صناعة الأيديولوجيا:
في واقعنا تصنع الأيديولوجيات من شخص واحد ويتبعه الآخرون بالأمل، ولا تصنع الأيديولوجيا مؤسسات أو مراكز دراسات تبقى متابعة للأداء ومحسنة ومرممة للإخفاقات، فيأتي شخص أو مجموعة تدعمه ليقرر مشكلة الأمة أو مشكلة الإسلام وأمة الإسلام، ليقع على نقطة معينة.
ولكوننا نحب التبسيط وحصر الأسباب بسبب واحد أو اثنين، فسيبني أيديولوجيا على هذا السبب وغيره يبني على سبب آخر، ولأننا لا نفهم معنى التواصل ولا التنافس والاجتماع فسيظن كل منهم أن ورقة الحقيقة معه، فيعتبر الآخرين تافهين أو كَفَرة أو أي شيء.
الأيديولوجيات هذه ولكي تتشبث بأنها تملك الحقيقة ولأنها تفشل في أن تقدم شيئا للناس أو تحسين الواقع، تذهب للتأصيل لوجودها في الماضي، فلا تكتفي بأن تشوه الواقع بل تشوه التاريخ. وربما يقيد الإسلاميون الإسلام بأضيق ما يمكن من فهم وهو واسع، ولأنهم لا يقبلون المختلف عنهم بالتشخيص فسيكون هنالك عداء وتسفيه بينهم. وكلهم يستخدم النصوص فيشوهونها هي الأخرى، ويعودون ليقولون إن الناس لا يؤمنون بدينهم ولا يتبعونه، فالسبب في فشلنا هم الناس.
كذلك العلمانيون، فهم يستوردون فكرة لا ضمانات لنجاحها أو مناسبتها لواقعنا، ومن شخص يربط ويؤصل لمشكلة أهله ويفشل في إدخال الناس في قالبها ثم يقول إن الناس السبب.
وهكذا يجري القمع والإعدام كما تفعل الحركات المتطرفة أو كما فعل ستالين من أجل تطبيق قانون واحد في الجمعيات الفلاحية، هذه القناعة التي تجرف المجتمع ونسيجه.. "جئنا لنبقى ونغيركم كما نريد" وليس جئنا لنخدم، فإن فشلنا فعليكم إيجاد البديل.. هي حركات عدمية لا تبني دولة للإنسان.
الناس والمؤيدون سيتبعون هذه الأيديولوجيا أو تلك على أمل المجتمع الشيوعي الذي يتساوى فيه الأفراد وكل أمر مشاع، أو على مجتمع ليبرالي كل شيء يؤدي للرفاهية والحياة الآمنة السعيدة، أو مجتمع إسلامي يقيم العدل ويرفع الأمة ونهضتها إلى ما كانت عليه. وهي نقطة نحتاج التوقف عندها في نقاش الحركات المؤدلجة.
خلاصة القول إن هنالك حاجة لأيديولوجيا ولكن أيديولوجيا تبنيها، وتتابع مسارها وأداءها مراكز دراسات وتطوير متعددة تنظر لكل خطوة وفكرة بتجرد وتعدل المسارات.
فالأيديولوجيا كما عرفناها أعلاه بالسرد، نضع لها تعريفا أكاديميا مختصرا: هي تشخيص لمشكلة الأمة ورؤية لحل وأمل بمستقبل أفضل ونهضة للأمة.
حركات ذات أيديولوجيا:
الفكر الشيوعي: انبثقت عنه أيديولوجيات اشتراكية وقومية وأممية لا تحصى، كل يظن أنه يملك الحقيقة. وفشلت الفكرة الشيوعية عدى الفكرة الماوية في الصين التي تطورت فلم تعد تدعو للأممية، وإنما اتخذت جانب الانتشار الاقتصادي المختلط فدخلت في منافسة اقتصادية على السوق مع النظام الرأسمالي، وهو الذي انبثقت عنه وعن آلياته أيضا أيديولوجيات متعددة لكنها حافظت على تنافسها في السوق من خلال أدوات سياسية اقتصادية لتستحوذ على مناطق النفوذ.
وهذا ما تحاول روسيا الآن الدخول به، لكنها جميعا لم تنجح في تحقيق وعودها فتعتبر نظما أيديولوجيا عقيمة. كذلك الحال مع الأيديولوجيات الإسلامية ومنها تنظيمات متعددة للإخوان المسلمين، وتنظيم التحرير وتنظيمات متشددة متطرفة مستعجلة لما فشلت به التنظيمات الإخوانية والتحرير؛ ووصلت مرحلة من السطحية الفكرية أضرت بالهدف بالوسيلة والفكرة والمنهج.
الفكر عند التحرير يتشابه مع الإخوان في سبب الفشل بنقاط متعددة:
* الأيديولوجيا بناها شخص واحد كرد فعل على نقطة محددة كسقوط الخلافة أو مفهوم الخلافة وأدبيات الفكر، لكن ما لاحظته أنه بعد حسن البنا والنبهاني لم يكونوا بمستوى هذين الصانعين لأيديولوجية جماعتيهما، ناهيك عن أن هذا سيؤدي إلى تقديس تلك الأفكار مما يمنع مراجعتها وتعديلها وتطويرها، وهما وضعا البدايات لكن لم يضعا آليات التعديل والاعتبار.
* حركة الإخوان وبعد دخولها المعترك السياسي وجدت أن الفكر الإسلامي المتاح والمنقول من الماضي لا يعالج الواقع بعقلية الفقهاء في العصور السابقة، مع أن هذه النصوص لهؤلاء الفقهاء دخلت القدسية أيضا، وأن الخلافة كفكرة بذات النمط في صدر الإسلام لم يُنظر إليها بمنطق التاريخ وأنها مرحلة تاريخية تحتاج لتعديل، وأن الخلافة على منهج النبوة ليس بالضرورة أن يكون شكلا بذات صفة الراشدين أو الأمويين والعباسيين أو العثمانيين. وهذه النظم بعد الراشدين تمثل شكلا ملكيا يكتسب شرعية المتغلب العرفية.
وهنالك أمور في الفقه المنقول متأثرة بظروف تاريخية ليست من الإسلام كنصوص وهدف، كأن تأخذ موقفا حربيا وعدائيا من الغرب كرد فعل على الموقف في عهد الروم وسلوكيات حروب الفرنجة وما فعله المحتلون، مما يرسخ هذا العداء عند الطرفين.
أما التحرير فهو كالصين لم يخف ما يريد فكانت مقاومته وإنهاء فاعليته أسهل، ناهيك عن أنه فكر لم يتطور أبدا فأصبح مرتكزا على فكرة الخلافة وبعيدا تماما عن الواقع، رغم رقي طرح النبهاني وأسلوبه فيما يعد من رقي علم الكلام وفلسفة الفكر التي لم تتم لأنه اعتبر الفلسفة كشيء سلبي.
الحقيقة أن حجب المراجعة بتقديس الفكرة وبناء الرمزية قيّد فاعلية هذه الحركات وفهمها لفاعلية الإسلام، ما جعل هنالك تباعدا وعداء أحيانا بينها وبين النظم التي في البلاد الإسلامية. وكان بالإمكان أن تحقق نجاحا أكبر لو غادرت الشكلية في المنقول وربما كسبت السياسيين والعوائل الحاكمة لأهدافها، لكن الفشل في المراجعات وتطوير الآليات وتوسيع الفكرة لفقدان المؤسساتية كان من أسباب إعاقتها وتشتيتها رغم قوة تنظيمها.. وهو ما يناقش في المقال القادم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الأيديولوجيا الأفكار المراجعة أحزاب أفكار أيديولوجيا مراجعة مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة رياضة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
مرتفع سيبيري يهدد المصريين في الشتاء.. اعرف الحقيقة كاملة
مرتفع سيبيري يهدد المصريين في الشتاء.. عنوان عريض شغل الرأي العام خلال الفترة الحالية بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة بشكل مستمر مؤخرًا.
مرتفع سيبيري
وتساءل الرأي العام المصري عن مرتفع سيبيري وذلك لمعرفة تفاصيل حالة الطقس التي تترتب على ذلك المرتفع خلال الفترة المقبلة.
وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية أن يضرب البلاد المنخفض السيبيري الذي يأتي مصاحبا لهطول أمطار غزيرة، والذي يأتي قادما من إقليم سيبيريا بروسيا، ويتسبب تقلبات كبيرة على الطقس منها: هطول الأمطار الغزيرة مما قد يؤدي إلى فيضان الأنهار وتدمير المحاصيل الزراعية، الرياح القوية والتي تبلغ سرعة الرياح 60 كم/ساعة، مما قد يتسبب في تدمير المباني والإنشاءات، وانخفاض درجات الحرارة بشكل ملحوظ، مما يؤدي لمشاكل صحية للكثيرين.
يعرف المنخفض الجوي السيبيري بأنه عبارة عن كتلة ضخمة من الهواء البارد، والتي تتجمع فوق منطقة سيبيريا الواقعة شمال شرق أوراسيا، ولأن ضغط الهواء البارد مرتفع، يسود ضغط مرتفع في المناطق التي يؤثر عليها، وتنخفض فيها درجة الحرارة، حيث تعتبر البرودة الشديدة والجفاف من أهم سمات المنخفض الجوي السيبيري لأنه يتشكل نتيجة التبريد السطحي الشديد فوق المناطق القارية البعيدة عن التأثيرات البحرية.
ويعتبر المنخفض السيبيري هو المسؤول عن موجات البرد القارس والجاف في مناطق واسعة من أوروبا واسيا وقد يعبر تأثيره المحيط المتجمد الشمالي ليؤثر على كندا والولايات المتحدة.
وتتميز مصر بموقع جغرافي طبيعي ممتاز يجعل وجود البحر المتوسط، بمثابة حائط صد أما المرتفع السيبيري، فعندما يمتد المرتفع السيبيري إلى شمال إفريقيا ويعبر البحر المتوسط يحدث تعديل لهذه الكتلة شديدة البرودة جدا حيث يحدث تعديل في درجات الحرارة وتصبح درجة الحرارة باردة ولكن ليس بنفس الانخفاض والبرودة المصاحبة للكتلة الأساسية.
هل تتعرض مصر لمرتفع سيبيري؟
وفي هذا الشأن، أكد الدكتور محمود القياتي، عضو المركز الإعلامي بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، أن مصر تتأثر في فصل الشتاء بهذه الكتل الهوائية الناتجة عن المرتفع السيبيري، ولكن ليس طوال الموسم الشتوي، حيث تتنوع الكتل الهوائية التي تؤثر على البلاد في درجات حرارتها ومصادر نشوءها.
أما في الفترة الحالية، أوضح القياتي أن مصر تتأثر بكتل هوائية شمالية وليست بمرتفع سيبيري، متوقعًا أن درجات الحرارة خلال النهار في مناطق القاهرة والوجه البحري والسواحل الشمالية وشمال الصعيد تتراوح بين 18 إلى 20 درجة مئوية، أما في فترات الليل، فقد تنخفض درجات الحرارة إلى نحو 10 درجات في شمال الجمهورية وحتى القاهرة، بينما تصل في محافظات الصعيد إلى نحو 7 درجات، وهذه الدرجات تعتبر ضمن المعدلات الطبيعية في هذا الوقت من العام.