موفد يأتي وآخر يغادر. وكما جاؤوا يغادرون وآخرهم الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان. يجولون على معظم المسؤولين، رسميين وغير رسميين. يستمعون، يناقشون، يطرحون ما يحملونه من أفكار ويغادرون. وتبقى النتيجة واحدة: لا شيء تغيّر أو سيتغيّر ما دامت رئاسة الجمهورية مخطوفة من قبل الجميع بنسب متفاوتة من حيث المسؤولية عن عملية الخطف.
ويغادر لودريان، وغيره من الموفدين، كما أتوا، يدًا من وراء وأخرى من أمام وكأنهم لم يأتوا. فلا بوادر حلحلة أقّله في الملف الرئاسي تلوح في الأفق المسدود لأزمة تتوالد منذ أن تفتّحت عيون معظم الذين يقرأون هذه السطور على الحياة. فمع كل إشراقة شمس يدخل لبنان في نفق أزمة جديدة تكون أكثر حدّة من سابقاتها. وهكذا دواليك حتى تبدو المبادرات، الخارجي منها أو الداخلي، من دون نتيجة عملية من شأنها أن تؤدّي إلى انتخابات رئاسية وفق ما ينصّ عليه الدستور بعيدًا عن الشروط والشروط المضادة، وتخّلي كل فريق عمّا يعتبره حقًّا مكتسبًا نظرًا إلى حيثية كل منهما، سواء الذين يطالبون بأن يكون أي رئيس للجمهورية المجهولة المصير ضمانة لهم لحماية ظهر مقاومتهم خوفًا من غدرات الزمان، ولا أولئك الذين يرفضون القبول بالمنطق القائم على فرضية معادلات موازين القوى، حيث الغلبة غالبًا ما تكون للأقوى.
فالجولة السادسة للودريان في لبنان اصطدمت بتمسك هذه القوى السياسية مجتمعة ومتفرقة بشروطها، وبقي القديم على قدمه، إن من قبل قوى "الممانعة"، التي عبّر باسمها الرئيس نبيه بري عن تمسكه بمبادرته القائمة على الدعوة إلى التشاور من دون شروط مسبقة، قبل الانتقال إلى البرلمان وانتخاب رئيس على دورات متتالية، فيما تمسّكت "المعارضة" بمطالبتها بضمانات، وبعدم وصول مرشح مدعوم من "حزب الله" إلى الرئاسة.
وعلى رغم استبدال الرئيس بري كلمة "حوار" بكلمة "تشاور" فإن الأطراف الأخرى استعارت تعبيرًا لرئيس المجلس، حين أطلقت مقولة "ما تقول فول حتى يصير بالمكيول". أي بتعبير آخر أنها مصرّة على النفخ على اللبن لكثرة اكتوائها بحليب "الممانعة". ولم ترَ في هذه المقاربة الجديدة أي ضمانة لفتح أبواب مجلس النواب لكي تأخذ اللعبة الديمقراطية مداها الأوسع، خصوصًا أنها تعتبر أن هذه الاستعارة تبدو بمثابة تلطيف وتهذيب لشروط لم تتبدل.
ووفق تقاطع المعطيات المتوافرة عن جولة الموفد الفرنسي، الذي تنقّل بين "متاريس" كلا المحورين، فإن لودريان لم يلمس بنتيجة جولاته المكوكية أي نيّة لدى طرفي النزاع لإحداث كوة في الجدار الرئاسي. وهذا ما دفع به إلى التمسّك أكثر من أي وقت مضى بما بات يُعرف بـ "الخيار الثالث"، وهو الخيار الوحيد والممكن، والذي من شأنه إخراج لبنان من شرنقة المواقف المتصلبة والمتشنجة، وبالأخص إذا ما صار ربط هذا الاستحقاق بمخاوف "اللجنة الخماسية" من أنّ عدم اتمام الاستحقاق الرئاسي خلال حزيران أو تموز على أبعد تقدير فإن التأجيل سيكون طويلاً جداً لأن الدينامية الدولية لن تكون مساعدة في الفترة المقبلة.
من هنا، فإن التعاطي مع زيارة لودريان سيجري على أساس أنها بمثابة "إعلان فشل" يُضاف الى جولاته السابقة التي لم تؤدّ إلى أي نتيجة منذ توليه ملف الأزمة الرئاسية، وإن كان البعض يرى أن مهمته انتهت إلى ثلاثة استنتاجات إيجابية، وهي:
أولاً- يجب عدم الذهاب الى سابقة دستورية عبر طاولة حوار قد تشكل عرفاً.
ثانياً- ضرورة انتخاب رئيس ضمن "الخيار الثالث" لأن لا أحد قادر على ايصال مرشحه.
ثالثاً- يجب أن تحصل انتخابات قبل نهاية تموز، لأنه بعد ذلك ستدخل المنطقة والعالم في مرحلة الانتخابات الأميركية، وبالتالي يصبح لبنان طيّ النسيان. وفي ظل أوضاعه المهترئة، من الممكن أن يواجه مأساة سياسية. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
رئيس لبنان: قرار "حصرية السلاح" لا رجعة فيه
أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون، الثلاثاء، أن "قرار حصرية السلاح لا رجوع عنه لأنه يلقى تأييدا واسعا من اللبنانيين والدول الشقيقة والصديقة".
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام، الثلاثاء، عن عون قوله، لوفد من الباحثين في معهد الشرق الاوسط للدراسات في واشنطن - (MEI) برئاسة الجنرال الأميركي المتقاعد جوزيف فوتيل، إن "سحب السلاح لن يكون سببا لاضطرابات أمنية في البلاد، بل سيتم من خلال الحوار مع المعنيين الحريصين أيضا على الاستقرار والسلم الاهلي ودور الدولة المركزية.
والتطورات التي حصلت في المنطقة لا تزال تساعد على المضي في اعتماد الحلول السلمية وأن تطلب ذلك بعض الوقت تفاديا لاي عثرات".
وأشار إلى "حاجة الجيش والقوى المسلحة للمساعدة العاجلة لتتمكن الوحدات العسكرية من تحمل مسؤولياتها في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد"، وقال: "من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية أن يبقى لبنان مستقرا و منا، وعليها ان تساعده لتحقيق ذلك".
وأكد أن "الجيش اللبناني يقوم بواجباته كاملة في منطقة جنوب الليطاني ويطبق القرار 1701 في البلدات والقرى التي انتشر فيها، لكن ما يعيق استكمال انتشاره حتى الحدود هو استمرار الاحتلال الاسرائيلي لخمس تلال لا أهمية استراتيجية لها".
وأضاف:"كان من المفترض أن ينسحب الاسرائيليون منها منذ 18 فبراير الماضي لكنهم لم يفعلوا على الرغم من المراجعات المتكررة التي قمنا بها لدى راعيي الاتفاق، الولايات المتحدة وفرنسا، العضوين في لجنة المراقبة المشكلة بموجب اتفاق 27 نوفمبر الماضي".
وكرر الرئيس عون دعواته إلى الولايات المتحدة "للضغط على إسرائيل كي تنسحب من هذه التلال وتعيد الأسرى اللبنانيين ليتولى الجيش مسؤولية الأمن بشكل كامل بالتعاون مع اليونيفيل ويبسط بذلك سلطة الدولة اللبنانية على كامل التراب الجنوبي".
وأشار الرئيس عون، في حوار مع أعضاء الوفد، إلى أن "الوضع على الحدود اللبنانية - السورية يلقى متابعة مستمرة مني، والجيش موجود على هذه الحدود لمنع التهريب على انواعه ولضبط حرية التنقل بين البلدين"، لافتا إلى الاتصالات التي تمت مع المسؤولين السوريين والتي أسفرت عن اجتماعات عقدت بين الجانبين اللبناني والسوري بهدف معالجة المواضيع العالقة.
وتطرق الرئيس إلى مسألة النازحين السوريين، مؤكدا أن "لبنان متمسك بإعادة هؤلاء النازحين إلى بلادهم، لا سيما انه ليس قادرا على استيعابهم، خصوصا وأن الأسباب السياسية والأمنية لوجود غالبية هؤلاء النازحين في لبنان قد زالت بعد التغييرات التي حصلت في سوريا"، معتبرا أن "رفع العقوبات الاقتصادية عنها يحرك من جديد الاقتصاد السوري ويوفر فرصا للنازحين للعودة إلى بلادهم بدلا من أن يبقوا نازحين اقتصاديين في لبنان".