رئيس محكمة الأمم مناصر لفلسطين من عائلة لبنانية سنية (بورتريه)
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
أستاذ جامعي ورجل قانون ودبلوماسي لبناني مخضرم تميز في مجالات العدالة والدبلوماسية والتدريس الأكاديمي.
تأثّر باليسار في شبابه، وناضل من أجل القضية الفلسطينية في فترة الدراسة بالجامعة شأن أبناء جيله، وأثناء عمله الدبلوماسي في الأمم المتحدة.
شخصية هادئة منفتحة أخذت موقعها الوسطي الذي يميل إلى الأفكار الليبرالية و الاشتراكية.
مولود في عام 1953 في بيروت لعائلة بيروتية مسلمة سنية معروفة. والده عبد الله سلام أحد مؤسسي شركة "طيران الشرق الأوسط"، وهي شركة الطيران الوطنية اللبنانية. جده لأبيه هو سليم سلام مؤسس "الحركة الإصلاحية في بيروت" وانتخب نائبا عن بيروت في مجلس "المبعوثان العثماني" عام 1912، وكان أيضا عضوا في الحكومة العربية الكبرى التي أسسها الملك فيصل بن الحسين ومديرا لمكتبها في بيروت.
أما عمه فهو صائب سلام الذي عرف بنضاله من أجل استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، وتولى لاحقا رئاسة الحكومة اللبنانية 4 مرات بين عامي 1952 و1973. وكذلك الأمر مع ابن عمه تمام سلام الذي ترأس الحكومة اللبنانية عام 2014 وحتى عام 2016.
أما زوجته فهي الصحافية سحر بعاصيري سفيرة لبنان لدى منظمة اليونيسكو.
بدأ نواف سلام تعليمه الأكاديمي بحصوله على دبلوم من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس عام 1974، وشهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة "السوربون" عام 1979.
بعد ذلك حصل على بكالوريوس في القانون من "جامعة بيروت" عام 1984، ثم ماجستير في القانون من كلية الحقوق بجامعة "هارفارد" عام 1991، ودكتوراه دولة في العلوم السياسية من "معهد الدراسات السياسية" في باريس عام 1992.
عمل سلام بين عامي 1979 و1981 محاضرا في التاريخ المعاصر للشرق الأوسط في جامعة "السوربون".
غادر بعدها باريس ليمضي عاما كباحث زائر في مركز "ويذرهيد" للعلاقات الدولية في جامعة "هارفرد". والتحق في عام 1985 في "الجامعة الأميركية" في بيروت محاضرا إلى جانب ممارسته لمهنة المحاماة في "مكتب تقلا".
وما لبث أن عاد في عام 1989 باحثا زائرا في كلية الحقوق في "هارفرد"، كما عمل مستشارا قانونيا في مكتب محاماة "إدواردز وانغلز" حتى عام 1992 عاد بعدها إلى بيروت ليستأنف عمله كمحام في "مكتب تقلا"، وتعليم مادتي القانون الدولي والعلاقات الدولية في "الجامعة الأميركية" في بيروت.
وترقى في سلك التعليم ليصبح أستاذا زائرا مساعدا في العلوم السياسية في هذه الجامعة عام 2003 ، ثم لاحقا أستاذا مساعدا عام 2005.
عمل محاضرا في عدة جامعات منها كلية الحقوق في جامعة هارفارد، وكلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا، ومعهد السلام الدولي في نيويورك، وكلية الحقوق بجامعة ييل، وجامعة فرايبورغ الألمانية، وجامعة بوسطن، وفي جامعات عربية في الرباط والقاهرة وأبو ظبي.
شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك لنحو عشر سنوات ما بين عامي 2007 و2017.
وتميزت ولاية سلام في الأمم المتحدة بمداخلات متكررة في مجلس الأمن داعيا إلى احترام سيادة لبنان وتأمين استقراره، وتعزيز سياسة النأي بالنفس من النزاع السوري، والسعي إلى إنهاء الإفلات من العقاب من خلال إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
كما ثابر على الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما فيها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ومثّل سلام لبنان في مجلس الأمن إثر انتخابه عضوا غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2010 و2011. وترأس سلام أحدى دورات مجلس الأمن.
وشغل منصب نائب رئيس أحدى دورات الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 2012 و 2013.
ومثّل لبنان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي في عامي 2016 و 2017.
بالإضافة إلى أنه كان عضوا في بعثات ميدانية لمجلس الأمن إلى عدة دول كإثيوبيا والسودان وكينيا أوغندا وأفغانستان.
وفي النتاج الفكري أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والمقالات في مجالات القانون الدولي والدستوري والسياسة والتاريخ، وأيضا في قضايا ذات علاقة بالمنظمات والشؤون الدولية.
تم تداول اسمه عام 2020 لرئاسة حكومة لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت باعتباره مرشحا حياديا وتكنوقراطيا، وبالنظر لسجله الدبلوماسي والقانوني والدولي الحافل، لكن "حزب الله" و"حركة أمل" اعترضا على تسميته، واعتبراه "مرشح الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا".
وكان وقتها قاضيا في محكمة العدل الدولية التي دخل في عضويتها عام 2018، والتي انتخب في شباط/ فبراير الماضي رئيسا لها لمدة 3 سنوات إثر انتهاء ولاية القاضية الأميركية جوان إي دونوغو، وبذلك أصبح العربي الثالث الذي يتقلد ذات المنصب منذ نشأة المحكمة في عام 1945، بعد القاضي الجزائري محمد البجاوي (1994-1997)، والقاضي الصومالي عبد القوي يوسف (2018-2021).
ومحكمة العدل هي الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة، وتتولى طبقا لأحكام القانون الدولي الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ومقرها لاهاي بهولندا.
ويتكون فريق محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا، بينهم رئيس المحكمة ونائبه و13 قاضيا وقاضية.
وراج اسم محكمة العدل الدولية بقوة منذ الحرب الوحشية ضد قطاع غزة، عندما رفعت دولة جنوب إفريقيا دعوى ضد دولة الاحتلال بتهمة أن عملياتها العسكرية في قطاع غزة تمثل "إبادة جماعية تهدِف للقضاء على الفلسطينيين".
وصوت الغالبية العظمى من قضاة المحكمة لصالح اتخاذ تدابير عاجلة تغطي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا، وكان سلام من بين المصوتين لصالح هذه التدابير، بينما صوتت ضدها، الأوغندية جوليا سيبوتندي، التي انتخبت نائبة لسلام والمنحازة بشكل غامض لدولة الاحتلال ورفضها وصف الحرب على غزة بأنها جريمة إبادة.
وبعد مداولات والاستماع لجميع الأطراف أمرت المحكمة دولة الاحتلال باتخاذ عدد من التدابير المؤقتة لحماية الفلسطينيين ومنع الإبادة الجماعية في غزة.
ورفضت رد القضية بناء على طلب تل أبيب ورأت بأنها من اختصاصها.
ولاحقا في شباط/ فبراير الماضي، لم توافق محكمة العدل الدولية، على طلب جنوب إفريقيا بفرض إجراءات عاجلة إضافية لحماية مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وشددت على أنه يتعين على الاحتلال الالتزام بطلبات المحكمة والتدابير التي اتخذتها المحكمة سابقا والتي تكفي.
ثم كانت الجلسة الثالثة للمحكمة في أيار/ مايو الماضي حيث أصدرت برئاسة القاضي نواف سلام، استجابة لطلب جنوب إفريقيا، تدابير مؤقتة جديدة تطالب قوات الاحتلال بأن "توقف فورا هجومها على مدينة رفح، وأن تحافظ على فتح معبر رفح لإدخال المساعدات، وأن تضمن وصول أي بعثة لتقصي الحقائق ترسلها الأمم المتحدة للتحقيق في الإبادة الجماعية".
ولا يخفي نواف سلام دوره السياسي خلال فترة دراسته الجامعية من أجل القضية الفلسطينية، وصرح بذلك بشكل علني أكثر من مرة، كما كان لنكسة 1967 تأثير على شخصيته مثل أبناء جيله، وقال إنه خلال ترؤسه مجلس الأمن في عام 2010 بكى تأثرا عندما تسلم ملف فلسطين لتقديم عضويتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكتب أيضا أن "تصوير منتقدي سياسات إسرائيل على أنهم معادون للسامية يعد محاولة لترهيبهم وتشويه سمعتهم وهو ما نرفضه"، ودعا إلى عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.
بالطبع اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية انتخابه على رأس محكمة العدل الدولية "مصدر قلق" بالنظر لمواقفه المعلنة المساندة للقضية الفلسطينية.
وكتبت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن له "تاريخا في الإدلاء بتصريحات مناهضة لإسرائيل"، وسردت عددا من تصريحاته، إذ كتب في مواقع التواصل الاجتماعي عام 2015 "عيد ميلاد غير سعيد لك 48 عاما من الاحتلال".
وتقول وسائل إعلام عبرية أنه "لا يزال هناك مجال للتفاؤل، فلقد تم تعيين القاضية الأوغندية جوليا سابوتيندا نائبة سلام، وهي أقرب لإسرائيل، حيث إنها عارضت جميع الأوامر الصادرة ضد إسرائيل في الجلسة الأخيرة، وأظهرت في الواقع دعما غير مشروط لصالح الجانب الإسرائيلي".
سلام قانوني محترف يتعامل مع موقعه كرئيس لمحكمة العدل الدولية بوصفه "مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي"، بحسب سلام.
وتابع سلام "أول ما يحضر إلى ذهني أيضا في هذه اللحظة هو همي الدائم أن تعود مدينتي بيروت، أما للشرائع كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا وأن يسود العدل بين أبنائه".
وسيكون ملف غزة الملف الرئيس بين يدي سلام طيلة فترة ولايته، رغم أن تقارير إعلامية تلمح إلى أن سلام قد يكلف برئاسة الحكومة اللبنانية، بعد أن كتب في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت عبر حسابه على منصة إكس: "الحقيقة طريق العدالة.وإخفاؤها جريمة. التحقيق شرطه استقلال القضاء والتدخل في عمله جريمة".
فهل في حال صحة هذه التقارير سيخرج سلام من المحكمة الدولية، أم يبقى الأمر مجرد تكهنات تخرج من كواليس الوضع اللبناني المنقسم والمأزوم منذ سنوات؟!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه لبناني الفلسطينية نواف سلام محكمة العدل الدولية لبنان فلسطين محكمة العدل الدولية نواف سلام بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه عالم الفن سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة العدل الدولیة فی الأمم المتحدة القانون الدولی مجلس الأمن فی بیروت فی جامعة فی مجلس فی عام
إقرأ أيضاً:
ذكرى رحيل حكيم الثورة الفلسطينية المثقف (بورتريه)
عرف كيف يمزج بين نشأته المسيحية وماركسيته التقدمية وثقافته الإسلامية.
كان يرى نفسه ماركسيا، يساري الثقافة، وبأن التراث الإسلامي جزء أصيل من بنيته الفكرية والنفسية، معني بالإسلام بقدر أية حركة سياسية إسلامية، كما أن القومية العربية كانت مكونا أصيلا من مكوناته.
دفن في العاصمة الأردنية عمان دون أن يعود إلى اللد مسقط رأسه، لكنه كان يضع على حائط مكتبه في دمشق لوحة فيها حفنة من تراب اللد.
المصادفة وحدها جعلت عمان أول عاصمة عربية يختلف معها، وآخر مكان يأوي إليه بعد أن أنهكه المرض وسنوات عمره الثمانون التي حملها على كتفيه.
ميزة جورج حبش، المولود لعائلة بورجوازية من طائفة الروم الأرثوذكس، عام 1925 في مدينة اللد بفلسطين، التي هجر منها بعد نكبة عام 1948، أنه لم يتناقض مع نفسه كما فعل الكثير من الماركسيين والقوميين العرب، فكان يتنقل من عاصمة عربية إلى أخرى كلما أحس بأن هذا الموقف أو ذاك لا يتوافق مع تاريخه وقناعته المغرقة في المثالية.
وعي على نحو مبكر على خطر الصهيونية على العرب، فقد كان لا يزال على مقاعد الدراسة حين وقعت نكبة الأمة في فلسطين عام 1948، مما ولد لديه إحساسا بأنه لا ينبغي عليه أن يكون أسيرا لمهنة الطب التي درسها في الجامعة الأمريكية ببيروت، التي تخرج منها في عام 1951 متخصصا في طب الأطفال. فاعتبر أن صيغة العنف الثوري هي الصيغة الوحيدة للعمل الوطني الفلسطيني، وسيقوم بعد قليل، مع رفاق له، بتأسيس "حركة الفداء العربي" التي ما لبثت أن حلت بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس السوري أديب الشيشكلي.
عمل بعد تخرجه أستاذا مساعدا في قسم علم الأنسجة في الجامعة الأمريكية إلى أن اضطر للاستقالة بعد صدام مع إدارة الجامعة على خلفية تظاهرة سياسية نظمها ورفاقه رغم المنع الذي حاولت إدارة الجامعة فرضه بإغلاق بوابات الجامعة بالسلاسل، حيث كسرها وزملاؤه وخرجوا بالتظاهرة.
عام 1952 انتقل إلى عمان وافتتح عيادة طبية في شارع الملك طلال، ولحق به بعد فترة وديع حداد، وقدمت العيادة أرضية للتواصل مع اللاجئين الفلسطينيين حيث قدمت لفقرائهم خدمات طبية وأدوية مجانية، كما افتتحا مدرسة لمحو الأمية في "النادي العربي"، مما وفر له غطاء للعمل السياسي.
كان أحد الذين أعادوا النظر في الخط الثوري للنضال العربي إذ رأى أن التنظيم الجماهيري هو الأسلوب الأكثر فعالية في العمل السياسي، فقام بتأسيس "جمعية العروى الوثقى"، كما أسس "منظمة الشبيبة العربية" عام 1956.
كان هذا المؤتمر مرحلة مهمة في حياة "الحكيم" فقد شهد ولادة "حركة القوميين العرب" التي عارضت شعار الاشتراكية، وفي ذلك العام أصدر صحيفة "الرأي" التي أثارت حساسية غلوب باشا (قائد بريطاني للجيش الأردني ما بين عامي 1939 و 1956) فأمر بإغلاقها، كما أنه سعى إلى دخول مجلس النواب الأردني لكنه لم يوفق في ذلك.
في العام التالي كانت "حركة القوميين العرب" تدخل مرحلة السرية بعد أن اتهمت بسلسلة تفجيرات في الأردن، فاضطر الحكيم للانتقال إلى العمل السري، ومن ثم غادر إلى دمشق حيث أعاد إصدار "الرأي" وحكم عليه في عمان بالسجن 33 عاما.
لكن شهر العسل بين "الحكيم" ودمشق لم يدم طويلا إذ ما لبث أن أخذ السوريون في مطاردة أعضاء الحركة بعد انهيار الوحدة بين سوريا ومصر عام 1961 خصوصا بعد أن اقترب من "الناصريين". وقامت السلطات السورية باعتقاله حتى تمكن رفيقه وديع حداد من تهريبه من السجن والهروب إلى القاهرة حيث التقى الرئيس جمال عبد الناصر.
كان عام 1964 أهم مرحلة في حياة "الحكيم" فقد أسس مع رفيقه وديع حداد قيادة محلية لفلسطين ستكون فيما بعد النواة التأسيسية لـ" الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي خرجت إلى الوجود بعد هزيمة حزيران/ يونيو عام 1967.
هذه الهزيمة كانت انقلابا في توجهات الجبهة فقد أدانت النهج الناصري وظهرت في صفوفها ثلاثة اتجاهات كادت تؤدي إلى انهيارها غير أن الحكيم أعاد رص الصفوف وسيطر على القواعد والقيادات رغم خروج "جبهة تحرير فلسطين" التي قادها فيما بعد أحمد جبريل وأصبحت تعرف بـ " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة".
بدأ "الحكيم" عام 1969 انعطافا إيديولوجيا نحو الماركسية التي باتت الأساس العقائدي الوحيد داخل الجبهة، وذلك إثر"الانشقاق الكبير" الذي قاده نايف حواتمة وأنصاره وأسسوا "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
في السنوات التالية ستدخل "الجبهة الشعبية "على خط نضالي مختلف باختطاف 5 طائرات غربية وتدميرها في الأردن، ولم يستطع الحكيم كبح أو ترويض رغبة وديع حداد ورفاقه في الاستمرار بهذا النهج، ولم ينجح في مساعيه إلا في عام 1972 إثر انعقاد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة الذي أعلن عن تخلي الجبهة عن عمليات خطف الطائرات، والتمسك بـ"حرب التحرير الشعبية " وبناء "حزب ماركسي لينيني".
وستشارك "الجبهة الشعبية" في الدفاع عن لبنان أمام الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ورفض التوجه مع ياسر عرفات إلى تونس واستقر في دمشق مفضلا البقاء في دول جوار فلسطين.
في العام التالي سيجرب الإسرائيليون حظهم في اختطاف طائرته حين قام سلاح الطيران بعملية خطف لطائرة فور إقلاعها من بيروت متجهة إلى بغداد لاعتقادهم أن "الحكيم" على متنها، وأعادوا الكرة ثانية عام 1986 حين اختطفت طائرة سورية إلى أحد المطارات شمال فلسطين المحتلة، وكانت المفاجأة الكبيرة بأنها كانت تقل عبد الله الأحمر الأمين العام المساعد لحزب " البعث" في سوريا.
عارض "الحكيم" التقارب بين ياسر عرفات والملك الحسين، وقاطع المجلس الوطني الذي انعقد في عمان عام 1984، وشكل مع الفصائل الفلسطينية في دمشق تحالف "جبهة الإنقاذ". في المقابل نأى بنفسه عن التورط في الاقتتال الداخلي الذي شهدته مدن ومخيمات لبنان بين أنصار عرفات ومعارضيه، وتمكن من مقاومة ضغوط دمشق للاصطفاف مع المنظمات الموالية لها في لبنان، في ما عرف بـ"حرب المخيمات".
في السنوات اللاحقة سيدخل المرض حياة "الحكيم" الذي سيذهب إلى فرنسا في رحلة للعلاج عام 1992، وكادت الأمور تتفجر حين احتجزت السلطات الفرنسية "الحكيم"، وكادت تخضع لضغوط إسرائيلية لتسليمه إلى تل أبيب، غير أن فرنسا طلبت منه المغادرة بعد تدخل بعض الدول العربية، وخاصة الجزائر، التي أرسلت طائرة رئاسية لنقله إلى الخارج، فغادر باريس إلى عمان للعلاج.
عارض "اتفاقية أوسلو" ورأى أن نتائج "أوسلو" كانت لمصلحة الاحتلال بشكل حاسم. كما رفض العودة مع القيادات الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد قيام سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية.
ورغم أن المرض أقعده أسير الفراش إلا أنه استطاع أن يحافظ على تماسك الجبهة ويقودها بعيدا عن"الانشقاقات" التي حدثت في السابق وكان أخرها انشقاق بسام أبو شريف، وبعد أن اشتد المرض عليه تخلى عن مناصبه القيادية لصالح رفيقه مصطفى الزبري المعروف باسمه الحركي أبو علي مصطفى، و كان ذلك في عام 2000، ومن ثم إلى الأسير احمد سعدات بعد استشهاد الزبري الذي اغتالته قوات الاحتلال في عام 2001 برام الله.
ومنذ العام 2003 اتخذ من الأردن مكانا لإقامته وذلك بعد مشاكل صحية عانى منها، وفي 26 كانون الثاني/ يناير عام 2008 توفي في عمان بسبب جلطة قلبية، وذكرت تقارير أخرى أنه توفي بسرطان البروستات، ودفن في عمان. وكان قبل ذلك قد تعرض في عام 1972 لنوبة قلبية كادت تودي بحياته، وتبعها في 1980 نزيف دماغي حاد تغلّب عليه بصلابة إرادته.
لم يكن "الحكيم" مناضلا وشخصية وطنية فلسطينية وقومية عربية فقط، بل كان أيضا مفكرا وكاتبا أثرى المكتبة بعدة مؤلفات من بينها: "القيادة المشتركة ضمانة وحدة منظمة التحرير وخطها الوطني"، "أزمة الثورة الفلسطينية..الجذور والحلول"، "نحو فهم أعمق وأدق للكيان الصهيوني"، "استحقاقات الراهن والأفق القادم"، "التجربة النضالية الفلسطينية: حوار مع جورج حبش أجراه محمود سويد"، "من داخل إسرائيل"، "الثوريون لا يموتون أبدا " وهو حوار مع الصحفي الفرنسي جورج مالبرونو.
اعتبرت وفاته على فراشه فشلا لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي لم يتمكن من اغتياله.
صدرت مذكراته في عام 2019 بعد رحيله تحت عنوان "صفحات من مسيرتي النضالية" وقدمت هيلدا حبش أرملة المناضل الراحل المذكرات التي وصفتها بأنها مرحلة مشرقة من تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة.