نميرة نجم: يجب التعامل مع تعقيدات الذكاء الاصطناعي لضمان بقائه
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
أكدت السفيرة د. نميرة نجم خبير القانون الدولي ومديرة المرصد الأفريقي للهجرة ، علي أهمية التوازن الدقيق بين تعزيز الابتكار وإنفاذ المعايير الأخلاقية ، و على ضرورة إنشاء إطار تنظيمي لأفريقيا لا يشجع التقدم التكنولوجي فقط، بل يحمي أيضًا المصلحة العامة والخصوصية والأمن، وسلطت الضوء على أهمية التعاون الدولي في وضع معايير عالمية للذكاء الاصطناعي يمكن تكييفها عبر ولايات قضائية مختلفة ، وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ونشرها بشكل مسؤول في قارتنا.
جاء ذلك في الحلقة نقاشية التي عقدت تحت عنوان "تنظيم الذكاء الاصطناعي والابتكار" في معرض جيتكس إفريقيا المغرب الدولي لتكنولوجيا المعلومات والابتكار في نسخته الثانية، تحت إشراف وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة بالمغرب بالتعاون مع وكالة التنمية الرقمية تحت الرعاية ملك المغرب محمد السادس، و الذي إنعقد في مدينة مراكش لمدة ثلاثة ايام و اختمتت أعماله أمس ، وقد وشارك في الحلقة النقاشية كيري شيهان، من فريق عمل الذكاء الاصطناعي التابع لحكومة المملكة المتحدة ، و ساشا ميشود، المؤسس المشارك لشركة Glovo ، و أدرته كريستوفينا شيليجو، من سياسة التكنولوجيا بمؤسسة موزيلا.
و شاركت السفير د. نميرة نجم خبير القانون الدولي في حلقة نقاش مسائية ثانية أمس بالمعرض تحت بعنوان "تطوير السياسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي" وأشارت فيها الي تعقيدات تطوير السياسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ، والدور الحاسم لصانعي السياسات في تشكيل مستقبل يخدم فيه الذكاء الاصطناعي البشرية بمسؤولية ومنصفة .
وحددت السفيرة استراتيجيات تطوير سياسات الذكاء الاصطناعي الشاملة التي لا تتناول الجوانب التكنولوجية فحسب، بل تتناول أيضًا الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، ودعت إلى عمليات صنع السياسات الشاملة التي تحوي مختلف أصحاب المصلحة و إلى سياسات قابلة للتكيف وذات تفكير تقدمي للسكان الأفارقة.
وأكدت على الالتزام بقيادة المحادثات العالمية حول تقاطع التكنولوجيا والحوكمة ،و كيفية التعامل مع تعقيدات الذكاء الاصطناعي لضمان بقائه قوة من أجل الخير ، مشيرة ان المناقشات لا تدور فقط حول التحديات الحالية ، بل أيضا حول تصور مستقبل يساهم فيه الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي في التقدم المجتمعي.
وقد شارك في حلقة النقاش الثانية الدكتور مختار سيك، رئيس قسم التكنولوجيا والابتكار في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا ، وأوو أبلو، نائب الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والشراكة، ومدير مجلس إدارة معهد توني بلير للتغيير العالمي ، و هشام العراقي الحسيني، المدير العام لشركة SAP لأفريقيا الفرنكوفونية.
وقال عزيز أخنوش لرئيس الحكومة المغربية في كلمته الإفتتاحية للمعرض إن "التحول الرقمي ليس مجرد "ترف "تكنولوجي، بل هو محفز أساسي لتعزيز التعاون بين البلدان الإفريقية ، فهو يقدم حلولا ملموسة للتحديات التي تواجهها القارة، ويحفز التنمية المستدامة ويوفر بيئة مواتية لتعميق التكامل بين البلدان الإفريقية، ولذلك فإن تبني هذا التحول وتعزيزه يشكل أهمية بالغة لتحقيق إمكانات إفريقيا الكاملة في القرن الحادي والعشرين.
واضاف انه من خلال التكنولوجيات الرقمية يمكن للبلدان الإفريقية أن تدبر بشكل أفضل الخدمات العمومية لتعزيز شفافية الحكومات ما سيمكن المنصات الإلكترونية الحكومية من العمل على تحسين النجاعة الإدارية والحد من الفساد. ذلك أن تسهيل الولوج إلى المعلومة، من شأنه أن يشجع على المزيد من الحكامة المندمجة والتشاركية".
وأكدت غيثة مزور الوزيرة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة بالمغرب أن إفريقيا، اليوم، يجب أن تكون منتجة لآخر التكنولوجيات الرقمية، مشيرة إلى أن القارة السمراء تتوفر على عدد كبير من الشباب المتميزين في مجال الرقمنة، الأمر الذي سيمكن، عبر فعاليات هذا المعرض، من الوقوف على الحلول التي قامت الشركات الإفريقية بتطويرها، وتعزيز التعاون جنوب- جنوب، والاستفادة من التجارب، وبالتالي التعاون من أجل تنمية القارة.
وأوضحت الوزيرة أن استراتيجية « المغرب الرقمي 2030 » ستخرج إلى حيز الوجود في غضون الأسابيع القليلة المقبلة وتهدف إلى تسريع وتيرة رقمنة الخدمات العمومية، التي ستصبح سهلة وبسيطة وشفافة بالنسبة للمواطنين، علاوة على تنمية الاقتصاد الرقمي للمغرب عبر قطاع ترحيل الخدمات ،و تقوم على ثلاث ركائز، وهي الكفائات البشرية، وبنية الاتصالات، والخدمات السحابية .
وشارك في معرض « جيتكس إفريقيا المغرب »أكثر من 1500 عارض وشركة ناشئة على مدى ثلاثة أيام يمثلون أكثر من 130 بلدا ،ويشكل هذا التجمع الضخم للتكنولوجيا والابتكار والشبكات، مناسبة للمشاركين لتقاسم معارفهم وخبراتهم حول ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في “بناء إفريقيا رقمية موحدة” و”الترابط” و”المدن الرقمية” ، و قام بتنظيمه شركة (كاون) الدولية، الفرع الدولي لمركز التجارة العالمي بدبي، وإشراف وزارة الإنتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، بشراكة مع وكالة التنمية الرقمية، ويشارك فيه عدد من الخبراء والمتخصصين العالميين بالإضافة إلى صناع القرار السياسي.
وتتميز دورة 2024، من جهة أخرى، بتنظيم على هامشها معرض لـ”World Health Future”، الحدث المخصص لمستجدات الابتكارات في مجال الصحة، بمشاركة أهم الشركات الدولية الناشئة المتخصصة في الصحة الرقمية، بهدف المساهمة في تطوير هذا القطاع بإفريقيا.
ويعد " جيتكس أفريقيا المغرب" تجمع ضخم للتكنولوجيا، الذي يعتبر واجهة عالمية للتكنولوجيا والابتكار والشبكات للشركات الناشئة والمقاولات الصغيرة والمتوسطة المبتكرة على الصعيد العالمي، منصة على مستوى قارة في تطور مستمر، ويحفز التبادلات حول آخر التطورات التكنولوجية في مختلف المجالات ومنها الذكاء الاصطناعي، والصحة والأمن السيبراني ، و مناسبة للمشاركين لتقاسم معارفهم وخبراتهم حول ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في “بناء إفريقيا رقمية موحدة” و”الترابط” و”المدن الرقمية”.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نميرة نجم خبير القانون الدولي المرصد الافريقي للهجرة تعزيز الابتكار المصلحة العامة نمیرة نجم
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي: ثورة عقلانية في فضاء التقنية الحديثة
في خضم التحولات التقنية الكبرى التي يشهدها العالم، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أهم الابتكارات العلمية التي تمثل نقطة تحول في تاريخ البشرية. فقد تجاوز الذكاء الاصطناعي كونه تقنية جديدة إلى كونه مجالًا فلسفيًا وعلميًا يسعى إلى فك ألغاز العقل البشري ومحاكاته بأسلوب يثير إعجاب العلماء والمفكرين على حد سواء. ومع تعاظم تطبيقاته في مختلف الميادين، يغدو الذكاء الاصطناعي قاطرة تقود العالم نحو أفق جديد من الفرص غير المسبوقة، وكذلك التحديات التي تلامس جوهر وجود الإنسان.
تعريف الذكاء الاصطناعي وأبعاده المتعددة
الذكاء الاصطناعي هو مجال من مجالات علوم الحوسبة يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات العقلية للبشر، مثل التفكير المنطقي، التعلم من التجارب، اتخاذ القرارات، وحل المشكلات. لكن ما يميز الذكاء الاصطناعي ليس فقط قدرته على تنفيذ المهام، بل أيضًا قدرته على التعلم والتكيف مع التغيرات، مما يجعله يشبه، وإن لم يكن يطابق، عمليات التفكير البشري.
هذا التعريف العلمي يغفل البعد الفلسفي العميق الذي يحمله الذكاء الاصطناعي، فهو يمثل محاولة لتفسير الذكاء البشري بآليات رياضية وبرمجية، ما يثير تساؤلات عميقة حول ماهية العقل ذاته. هل يمكن ترجمة المشاعر، الإبداع، والتفكير الأخلاقي إلى رموز خوارزمية؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيظل في جوهره تقنيًا لا روح فيه؟
الأثر الاقتصادي للذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يُعدّ فقط ثورة في مجال التكنولوجيا، بل إنه إعادة تعريف لمفهوم الاقتصاد والإنتاجية. فقد أصبح أداة مركزية في تحقيق الكفاءة الاقتصادية من خلال تسريع العمليات، تقليل الأخطاء البشرية، وتقديم حلول مبتكرة. في القطاعات الصناعية، على سبيل المثال، تساهم الروبوتات الذكية في تحسين الإنتاج وخفض التكاليف. كما أظهرت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع الخدمات، مثل الطب والرعاية الصحية، إمكانيات هائلة في التشخيص المبكر للأمراض، وتخصيص خطط علاجية موجهة تعتمد على البيانات.
علاوة على ذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي محركًا أساسيًا للاقتصاد الرقمي. فالشركات التي تستثمر في الذكاء الاصطناعي تشهد نموًا كبيرًا في الإيرادات، لا سيما مع تطور مجالات مثل تحليل البيانات الضخمة، تقنيات التعلم العميق، والشبكات العصبية الاصطناعية. وتشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تحقيق مكاسب اقتصادية عالمية تتجاوز تريليونات الدولارات خلال العقد المقبل .
الأثر الاجتماعي والثقافي
على المستوى الاجتماعي، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل العلاقات بين الأفراد والمؤسسات. فقد ظهرت أنماط جديدة من التفاعل الإنساني بفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل التعليم، حيث أصبحت منصات التعلم الإلكتروني تعتمد على تقنيات تحليل البيانات لتوفير تجربة تعليمية مخصصة لكل طالب. كما يتيح الذكاء الاصطناعي فرصًا لدمج الفئات المهمشة في المجتمع من خلال توفير أدوات تعزز من قدرتهم على التواصل والإنتاج.
لكن في الوقت ذاته، يثير الذكاء الاصطناعي قلقًا عميقًا حول تأثيره على القيم الإنسانية. إذ إن الأتمتة الواسعة قد تؤدي إلى تقليل فرص العمل التقليدية، ما يفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع المهارات البشرية التقليدية، ويثير تساؤلات حول فقدان الإنسان لسيطرته على قرارات حيوية.
التحديات الأخلاقية والقانونية
لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي دون التطرق إلى التحديات الأخلاقية التي يطرحها. فالقدرة على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحليلها بأسلوب يفوق القدرات البشرية يثير مخاوف حول الخصوصية وسوء الاستخدام. على سبيل المثال، تعتمد الشركات الكبرى على خوارزميات ذكاء اصطناعي لجمع وتحليل بيانات المستخدمين، ما يثير تساؤلات حول حدود استخدام هذه البيانات ومدى احترامها لحقوق الأفراد.
من ناحية أخرى، يواجه المشرعون صعوبة في تطوير أطر قانونية قادرة على مواكبة التطورات السريعة للذكاء الاصطناعي. كيف يمكن تحديد المسؤولية القانونية إذا اتخذ نظام ذكاء اصطناعي قرارًا تسبب في ضرر؟ وهل يمكن محاسبة الشركات أو الأفراد الذين صمموا هذه الأنظمة؟ هذه الأسئلة تعكس حاجة ملحة إلى وضع أطر تشريعية توازن بين الابتكار وحماية الحقوق.
الإبداع والذكاء الاصطناعي
من بين أكثر الجوانب إثارة للجدل هو تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع. هل يمكن لنظام ذكاء اصطناعي أن يكون مبدعًا؟ الإجابة ليست بسيطة. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يولّد أعمالًا فنية، يؤلف الموسيقى، ويكتب النصوص، فإنه يفتقر إلى الحس الإنساني الذي يمنح الإبداع معناه العميق. فالذكاء الاصطناعي يعتمد على تحليل الأنماط والبيانات السابقة، مما يجعله “مقلدًا ذكيًا” أكثر من كونه مبدعًا حقيقيًا.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
لا شك أن الذكاء الاصطناعي سيواصل تطوره ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية للبشرية. لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو: كيف يمكن للبشرية أن تضمن استخدام هذه التقنية بطريقة تخدم مصالحها وتُعزز من قيمها الأخلاقية؟ الإجابة تكمن في بناء شراكة بين الإنسان والآلة، شراكة تستند إلى التفاهم العميق للحدود والقدرات، وإلى رؤية واضحة لمستقبل يشكل فيه الذكاء الاصطناعي وسيلة للارتقاء، وليس أداة للهيمنة.
الذكاء في خدمة الإنسانية
في نهاية المطاف، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإعادة تعريف معاني التقدم والإبداع. لكنه يحمل في طياته مسؤولية كبيرة تتطلب من البشرية تبني نهج شامل ومتزن، يوازن بين الطموح التكنولوجي واحترام القيم الإنسانية. ولعل أعظم درس يمكن أن نتعلمه من هذه الثورة التقنية هو أن الذكاء، سواء كان طبيعيًا أو اصطناعيًا، لا يكتمل إلا إذا اقترن بالحكمة.