لم تُمهله الحياة ليكتب شعرَهُ على مدارج الشباب، بشكله المعتاد عن الحب والحزن والوجدان والعلاقات، فبدأ شعره عن النكبة، بقصائد وجدانية عميقة عن الذي حلَّ بفلسطين إثر نكبة 1948، فكان الشعرُ تحريضاً ثورياً للفلسطيني اللاجئ المُشرَّد، مُفعماً بالحزن والغضب والثورة لما لحق بالأمة من عار.. ولعل قصيدته "الهزيمة" خير تصوير للمأساة الفلسطينية وتغريبتها.



كان شاعراً ناشطاً مثقفاً رائداً يؤمن بالتأطير وتوحيد الجهود، حيث اكتسب هذه المهارة من عمل الأحزاب الفلسطينية التي انتمى لأحدها سابقاً.. لم يرضَ أن يكون معلماً مدرسياً فقط، بل انطلق إلى مهام تأسيسية ثقافية جديدة في المجتمع الثقافي..

إنه الشاعر عبد الرحيم محمد عمر..



ولد في بلدة جيوس قرب طولكرم في 14 آب/ أغسطس 1929، ودرس في مدرستها الابتدائية. وفي عام 1940 انتقل إلى قلقيلية، ثم إلى مدينة طولكرم ليتابع دراسته الثانوية في المدرسة الفاضلية بالمدينة حيث أنهى تعليمه الثانوي فيها عام 1948 وحصل على شهادة "الاجتياز إلى التعليم العالي".

عمل بدءاً من عام 1949 معلّماً في مدرسة القرية، ثم ذهب في مطلع العام 1952 ليعلّم في مدارس الكويت، فبقي فيها حتى عام 1959.

عاد بعدها إلى الأردن، ليعمل في ميدان الإعلام. فعمل في الإذاعة عام 1959، وأصبح في عام 1964 رئيساً للقسم الثقافي فيها، ثم عُين رئيساً لتحرير مجلّة "أفكار" الصادرة عن وزارة الثقافة الأردنية بين العامين 1966-1967، ثم عاد إلى الإذاعة ليتولّى منصب مساعد المدير، ثم أصبح مديراً لها في العام 1970. تولى إدارة دائرة الثقافة والفنون في العام 1971، وأسهم في تأسيس رابطة الكتّاب الأردنيّين في العام 1974، وانتُخب كأول رئيس لرابطة الكتاب الأردنيين ولعدة دورات، وترأّس تحرير جريدة "الأخبار".

كان مجدِّداً في الشعر، فاستخدم الرموز الدينية والاقتباسات القرآنية والأساطير الإغريقية، وكان من أوائل الذين كتبوا شعر التفعيلة، لكنّه لم يشرُد باتجاه الشعر الحرّ والحديث.

شارك في كثيرٍ من الفعاليات الثقافية الأردنية والعربية، وكان رئيساً للجنة الشعر في مهرجان جرش لسنوات عدة، وعضواً في اللجنة التأسيسية لمركز دراسات الحريّة والديمقراطية. كتب المقالة الصحفية في صحف ومجلاّت أردنية، وأسهم في تأسيس صحيفة "الرأي" الأردنية، وكانت له زاوية فيها.

نال وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وجائزة الدولة التقديرية للآداب، وجائزة عرار للشعر.

توفي الشاعر عبد الرحيم عمر في لندن بتاريخ 12/9/1993، عن عمر ناهز 64 سنة.

مؤلفاته

أغنيات للصمت، شعر، 1963.
من قبل ومن بعد، شعر، 1970.
قصائد مؤرّقة، شعر، 1979.
أغاني الرحيل السابع، شعر، 1985.
الأعمال الشعرية الكاملة، ج1، 1989.
تيه ونار، شعر، 1993.
بعد كل ذلك، شعر، 1997 (بعد وفاته).

حوريات القصر، مسرحية شعرية، 1964.
آباء وأبناء، مسرحية شعرية.
تل العرايس، مسرحية شعرية، 1965.
طريق الآلام، مسرحية شعرية، 1668.
خالدة، مسرحية شعرية، 1971.
وجه بملايين العيون، مسرحية شعرية، 1984.
اليسار والصهيونية، بيروت، مركز أبحاث منظمة التحرير.

نماذج من شعره

تهنئة

بَسَمَتْ، فبانَ من البعيد أقاحُها              ..              وَرَنتْ ودون الوصل ظلَّ سماحُها
وتزيَّنتْ، وهي الفَتونُ بحُسنِها                ..              لو زالَ عن دربِ الهوى سَفّاحُها
فنضَتَ ثيابَ الأسْرِ وهْي أسيرةٌ               ..              وبدَتْ وفي أفراحِنا أفراحُها
إِنْ يَأسِرِ المُحتلُّ خُضْرَ بِطاحِها                    ..              هيهاتَ أن ترضى الإسارَ بِطاحُها
يا صاحبَ العيدِ العزيزِ لعيده                     ..              غنَّى مغنِّيها فأين مِلاحُها
«جَيّوسُ» مطفأةٌ وفي طرقاتها             ..              سَرَتِ المَنونُ وعربدَتْ أشباحُها
فإذا استبدَّ بها الهوى، فَلِسانُها             ..             وإذا الأسى، فسلاحُها ووِشاحُها
فاقبلْ تحيَّتَه وأنتَ رجاؤه                          ..              إمّا تَناظرَ جِدُّها ومُزاحُها

من قصيدة:للإسراء والقدس والشهداء

غنّيتُ حبَّكَ في شعري وألحاني                     ..                وصنتُ عهدَكَ في سرِّي وإعلاني
يا ساحرَ الطَّرْف سحْرُ الطرفِ أضناني            ..               وعابرُ الطيفِ وافاني وخَلاّني
فما أزالُ على وعدٍ يؤمِّلني                              ..               حلمٌ حبيبٌ يُمنِّيني وينساني
أرنو لدربِكَ لو لي بَعضُ عُدَّتِه                           ..              سبحانَ ربيَ أعطاني بِمِيزانِ
وعندَ بابِ رسولِ اللهِ غايتُنا                             ..              ودونَ أعتابِه يرتاحُ إلْفانِ
ولَّيْتُ شطرَك وجهي فالهوى قدري             ..             وأنتَ في القلبِ في أعماقِ وجداني
يا ساكنَ القلبِ، شابَ الحلمُ في وَلَهٍ             ..              فكيفَ ألقاكَ في قلبي وتلقاني
يمَّمْتُ مكةَ أُصغي للزمانِ وإذ                       ..               شيخُ الزمانِ مقيمٌ بعد أظعانِ
تمضي الدهورُ وتأتي وهو مُعْتمِرٌ               ..              مُصغٍ لترتيلٍ وتنزيلٍ وقرآنِ
كأنَّ رجْعَ الصدى باقٍ هنا أبداً                       ..               ينسابُ عبرَ المدى آياتِ فرقانِ
فهل تعي أممٌ كانتْ لها قممٌ                     ..                في غُرَّةِ الكونِ من علمٍ وإيمانِ
يا سيدي قد ضَلَلْنا الدربَ وانسربتْ             ..                بنا الليالي لأهوالٍ وخُسرانِ
تشعَّب الرَّكْبُ واستشْرَتْ فواجعُه              ..                وأقفرَ الصَّفُّ من مرصوصِ بُنيانِ
فلا تَراحُمُنا كالجسمِ في مرضٍ                   ..                 ولا تَعاضُدُ إخوانٍ بإخوانِ
تغيَّرَ الحالُ من أَزْرٍ نَعُزُّ به                              ..                  إلى تَبادلِ نُكْرانٍ بِنُكران
فالجمعُ مُنشَغِلٌ والرَّبعُ مُنذَهلٌ              ..                  والنَّقعُ مُشتعِلٌ من غيرِ فُرسانِ
ويستجيرُ بنا الأقصى ونخذُلُهُ                    ..                  كما استِغاثاتُنا باءَتْ بخُذلانِ

*كاتب وشاعر فلسطيني

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطينية الشاعر فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

احمد شموخ يكتب: مسرحية فكّ الارتباط وخارطة الطريق السياسية!

استدعى الأمر موقف واحد فقط من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لكشف كل المسرحية السمجة المُسماة “فكّ الارتباط بين مكوّنات تقدم”، والتي قام بترتيبها ذات المركز الاستخباري الذي يقود الحرب ضد الدولة السودانية، مسرحية هدف منها ذلك المركز توزيع الأدوار بين أذرعه السياسية والجنجويدية والعمسيبية لمرحلة محاولة تفتيت السودان بعد أن فشل في ابتلاعه، تحت يافطة “فك الارتباط”، وعنوان المرحلة “فصل إقليم دارفور” ومن بعده كردفان والنيل الأزرق..الخ.

كشف تصريح الأمين العام للأمم المتحدة على لسان مبعوثه الشخصي للسودان عن دعمه لخارطة الطريق السياسية التي أعلنها رئيس مجلس السيادة، وبعثت بها الخارجية السودانية خطاب رسمي في ٩ فبراير ٢٠٢٥، كشف لنا عن مستوى وحجم الإجماع الحقيقي داخل كل مكونات حلف الاحتلال والاستتباع وهدم السيادة السودانية، رغم محاولاتهم تمويه وتمييع وتحجيب إجماعهم، فكل الأطراف التي انشقّت من قحت تقدم، مع الجنجويد والحلو، مع البعثيين، كلهم أظهروا إجماع منقطع النظير ضد تصريحات السيد رمطان لعمامرة.

والمجموعة الجنجويدية في نيروبي أخذت خطوة أوضح ضد بيانات الدول الشقيقة التي رفضت مؤامرات تقسيم وتفتيت السودان التي عبّرت عن رفضها لمؤامرة نيروبي، وموقف المجموعة الجنجويدية اليوم هو تصعيد واضح من أبوظبي ضد الدول الرافضة لتقسيم السودان في ما يبدو أنه تعبير عن احتدام الصراع الإقليمي كما نراه في الرهانات الإماراتية الملتصقة بالأجندة الإسرائيلية في جنوب سوريا وقطاع غزة والكونغو الديمقراطية وغيرها من محاولات العبث بالأمن القومي للدول والمجتمعات. ومن تجارب سابقة، فإن هذه الدول التي استهدفتها مجموعة نيروبي في بيانها الأخير لديها حساسية عالية ضد المجموعات غير الدولتيّة أو غير الحكومية.

هذا الإجماع الذي تشكّل منذ يوم أمس واليوم بين هذه المجموعات التي ادّعت تنافراً خلال الشهور الماضية، هو إجماع حول أربع قضايا أساسيّة حوتها خارطة الطريق الحكومية:
– إجماع الحلف الجنجويدي يبني سرديته في محاربة الدولة على أن ليس هناك سيادة ولا حكومة، وأن السودان أرض خلاء terranulluis فيها فقط قوتان تتقاتلان، بينما جاءت مطالبة الأمين العام للتعامل مع خارطة الطريق باعتبارها صادرة عن “الحكومة السودانية” وليس الجيش “أحد طرفي النزاع” في سردية الحلف الجنجويدي. مؤخراً صار الحلف الجنجويدي يقول أن هناك أكثر من “طرفا نزاع”.
– إجماع الحلف الجنجويدي يريد بالتعريف أن يمنح رُعاته الإقليميين entry point للعملية السياسية، بينما خارطة الطريق السودانية ترفض التدويل وتقول أن أي عملية سياسية ستكون لاحقة لعملية إنهاء الحرب، وداخل السودان.

– إجماع الحلف الجنجويدي مهمته الأساسية الضغط لتحصل مليشيا أبوظبي الجنجويدية وتتواجد في مستقبل أي عملية تفاوض سياسي، بينما خارطة الطريق الحكومية منطلقة من حقيقة أن لا مستقبل سياسي ولا عسكري للجنجويد.

– إجماع الحلف الجنجويدي يعمل على تحقيق المؤامرات الأجنبية الاستتباعية بممارسة الإرهاب والإبادة بواسطة المليشيات الجنحويدية المحتلة لمختلف المناطق، بينما خارطة الطريق الحكومية تتحدث ابتداءً عن أن عملية تفاوض لإنهاء الحرب سلمياً تبدأ بأن تضع المليشيا السلاح، وتنسحب من المُدن التي تحتلّها حالياً.

هذا التداعي الذي يظهر وكأنه تم بكبسة زر وزّع معه من كبس الزرّ سيناريو واحد، يؤكد ما ذهبنا إليه مع آخرين وذلك بأن فكّ الارتباط أو التمايز بين أذرع مشروع أبوظبي الاستتباعي السياسية، هو مجرد توزيع أدوار، ومسرحية مقصودة كمطلوب للمرحلة الجديدة من المخطط الكولونيالي، وهو ما كشفه بوضوح ردود أفعالهم العالية والمنفعلة ضد المبعوث الشخصي للأمين العام.

احمد شموخ

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • 9 حالات يجوز فيها غلق المحلات طبقا للقانون.. تعرف عليها
  • احمد شموخ يكتب: مسرحية فكّ الارتباط وخارطة الطريق السياسية!
  • سحر رامي تروي موقفًا محرجًا مع عادل إمام في مسرحية الزعيم
  • راشد عبد الرحيم: رمضان الحسم
  • شعرية سريعة التحضير.. تفاصيل مصرع عجوز وإصابة ٨ من أسرتها بالجيزة
  • صورة.. كواليس صناعة تتر “رامز إيلون ماسك” بتوقيع محمد البوغه
  • إياد نصار: عشت لحظة رعب حقيقية أثناء تجسيد اغتيال محمد مبروك
  • الشاعر المغربي صلاح بوسريف: النقد العربي بحاجة لمراجعات في المفاهيم والتصورات والمناهج
  • محمد رمضان: فكرة برنامجي فيها صدق ومحبة كبيرة للشعب المصري
  • ذا قول من يلوي على الهرج بهروج.. تنوع أغراض الشعر النبطي