حقيقة ما تقوم عليه سياسة أمريكا في المنطقة وبحسب ثبوت وثائق التاريخ هي المخططات بحد ذاتها؛ والتي لم تبدأ بالحرب على العراق ولا قبلها بإشعال حرب إيران والعراق وتأجيج الفتنة لضرب الثورة الإيرانية من جهة ومقدرات الجيش العراقي من جهة أخرى، مرورا بغزو العراق وأفغانستان وضرب الثورات العربية في اليمن وسوريا والسودان، وقبل ذلك الفوضى الخلاقة التي أعلنتها "كونداليزا رايس" عام 2005.
وهنا واضح جدا أن المنطقة العربية كانت مضبوطة بتوقيت الأمريكي وتوظيف الأدوار العربية ومسرحيات الصراع وامتصاص الشعوب، فكان المخطط الذي تمخض لاحقا وهو الانقسام.
كلمة الانقسام عميقة في المضمون والاستراتيجية، وهي تدلل على تغيير فكري وجغرافي وإنشاء كيانات وتعزيز أخرى ولكنها كلها بتوقيت أمريكا.
نماذج وجب ذكرها:
* بعض الثورات العربية نجحت المضادة منها في إعادة السيطرة، كما مصر وتونس.
* بعض الثورات العربية نجم عنها الصراع الداخلي، في اليمن وسوريا والسودان وليبيا.
المتابع جيدا لتلك الأحداث يجد أن هناك مخططا عميقا تعزز لدى الأمريكي ويطلقه فعليا على أرض الواقع؛ وهو إشغال كل دولة بانقسام وتغذيته بحيث أن حدوده سقفها أمريكي، فلا ينتهي النزاع -ومنه دموي بامتياز- ولا يجلب مصالحة ولا توافقا، ويبقى المشهد دوامة مفرغة
* قبل الثورات العربية كان الانقسام الفلسطيني الذي نجم عن تنكر أمريكي لنتائج الانتخابات التي أفرزت حماس، وبات هناك تنازع متعمد للصلاحيات وتشويش انتهى بانقسام بين الضفة وغزة، أعقبته حروب وحصار على غزة.
المتابع جيدا لتلك الأحداث يجد أن هناك مخططا عميقا تعزز لدى الأمريكي ويطلقه فعليا على أرض الواقع؛ وهو إشغال كل دولة بانقسام وتغذيته بحيث أن حدوده سقفها أمريكي، فلا ينتهي النزاع -ومنه دموي بامتياز- ولا يجلب مصالحة ولا توافقا، ويبقى المشهد دوامة مفرغة، وهذا أتقنته أمريكا وحصلت منه على نتائج إيجابية لصالحها ولو مرحليا، أهمها:
* إبقاء الأنظمة تحت سطوتها لأنها ضعيفة وغير منتخبة وكذلك تحتاج لإسناد مادي وعسكري، وهذا يعني أن أمريكا تمسك بزمام الأمور وتتحكم في الخريطة بعيارات ومقاسات تناسب مخطط الانقسام والفوضى وتمنع التطوير.
* إبقاء المعارضة تحت الاستنزاف بالحصار والقصف من جهة والاحتواء غير المباشر من جهة أخرى، وفتح متنفسات لها؛ إعلامية ودولية بمقاسات لا تمكنها من السيطرة على الحكم ولا من تقوية نفسها، بل إشغالها في إدارة مدنية لمناطق سيطرتها بكل مشاكلها، وبالتالي تنجح أمريكا في تفريغ غضب الشعوب داخليا، ما يعني دما ومذابح وصراعات وحروبا أهلية وهدرا للممتلكات ومنعا للتطوير، وإبقاء المعارضة بحاجة لمساعدة الأمريكي الذي يظهر كالمغيث. وهذه صورة متجسدة فيما ذُكر من نماذج الدول أعلاه؛ إما أمريكا مباشرة أو وكيل لها من دول المسرحية والمخطط أو الحصار والقصف، حتى أن دولا عربية تدخل وسيطا في حل النزاعات فتزيده دموية، وفي بعض المراحل تتنازع فيما بينها فقط إعلاميا وتعود علاقاتها أقوى من ذي قبل، دلالة على أنها وكيل أمريكا في الإدارات الذاتية.
الطوفان وأثره!
ولأن القضية الفلسطينية معقدة التركيب ومتعددة الشعارات العربية التي تغلفها، والمواقف الحقيقية والشكلية والماكرة والصامتة تلفها، بات لدى الفلسطيني مفترق طرق حساس وخطير..
أن يبقى الانقسام الفلسطيني، وتغذي طرفيه الفتنة الإعلامية والمنحة الأوروبية والقطرية وتتغير الوجوه وتبقى دموع التماسيح، لتنجح أمريكا في إبقاء حركة فتح مسيطرة على الضفة التي ينهشها الاستيطان رويدا رويدا، ويتم ابتزاز فتح بأخذ السلطة منها إن غيرت سلوكها الذي رسمته أمريكا واقعا، من حيث الرواتب والدعم والعضوية الدولية والقبول لها بالتزامن مع تخويفها الدائم من قدوم حماس. ومن جهة أخرى، إبقاء حماس مسيطرة على قطاع غزة المحاصر وإشغالها في حياة يومية واحتياجات الناس، وإدخال دول لها بحجة المساعد الحنون لتعزيز الانقسام وفتح طرق لها للعالم فقط لإطعام أهل غزة.
وفي كلتا الحالتين -في الضفة وغزة- وبقرار الأمريكي والوكلاء الذين يعملون لأجله؛ لا مصالحة بين الطرفين ولا تطوير لواقعهما ولا تحرير، وتطبيق لبنود دولية خاصة بها.
وهذا بالملخص يعني أن لا دولة فلسطينية وإنما إدارات ذاتية؛ منها ما هو معترف به دوليا لا يقوى على أن يرفع صوته في وجه مستوطن، ومنها ما هو مقاومة يتم شل فكرتها بالحصار وثقل الإدارة المدنية، وهي السياسة ذاتها في قصة السني والشيعي والمصري والأردني واليساري والإخواني، وهذا مخطط كبير اعتاشت عليه أمريكا التي أرادت أن تبقي المنطقة مضبوطة بتوقيتها.
هذا النموذج في فلسطين يتكرر في انقسام سياسي وجغرافي بعدة أشكال في اليمن وسوريا والسودان وليبيا، ويبدو أنهم يسعون لتطويره في مواقع أخرى بحيث ينجح المخطط في جعل كل الأوراق في جيب أمريكا أو تحت نارها، حيث تنشر قواعدها العسكرية في بلدان العرب.
كذلك أطلقت قنوات ناطقة بسياستها بالعربية، منها ما هو منبر الأنظمة ومنها ما هو منبر المعارضة والمظلومين، وكلا السياستين تصب في جعل الجميع ضمن مقاسات أمريكا وبرمجة العقل الجمعي للجمهور على ما تريده، فتصور تلك القنوات الصين وروسيا بأبشع روايات حول العادات والكراهية للإسلام والمحاربة والتخلف ونية الهيمنة، بينما تصور الأمريكي ذاك الوديع المساعد؛ لدرجة أن استغفال الجمهور وصل ببعض وسائل إعلام وكلاء أمريكا لأن تنشر صورة لصناديق مساعدات في طائرة بقاعدة العديد الأمريكية في قطر ويكتبون عليها "مساعدات إغاثة لغزة"، وكأن الجمهور لا يعرف أن الإبادة الحاصلة هي من الذخيرة التي تشحن من قواعد أمريكا في قطر والأردن والإمارات ومصر وغيرها.
جاء طوفان الأقصى فقلب الميزان وشوش الذهن الأمريكي الذي بدأ تشوشه مبكرا في ملف أوكرانيا وروسيا وقضية الصين، فجاء الطوفان فكشف المخطط وكشف معه عناصره وأدوات امريكا وإن لم يعلن عن ذلك:
* الطوفان كسر معادلة الاحتواء وتعزيز الانقسام التي أرادت أمريكا إبقاء الدول العربية عليها واستنزافها شعوبا ومقدرات وأحزابا، لتبقى "إسرائيل" آمنة ومصالح أمريكا متوسعة.
هز الطوفان هذا المخطط لأنه أحدث زلزالا في العالم شعبيا وسياسيا، فبات رفض ممارسات "إسرائيل" والاعتراف بفلسطين واجبا تقوم به الدول؛ بعد أن كان محرما بحجة وهم التسوية والمفاوضات التي كانت تروجها أمريكا لتغلف مخططها
* الطوفان رسالته وصلت بأن في فلسطين قرارا بالتحرير وليس التخدير أو التدوير للإدارات، وأعاد القضية الفلسطينية إلى مربع عملت أمريكا لعقود كي لا يكون، وهو المربع الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.
* كشف الطوفان أطرافا كانت تدعي أنها مناصرة للمعارضة إعلاميا وماليا، ليتبين أنها وكيل لا ينفذ إلا ما يقرره الأمريكي، حتى أن وزير خارجية أحد الوكلاء صرح بأن لا يدخل دولار لغزة ولا يفتح مكتب للمقاومة إلا بموافقة أمريكية إسرائيلية، والأهم من هذا كله أن هذه الأطراف المذكورة لم تقدم دعما سياسيا للمقاومة للتحرر والدولة المستقلة، ما يعني أن الاحتواء كان سيد الموقف.
* كشف الطوفان معارضة عربية للأنظمة منها ما هو متآمر على ثوراته قبل قضية فلسطين، ومنها من يرى حدود إنسانيته فقط في حدود "سايكس بيكو" ويوالي النظام بحجة المصلحة العليا، ومنها ما تم قمعه وما زال يعاني من السجون والذبح من جهة والاختراق من جهة أخرى، وضعف اتخاذ قرار مفصلي للخروج من دوامة الاحتواء والترويض من جهة ثالثة.
* كشف الطوفان أن من يدعم الإدارات الذاتية التي تقيمها الأنظمة ومن يعارضها إعلاميا وماليا في كثير من النماذج هو نفس المصدر وهو أمريكا، وهذا مخططها الذي يسعى لمنع المصالحة والتقدم والتحرر والديمقراطية في البلدان العربية وتحرير فلسطين.
* نسف الطوفان هذا المخطط؛ وأغرقت أمواجه المتصاعدة سفن عدوه، فوحدة الجبهات ألغت الطائفية وحدود "سايكس بيكو" ومقاسات وسقف أمريكا الذي مؤخرا يشار له بالوساطة وغيرها من مسميات التخدير.
* هز الطوفان هذا المخطط لأنه أحدث زلزالا في العالم شعبيا وسياسيا، فبات رفض ممارسات "إسرائيل" والاعتراف بفلسطين واجبا تقوم به الدول؛ بعد أن كان محرما بحجة وهم التسوية والمفاوضات التي كانت تروجها أمريكا لتغلف مخططها، فالمطالبة بحقوق الفلسطينيين ودولتهم باتت دون مقابل وابتزاز بل بإصرار وتصاعد، وهذا يعتبر ضربة مباشرة لمخطط الإدارات الذاتية وتشتيت الجهود.
* كسر الطوفان أهم مقومات مخطط أمريكا الذي كان يقوم على الردع الدبلوماسي والعسكري والإعلامي والنفسي لحماية "إسرائيل"، فهذا كله تكسر ويتكسر يوميا بطول أمد الحرب
* كسر الطوفان أهم مقومات مخطط أمريكا الذي كان يقوم على الردع الدبلوماسي والعسكري والإعلامي والنفسي لحماية "إسرائيل"، فهذا كله تكسر ويتكسر يوميا بطول أمد الحرب.
* أحدثت المقاومة الفلسطينية زلزالا لم يكن في غلاف غزة بل هناك في البيت الأبيض الذي نصب الكمائن لعقود من الزمن، وأشرف على المذابح والإبادات وموّل الانقسامات والفتن وشوّه كل شيء إلا سياسته.
* الطوفان أذاب الثلج وأبان المرج وكشف ويكشف وسيكشف الأقنعة، فأنهى زخرف القول ودموع التماسيح، والأقوى فيه أن قيادته تتصرف مدركة كل خطوة بهدوء سياسي وإبداع مقاومة ودهاء وعبقرية من اتخذ قرار نسف مخطط الانقسام الذي اعتاشت عليه أمريكا؛ ووظفت الوكلاء لتبقى "إسرائيل" واحة مستقلة في جغرافيا عربية ممزقة أشلاء.
كل شيء تغير ولن تعود عقارب الساعة للوراء.. فواضح أنه طوفان له مضمون يسعى وكلاء أمريكا أن يجعلوه جنونا غير موزون، وجولة بعدها "نبي هدوء" ليبقى الانقسام قدر الشعوب إن ثارت أو الذل واقعا إن أبقت على "عيال بايدن" حاكمين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الانقسام الفلسطيني امريكا امريكا فلسطين العالم العربي الانقسام طوفان الاقصي مدونات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الثورات العربیة من جهة أخرى منها ما هو أمریکا فی
إقرأ أيضاً:
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
بعد مفاوضات ماراثونية في باكو، خرج مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (كوب29) باتفاق تاريخي يتعهد بتقديم تمويل سنوي قدره 300 مليار دولار للدول النامية بحلول عام 2035.
لكن رغم ضخامة المبلغ، قوبل الاتفاق بانتقادات حادة من الدول النامية التي ترى فيه "خيانة" لتطلعاتها وحاجاتها الفعلية في مواجهة التغير المناخي.
تفاصيل الاتفاقويضع الاتفاق الجديد التزاما تاريخيا على عاتق الدول المتقدمة بتقديم 300 مليار دولار سنويا للدول النامية بحلول عام 2035، أي ما يمثل زيادة بثلاثة أضعاف عن الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار والذي تأخر تحقيقه لعامين.
ويأتي هذا الالتزام من جانب دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان ونيوزيلندا، تحت رعاية الأمم المتحدة، كجزء من إطار أوسع يقر بالحاجة إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويا لمساعدة الدول النامية في التصدي لتحديات التغير المناخي بحلول منتصف العقد المقبل.
وسيتم توجيه الأموال لمساعدة الدول النامية في التكيف مع الكوارث المناخية كالفيضانات وموجات الحر والجفاف، إضافة إلى تمويل مشاريع خضراء محددة تشمل زراعة الأشجار لامتصاص الكربون، واستبدال المركبات العاملة بالوقود التقليدي بأخرى كهربائية، والحد من استخدام الفحم والتحول للطاقات النظيفة.
وتنص الوثيقة على أن مساهمة الدول الغنية تأتي من أموالها العامة واستثمارات خاصة تجمعها أو تضمنها ومن "مصادر بديلة"، وهو ما يعني فرض ضرائب عالمية محتملة (على الثروات الكبيرة أو الطيران أو النقل البحري) ما زالت قيد الدراسة.
ويتضمن الاتفاق آلية جديدة أثارت جدلا واسعا، حيث يمكن للدول الغنية تحقيق أهدافها المناخية من خلال تمويل مشاريع خضراء في دول إفريقيا وآسيا.
وقد تم بالفعل توقيع 91 اتفاقا ثنائيا لـ141 مشروعا، معظمها من اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة. لكن هذه الآلية تواجه انتقادات من الخبراء الذين يخشون استخدامها كأداة للـ"الغسيل الأخضر"، حيث قد تتجنب الدول الغنية خفض انبعاثاتها فعليا مقابل تمويل مشاريع في دول أخرى.
قمة المناخ "كوب29".. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات اتفقت الدول الأحد على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقرا على مواجهة آثار تغير المناخ، وفقا لاتفاق صعب تم التوصل إليه في قمة مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ "كوب29" في باكو بأذربيجان.وتسعى البلدان إلى الحصول على التمويل لتحقيق هدف اتفاقية باريس للمناخ المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل عصر الصناعة، وهو المعدل الذي قد يؤدي تجاوزه إلى آثار مناخية كارثية.
ومن المتوقع أن يشهد العالم ارتفاعا في درجات الحرارة يصل إلى 3.1 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن، وفقا لتقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2024، مع استمرار ارتفاع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري واستخدام الوقود الأحفوري.
وتطالب الدول الغربية منذ أشهر بتوسيع لائحة الأمم المتحدة التي تعود إلى العام 1992، للدول المسؤولة عن تمويل المناخ، معتبرة أن الصين وسنغافورة ودول الخليج أصبحت أكثر ثراء منذ ذلك الحين.
لكن الصين وضعت خطا أحمر قائلة إن لا مجال للمس بهذه القائمة.
ويدعو اتفاق باكو الدول غير المتقدمة إلى تقديم مساهمات مالية لكن على أساس "طوعي"، وفق النص.
الخلافات والتحدياتوتطرقت القمة في جوهرها المسؤولية المالية للدول الصناعية، التي تسبب استخدامها التاريخي للوقود الأحفوري في الجزء الأكبر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لتعويض الآخرين عن الأضرار المتزايدة الناجمة عن تغير المناخ.
وكشفت عن انقسامات بين الحكومات الغنية المقيدة بموازنات محلية صارمة وبين الدول النامية، كما جعلت الإخفاقات السابقة في الوفاء بالتزامات التمويل المناخي الدول النامية متشككة في الوعود الجديدة.
وبعد انسحابها لفترة وجيزة من المشاورات واشتكائها من عدم الاستماع إليها أو استشارتها، اقتنعت الدول الـ45 الأقل تقدما ومجموعة الدول الجزرية الصغيرة التي تضم حوالى 40 بلدا، في نهاية المطاف بعدم عرقلة الاتفاق.
فقد أرادت أن يُخصَّص جزء من المساعدات المالية لها بشكل صريح، خلافا لرأي الدول الأفريقية ودول أميركا الجنوبية.
وتكمن إحدى النقاط الخلافية الرئيسية في طبيعة التمويل ومصادره؛ إذ أن جزءا كبير من المبلغ المتعهد به سيأتي من القطاع الخاص واستثمارات مستقبلية غير مؤكدة، مثل الضرائب المحتملة على الوقود الأحفوري ورحلات الطيران المتكررة.
ويثير الغموض في مصادر التمويل قلق الدول النامية، التي تخشى من الاعتماد المفرط على القروض بدلاً من المنح المباشرة، مما قد يزيد من أعباء ديونها.
وبرز دور الدول النفطية بشكل لافت في المفاوضات، خاصة السعودية التي عارضت بشدة أي إشارات قوية لخفض استخدام الوقود الأحفوري.
كما أثارت استضافة أذربيجان، وهي دولة نفطية، للمؤتمر انتقادات واسعة، خاصة مع الحضور الكثيف لممثلي صناعة النفط والغاز في المؤتمر.
وبعد التوافق حوله، تواجه تنفيذ الاتفاق تحديات عديدة، إذ أن تجربة هدف الـ100 مليار دولار السابق، الذي تأخر تحقيقه لعامين، تثير تساؤلات بشأن مصداقية الالتزامات الجديدة.
كما أن التأخير في تنفيذ الاتفاق حتى 2035 يتجاهل الحاجة الملحة للتمويل في مواجهة الكوارث المناخية المتزايدة، بحسب معارضي الالتزام الجديد.
الردود الدوليةوعبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن مشاعر متباينة حيال الاتفاق بشأن تمويل المناخ الذي تم التوصل إليه في أذربيجان فجر الأحد، حاضا الدول على اعتباره "أساسا" يمكن البناء عليه.
وقال غوتيريش "كنت آمل في التوصل إلى نتيجة أكثر طموحا... من أجل مواجهة التحدي الكبير الذي نواجهه"، داعيا "الحكومات إلى اعتبار هذا الاتفاق أساسا لمواصلة البناء" عليه.
وتابع: "هذا ليس كل ما أردناه نحن أو الآخرون، لكنها خطوة إلى الأمام لنا جميعا".
وأشاد الرئيس الأميركي، جو بايدن، السبت، باتفاق كوب29 باعتباره "خطوة مهمة" في مكافحة الاحترار المناخي، متعهدا بأن تواصل بلاده عملها رغم موقف خلفه دونالد ترامب المشكك بتغيّر المناخ.
وقال بايدن "قد يسعى البعض إلى إنكار ثورة الطاقة النظيفة الجارية في أميركا وحول العالم أو إلى تأخيرها" لكنّ "لا أحد يستطيع أن يعكس" هذا المسار.
كما نوه المفوض الأوروبي فوبكه هوكسترا الأحد بـ"بداية حقبة جديدة" للتمويل المناخي. وقال المفوض المسؤول عن مفاوضات المناخ "عملنا بجدّ معكم جميعا لضمان توفير مزيد من الأموال على الطاولة. نحن نضاعف هدف الـ100 مليار دولار ثلاث مرات، ونعتقد أن هذا الهدف طموح. إنه ضروري وواقعي وقابل للتحقيق".
من جهته رحب وزير الطاقة البريطاني، إد ميليباند، بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، واصفا إياه بأنه "اتفاق حاسم في اللحظة الأخيرة من أجل المناخ". وقال ميليباند وكانت الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي قد انسحبت في وقت سابق السبت من المشاورات مع رئاسة أذربيجان للمؤتمر، احتجاجا على مسودة اتفاق لا تفي بمطالبها للحصول على مساعدات مالية.
وأعلن سيدريك شوستر من ساموا باسم مجموعة الدول الجزرية (Aosis) برفقة ممثل أفقر 45 دولة في العالم "لقد غادرنا (...). نعتبر أنه لم يتم الإصغاء إلينا".
في المقابل، أعربت وزيرة الانتقال البيئي الفرنسية أنياس بانييه-روناشيه عن أسفها لأن الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأحد في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان "مخيب للآمال" و"ليس على مستوى التحديات".
وقالت الوزيرة في بيان، إنه على الرغم من حصول "الكثير من التقدّم"، بما في ذلك زيادة التمويل للبلدان الفقيرة المهددة بتغيّر المناخ إلى ثلاثة أضعاف، فإنّ "النص المتعلّق بالتمويل قد اعتُمِد في جوّ من الارتباك واعترض عليه عدد من الدول".
وقالت ممثلة الوفد الهندي شاندني راينا في الجلسة الختامية للقمة بعد دقائق من التوقيع على الاتفاق "يؤسفني أن أقول إن هذه الوثيقة ليست أكثر من مجرد خداع بصري. وفي رأينا لن تعالج ضخامة التحدي الذي نواجهه جميعا".
وأقر سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بأن المفاوضات الشاقة التي استمرت لمدة أسبوعين أدت إلى التوصل إلى الاتفاق، لكنه أشاد بالنتيجة باعتبارها بوليصة تأمين للإنسانية.
وأضاف "كانت رحلة صعبة، لكننا توصلنا إلى اتفاق. وسوف يعمل هذا الاتفاق على استمرار نمو طفرة الطاقة النظيفة وحماية مليارات الأرواح".
وتابع: "ولكن كما هو الحال مع أي بوليصة تأمين، فإن هذا التأمين لا يجدي إلا إذا تم دفع أقساط التأمين بالكامل، وفي الوقت المحدد".