الجزيرة:
2025-04-18@08:03:23 GMT

مركز تكوين وأصحابه.. ضجة سياسية مستمرة

تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT

مركز تكوين وأصحابه.. ضجة سياسية مستمرة

علمتني خبرة أكثر من ثلاثة عقود من متابعة الجدل حول القضايا الدينية/الثقافية -سواء داخل البلدان العربية أو على المستوى الدولي- أن أبحث عن السياسة الكامنة خلفها، ويرتبط بذلك تطور آخر برز على مدار العقد الماضي، وهو اندلاع صراع محتدم حول ما أطلق عليه "روح الإسلام"، وهي معركة تدور حول أنماط التدين التي يجب أن تسود داخل البلدان العربية ويجري تصديرها دولياً.

إن الترويج لما يسميه البعض "الإسلام المعتدل" -الذي يدور صراع في المنطقة حول من يمثله- عن طريق مأسسة وتنظيم المجال الديني؛ يعني الوصول إلى صورة عن الإسلام لا تمثل تهديداً للكيانات النافذة وبقائها ونمط تحالفاتها، وشبكات امتيازاتها المالية والدولية، (والجديد خدمة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني) وليس إسلاماً يعيد توزيع النفوذ والثروة في المجتمع -كي لا يكون دولة بين شبكات مصالح ضيقة- كما نصت سورة الحشر. ويضاف إلى ذلك إعادة تعريف العدو ليكون المقاومة -أيًا كان اسمها ورسمها- لا إسرائيل.

رؤيتي -إذن- هي أن الصراع حول أنماط التدين المتعددة والجدالات الدينية والثقافية المحتدمة؛ هو صراع سياسي بامتياز يتلبس بلبوس ديني ثقافي. بعبارة أكثر وضوحًا: السياسي اخترق الديني والثقافي ليعيد إنتاجهما على مقاسه: تعبيرًا عن مصالح من يقف وراءه، وما نشهده هو أزمات وصراعات سياسية ذات أبعاد دينية وثقافية تختبر أطرافها توازنات القوى والمصالح فيما بينها في ظل امتزاج شديد للمصالح بالمشاعر الدينية والثقافية.

مع غلبة السياسي -إذن- وتغوله يتم استدعاء الجميع على أرضيته، وهو ما يشعل خطوط التماس، ومن ثم فمن الضروري التمييز بين المستويات المتعددة -خاصة بين السياسي والديني/الثقافي مع إدراك أرضية السياسي التي يتحرك عليها الديني والثقافي.

ما هي أرضية السياسي -إذن- التي يتحرك عليها الجدل حول مؤسسة "تكوين لتجديد الفكر العربي" التي أعلن عنها عدد من المثقفين المصريين مؤخرا؟

أرضية السياسة في الجدل الحالي تدور حول عناصر ثلاثة:

أولاً: اشتعال الجدل الديني وتأميم السياسي:

ففي الوقت الذي يجري فيه التعامل مع النقاش السياسي وإعادة هيكلة الاقتصاد بسياسات نيوليبرالية شرسة بمنتهى الحزم؛ يلاحظ احتدام الجدل الديني والثقافي في موجات متصاعدة لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ أخرى.

صحيح أن احتدام الجدل الديني يعكس عجزا عن السيطرة الكاملة على المجال الديني برغم النجاح -إلى حد كبير- في التحكم في المجالين السياسي والاقتصادي؛ إلا أن هذا الجدل يستخدم أيضًا لخدمة مزيد من تصحير/إفراغ المجال السياسي؛ حين يصرف النقاش العام عن انكشاف العجز الرسمي أمام الإبادة الجماعية في فلسطين.

"الزيطة" -وهي كلمة عربية فصيحة تعني الجلبة والضوضاء- من التعبيرات العبقرية التي يستخدمها المصريون عندما يجدون شخصًا أو مجموعة تستفيد مما يحدث أيًا كان بأن تشارك في الزيطة فترفع من صوتها أو (تزيط) دون أن يكون لذلك أثر حقيقي فيما تزيط منه أو له.

يؤدي طغيان الديني على السياسي، والسياسي على الديني إلى إرباك الجميع، والأهم هو التغطية على أولويات الناس والقضايا؛ فالسقف المرتفع للجدل الديني لا يوازيه نفس السقف في السياسة، والجرأة على الدين لا تناظرها جرأة على انتقاد الحكام العرب في موقفهم مما يجري من توحش إسرائيلي.

ثانيا: الجدل الديني بين المحافظة والتجديد

في الجدل حول المسائل الدينية، يبرز نمطان من الخطابات الدينية:

الأول: يدفع بالتدين إلى مساحات الشأن الفردي الخاص بما يتطلبه ذلك من سيولة في تفسير النص المنزل، ويستخدم في أحد مداخله الانتقاء الجاهل من التراث والتعددية الفقهية -التي تعد أحد سمات الخبرة التاريخية الإسلامية- لا ليدفع بقيمة التعددية قدماً؛ ولكن لملء مساحات الفراغ الديني التي يُعاد تشكيلها الآن.
أظهر استطلاع الباروميتر العربي لعام 2022/2021 عودة إلى التدين بين المواطنين العرب. شهد المغرب انخفاضاً بنسبة 7% في عدد من وصفوا أنفسهم بأنهم "غير متدينين" بين كل الفئات العمرية، تليه مصر بانخفاض بنحو 6%، ثم تونس وفلسطين والأردن والسودان بانخفاض بنسبة 4%.

هذه العودة للتدين تقابلها أزمة هوية وتشظٍ في الخطابات الدينية دفعت بها عوامل كثيرة، وأظن -وبعض الظن ليس بإثم- أن "تكوين" بشخوصها ومن يقف وراءها يقع في القلب من هذا التوجه. الثاني: في مقابل هذا النمط الذي يستخدم الفقه والانتقاء من التراث لمزيد من السيولة الدينية؛ نجد نمطاً يتمركز حول غلبة القراءة التراثية للنص المنزل، وهو نمط يحركه الدور التاريخي الذي أنيط به وهو الحفاظ على التعاليم الإسلامية -كما يدركها.

أما لماذا يتشابه هذان النمطان من حيث طبيعة الموقف من مسائل التجديد، فهو ما نناقشه في النقطة التالية.

إن خطابات "الزيطة التنويرية" تستثير في المقابل مساحات المحافظة الدينية والاجتماعية، وهو ما تنبه إليه كثير من رموز التجديد الديني حين حرصوا على الجمع بين التجديد في بعض المسائل والقضايا وبين المحافظة على المنهج التراثي في النظر؛ وهي مدرسة بدأت تظهر في النصف الثاني من القرن العشرين ولكنها تبلورت في الربع الأخير منه.

ثالثا: "تكوين" والتطبيع.. تسييل الديني لإعادة تعريف العدو

هل يمكن فصل توقيت الإعلان عن تأسيس "تكوين" عن التطورات الجارية فيما يتعلق بالموقف من مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني وفق اتفاقات أبراهام ودعاوى الدين الإبراهيمي؟ جوهر هذا كله -بغض النظر عن التفاصيل- هو "إعادة تعريف العدو".

هذه العلاقة تتحقق -في تقديري- من زاويتين تنبه إليهما تقرير صادر في 2017 عن "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" -ذي التوجه الداعم لإسرائيل والمحافظين الجدد- بعنوان: "الاسترداد: سياسة ثقافية للشراكة العربية الإسرائيلية":

الملمح الأول: "يعلم الأشخاص الذين يدرسون المنطقة أن العمل الثقافي هو وظيفة أساسية للدول العربية. بالإضافة إلى دور وزارات الإعلام والتعليم والشؤون الإسلامية العربية في السعي إلى مواءمة الثقافة مع أجندة الدولة، فإن الجيوش العربية والكوادر الأمنية وأقسام المخابرات تشغل آلياتها القوية الخاصة بالغرس [الثقافي] -في السراء والضراء." -فهل يمكن أن تتحرك المبادرة بعيداً عن هذا التوجيه وفي هذا التوقيت؟
يضيف التقرير: "أنه على الرغم من اتساع المجال المعلوماتي العربي، إلا أنه يظل في الغالب سلطويًا في هيكله وتهيمن عليه في المقام الأول الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة" -وأضيف وإسرائيل الآن أيضاً.

الملمح الثاني: "ومن بين أكبر المؤسسات التعليمية والدينية في المنطقة، بدأ عدد قليل في تقديم أفكار تصحيحية للتحريض ضد اليهود… على سبيل المثال؛ حظيت بدايات محاولات تطهير محتوى الكتب المدرسية العربية من معاداة السامية باعتراف من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل -وفق التقرير."

تقدم بعض الأنظمة العربية مبادراتها المتعلقة بدور الدين في السياسة والحياة العامة على أنها دعوة للحداثة والتسامح بين الأديان ومحاربة التطرف، لكنها قد تكون في حقيقتها محاولة لبسط النفوذ وإحكام السيطرة على مجمل المجال الديني، وجميع المؤسسات الدينية، وفي نفس الوقت دمج النخب الثقافية أو قطاعات منهم في شبكات التحالفات السياسية والمالية -وطنياً وإقليمياً، ومع الرعاة الدوليين.

أختم بالإشارة إلى أن تسييل التعاليم الدينية من المسائل الصعبة، ولكنه حال تحققه يسهل إعادة تعريف العدو، وإعادة صياغة المجتمع والدولة وفق ما يراد؛ وهو ما يجري على قدم وساق في المنطقة من مداخل متعددة. التسييل مهمة مؤقتة غرضها احتلال المناطق المسيلة برؤى وتصورات النافذين بتحالفاتهم القديمة والجديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

"الشؤون الدينية" تضع اللمسات الأخيرة لخطة حج 1446 التشغيلية

وضعت رئاسة الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي اللمسات النهائية على خطتها التشغيلية لموسم حج 1446هـ، تمهيدًا للإعلان عنها قريبًا، بهدف إثراء تجربة الأعداد المليونية المتوقعة من ضيوف الرحمن.
وترأس الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس، رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي، الاجتماع التحضيري الذي عُقد عن بُعد بحضور وكلاء الرئاسة، وجرى خلاله مناقشة الأطر العامة للخطة التشغيلية، مع التأكيد على أهمية تعزيز مكامن القوة الإثرائية في الحرمين الشريفين، وتوسيع نطاق الخدمات الرقمية والتطبيقات الذكية، وزيادة أعداد الروبوتات التفاعلية والشاشات الرقمية المترجمة بعدة لغات، بما يدعم منظومة الإرشاد والتوجيه للحجاج.
أخبار متعلقة لجنة الحج تستعرض جاهزية المشاعر المقدسة ومشاريع التبريد والتشجيرمجلس الشورى يناقش رفع إسهامات القطاع غير الربحي في الناتج المحلي .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } منظومة متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن (واس)فخر واعتزاز
أوضح السديس أن نجاح موسم شهر رمضان المبارك لهذا العام يُعد مصدر فخر واعتزاز لأبناء المملكة، مشيدًا بالدعم الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة – حفظها الله – في تمكين ضيوف الرحمن من أداء مناسكهم في أجواء آمنة وميسرة.
وأكد أن ما تحقق خلال شهر رمضان من انسيابية وتكامل في الخدمات يمثل تجسيدًا لريادة المملكة الإسلامية، وعمقها الديني، ورسالتها الوسطية، مشيرًا إلى استمرار العمل على تطوير المنظومة التشغيلية بما يواكب التطلعات ويحقق التميز في إدارة الحشود.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } رجال الأمن.. أعين ساهرة لحماية ضيوف الرحمن - اليومنموذج عالمي
ثمّن السديس جهود العاملين في القطاعات الحكومية والمنظومة الأمنية المشاركة في خدمة الحجاج، مثنيًا على تفانيهم في أداء واجبهم الديني والوطني، ومؤكدًا أن المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في تنظيم المواسم الدينية، بفضل كوادرها الوطنية المتخصصة التي تسهم في تفويج الملايين وإدارة حركتهم وتنقلاتهم بين المشاعر دون عوائق، مستشعرين شرف خدمة حجاج بيت الله الحرام، وحرص القيادة على راحة ضيوف الرحمن

مقالات مشابهة

  • إحصاء 16 ألف وقف للشؤون الدينية
  • التمويل السياسي والشفافية
  • الاِسلام السياسي وجدلية التأويل
  • قوة الوعي الديني اليمني تطيح بقوة السلاح والسياسة الأمريكية ..
  • ثلاثة تحديات في مسابقة «حفيت للمواهب الدينية»
  • ذكرى ميلاد الشيخ الشعراوي.. أبرز محطات في رحلة إمام الدعاة حتى تصدره المشهد الديني
  • أصل العنف الديني في المنطقة هم جماعة الإخوان.. لميس الحديدي تعلق على ضبط خلايا إخوانية في الأردن
  • "الشؤون الدينية" تضع اللمسات الأخيرة لخطة حج 1446 التشغيلية
  • الدولة والسلفيات الدينية والمذهبية
  • كيف نتأكد من مصدر المعلومة الدينية؟.. السيد عبد الباري يجيب