شهدت الأيام القليلة الماضية من التطورات المتعلقة بالإبادة الجماعية الشاملة التي تشنّها إسرائيل بدعم أميركي في قطاع غزة منذ 8 أشهر، قد يكون لها تأثير على سير الأحداث في الأيام القادمة، وعلى تغيير -أو تأجيل- سيناريو (الانتصار الكامل) الذي استعرضناه في مقالنا السابق، والذي يمثل في حال نجاحه المخرج المثالي للحليفين -إسرائيل وأميركا- من المأزق السياسي الذي يمرّان به حالياً، بالقضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى والمختطفين.
التطورات الأخيرة ربما تجبر نتنياهو وحكومته، على القبول بالرؤية الأميركية للتغلب على الأزمة بالعمل العسكري والسياسي معاً، للقضاء على حماس واستعادة الأسرى، وقد يساعد ذلك على الخروج المؤقت من المأزق، ولكنه لا يعني إيقافا دائما للحرب وإنهاء الأزمة.
تطورات مفاجئةاستعرضنا في مقالنا السابق السيناريوهات الثلاثة المحتملة للتحرك الإسرائيلي في مواجهة تعقيدات الموقف الراهن، وهي:
مواصلة الحرب لتحقيق الانتصار الكامل على حركة "حماس" أو تحقيق الانتصار الجزئي أو مواصلة الحرب من أجل تحسين شروط التفاوضتلك هي الاحتمالات إذا لم تحدث تطورات مفاجئة تعدّل من مسار هذه السيناريوهات، التي تم تحديدها بناء على أبرز الأسس التي تحكم الموقف الإسرائيلي والأميركي، بكل ما يحيط به من تعقيدات، وما يواجهه زعيما التحالف -بنيامين نتنياهو وجو بايدن- من حرج يهدد مستقبلهما السياسي ومستقبل حزبيهما.
تتلخص أبرز التطورات التي شهدتها أزمة الحرب على حماس فيما يأتي:
أولاً: مشروع أميركي جديد لإيقاف الحربزار مستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان، إسرائيل يوم الأحد ١٩ مايو/ آيار الجاري، حاملاً مشروعاً جديداً لتعجيل الخروج من المأزق والاتفاق على الهدنة واستعادة الأسرى، قبل أن تحتدم المنافسة في انتخابات الرئاسة الأميركية في نهاية هذا العام، ويقوم هذا المشروع على إغراء نتنياهو بجملة مكاسب سياسية وأمنية تشجعه على قبول الهدنة ووقف إطلاق النار، وتتضمن هذه المكاسب المزيد من اتفاقات التطبيع، وتشكيل غلاف أمني مع دول المنطقة ضد إيران، يضمن أمن إسرائيل، والتزامات باستثمار مليارات الدولارات في غزة تحت إشراف إسرائيل، وإطلاق سراح الأسرى، وإنهاء الحرب، إضافة إلى اتفاق سياسي مع حزب الله يعيد الاستقرار والأمن إلى شمال دولة الاحتلال.
وفي مقابل تلك المكاسب طلبت الولايات المتحدة من حكومة نتنياهو الموافقة على: إيقاف الحرب على غزة، والاتفاق على إطلاق الأسرى، والقبول بإدارة غزة بعد الحرب بواسطة إدارة فلسطينية مدنية بالتعاون مع دول المنطقة.
وبرغم موافقة المعارضة والرئيس الإسرائيلي على هذا المشروع، إلا أن نتنياهو وحكومته اليمينية رفضوا المشروع، وشدّدوا على عدم استعجالهم المزيد من اتفاقات التطبيع قبل القضاء على حماس واستعادة الأسرى.
ثانياً: قرارات عدلية دولية ضد إسرائيللم تمض أيام على مشروع سوليفان، حتى طلب المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ورئيس أركانه، أعقبها بعد أربعة أيام صدور قرار محكمة العدل الدولية بإيقاف الحرب في غزة وفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، ما زاد من حجم الحرج الذي يواجه إسرائيل وحكومتها على الصعيد الدولي رسمياً وشعبياً، حتى بين الدول الغربية الداعمة لها.
ثالثاً: دول أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينيةتزامن ذلك أيضا مع اعتراف ثلاث دول أوروبية الكامل بدولة فلسطين هي إسبانيا والنرويج وإيرلندا، وباشرت إجراءات الاعتراف لتكتمل قبل نهاية شهر مايو/ آيار الجاري ٢٠٢٤م، ودعت دول الاتحاد الأوروبي لتحذو حذوها.
رابعاً: مفاجأة عودة نتنياهو إلى المفاوضاترفض نتنياهو المشروع الذي جاء به مستشار الأمن القومي الأميركي، وضرب بعرض الحائط القرارات العدلية الدولية مطمئناً إلى أنها ستتحطم على صخرة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وندد بالدول الأوروبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، وواصل عملياته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، في شمال القطاع وجنوبه، والتي باءت جميعها بالفشل، ما ضاعف السخط الدولي ضده، وضاعف من ضغوط المعارضة والاحتجاجات الشعبية في الشارع الإسرائيلي المطالبين بعقد صفقة عاجلة لاستعادة الأسرى.
ويبدو أن هذه التطورات مجتمعة؛ كانت وراء الموقف المفاجئ الذي صدر عن مجلس الحرب الإسرائيلي بالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس للتوصل إلى هدنة لاستعادة الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية.
ورغم أن نتنياهو رفض إعطاء الوفد المفاوض صلاحيات واسعة، إلا أن التطورات التي تضغط عليه بشدة، ربما تجبره على القبول بالرؤية الأميركية للخروج من المأزق عسكرياً وسياسياً. ويساعد هذا القبول المحتمل على الخروج المؤقت من المآزق الراهنة، ولكنه حتماً لا يعني السير باتجاه إيقاف دائم للحرب وإنهاء الأزمة.
الوصول إلى الهدنة المؤقتة لن يكون الفصل الأخير في هذه الحرب، وعلى حماس أن تستعد جيداً للمراحل التالية، التي قد يغلب عليها الطابع السياسي، ما لم تحدث متغيرات تعيد كرة النار إلى المربع الأول.
مأزق الهدنة المؤقتة!حركة حماس وكتائب المقاومة الفلسطينية تواجه هي الأخرى تحديات صعبة، تتمثل في الجوانب التالية:
الحاجة إلى إيقاف حرب الإبادة الجماعية التي استباحت كل شبر في غزة. الحاجة إلى تخفيف معاناة المواطنين في القطاع. الحاجة إلى عدم تكرار مأساة مدينتي غزة وخانيونس في مدينة رفح. حاجة المقاومين إلى التقاط الأنفاس، وعلاج الجرحى، وإعادة التموضع اللوجستي. الحاجة إلى قطع الطريق على المخططات الإسرائيلية والأميركية والإقليمية الخاصة بقطاع غزة ما بعد الحرب. الالتفات إلى أولويات العمل الوطني مع بقية القوى الفلسطينية للتعامل مع مرحلة ما بعد الحرب.هذه الجوانب الرئيسية تدعو حركة حماس وكتائب المقاومة إلى القبول بمبدأ التفاوض على هدنة إنسانية لا تنص صراحة على الإيقاف الدائم لإطلاق النار، بقدر ما تشدد على إطلاق الأسرى، وذلك مع أطراف تعلن صراحة في كل المحافل عزمها على القضاء على حركة حماس، عسكريا، وسياسيا واجتماعيا، وأنها لا مكان لها في قطاع غزة بعد الحرب. وهو ما يجعل الهدنة ذاتها تحديا خطيرا للمقاومة.
ولكن، وأمام صعوبة المواجهة العسكرية، وضعف المواقف العربية والإسلامية، قد تجد حماس نفسها مدفوعة للقبول بهذا التحدي، معتمدة على المرتكزات الخمسة التالية:
إيمان راسخ بالحق الوطني والواجب الديني يستوجب بذل النفس والنفيس لاستعادته. يقين لا يتزعزع بنصر الله. شجاعة باسلة لأفراد المقاومة وإقبال على الشهادة. صمود شعبي حاضن للمقاومة رغم كل ما يواجهه من معاناة. إيقاع مزيد من القتلى والجرحى والأسرى في صفوف قوات جيش الاحتلال.وهي المرتكزات التي حافظت إلى الآن على صلابة المقاومة، ومنعت التحالف الإسرائيلي الأميركي من تحقيق أهدافه المعلنة لهذه الحرب.
ومع ذلك فإن اجتياز هذا التحدي ليس نهاية المطاف، ولا الفصل الأخير في هذه الحرب، وعلى حماس أن تستعد جيداً للمراحل التالية التي قد يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من العسكري، ما لم تحدث متغيرات جديدة تعيد كرة النار إلى المربع الأول.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحاجة إلى حرکة حماس بعد الحرب من المأزق على حماس
إقرأ أيضاً:
“حماس”: تصريحات نتنياهو تكريس لنهج “الإبادة الجماعية”
الثورة نت/..
قالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إن رئيس الوزراء في حكومة العدو بنيامين نتنياهو يتحدث عن الهولوكوست (محرقة راح ضحيتها يهود خلال الحرب العالمية الثانية -بحسب الإعلام العبري-)، بينما يُحرق الفلسطينيون أحياء في غزة بمحرقة العصر الحديث”.
وأضافت في بيان مساء اليوم الخميس، إن “من يتباكون على ضحايا النازية صاروا سادة الإبادة في عصرنا الحديث”.
وأكدت أن “غزة اليوم “أوشفيتز” (معسكر اعتقال) القرن الـ21، والرماد فلسطيني، والفاعل صهيوني، والعالم يصمت”.
وأشارت إلى أن “تصريحات نتنياهو تكريس لنهج الإبادة الجماعية وتبرير مفضوح لجرائم الحرب”.
ونوّهت إلى أن “مقاومة المشروع الصهيوني الإبادي واجب إنساني وأخلاقي على العالم الحر”.
وكانت “حماس” قد طالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية في بيان آخر، بتحمّل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، واتخاذ موقف عملي وفاعل لوقف هذا العدوان المتواصل على القطاع.
كما دعت إلى “محاسبة العدو على جرائمه، والعمل على كسر الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، وضمان إدخال المستلزمات الطبية والمواد الإغاثية والاحتياجات الأساسية للحياة”.
وكان العدو قد استأنف فجر 18 مارس 2025، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 يناير الماضي، إلا أن العدو خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.
وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب قوات العدو منذ 7 أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.