة مع جماعة الحوثيين رغم الضغوطات التي يتعرض لها التنظيم من قبل الحوثيين بشأن استئناف العمليات الداخلية في الجنوب، وعدم تنفيذ أي عمليات نوعية ضد أهداف غربية في اليمن لتجنب مزيد من التوترات مع الولايات المتحدة والتي تعتبر في ذروتها أساساً بسبب الهجمات في البحر الأحمر.
وأشار التحليل إلى أن "قيادة العولقي لن تغير السياسة العسكرية للتنظيم في المناطق المحررة، وترتكز هذه السياسة على تجنب فتح أي جبهات قتال مع مختلف القوات الأمنية والعسكرية الموالية لمجلس القيادة الرئاسي، في الوقت ذاته الرد بقوة في حالة بدأت القوات الحكومية باستهداف عناصر التنظيم".
التحليل حمل عنوان "ملابسات رحيل باطرفي وتنصيب أمير جديد لقاعدة اليمن: ماذا بعد؟" وركز على تقديم خلفية موجزة عن مسيرة صعود القياديين خالد باطرفي وسعد العولقي إلى قمة هرم التنظيم في اليمن. وكذا شرح طبيعة العلاقة التنافسية التي جمعت بينهما خلال السنوات الأخيرة. كما ركز التحليل على ملابسات رحيل باطرفي ومسار تنصيب العولقي وانعكاسات ذلك على السلوك المستقبلي والتوجّه الاستراتيجي لتنظيم القاعدة في اليمن، وذلك بالاستناد إلى المعلومات الحصرية التي تم الحصول عليها من ثلاثة مصادر جهادية رفيعة داخل التنظيم، إضافة إلى قيادي جهادي سابق في قاعدة اليمن ومصدرين محليين مقربين من التنظيم، وبالاستعانة أيضا بالتقارير والأخبار والدراسات المنشورة.
وفاة غامضة لـ"باطرفي"
في 10 مارس/ آذار 2024، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وبشكل مفاجئ، وفاة زعيمه خالد باطرفي وتنصيب القيادي سعد العولقي خلفا له. لم يفصح بيان القاعدة الرسمي الذي ألقاه القيادي الجهادي خبيب السوداني، عن أي تفاصيل إضافية حول سبب وفاة باطرفي، ولعلها المرة الأولى التي يلف فيها كل هذا الغموض خبر رحيل أحد زعماء القاعدة.
وفقا لما أورده التحليل من معلومات: شهدت الحالة الصحية لخالد باطرفي تدهورا مستمرا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. بالعادة، لا تتلقى قيادات التنظيم الرفيعة العلاج إلا من خلال اللجنة الطبية التابعة للتنظيم، ولكن حين تكون الحالة الصحية مستعصية يُضطر التنظيم لإسعاف قياداته إلى أفضل مستشفى متاح وقريب من ملاذاتهم الآمنة. خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من حياته اضطر التنظيم إلى إسعاف باطرفي مرتين لأحد المشافي الواقعة خارج ملاذات التنظيم الآمنة بسبب مشاكل في الكبد.
وأشار التحليل إلى أن باطرفي تعرض لانتكاسة شديدة أدت إلى تدهور حالته الصحية بصورة مضطردة ما أدى إلى وفاته، وبحسب القيادات الرفيعة في التنظيم التي تم الاستعانة بها كمصادر، يتراوح تاريخ وفاته بين (28 فبراير و1 مارس) الماضيين.
وأوضح التحاليل أنه لم يُعرف بشكل دقيق طبيعة المرض الذي ألمّ بباطرفي، حيث ذكر بعض المقربين منه أن الرجل لم يكن له تاريخ مَرضي متصل بالكبد، ولعل هذا ما دفع عددا من قيادات الصف الأول إلى عدم قبول رواية "وفاته لأسباب طبيعية" خاصة أن موته كان مفاجئاً، وفي مقدمتهم المسؤول الأمني إبراهيم البنا الذي ساورته الشكوك بتعرّض زعيم القاعدة لعملية تسميم منذ أن تم إسعافه في المرة الأولى. ومع مرور الوقت، بدأت هذه الشكوك تساور القيادات الجهادية الأخرى.
تصفيات داخلية
فبعد أيام من وفاة باطرفي، جرى الإعلان عن مقتل القيادي الجهادي سليمان بن داؤود الصنعاني في حادث مروري تعرض له في إحدى الطرق الرابطة بين محافظتي أبين وشبوة جنوبيّ اليمن، علماً أن الصنعاني يُعدّ من أبرز العناصر الميدانية للقاعدة وأحد الخبراء المسؤولين عن سلاح الطيران المسير، والمحسوبين من ضمن دائرة نفوذ سيف العدل، القيادي المصري المقيم في إيران والزعيم الفعلي الحالي لتنظيم القاعدة.
وفي منتصف مارس 2024، نَشب حريق كبير بأحد المنازل الواقعة في ريف محافظة مأرب كان يتخذه نجل سيف العدل، المكنى “ابن المدني”، مقرا مؤقتا لإقامته، وأسفر هذا الحريق عن إصابته ووفاته بعد بضعة أيام.
وأكد التحليل الذي أعده الباحث عاصم الصبري أن تسلسل حوادث الوفيات المفاجئة ساهم في تغذية الشكوك بوجود نمط من عمليات الاغتيال، لكن المصادر من داخل التنظيم قالت إن الزعيم الجديد لقاعدة اليمن سعد العولقي لا يبدو منشغلاً بالتحقيق في صحة هذه الفرضية، وهو ما يختلف عن التوجّه السابق للقيادة حين وجّه قاسم الريمي رسميا بتشكيل لجنة أمنية للتحقيق في ملابسات اغتيال الوحيشي وتحمُّل المسؤولية عن أية أوجه قصور أو إخفاقات.
تنافس قديم
عقب مقتل زعيم تنظيم القاعدة قاسم الريمي، بغارة أميركية في 31 يناير 2020، تحدّت قيادة القاعدة كافة الظروف الأمنية المحيطة بها في اليمن بسبب الحرب والملاحقة المستمرة من الولايات المتحدة، ودعت أعضاء مجلس شورى التنظيم إلى الاجتماع بشكل عاجل في مقرها الحصين -آنذاك– بمحافظة البيضاء، لتعيين خليفة له.
وفقاً للتحليل الذي نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية انصب التركيز على اسمين رئيسيين: سعد العولقي وخالد باطرفي، حيث تم إدراجهما في نفس الشهر على قائمة برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. وشهدت الأوساط الجهادية داخل التنظيم استقطابا حادا بين أنصار المرشّحيْن، واستغرقت مداولات ونقاشات مجلس شورى التنظيم نحو ثلاثة أسابيع للتوصل إلى قرار. في البداية، كانت التوقعات تصب في مصلحة العولقي، كونه امتدادا طبيعيا لتقليد الزعامة اليمنية داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تكرّس في حقبة الوحيشي والريمي. كما كان ترشيح العولقي، بحُكم نشاطه الميداني وصلاته التنظيمية، موضع توافق واسع على مستوى القيادة العليا للقاعدة، وعلى مستوى العناصر والمجندين العاملين على الأرض.
إلا أن الأمور لم تَسر وفق التوقعات، فَقد ظهر تحالف تنظيمي ضم ثلاثة تيارات وازنة عملت على ترجيح كفة باطرفي: تيار السعوديين والحضارم بقيادة حمد التميمي (وهو من أعلن بيان تنصيب باطرفي في 23 فبراير 2020)؛ وتيار المصريين بقيادة إبراهيم البنا؛ و أخيرا رجال الزعيم السابق قاسم الريمي وحلقته المقربة بقيادة عمار الصنعاني. سيتضح لاحقا أن مهندس هذا التحالف الثلاثي من خلف الكواليس كان "سيف العدل"، القيادي المصري المقيم في إيران والزعيم الفعلي الحالي لتنظيم القاعدة.
وأكدت التحاليل أن التحالف الثلاثي لم ينجح بترجيح فرص باطرفي وحسب، بل قوّض لاحقا دور العولقي في صناعة القرار داخل التنظيم. ومنذ ذلك الحين، انتهج العولقي موقفا رماديا إزاء القيادة الجديدة، إذ لم يتوانَ عن معارضة الكثير من قراراتها وانتقاد توجهها الاستراتيجي، لكنه في الوقت نفسه لم يتخذ أي موقف عدائي صريح يهدد شرعية باطرفي، ولم يُقدم على أي تحركات انشقاقية تُهدد وحدة التنظيم الداخلية.
صراع القيادة
التحليل كشف من خلال مصادره التي اعتمد عليها عن خلافات شديدة كانت بين باطرفي والعولقي، وعن الدور الذي لعبه القيادي خبيب السوداني كَمُطفئ للحرائق لتلك الخلافات؛ فَكلما اشتد الخلاف الثنائي، بادر إلى التوسط ودعوة الرجلين إلى لقاء مغلق في مكان آمن لإجبارهما على الحوار. استمرت آلية فض الخلاف هذه على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وأنقذت التنظيم عمليا وصانته من خطر الانقسام.
وأشارت المعلومات الواردة في التحليل إلى أن آخر لقاء مباشر بين الرجلين (باطرفي والعولقي) كان في يناير 2024، حيث احتدم حينها النقاش حول بعض القضايا التنظيمية والمالية دون الوصول إلى أية نتيجة. في نهاية فبراير، تلقى العولقي دعوة من السوداني لمشاورات عاجلة في أحد ملاذات التنظيم الآمنة بمحافظة مأرب، وحين وصل العولقي إلى هناك تفاجأ أن سبب الدعوة لم يكن مصالحته مع باطرفي، بل تحضيره لتسلّم زمام القيادة.
أكد التحليل أن سعد العولقي، لقي إجماع حوله داخل مجلس شورى التنظيم وبين مختلف الأجنحة المتنافسة، وهو ما لم يكن متوقعا على الأرجح. فَالفترة الزمنية الفاصلة ما بين وفاة باطرفي ومبايعة العولقي لم تتجاوز الأسبوع، وهي مُقاربة للمدة الزمنية التي فصلت بين وفاة الوحيشي وتنصيب الريمي في 2015 (التي لم تتجاوز آنذاك 5 أيام)، بخلاف المدة الزمنية الطويلة الفاصلة بين مقتل الريمي وتنصيب باطرفي التي استغرقت أكثر من 20 يوماً.
بحسب المعلومات إن القيادي خبيب السوداني -الذي تولى مهام القيادة مؤقتا مع اشتداد مرض باطرفي وخلال الأيام التي تلت وفاته- العقل المدبر وراء الانتقال السلس لزعامة التنظيم، وذلك باعتباره عضو القيادة العامة للتنظيم في اليمن وكذلك عضو مجلس شورى التنظيم. خلال هذه الفترة تحول السوداني من مطفئ للحرائق إلى صانع للأمراء، ولعب دورا محوريا في صياغة الإجماع حول العولقي.
الانخراط في التنظيم
انضم سعد العولقي –المتحدرة أصوله من شبوة- إلى تنظيم القاعدة في سن مبكرة وحظي بمكانة مُقربة من الزعيم المؤسس لفرع اليمن ناصر الوحيشي، حيث تشرّب نهجه التنظيمي والاستراتيجي القائم على ما يُعرف أحياناً بـ“يمننة قاعدة الجهاد” من خلال تعزيز علاقات التنظيم التحالفية مع الحواضن المحلية والقبلية، وتعزيز دور القيادات اليمنية على حساب الأجانب وتعظيم استقلالية الفرع اليمني عن القيادة المركزية للتنظيم، باعتبار ذلك السبيل الأنجع لتحقيق المرونة الهيكلية بما يسمح للفرع بالتكيف مع شتى الظروف الأمنية.
في 2011، كان العولقي أحد المؤسسين لتنظيم “أنصار الشريعة” -الظهير المحلي لتنظيم القاعدة- ثم تولى ولاية شبوة لمدة خمسة أعوام، حيث أُسندت إليه في نفس التوقيت العديد من المهام التنظيمية والعسكرية في المحافظات المجاورة (أبين، البيضاء، مأرب، وحضرموت). وقد دفعه هذا بقوة إلى الترقي ليصبح عضو القيادة العامة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وعضو مجلس شورى التنظيم عام 2015 تقريباً.
خلال حقبة قاسم الريمي، لم يبرز أي منافس حقيقي أمام العولقي سوى الجهادي السعودي/ اليمني الأصل خالد باطرفي، الذي رجَحت كفته نظرا لشبكة تحالفاته التي ساندته. بدأ دور العولقي في صناعة القرار بالتراجع خلال حقبة باطرفي، فرغم أنه ظل قطبا مهما في توازنات القوى الداخلية للتنظيم إلا أنه لم يَعُد بنفس درجة التأثير، بل برزت على الساحة الجهادية نخبة قيادية جديدة من نفس جيل العولقي بدا أن لها نفوذا أكبر، ومن أبرز هذه الأسماء “حمد التميمي، عمار الصنعاني، حسان الحضرمي، وعبد الواحد النجدي”. شكل هؤلاء الأربعة خلية قيادية في تنظيم القاعدة كانت مسؤولة عن العمليات النوعية الخارجية والداخلية، ولعبوا دورا مهما في ترجيح الكفة لصالح تنصيب باطرفي، وبالتالي كان من المنتظر أن يلعبوا دورا محوريا في تنصيب خليفته. لكن القدر كان حليف العولقي، حيث تمت تصفية جميع أعضاء هذه الخلية بغارات أمريكية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، وساهم هذا الفراغ القيادي في تسهيل انتقال الزعامة إليه في 2024.
دعم إيراني
وأوضح التحليل أن هناك عاملا آخر مهما ساعد العولقي على تولي قيادة تنظيم القاعدة، وهو نفوذ سيف العدل، المقيم في إيران. فرغم أن القيادي المصري العدل استطاع خلال السنوات الأخيرة بسط نفوذه على فرع تنظيم القاعدة في اليمن من الخارج، لم يستطع إحكام سيطرته المطلقة على كامل مفاصل التنظيم من الداخل. فخلال فترة باطرفي تم الاعتماد على شخصيتين محوريتين لمساعدته (حمد التميمي وعمار الصنعاني)، حيث كان هذان القياديان محل توافق مشترك بينه وبين سيف العدل.
في مارس 2022، قُتل عمار الصنعاني القائد العسكري للقاعدة بغارة أمريكية، واقترح سيف العدل تعيين نجله “ابن المدني” محلّه كمسؤول عن اللجنة العسكرية للتنظيم، إلاّ أن باطرفي تهرّب وكلّف أبو علي الديسي (مسؤول اللجنة الشرعية) كي يغطي مكان الصنعاني.
في فبراير 2023، تمت تصفية قيادي رفيع آخر وهو حمد التميمي في غارة أمريكية، علماً بأن التميمي كان يتولى ثلاثة مناصب حساسة: عضو القيادة العامة لتنظيم القاعدة في اليمن؛ ومسؤول خلية العمليات النوعية الخارجية؛ ومسؤول اللجنة الإعلامية. بعبارة أخرى، كان هو فعلياً الرجل الثاني في التنظيم بعد باطرفي.
مجدداً، ضغط سيف العدل بقوة لنقل صلاحيات حمد التميمي إلى نجله، وفعلا تم تسليم “ابن المدني” بعض المهام المتصلة بالعمليات الخارجية، إلاّ أن باطرفي قام بتعيين أحد المقربين منه على رأس اللجنة الإعلامية، بينما ظل موقع التميمي في القيادة العامة للتنظيم شاغرا.
التحليل كشف عن تزايد الخلافات بين سيف العدل المقيم في إيران وباطرفي بهدف السيطرة التنظيمية، وبرزت شدة الخلافات خلال شهري مارس وأبريل، فقد قادت المجموعة المصرية حراكا داخليا يدعو إلى إعادة هيكلة تنظيم القاعدة وتقليص صلاحيات باطرفي. بالمقابل، لوّح باطرفي بأنه قد يتحالف مع سعد العولقي ويوقف العمليات الداخلية في جنوب اليمن (ضد قوات الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي) وأنه سيعيد النظر في استراتيجية التحالف مع إيران، وقد يستأنف العمليات الداخلية ضد جماعة الحوثيين.
وأكد التحليل أن التجاذب بين باطرفي والعدل لم يستمر طويلا، إذ برزت ملامح تسوية داخلية تضمنت إبقاء التنظيم على نفس سياسات سيف العدل، مقابل الدعم الكامل لصلاحيات باطرفي القيادية. سرعان ما تجلت مفاعيل هذه التسوية في مايو 2023، حين تحصّل تنظيم القاعدة لأول مرة على سلاح الطائرات المسيرة كتتويج لتقاربه مع جماعة الحوثيين.
بالمقابل، وجّه باطرفي بتكثيف العمليات العسكرية في جنوب اليمن وتوسيع بنك الأهداف ليشمل قيادات رفيعة كان أبرزها “عبداللطيف السيد” قائد الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين، والذي قُتل في أغسطس 2023. إضافة إلى ذلك، استأنف التنظيم عملياته الأمنية في تعز ومأرب وحضرموت، وهو ما اعتبره مراقبون عودة قوية لنشاط التنظيم بعد فترة من التقوقع.
أهداف المرحلة الانتقالية
أكد التحليل أن عام 2024 –في الغالب– سيكون بمثابة مرحلة انتقالية بالنسبة للقيادة الجديدة للتنظيم، حيث سيركز سعد العولقي خلالها على ثلاث أولويات مهمة: تتمثل الأولى في الإمساك بمفاصل التنظيم (القيادة العامة للتنظيم، والتي تضم أمير التنظيم و6- 8 قادة آخرين يتشاركون معه صناعة القرار؛ واللجان التنفيذية العسكرية، المالية، الإعلامية، الأمنية، وكذلك المعنية بالعمليات الخاصة؛ وأمراء المناطق والمحافظات). حتى الآن، ما تزال الجهات الثلاث في التنظيم إما شاغرة، أو تحت سيطرة قيادات موالية لباطرفي أو موالية لسيف العدل، وبالتالي سوف يتعين على العولقي إما كسب ولاء القيادات الحالية أو تعيين قيادات جديدة موالية له.
وترتكز المهمة الثانية هي إصلاح العلاقة المتوترة للتنظيم مع الحواضن الاجتماعية والقبلية لا سيما في محافظتي أبين وشبوة. كان أحد أسباب تحفظ العولقي على نهج باطرفي في استئناف العمليات العسكرية جنوبا هو الخوف من إدخالهم في مواجهة مع القبائل. وبرز ذلك قبول الرجل بالوساطات القبلية التي تم رفضها أثناء فترة قيادة باطرفي بشأن إطلاق مختطفين لدى التنظيم من أبناء القبائل. تُمثل هذه الواقعة مؤشرا مهما على الأرجح لاستشراف نهج القيادة الجديدة إزاء الحواضن “القبلية السنية” لا سيما في مأرب وشبوة وأبين، إلاّ أن العولقي قد يواجه مشكلة في استعادة الثقة مع قبائل محافظة البيضاء لأن ذلك سيتطلب منه مواجهة الحوثيين.
ثالثاً، تجنب أي صدمات داخلية مبكرة عبر العمل على استمالة رجال باطرفي (السعوديين/الحضارم/ الصنعانيين أو رجال الريمي سابقا)، وكذلك إعادة استقطاب القيادات والعناصر المنعزلة والمتمردة إلى صفوف التنظيم. وأكد التحاليل أن العولقي يعمل على احتواء المجموعة المصرية وذلك من خلال الحفاظ على مواقع نفوذها الحالي، لا سيما قيادة إبراهيم البنا للجنة الأمنية، وسوف يبحث بشكل مؤقت عن صيغة مشتركة للمواءمة بين توجهات سيف العدل الداعية للتعاون مع الحوثيين وتوجهاته هو شخصيا (أي العولقي) المناهضة للحوثيين، عبر الحفاظ على مسافة أكبر عن الحوثيين.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: تنظیم القاعدة فی القاعدة فی الیمن لتنظیم القاعدة القیادة العامة داخل التنظیم سعد العولقی فی التنظیم سیف العدل من خلال
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير (28)
الكاتب حمد الناصري
بعد ثلاثة أيام طلب قائد تحالف بحر المرجان " نجيب بن أسد الزهران اجتماعاً حضرهُ "ديفيد يوسف " كبير رملة أولاد ياكوف " وتحدثّ نجيب بلهجة غاضبة:
ـ علمنا في تحالف بحر المرجان أنّ العلاقة تقاربت بينكم وبين "عويق" من الكثبان الشرقية، وأنّكم قمتم بتحريضه على بني زهران وبن عُوران، ومنحتموهُ حقّ ملكية جُزر صغيرة واقعة على مصبّ خور صغير- مصبّ مائي عميق، يقع على مُنحدر خطير ومُنخفض نادر ومكين لا تقدر عليه قوة في الأرض مهما بلغت شدّتها، وبالتالي ذلك العمق أو المصبّ المائي الراكد لا حق لكم فيه ولا شأن.
فإنْ لم تكن تعلم بأنّ لدينا تحالف يُعرف باسمنا " تحالف بحر المرجان" فنودّ إعلامك بأنّنا أمّة بدو، وأعراب أقحاح لا نتفق مع عنجهية أولاد يوسيف ولا مع ذريّة ياكوف ولا مع غطرستهما، ولا نتواطأ مع أفعالهما، والإسمين قرينا بعض، ومُكمّلان بعض، مُتلائمان حدّ الوقاحة التي تدفعهم إلى أفعال تحررية خادشة وأفكار سلبية مؤلمة، وننصحكم في التخلص منها والعودة إلى النقاء كما تقولون.
إنّ فعلكم هذا، يجب أن يتوقف.. يجب أن ينتهي.. بدون تغطرسات على جيرانكم من بني زهران أو بني العوران، وإن كان "عِويق" له مسألة او سُؤال أو مشقّة أو اختلاف، فهو كان منّا وانفصل عنّا.. ولدينا كبير في قومنا أعراب بني وَهران جميعًا يعرف بـ "نجيب بن أسد بن زهران الزهران"، وهو مرجعنا في كل شأن وخصومة، ولا يحق لأحد بالتدخّل السافر في خصوصية الأعراب ورمالهم، سواء أكانت الشرقية أو الغربية على حدّ سواء، والمرجان هو بحرنا وكذلك الجزر والمَمر الصغير، قادرين على أن نشرف عليها كلّها ونصون مكانتها إذا احتجنا إلى ذلك سبيلاً.
وأما بني ياكوف ومن تسمّى بعدهم بالرملة أو بني هادْ أو هادوا، فقد زار بعض رجالنا رملة نجود ورملة ياكوف ووقفوا على بعض جزر كبيرة وصغيرة متناثرة، واقعة على بحر المرجان؛ الذي هو بحرنا وحوزتنا ولا نُشرك فيه أحداً منكم، لقد تخلصتُم من مُخبرنا الذكي أمجد، ووصفتموه بالشديد المُتزمّت، وكردّ فعل قطعنا على قافلتكم العابرة، وقطعنا رؤوس رجالها، وأخذنا ما تبقى، فردّة الفِعل عند أعرابنا هي مثابة حرب، وما استولى عليه رجالنا فهو غنيمة مُتحصلة من حرب. وكانت تلك المناوشات هي بمثابة حرب على رجال حمقى، غدروا بأبيهم الأول "ياكوف" كِبْراً وغروراً، وقد كذبتم شرّ كذبة وجئتم ببهتان عظيم، وكان البُهتان منكم براءٌ من غلظتكم وهجرتُم وُدّ أبيكم وازداد غيظ قلوبكم وساءتْ أفعالكم وأفجعتم أبيكم بالمحاولة الكاذبة، ولم تكفّوا حتى اشتدّت حالته وساءت أحواله، وحزن لأمر لم يكن بيّن وواضح، فالموقف صَعب جداً والتفاصيل سرّ لا يعلمه غير الربّ الأعلى في سماء خالية من الأكاذيب وبريئة من محاولات الزور ومُنكرات القول الغليظ.
أرهقتم السماء برواياتكم وحكاياتكم وانشغلتم بأسطورة "ياكوف" وجعلتم أباكم في نزاع وجودي وصراع أزلي مع السماء الأعلى، وأبدلتم اسمه إلى "ساعين " مصداقاً لحقدكم الذي شَغل بالكم وتبديلاً لموقفكم التافه الذي أرهقتم به" ساعين" الذي أثار قلقكم، وزادت مخاوفكم خشية أنْ يَعلم سِرّكم وهو قد علمهُ من قبل أنْ تعلموه، ولكنه أخفى سِرّ ما أحيط به، ممّا يدلّ على أنّ عِلمه بالسِرّ أوسع من أفكاركم السوداء.
قال ديفيد يوسيف كبير رملة ياكوف وقد كتم غيظه:
ـ نحن نسعى في تحالف بحر المرجان، أنْ تكون لنا شراكة بثلاثتنا، رجال بني زهران ويُمثلها نجيب بن أسد الزهران من بلدة قعدة بني زهران والرمال الغربية ، وقائد تحالف " رمال بحر المرجان" ورجال بن العوران" ويُمثلهم الأسد بن عُوران من رمال الكثبان الشرقية، وديفيد يوسيف كبير رجال رملة ياكوف، ولم يذكر "عِويق " في تحالف بحر المرجان بأنه تعمّد تجاهله خشية أن يُثير غضب نجيب الزهران والأسد بن عُوران وحفاظاً على علاقته بالتحالف الجديد التي يتمنّى لها البقاء.
وفي هذا الاجتماع، وجد " عويق " نفسه، غير مذكور من جملة المُتحالفين في قيادة تحالف بحر المرجان. ولكن حبس أنفاسه وكتم غيظه.. تنحنح الأمير نجيب بن أسد الزهران، قائد تحالف بحر المرجان.. والتفتَ إلى" عِويق" وتساءل بذكاء:
ـ ما بال "عِويق" لا يفهمنا اليوم وقد جئنا إليه بخبر يقين، وليكون واحداً منّا وأهمّ عضو في تحالفنا الجديد.. ثم همس إليه، يا ابن جدنا الكبير، نحن نعرف نسبك وأصلك ونعلم أنكَ تشترك معنا في الأصل، ولا نلوم شقيقنا بسبب خطأ جدّنا الكبير، فذاك زمن ولّى وقد خابَ من دسّ النقاء في البلاء. وفي إحدى النصوص القديمة من سيرة الأولين نقرأ " وقد خابَ من دسّ فيها وأخفاها ودنا من العيوب ونمّاها وحمل ظُلماً وأرداها ، كُفراً ومعصيةً وأدناها وتقربَ لحاجته وظفر برؤاها ثُم عصى ربّه وبالآثام سوّاها وبالحَمْل الثقيل دسّاها ، ذلك كمن خلط النقاء في الدَسْم فعرّاها وخَسِر وندم ولم يَنل رجاها وجاوز الحدّ وتعدّى ودار في رحاها ، ومدّ حالهُ في فناها ، ثم توارى ولطم الخدّ وضيّع أقدارٌ وقضاها ، وحار وتجرّع من بَعدها سُمّ أقصاها ، وشُلت يد الطُغيان وسارَ حداها ، وبقيَ متألّماً مصروعًا ممدوداً وحدّاها وتبارى خصيماً وحثّ مجراها ، فتباً لوجهٍ خابت ملامحهُ وحادَ عن تشريفها ولا زكّاها ".
دمعت عين "عويق " متأثراً بما سمعه من قول حسن جميل، وقال وهو يحكّ أنفه في رداء ثوبه:
ـ لن تستطيع إرجاع اللبن إلى طُهر النّقاء ولكنّ الحصيلة جامعة، نقاء ودسم، ولون أسود في طُهر يزداد شرفاً وبالفخر إجْمالاً.
ظلّ نجيب الزهران ساكت لم ينبس بحرف ولم يبزم بكلمة، كمن غصّ بشيء، هزّ رأسه وعينه شِبه مُغمضة:
ـ لقد اقترحنا بأنْ تكون أحد روافد قيادتنا في تحالف بحر المرجان، وتكون مسؤولا أميناً لجُزر البحر ومسؤولاً عن المَمرّ المائي الصغير في بحر المرجان، وكما تعلم بأنّ الجزر عُرفت قديماً بـ "جزر وَهْران" جدّنا الكبير، ولا يزال الاسم باقياً كما هو لم يتغير ولم يتبدّل.؛ والمَمر المائي الصغير أخذ الاسم نفسه.
والآن وبما أني قائد لتحالف بحر المرجان، وإضافة إلى مسؤوليتك عن الجزر والمَمر في بحر المرجان، تكون مبعوثاً خاصاً وأميناً على سرّ التحالف. وبما أنك سوف تكتب سرّنا وجهرنا، فإنّنا نرى أن يكون اسمك "عائق " كما سمّاك أبيك وليس "عويق" فهذا الاسم يجب أن يخرج عن ألسنة الأعراب في الرمال والكثبان وفي البحر والجزر، فأنت عائق لا عِويق.
ابتسمَ "عائق" فرحاً مسروراً بالمنصب الجديد وبعودة اسمه الأصيل بين الأعراب.. وكأنّ كلام قائد التحالف "تحالف بحر المرجان " وضع بَلْسَماً على صدره فبَرأ الجرح وزال الهمّ وغابت أحزانه ، وكأنّ قوة عجيبة دخلت نفسه ونشط قلبه وزاد نشاطه وقال قولاً جميلاً ، سُرّ بها خاطره المكلوم :
ـ يعلم ربّ السماء أني ما فرطت في ودّكم وكان لي إحساس بعودتنا جميعاً في صفّ واحد، وعزّة النفس ترتفع إلى هاماتها، ولك علي فضل جميل.. ولا أعرف من الذي بدا بالعداوة بيننا واليوم أشعر بأنّ التباغض تفتّحت أبوابها بالسُعد والتراضي دون خِصام وسأتجاوز الكثير عمّا طُرحت من أفكار كانت تهمّني في الماضي، والآن انقشع كل شيء ولم يَعد الماضي يجترني إلى ما يقسو على نفسي ، وأن الجرح الْتَئم والحزن ذهب بغير رجعة.
ـ لا تخف ولا تخش، وسوف نعوّضكم، فأنتم أبناء عمومتنا، ولن نقبل أن تُحرموا من ميراثكم ظُلماً.. ولكنّي أحتاج إلى فرصة أكبر للتشاور، فهذا الحق منذ عقود وسنين، وأنت تُعتبر الحفيد، وأنوي منحك جُزر وهْران والممرّ الصغير ورملة نجود القريبة من بحر جزر وهْران.
ـ طيّب.. سأبقى وفياً لكم أبناء عمومتي، والذي تبغي فعله افعله، وإني مُنتظر منك الكثير، فانظر بما تأمروني به.. وسأكون محلّ ثقة ووفاء وإخلاص.
ـ ..................؟
طاف "عائق بن مَهران " إلى كثبان بن عُوران، وأطراف ساحل المرجان وقعدة بني زهران وبشّرهم بخبر اختياره لمسؤولية كبيرة في تحالف بحر المرجان ، وأنه أصبح من اليوم أميناً لسرّ التحالف، وسيكون ملتزمًا بأمر ابن عمه الكبير "نجيب الزهران" قائد التحالف ، وأنّه أعاد إليه اسمه الحقيقي " عائق بن مهران " بدلا عن الاسم المعروف لدى أبناء عمومته أعراب الرمال الشرقية والغربية والوادي والساحل والكثبان ورملة نجود بـ عِويق ، وألمح بأنّ الممر الصغير والجُزر الواقعة قُبالة ساحل "رملة نجود " تقع تحت مسؤوليته ورعايته، وأنّ الجزر المُتناثرة قُبالة رملة نجود هيَ من اختصاصه وحوزته وتعويضاً لما لاح آباؤه من ظُلم وسلب وغمط حق ، وأنّ قائد تحالف المرجان الأمير نجيب الزهران قد أنصفه ، لننهي بها صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة من التقارب والعلاقات العائلية المُستقرة.
وقد اجتمع حوله كبار الرجال من الرمال شرقاً وغرباً، ومن الوادي ساحلًا وبحراً وكثباناً ورملاً وزادهم من الرسالة التي حملها إليهم قائد التحالف الأمير نجيب الزهران وقال أمام حشد كبير:
ـ أعود بكم إلى ما كُلفت به من مسؤولية جسيمة وأبلغكم بأنّ الأمر خطير وأخبركم أنّ الأوغاد لن يتوقّفوا عن تحايلهم ولن تردعهم إلا قوة التحالف الجديد عن أفعالهم، انتهكوا ماء كرّار والتي تمشي من أقصى رمال الأعراب إلى أقصاها ولا صرامة مِنّا تُحذّرهم من مغبة انتهاكاتهم، وقد ساء الحال حينما لاحظوا ضعفنا وتشتّتنا، وامتدّوا إلى وادي العجوز شمالا وغرباً ودنسوا الماء العذب وعبروا البحر الواقف، وقالوا ذلك العبور بأمر الربّ الأعلى، وقد أذنَ لنا الربّ.. إنهم قوم خِسّة ودناءة حتى الربّ ساوموهُ وجادلوه وقالوا لا مبادئ لنا نسير عليها ولا ثمار وقد خلقتنا لنكون أنقياء ومن أصفى البشر..
وقد اتضح لي ذلك بعد اجتماعي مع كبيرهم ديفيد يوسيف الذي غيّر أسماء الرمال والبحر الغربي وبدّلها، وقال " نحن من قوم ياكوف وجدنا الأكبر هادْ، وأنّ قوم "هادوصَان" هم فرقة شاذّة مِنّا، بينما الذين هادوا هم الأصل كما تعلمناها من كبارنا وفي كتابنا الذي نُؤمن به"
ونقرأ هذا النص من النصوص العالية في كتابهم " إنا قوم هادوا خير الناس آمنا بالذين حولنا، ولنا فيهم رشاد، وإن هم اختلفوا وخالفوا فالطرد واللعنة تُلاحقهم".
أرأيتم كيف قلبوا الحق باطلاً، وكيف هم يُجادلون ربّهم في كل ما أنزل عليهم من خير وفضل ، وما فضّلهم به على صفوة الناس ولم يكتفوا؟ بل يسألونه في أتفه الأمور وقالوا لن نصبر على أشياء بعينها ثابتة، نراها بأعيننا ولم يتغيّر فيها شيء.
وما أحمله إليكم من رسالة أقوى من رسالة قوم هادْ المُكذبون بنسل الأعراب وحياتهم وكتابهم، بل هم يُوزعون إلى أنسالهم بأنّ الأعراب لا يفقهون شيئاً، بل هم أقرب إلى الصُم والبُكم والعُمي، خُلقوا ليكونوا عبيدًا لقوم هادوا والذين معهم ، والأعراب كالدواب نحمل عليها أسفارنا، ولا تعلم ما تحمله.. أولئك هم الأعراب لا كرامة لهم ولا مبادئ ينتفعوا بها ، يتنازعون بينهم ، ويُصبحون كالديكة تعلوا أصواتها ثم لا تلبث أن تكون في خدر ومتاع. بِئس ذلك المثل الرخيص السيء الذي ضُرب لنا وجَعلنا عاجزين لا نقدر على شيء حتى أننا لا نستطيع ردّ ما سُلب منا طوعاً وما نُهب كرهاً.
واليوم أقف أمامكم بعد أن أكرمتنا السماء بأفضل رجل كريم من بني زهران، ذلك الرجل المُلهم نجيب بن أسد بن زهران من آل الزهران وجميعنا نلتقي إلى الجد الكبير "وهْران"، سواء أكانوا أعراب الرمال الغربية أو الرمال الشرقية والكثبان ورملة نجود والبحر الواقف ومياه كرّار العذبة وماء النهر الكبير الذي يقطع الرمال بالبحر ورمال الوادي الصغير والبحر الكبير وبحر المرجان والجزر المُتناثرة الواقعة قُبالة رملة نجود وكثبانها العالية، كل ذلك هو مُلك للأعراب ولا يُمكن التنازل عنها، بأي حال من الأحوال.
وإني أحمل رسالة مُضَمّنة بإسم قائد التحالف " تحالف بحر المرجان " الأمير نجيب بن أسد الزهران، بأن حيّ الكثبان ورملة بن عُوران وساحل المرجان ورملة بن زهران ورملة نجود والجزر في بحر المرجان والممر البحري الصغير والبحر الواقف ومياه كرّار المالحة وماء النهر الكبير الذي يقطع الرمال إلى مَصب البحر والكثبان العالية قد تحالفت ضِد محسن الشيخ، ما لم يتخلَ عن فلوع الهارب وإنّنا نعتبر اتفاقنا السابق مع تحالف الوادي الصغير وكأنه لم يكن.
وحينَ وصل الخبر إلى "فلوع " بأنّ أمين سِر تحالف بحر المرجان، عائق " قال أمام حشد كبير من الناس شرقاً وغرباً، بأنّ على مُحسن الشيخ التخلّي عن فلوع الهارب وأنّ الاتفاق السابق مع تحالف الوادي الصغير كأنه لم يكن.؛ وأنه بعث إليك من رجاله بمن ينصحك ويُوجه إليك رسالة تحالف بحر المرجان .. قال "فلوع " في نفسه.. وماذا يُفيد اتفاق بني عُوران ونجيب الزهران لعودتي إلى سيح المالح طالما قيادة تحالف الوادي الصغير، لا ترفضني ولها شروط وضوابط أمنيّة، وقد توصّلنا مع قيادة التحالف إلى صيغة نهائية تكون أكثر قبولاً لدى الطرفين برعاية الشرقيين.. وإنْ بدا مُحسن الشيخ يتوارى عمّا تم الاتفاق عليه ، فلا بُدّ من تدخّل القوة الشرقية ، ودعم ذوي العيون الزرقاء والأنوف الفطحاء بالعُدّةً والعتاد ، وإني لأعلم الأسباب التي جاء بها مبعوث بن زهران ، وتلك القوة الحادية عشرة هي الآمرة بالتدخّل وبدعم من الغربيين ، ولا أشكّ قيد أنملة أنْ أطلب من الجوار البحري وفارعي الطويل وذوي العيون السوداء والجاحظة بدعم من الشرقيين حقّ التدخل لضمان سيادتي على الوادي والرمال والبحر الكبير، وأوّل ما سأفعله التفريق بين رملة نجود وبحر المرجان وبين رجال رملة بن العوران وبين رملة بن زهران .. وبدا فلوع مُستغرباً كيف لإبن العُوران أن يقبل بأنْ يكون تابعاً لبني زهران الذي طردوه وغمطوا حقّه من ميراث جده وهْران.
قال حامل رسالة "الخبر" إلى فلوع الهارب من قومه "سيح المالح":
ـ نحن نعلم مكان اختفائك ولكن لم نشأ أن نُعلن عنه ونذيعه حفاظاً على أمن قيادة التحالف الجديد، وصَوناً للداخل من الفوضى. وقد التزمنا مع الغربيين بهذه المبادي العالية، بسريّة مكتومة، والآن وبعد قبول تحالف الوادي عودتكم وفق شروط وضوابط نراها والذين معنا من الغربيين أنها مُجحفة وأنها تقطع الطريق أمام شراكة الأطراف البحرية جميعها، ونُذكّركم بأنّ الجوار البحري ارتبط بالوادي الصغير منذ زمن بعيد ناهيكَ عن رمال الأعراب.
وقد أبلغنا الطرف الآخر، الشرقيين ذوي العيون الزرقاء عبر قيادة الغربيين في البحر الكبير، وأبلغنا -أيضاً- قيادة " تحالف الوادي" بأنّنا ضدّ أيّ تحالفات أخرى دون التشاور معنا، وقد أوضحنا وجهة نظرنا في أنه لا تحالف مع الجوار البحري، والشرقيون يُريدون تحالف إقليمي، لتقوية شوكتهم في البحر الكبير ونحن نرفض هذا التحالف الإقليمي لأنه يضرّ بمصالحنا في بحر المرجان.
قال مُتحدثاً بإسم تحالف الوادي، وقد أناب محسن الشيخ :
ـ نحن أعراب رمال الوادي الصغير والبحر الكبير والساحل الطويل والحارات العشر نُجاور القوة البحرية كجوار إقليمي ونتقارب معهم لمنافع لنا ولهم وإن اختلفت الثقافات وأساليبها ولكنّنا نلتزم بروح واحدة وقوة واحدة هي صَون الممر الضيق العميق وكُلٌ يُؤدي الْتزاماته تجاه الآخر.
ـ لكن الأعراب مجتمع واحد وعاداتهم ومبادئهم مُتطابقة بينهم ، ولغة واحدة ، فما الداعي إلى جمعهم مع شركاء يختلفون معهم في الثقافة واللغة والوحدة؟ ولا شيء نراهُ يضطرّنا بوصفنا أعرابًا شرقاً وغرباً إلى التقارب مع الجوار البحري وفارعي الطول وذوي العيون الجاحظة، وإن بدا ذلك فإن القوة الحادية عشرة أيضاً تجاور من في الرمال وفي البحر وليست من الأعراب. فيجب ضمّها إلى هذا التحالف الجديد؛ التحالف الإقليمي.
ـ لكن أؤلئك القوم أعداء منذ الأزل، ونحن نرى في تحالف الوادي الصغير ما يُقرّبنا زُلفى إلى الجوار البحري من حيث المنافع في الممرّ الضيق، وهو الرئة المُشتركة بيننا، وأمّا القوة الحادية عشرة فهم أعداء لنا منذ بعيد ولا تجمعكم منافع معهم لا في البحر ولا في الرمال.. فهل يعقل عاقل أنْ يجتمع مع خصوم أزليين لا يؤمنون بكم.
ـ إذن، أنتم تريدون التوسّع في هذا التحالف، ومن يدري لعلّ يوماً تقولون: إنّ التحالف مع ذوي السحنة الرصاصية مهم جداً، والهدف أنهم يتشاطرون معكم البحر الكبير.
ـ أنتم قمتم بإنشاء تحالف جديد يخصّكم في رملة العوران وبحر المرجان، وقائدكم هو نجيب الزهران، ولم تُبلغونا عن إرادتكم، فنحن أعراب مثلكم، ونتخذ موقعاً مهمّا وممرّا مائياً أهمّ من جزر متناثرة في بحر المرجان وممر صغير ليس بوسعه أن يتحمّل صيد البحر، فهل يستقبل السفن العابرة؟
ـ نحن نظّمنا أمورنا وسوف نتوسّع في تعميق الممرّ، وجعل المنطقة "بحر المرجان" منطقة عبور للسفن واستراحة للمسافرين مقابل ضريبة توقّف.. أو كما تُعرف لدى الأعراب جباية مال لصالحنا وخدمة لأنفسنا وتطويراً لعلاقاتنا بالآخر.
ـ أعطنا قليل من التفصيل للتعرّف على أهداف تحالفكم والقرى التي تحالفت معكم والأسباب.
ـ ضمّت بلدات الساحل وقعدة بن زهران وساحل المرجان ورمثة بن عوران وأحياء الرمال الذهبية والرمال الغربية والشرقية ، والكثبان ورملة نجود ، والبحر الواقف ومياه كرّار العذبة وماء النهر العظيم الذي يقطع الرمال إلى البحر الكبير ، وبحر المرجان والجُزر المُتناثرة الواقعة قُبالة رملة نُجود وكثبانها العالية ، وكل تلكم البلدات ، انضمّت إلى " تحالف بحر المرجان" ونحن على صدد إظهار المشروع الكبير في بحر المرجان ، وسنضمّ إلينا طوعاً الجزر الصغيرة وإن خلت من الساكنين ، وسوف نُركز إلى مدّها بساكنة جديدة ، فاهتمامنا بإعادة تطوير الممر الصغير ليتلاءم مع مُبتغانا في التحالف الجديد هو الهدف الرئيس الذي نُركّز عليه ، وهو مشروع كبير ومحور اهتمامنا الذي سوف يجعلنا في قوة يُعتد بها .. وفي اجتماعنا الأخير بالغربيين، لمسنا تجاوباً واستعداداً للقيام بتطويره وتعميق مجرى الجزيرتين المحيطة به، وبهذا المشروع الضخم نقطع الطريق على السفن التي تمرّ عبر بحركم وممرّ القرية الضيقة أو ممرّ قرية الرأس، وسوف نستغني عن ممرّكم البحري للأسباب التي تعلمونها.
وإنّنا ننصحكم بعدم تجاوز ما طرحناه عليكم، وأن يبقى هذا التحالف " تحالف الوادي " من اختصاص الأعراب وحدهم، واعلموا بأنّنا الجزء الأهمّ في رمال وادي الأعراب، وموقعنا على بحر المرجان مُتميّز وهو موقع يُبرر الوسيلة نفسها ويدفعنا إلى الغاية التي تفتعلونها.
يتبع 29